التالي

بحث سادس

الإعجاز في الشريعة

سنفرد فصلا للإعجاز في الشريعة . نقدم له هنا بكلمة في الشريعة كهدى سماوي .

يقول عبد الكريم الخطيب(1) ، معلقا على قول ابن خلدون : "واعلم أن أعظم المعجزات وأشرفها وأوضحها دلالة القرآن الكريم ... لاتحاد الدليل والمدلول عليه" ؛ "ومعنى هذا الذي يقوله ابن خلدون أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل الى الناس أمرًا واحدًا فقط هو الشريعة ، وفي الشريعة نفسها المعجزة التي تشهد له بأنه رسول الله الصادق في ما يقول عن الله" . وفاته وأمثاله تصريح القرآن : "يريد الله ليبيّن لكم ويهديكم سُنَن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم" (النساء 26) . فالهدى في التشريع القرآني هو هداية الى شريعة الكتاب وسنن أهله . ويعطينا مثلا صريحا في تشريع الصيام : "يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم ، لعلّكم تتّقون" (البقرة 183) ، فمن تقواهم في توبتهم من الشرك أن يصوموا مثل أهل الكتاب : فالشريعة واحدة .

وقد يقول قائل : هل شريعة الزواج في القرآن مثل الكتاب ، التوراة أو الانجيل ؟ نجيب : إنه يهديهم الى "سنن الذين من قبلكم" . كان الطلاق وتعدد الزوجات مباحًا في التوراة على اطلاقه . لكن بتأثير المسيحية جعل التلمود عدد الزوجات مقصورا على أربع

ــــــــــــــــــــــــ

(1) اعجاز القرآن 80:1 – 81

معا . فوقف النصارى من بني اسرائيل على هذا الشرع التلمودي ، كأمّة وسط بين التوراة والانجيل ، في إقامتهم للتوراة والانجيل معًا . فنزل القرآن على ما يقول "أولو العلم قائمًا بالقسط" : "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع . فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة ، أو ما ملكت أيمانكم ، ذلك أدنى ألاّ تعولوا" (النساء 3) .

إن القرآن في الهدى والشريعة " يقتدي " بأمر الله بهدى "الذين آتيناهم الكتاب والحكم (الحكمة) والنبوة" (الانعام 89 – 90) ، أي النصارى من بني اسرائيل ، الذين بإقامة "الكتاب والحكمة – التوراة والانجيل" معًا كانوا أمة وسطًا بين اليهودية والمسيحية ، في العقيدة والشريعة والصوفية والدين والاسلام كله . وشرع يهتدي بسُنن أولي العلم المقسطين من أهل الكتاب ، ليس هداه من الإعجاز في الشريعة . إنما الاعجاز التشريعي في "إمامه" .

التالي