ما هو الوحي ؟ ما هي الأدلة على ضرورة الوحي ؟ . كلمة الوحي تدل على أنه تم ، بشكل ما ، اتصال بين طرفين بواسطة وسيط أو وسيلة ما . وهذه العملية تتم في إطار زمني معين ، ومحدد . ومن هنا تقوم الديانة المسيحية ، والتي يقدمها لنا الكتاب المقدس ، على أساس من الوحي التاريخي ، الأمر الذي يضعه في مكانة خاصة بين باقي الأديان . فبعض الأديان لا تلجأ إلى الوحي إطلاقاً كالبوذية التي تبدأ من نقطة قيام بشرية محضة ، هي إلهام الحكيم بوذا . وتقدم بعض الأديان الأخرى تعاليمها كوحي سماوي ، إلا أنها تنسب أمر تسلمها إلى مؤسس أسطوري أو خرافي كـ "هرمس تريسميجستو " الذي تنسب إليه مجموعة التعاليم الدينية والفلسفية السرية . على العكس من ذلك ، يبدو الوحي في الكتاب المقدس أنه حقيقة تاريخية يمكننا التحقق منها ، بمعرفتنا وسطاءه الذين حُفظت لنا أقوالهم ، سواء المباشرة أو عن طريق تراث راسخ . ويشترك القرآن ، فيما يبدو ، في التمتع بمثل هذه الصفات . إنه بغض النظر عن العلامات التي تؤكد حقيقة وحي الكتاب المقدس ، نراه لا يستند على تعليم مؤسس واحد بعينه ، بل ينمو نمواً مطرداً خلال خمسة عشر أو عشرين قرناً ، قبل أن يصل إلى ملئه في ظهور السيد المسيح ، له كل المجد ، الذي هو صاحب هذا الوحي الأساسي . فالإيمان إذن بالنسبة إلى المسيحي يعني قبول هذا الوحي الذي يصل إلى البشر محمولاً على أجنحة التاريخ : وإذا ما رجعنا إلى "الأب فاضل سيداروس اليسوعي "نجده محاولاً إيجاد تصور للوصول إلى تعريفه وتفهمه حيث يقول . " بوسعنا أن نستعين بالكلام البشري الذي يوضح لنا معنى الكلام الإلهي أو كلمة الله : للكلمة البشرية ، من منظور شخصاني وجودي دينامي ، أربعة أقطاب. أنها نداء من شخص يبادر بالكلام . ولنسمه " أنا " 1 . أنها موجهة إلى شخص آخر ، فتطلب تجاوباً منه . ولنسمه " أنت " 2 . لها مضمون موضوعي ، يريد " انا " توصيله إلى " أنت " ، فهو إعلام 3 لها هدف ذاتي ، ألا وهو تشييد علاقة بين " أنا " و " أنت " ." 4 : وإذا ما حاولنا أن نطبق ذلك على الوحي ، أي كلام الله ، وجدنا العناصر الأربعة كالآتي . ½ الله يبادر أولاً ، إذ يخاطب الإنسان . وهو ما يبين تاريخية الوحي . إذ نجد أن مبادرة الله بدأت بخلق الإنسان ، وتستمر بنهاية العالم بالمجيئ الثاني للسيد المسيح في " اليوم الآخر " ¾ الله يعلن للإنسان ، من هو الله ومن هو الإنسان ، وهو من خلال ذلك يبغي ( الله ) أن يشيد علاقة محبة بينه وبين الإنسان . وهو مضمون هذا الوحي ، والذي جسده الله لنا في شخص ابنه يسوع المسيح " الوحي المتجسد " ، فـ " الكلمة صار جسداً ، وحل بيننا .. " لذا فالوحي هو إعلان لطيف ، خفيف ، من الله نفسه ( المحبة ) للإنسان ( المحبوب ) ، بما يتناسب وقدرات هذا الإنسان من ملكات وقدرات . وهو أيضاً متدرج ، بما يتناسب والنمو المعرفي لهذا الإنسان . لذا نجد بأن الوحي التوراتي ، هو وحي الله عن نفسه ، وكشف عن ذاته من خلال دخوله في التاريخ البشري ، من خلال عائلة لديها القدر المناسب لتلقي هذا الوحي ، فمن هنا نعرف قيمة إختيار الله للأنبياء ، والرسل . . كما نجد في هذا التاريخ المقدس التدرج الإعلاني ، مع ثبات الوصية ، لا تكذب ، لا تحلف ، لا تقتل ، لا...لا... وهي التي تبين لنا ، بل وتؤكد على ضرورة الوحي الإلهي ولكن رب سائل يسألأول الصفحة : نقول لسائل هذا السؤال ، تتبرهن ضرورة الوحي مما يأتي . - أن كل واحد يشعر بالإحتياج إليه ، ويعرف أن في أصل الإنسان وطبيعته وآخرته والخطية وكيفية غفرانها ، وغلبتها مسائل لا مشاكل يقدر أن يعرفها ، ويحلها من تلقاء نفسه ، مع أن معرفتها وحلها ضروريان لأجل السعادة والطهارة . - يستلزم ما تقدم أن الإنسان إذا لم يقدر أن يجعل نفسه صالحاً وسعيداً في هذا العالم ، لا يقدر بدون الوحي أن يتأكد صيرورته كذلك في العالم الآتي ، ولا سيما وهو يعلم أن الموت باب وراءه دار مجهولة وظلام مدلهم . - إذا سلمنا بأن للفلاسفة قدرة على حل تلك المشاكل ، وإراحة أفكارهم ، فهذا لا يجدي نفعاً للغير ، بل يبقى سائر الناس في إضطراب الفكر ، وحالة اليأس وشهادة الفلاسفة في كل الأجيال ، سواء سلموا بذلك أم لا ، تبين عدم قدرتهم على حل تلك المشاكل العظيمة من جهة الله ، والنفس ، والخطية ، والخلاص ، والحياة الأبدية . ومن أقوال الذين عاشوا قبل مجئ السيد المسيح ، التي تؤيد ذلك قول سولون ، أن قصد الآلهة مكتوم تماماً عن البشر . وقول فيريسيديس عن مضمون مؤلفاته وهو أن ليس فيها شئ أكيد ، أو ما ارتضى به ، لأنه ليس لي معرفة الحق . وقول سقراط ، أن كل معرفة صحيحة عن الآلهة ، هي من الآلهة ، وقد مات ذلك الفليلسوف معترفاً بجهله ما يكون المستقبل . وقول أفلاطون ، ليس لنا أن نعرف الحقائق إلا من الآلهة ، أو من أنبياء الآلهة ن وليس وسيلة لنعرف إرادة الآلهة إلا بنبي يعلنها لنا . وأيضاً قوله ، أن عقل الإنسان يحتاج إلى الإنارة الإلهية لفهم ما يتعلق بالله كما تحتاج العين إلى نور الشمس لترى الموجودات . وقول شيشرون ، أن كل الأشياء محاطة بظلمة دامسة تسترها ، حتى لا تقدر قوة عقلية أن تكشفها . وقوله أيضاً عن سقراط ، ورفاقه من الفلاسفة ، أنهم إلتزموا أن يعترفوا بجهالتهم ، ويسلموا أن لا شئ يعرف ويفهم ، ويدرس تماماً . وقول فارو ، ( وهو من مشاهير علماء الرومان في القرن الذي قبل مجئ المسيح ) جواباً لسؤال بعضهم له ، ما هو الخير الأعظم ، إن الفلاسفة اختلفوا في ذلك ، وقدموا فيه ثلاث مائة وعشرين رأياً . وفي مدينة أثينا مركز الفلسفة الوثنية الشهير ، وجد في عهد بولس مذبح لإله مجهول ( راجع سفر أعمال الرسل الإصحاح 17 ) . ومنذ مجئ السيد المسيح ، إلى الآن ، مازالت الأدلة على عجز العقل البشري في حل المسائل الأدبية والدينية تزداد قوزة ، ويصح في هذا الباب قول هيوم ، الملحد الشهير ، أن الديانة في كل أبوابها ، لغز ، وسر لا يحل ، وجل ما نحصل عليه من أدق البحث عن هذا الموضوع ، هو الشك ، وعدم التأكيد ، والتوقف عن الحكم . ويماثله قول الرسول بولس ، أن العالم لم يعرف الله بالحكمة ، وما جاء في سفر أيوب ، إلى عمق الله تتصل ، أم إلى نهاية الهاوية تنتهي ، هو أعلى من السموات ، فماذا عساك أن تفعل ؟ أعمق من الهاوية ، فماذا تدري ؟ أطول من الأرض طوله ، وأعرض من البحر .. أما الرجل ففارغ ، عديم الفهم ، وكجحش الفرا يولد الإنسان ( أيوب 11 : 7 – 12 ) . - عدم إمكان البشر أن يعرفوا الله بالحكمة أو بواسطة نور الطبيعة معرفة كافية . فيتضح من التاريخ ، والكتاب المقدس أن جميع الأمم الوثنية ، من المتقدمين والمتأخرين ، متمدينين كانوا أو متوحشين ، حاولوا جداً حل تلك المشاكل المهمة بواسطة نورهم الطبيعي ، ولم يقدروا . - إختلاف الذين يرفضون إرشاد الوحي ، مع أن أنواره تجلي الظلمات ، في أجوبة تلك المسائل ، وما نشأ عن آرائهم من نقض الطهارة العائلية ، وتكدير الراحة السياسية ، والسعادة الشخصية . فلم ينشأ عن إرشاد نور العقل إلا إقتياد من اتخذه محجة الهدى إلى حال لا غلو في تسميتها جهنم الأرضية . فيلزم عما تقدم أن الوحي ضروري للإنسان : وقديماً بحث أوغسطينوس ، اللاهوتي الشهير ، في هذا الموضوع في كتابه المسمى " مدينة الله " ، ومن جملة الأدلة التي أوردها لبيان إحتياجنا إلى الوحي ، ما يلي . - إن طبيعة الإنسان الدينية تحتاج إلى إعلان من الله ، كاف لسد حاجاتها في حالتها الساقطة . - إن حاسيات الإنسان الدينية تطلب المعونة الروحية والإرشاد إلى الحق . - إن إستعداد البشر على الدوام لإستقبال إعلانات إلهية ، يشهد لتوقعهم إياها ، وإحتياجهم إليها . - إن الديانة الكاملة لا تقوم بمجرد نظر البشر إلى الله وتقديم العبادة له ، بل بنظر الله أيضاً إلى البشر ، وإعلان نفسه لهم ليكون الإقتراب بين الله والبشر متبادلاً ، ولاسيما لأن الإنسان يحتاج إلى إقتراب الله إليه أكثر جداً مما يحتاج الله إلى إقتراب البشر إليه ، وينبغي أن الله يخاطب البشر قبل أن يخاطبوه هم . - أن ليس بين آراء البشر الفلسفية ، أو إعتقادهم الدينية الوثنية ، ما يغنينا عن الوحي مطلقاً ، بل بالعكس ، الوحي قد أغنانا عن كل آراء البشر ، في شأن الديانة ، وكفى كل ما نحتاج إليه من التعليم ، والإرشاد مدة أجيال عديدةأول الصفحة غالباً ما يكون هذا سؤال الذهنية الإسلامية ، الذي يرتبط بـ " أليس الله بقادر على أن يوحي رسالته مباشرة إلى نبي ينقل بعد ذلك تلك الرسالة إلى البشرية نقلاً دقيقاً ؟ وبهذه الطريقة لا تعود الجماعات الدينية مرتبطة بالدراسات والأبحاث النقدية للتوصل إلى معرفة ما يريده الله ، بل يحمل إليها النبي الرسالة بوضوح ولا يبقى للبشرية سوى أن تختار بين قبولها وطاعتها ، وبين رفضها .
وفي هذا الموقف من الوحي الإلهي يقوم أحد الاختلافات الأساسية بين الإسلام والمسيحية . ففي نظر المسلمين ، لا يشير القرآن إلى أي عمل سواه أو أي عمل يتعداه من أعمال الوحي الإلهي . القرآن هو وحي الله ، الوحي بالذات ؛ ورسالته بواضح العبارة ونهائي الشكل ، كاملة . القرآن لا يبتغي الوصول بالمؤمنين إلى اختبار الوحي الإلهي في ما هو أبعد منه .
أما نظرة المسيحيين إلى الكتاب المقدس ، فهي على خلاف ذلك . وهم يرون أنه لم يتم وحي الله الأكمل في كتاب ، بل في إنسان . يؤمن المسيحيون بأن المسيح هو الذي يكشف عن الله ويعبر على أكمل وجه ، في حياته وشخصه ، عما يريد الله قوله للبشر . وعليه فهم يرون أن الكتاب المقدس يشير دوماً إلى ما هو أبعد منه ، وأنه يبغي دوماً تنشئة إيماننا بالمسيح وبما يقوله الله للبشرية بواسطته وفيه . والذين كتبوا العهد الجديد كانوا أناساً حاولوا أن يبلغوا معنى اختبارهم ليسوع الذي عاش وتألم ومات وأقامه الله من الأموات . وبالتالي فهذه الشهادة البشرية هي من مقومات وأسس الكتب المقدسة المسيحية .
وهذه المقولة تقودنا إلى فرق آخر بين النظرتين الالمسيحية والإسلامية إلى الوحي . فالمسيحيون لا يكتفون بالقول أن الله يوحي إلى البشر رسالته ، بل يقولون أيضاً أن الله يوحي ذاته في تاريخ البشر ، وأسفار الكتاب المقدس تعلن هذا الوحي الذاتي وتفسره . . الله يوحي من هو وأي إله هو ، بصفاته وخواصه ؛ يوحي وصاياه الخلقية ، ويوحي خاصة رغبته في الخلاص ، لا بل يمكن القول إن الكتاب المقدس بمجمله هو تاريخ الله الذي يوحي ذاته مخلصاً
صفحات أخرى ذات صلة بالموضوع
لماذا يقول المسلمون بتحريف الكتاب المقدس؟
الرجوع إلى قائمة " ركن الأسئلة المشهورة"