بحث ثامن
تشريع يشوبه متشابه ويعوزه تفسيرللقرآن أسلوب مطّرد في بيانه ، وهو التعميم في معرض التخصيص ، والتخصيص في معرض التعميم . ومن أساليبه اطلاق الحكم مع قيده باستثناء أو سواه . ومن أساليبه اصدار الحكم عن الخاص الى العام مستمر التلقين ، لمن كان بمنزلة الشخص المعين . وقد تصدر الأحكام فيه على " رتبة متوسطة ، دون السبب (المخصُوص) ، وفوق التجرّد " ؛ فتلك ثلاثة أنواع . وقد يأتي الحكم العام تاليا للخاص في الرسم متراخيا عنه في النزول . لذلك قال بعضهم : لا يصح تفسير الكتاب إلا بعد معرفة "أسباب النزول" . ومعرفة (اسباب النزول) لها فوائد (1) : "منها معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم . ومنها تخصيص الحكم به ، عند مَن يرى أن العبرة بخصوص السبب . ومنها أن اللفظ قد يكون عاما ويقوم الدليل على تخصيصه ، فإذا عُرف السبب قصر التخصيص على ــــــــــــــــــــــــ (1) الاتقان 21:2 (2) السيوطي : الاتقان 29:1 – 30 ما عدا صورته . ومنها الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال . قال الواحدي : لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها . وقال ابن دقيق العيد : بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن . وقال ابن تميمة : معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية ، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبِّب ... ومنها دفع توهم الحصر . ومنها معرفة اسم النازل فيه الآية ، وتعيين المبهم فيها . واختلف أهل الأصول : هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب " . ومن الأحكام المتشابهة التي لا يُعرف حدّها إلاّ بسبب نزولها مثل قوله : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناح فيما طعموا" فظنها بعضهم مبيحة لشرب الخمر ، وهي مقصورة على أناس قُتلوا في سبيل الله قبل تحريمها ؛ ومثل قوله : "فأينما تولوا فثِمَّ وجه الله" ، فمدلول اللفظ يقتضي أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا ، وهو خلاف الاجماع ، فلمّا عُرف سبب نزولها عُلِمَ أنها في نافلة السفر أو فيمن صلّى بالاجتهاد وبان له الخطأ ، على اختلاف الروايات ؛ ومثل قوله : "إن الصفا والمروة من شعائر الله" فإن ظاهر لفظها لا يقتضي أن السعي فرض ، وقد ذهب بعضهم الى عدم فريضته تمسكا بذلك ؛ ولكن سبب نزولها يدل على فرضها ، وهو أن الصحابة تأثّموا من السعي بينهما لأنه من عمل الجاهلية ، فنزلت ... وهكذا يظهر على كثير من أحكام القرآن تشابه لا يُرفع إلاّ بغيره من القرائن القرآنية أو من (اسباب النزول) . وتشريع يشوبه تشابه في لفظه هل هو من الاعجاز في التشريع ؟ |