. يقول المسلمين بتحريف الكتاب المقدس ، لسبب عدم وجود اسم " محمد " أو " أحمد " فيه ، وهو ما ادعى وجوده القرآن

أول الصفحة

. هل تصدم لو قلت لك بأن القرآن لا يتهم المسيحيين بهذه التهمة ، إذ خص بها اليهود فقط ! قد يذكر القرآن لليهود ، ولليهود وحدهم " تحريفاً " في الكتاب . وسندرس هنا معناه ومداه . لكنه لا ينسب للنصارى ، وبالتالي للإنجيل ، أية شبهة من التحريف
. وشبهة التحريف عند اليهود تأتي في المدينة ، ولا ذكر لها في القرآن المكي ؛ فهي من زمن الصراع بين محمد واليهود في العهد المدني الأول ، لأن تصفية اليهود من المدينة كانت قد تمت في مطلع العهدالثاني بالمدينة
أول الصفحة
: النصوص التي تحمل تهمة التحريف هي
سورة البقرة : " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون . وأمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وإياي فاتقون . ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتمون الحق بالباطل وأنتم تعلمون . أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ، أفلا تعقلون " ( 4. – 44 )
. سورة البقرة : " أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون . وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ! وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : اتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون ؟ فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون : هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ! فويل لهم مما كتبت أيديهم ! وويل لهم مما يكسبون ! " ( 75 – 79 )
سورة البقرة :" ......أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ؟.... " ( 85 )
سورة البقرة :" ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين . بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده . فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين . وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله ، قالوا : نؤمن بما أنزل علينا ، ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم .... " ( 89 – 91 )
سورة البقرة :" ولما جاءهم رسول من عند الله مصدقاً لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب ، كتاب الله ، وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلو الشياطين " ( 101 )
سورة البقرة :" الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم . وأن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " ( 146 )
سورة البقرة : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً ، أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار .... ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق . وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد" ( 174 و 176 ) .
سورة البقرة : " كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه . وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جآءتهم البينات بغياً بينهم . فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه " ( 213 )
: سورة الأنعام : وهي مكية ؛ فيها آية مدنية في المعنى نفسه
" وما قد روا الله حق قدره إذ قالوا : ما أنزل الله على بشر من شئ ! قل : من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ؟ قل : الله ! ثم ذرهم في خوضهم يلعبون " ( 91)
" أفغير الله ابتغى حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً . والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين " ( 114)
سورة آل عمران : " ألم تر إلى الذين اوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون " ( 23 )
سورة آل عمران : " ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم . وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون . يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ! يا أهل الكتاب لم تُلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ! . وقالت طائفة من أهل الكتاب " آمنوا بالذي أنزل على الذين أمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون . ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم " ( 69 – 73 )
سورة آل عمران : " وان منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب ، وما هو من الكتاب . ويقولون هو من عند الله ، وما هو من عند الله . ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " ( 87 )
سورة آل عمران : " قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ، والله شهيد على ما تعملون ! قل : يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن ، تبغونها عوجاً وأنتم شهداء ، وما الله بغافل عما تعملون . يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين " ( 98 – 99 )
. سورة آل عمران : " ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم . وتؤمنون بالكتاب كله . وإذا لقوكم قالوا آمنا . وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ " ( 119 )
. سورة آل عمران : " وإذا أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ! ولا تكتمونه ! فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً ! فبئس ما يشترون " ( 187 )
. سورة آل عمران : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً . أولئك لهم أجرهم عند ربهم " ( 199 )
. سورة النساء : " ألم تر إلى الذين اوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل ... من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون : سمعنا وعصينا ! واسمع غير مسمع وراعنا ؛ لياً بألسنتهم وطعناً في الدين ، ولو أنهم قالوا : سمعنا وأطعنا ، واسمع وانظرنا لكان خيراً وأقوم . ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا" ( 44 , 46)
سورة النساء :" يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها ، أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا " ( 47 )
. سورة المائدة : " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل .... فيما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية . يحرفون الكلم عن مواضعه . ونسوا حظاً مما ذكروا به . ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنيين " ( 12-13 )
. سورة المائدة : " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير . قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين " ( 15 )
. سورة المائدة : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يُسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم . ومن الذين هادوا سماعون للكذب ، سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه ، يقولون إن اوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا... " ( 41 )
. سورة المائدة : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤاً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار ، أولياء ... وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزؤاً ولعباً " ( 57 و 58 )
تلك كانت مجموعة النصوص القرآنية التي وردت فيها تهمة التحريف والكتمان والإخفاء واللي والكذب والهزء وإلباس الحق بالباطل . فما معنى هذه التهمة الخطيرة ؟ وما قصد القرآن بإسناده إليهم التحريف ؟
أول الصفحة
تأخذ شبهة التحريف في القرآن ثلاثة أشكال :
. كتمان بعض الكتاب عن الناس
. اللي بالألسن طعناً في الدين
. تحريف الكلم عن مواضعه
ومن مجموعة النصوص القرآنية التي وردت فيها تهمة التحريف والكتمان والإخفاء واللي والكذب والهزء وإلباس الحق بالباطل . كل هذا يقودنا إلى السؤال ؛ ما معنى هذه التهمة الخطيرة ؟ وما قصد القرآن بإسناده إليهم التحريف ؟
: ملاحظات عامة .. هامة
. لا حظ أنها تهمة واحدة من الأول إلى الآخر ، ولو تنوع التعبير عنها .لذلك لا يجوز تفسير تلك الآيات مجزأة ، بل يجب أن يفسر بعضها بعضاً وإلا مسخ المعنى 1
. لقد أوردنا الآيات بحسب ترتيب نزولها فيبدو من ذلك أن تهمة التحريف ما وردت إلا في السور المدنية فقط ، ولا ذكر لها مطلقاً في السور المكية . وإذا وجدت بعض آيات في السور المكية كما في سورة الأنعام مثلاً فالمصاحف تدل على أن هذه الآيات مدنيات أُقحمت في السور المكية لغاية نجهلها . ومن ثم فلو كانت تهمة التحريف قديمة لوجدنا لها أثراً في حياة النبي المكية حيث نرى محمداً يستشهد بالكتاب المقدس وبمن عنده " علم الكتاب " على صحة قرآنه .. أيجوز أن يستشهد بمحرفين وبكتاب محرف ؟ ( سورة الشعراء 197 ) 2
. لاشك أنك لاحظت أيضاً أن النزاع قائم منذ البداية وحتى النهاية ( المائدة : 85) بين محمد واليهود ؛ فلا ذكر هناك مطلقاً لنزاع بين النصارى ومحمد .. وإن قال مرة واحدة أنهم غير راضين عن تغيير القبلة وافتراقه عنهم ( البقرة : 121 ) ؛ ولا هو يتهمهم بالكفر والتحريف ( مائدة : 15 ) . فتهمة التحريف إذن – مهما كان معناها – لا يلصقهاالقرآن بالمسيحيين ولا بإنجيلهم ، إنما يوجه التهمة دائماً إلى اليهود وحدهم ، بل إلى فريق منهم : " وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه " ( البقرة : 75 ) ، و " نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم " ( البقرة : 101 ) ، و " إن فريقاً منهم ليكتمون الحق " ( البقرة : 146 ) ، و " تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً " ( أنعام : 91 ) .. فتهمة التحريف والكتمان إذن تقع على التوراة من قوم موسى . وكل أهل الكتاب المقصودين بالتحريف ومقاومة النبي في آل عمران هم اليهود وحدهم ( 23 و 69 – 73 و 78 و 98 ) بدليل أنه يستثني منهم رهبان المسيح وملته (113 ) . وكذلك في سورة النساء :" الذين اوتوا نصيباً من الكتاب هم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه " ( 44 ) . والتمييز في سورة المائدة بين اليهود والنصارى ، في شأن هذه التهمة ، أصرح :" ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ... يحرفون الكلم عن مواضعه " ( المائدة : 13 – 14 ) ، " ومن الذين هادوا يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ( المائدة : 44 ) ز فالتهمة تعني صراحة قوماً من اليهود لا جميعهم ، وهم الذين كانوا يقاومونه ويتآمرون عليه بأقوالهم وأعمالهم 3
فلا أثر إذن البتة لهذه التهمة بحق النصارىوإنجيلهم . إنه يذكر النصارى مرتين بقوله : " لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " ( البقرة : 121 ) وقوله : " ومن الذين قالوا انا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به " ( المائدة : 15 ) ، وهذا القول لا يمت من قريب أو بعيد إلى تهمة التحريف التي يذكرها قبله ( الآية 14 ) وبعده (الآية 44 ) بحق فريق من اليهود . ولئن هو أضاف في المائدة ، بعد ذكر اليهود والنصارى (الآية 14 و 15 ) ، تهمة الإخفاء من الكتاب المقدس (الآية 16 ) فلا يقصد إلا قوماً من اليهود فقط لأنه لا يخص النصارى بمثل هذه التهم على الإطلاق ، ثم لأن سياق الحديث لا يزال عن تغيير الرجم بالجلد (الآية 14 ) وإخفاء نص الرجم عن الناس ( الآية 16 ) كما ذكرت أسباب نزول هذه الآية .
. ويستثني القرآن النصارى ، وبخاصة رهبانهم ن من مقاومة النبي الجديد من أول القرآن إلى آخره ، في سورة التوبة . ويصرح بهذا الاستثناء حيث يذكر تهم المقاومة والتحريف والكتمان والعداوة في سورة آل عمران : 113 ، والمائدة : 85
. إن تهمة التحريف بحق فريق من اليهود تقتصر على آية أو آيتين لا غير : الأولى في حد الزنى بحسب التوراة ، هل هو رجم أم جلد ؛ ومدار الجدال وتغيير الكلم عن مواضعه في ( سورةالمائدة : 14 و 44 ) هو عليه . قال الزمخشري في تفسيره : " روي أن شريفاً من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان ، وحدهما الرجم في التوراة ، فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطاً منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله عن ذلك وقالوا : إن أمركم محمد بالجلد والتحميم فاقبلوا وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا . وارسلوا الزانيين معهم فأمرهم بالرجم . فأبوا أن يأخذوا به ، فجعل بينه وبينهم حكماً ابن صوريا من فدك ، فشهد بالرجم وشهد للنبي : إنك رسول الله النبي الأمي العربي الذي بشر به المرسلون "! وعليه المحدثون ، والمفسرون بالإجماع في تفسيرهم ( المائدة : 14 و 44 ) ، وعليه أسباب النزول كلها ( السيوطي ، تفسير الجلالين ) . والثانية ؛ في صفة ونعت " النبي " الذي يذكره موسى في توراته ، كان أهل مكة والمدينة يسمعون هذا الوصف قبل مبعث محمد . فلما بُعث ظنوا أن الوصف يعنيه . وقام بينهم وبين اليهود جدل كبير حول ذلك . وكان محمد يؤكد أنه هو هو " النبي الآتي " ويطالب اليهود بإظهار نص التوراة في وصف النبي المذكور فيحاولون كتمانه وإخفاءه ، وإذا اضطروا لووا ألسنتهم في التلاوة ليميلوا الألفاظ إلى غير معنى . ولا نجد في القرآن والأحاديث والتفاسير غير هاتين الآيتين يقصدهما القرآن عندما يتكلم على تحريف أو كتمان يجريه بعض اليهود على بعض ما في التوراة 4
: النصوص الصريحة
: لقد حددنا الفاعل والمفعول في تهمة التحريف التي يذكرها القرآن عند أهل الكتاب . والآن ؛ فما هو معنى تلك التهمة ؟ لنراجع النصوص الواردة ، حيث نجد أن الصريح منها أربعة
! النص الأول من سورة البقرة : " أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه " ( البقرة : 75 ). يذكر المفسرون ، ومنهم الزمخشري والبيضاوي ، أن السامعين كلام الله والمحرفين " طائفة من آسلافهم ( أسلاف اليهود ) ؛ وقيل هؤلاء من السبعين المختارين سمعوا كلام الله حين كلم موسى بالطور ثم قالوا سمعنا الله يقول في آخره : إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا ، وإن شئتم فلا تفعلوا . والمعنى أن أحبار هؤلاء ومقدميهم كانوا على هذه الحالة فما بالك بسفلتهم وجهالتهم اليوم "
. فالنص يعني بعض معاصري موسى ، ويعني أنهم يتاولون كلام الله على هواهم لا التغيير في النص النازل على موسى والذي سجله في التوراة . وما كان لهم أن يفعلوا ذلك بحضوره ، وما كان لهم إليه سبيل مع وجوده
والقرآن صريح : أن هؤلاء القوم " يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه " أي فهموه بعقولهم ولم يبق لهم فيه ريبة . وهذا لا يعني تغييراً في النص بل التأويل المغرض ، ولا يقصد به اليهود والتوراة في زمان محمد بل التوراة واليهود في ايام موسى .
. وهب أنه يقصد به توراة زمانه فالآية التالية ( 75 و 76 ) تفسر التحريف بالكتمان " وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ؟" يحاول فريق منهم أن يكتم على المسلمين " نعت النبي " في التوراة ، فيحدثهم به الفريق الثاني الموالي للمسلمين ؛ فيختصم الفريقان اليهوديان حول البوح بسر الكتاب إلى قوم محمد . وهذا دليل قاطع على أن لفظة " يحرفونه " لا تدل على تغيير النص بل على " تفسيره بما يشتهون " كما ارتأى البيضاوي . ومما يزيد الدليل وضوحاً وقوة الخصام الناشب بين الطرفين . ولا يمكن مع الخصام التواطؤ على تغيير النص لأنه لو اعتزم على التغيير فريق لتصدى الفريق الآخر الموالي للمسلمين وأطلع هؤلاء على النص الحقيقي ومعناه الراهن ، فالنص إذن لم يُمس
. والنصوص الأخرى من سورة البقرة تبين أن التحريف المذكور هو الكتمان ، أي كتمان نص التوراة أو كتمان معناه . إنهم يكتمون الحق ( الآية 42 ) أي نعت النبي في التوراة ؛ ويؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ( الآية 85 ) أي لا يعلمون به ؛ ويؤمنون بما أنزل عليهم ويكفرون بما وراءه ( الآية 9.) أي بالقرآن ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم لما عرفوا أنه يشهد لمحمد ( الآية 101 ) . فكل محاولاتهم إذن تعني كتمان حقيقة الكتاب على المسلمين :" وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " ( الآية 146 ) ، " يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً " ( الآية 175 ) . ومع ذلك فإن هناك فريقاً آخر ، هم الراسخون في العلم منهم " يتلون الكتاب حق تلاوته " ( الآية 121 ) ويظهرونه للمسلمين بالقرآن
. وهكذا لا يوجد أي أثر في سورة البقرة للقول بتغيير وتبديل في نص التوراة ، بل هناك شهادة صريحة بأن الراسخين في العلم منهم " يتلون الكتاب حق تلاوته " أي " يقروؤنه كما أنزل " ( الجلالان )
. النص الثاني من سورة النساء : " من الذين هادوا يحرفون الكلم عن بعض مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا . واسمع غير مُسمع ! وراعنا ! لياً بألسنتهم وطعناً في الدين ! " ( الآية 45 ) . ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن هنا هو هذا السؤال : ما المحرف في هذه الآية .. أهو كلام التوراة أم كلام القرآن ومحمد ؟! وإنا لنجزم في يقين أن التحريف يقع على كلام القرآن أو النبي لا على كلام التوراة ، بدليل قوله قبل تلك الآية " يريدون أن تضلوا السبيل " ( الآية 43 و 44 ) ؛ وفيها " لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً منهم " ( الآية 45 ) ؛ فلا يعقل أن يكفر اليهود بتوراتهم ، بل قد يجوز أنهم فسروها على هواهم ، ولا سيما وأنه قد وصف حال تحريفهم الكلم عن مواضعه بقوله :" ويقولون : سمعنا وعصينا ! واسمع غير مُسمع ! وراعنا ! ليا! بألسنتهم وطعناً في الدين ! " ( الآية 45 ) وهي صفات أربع تشف عن تهكم لاذع وطعن في الدين .. ولا يعقل أن تكون من اليهود بحق كتابهم ودينهم ! بل أنها في كتاب لا يدينون به ، وفي نبي لا يؤمنون برسالته ، لهذا السبب يلعنهم لكفرهم وقلة إيمانهم ( الآية 45 ) . وقد يكون المقصود كلام محمد لا كلام القرآن نفسه
. وهب أن " التحريف " المقصود يُسند إلى التوراة ، فهو لا يعني ضرورة تغيير النص بل يفيد أيضاً تفسير المعنى بوحي الهوى .. إنه يقول " يحرفون الكلم عن مواضعه " التي وضعه الله فيها ، أي عن معانيه ، لا عن ألفاظه . وقد جمع البيضاوي مجمل التفاسير لهذه الآية بقوله :" اي من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم اي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها بإزالته عنها وإثبات غيره فيها ؛ أو يؤولونه على ما يشتهون فيُميلونه عما أنزل الله فيه " فالتحريف على رأيهم يتناول التغيير في اللفظ أو التغيير في المعنى ؛ إذن ليس هناك ما يقول حتماً بتغيير اللفظ . ونستغرب منهم موقفهم المغرض إذ يقولون بتغيير اللفظ مع أن الآية صريحة في وصفها التحريف بأربع صفاتلا يمكن إرجاعها إلى اللفظ بل غلى المعنى :" ويقولون : سمعنا وعصينا ! واسمع غير مُسمع ! وراعنا ! ليا! بألسنتهم وطعناً في الدين ! " ( الآية 45) . وهب أيضاً أن قوماً من الذين هادوا قد فسقوا وكفروا حتى " يلوون ألسنتهم " في توراتهم " ويطعنون في دينهم " ذاته ، فكيف يسكت عنهم الراسخون في العلم منهم الذين " يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ؟! ( الآية 162 )
. فالآية إذن لا يُقصد بها التوراة ، ولا يقصد بها تغيير لفظي في النص المذكور
. النص الثالث من سورة المائدة :" ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل .... فيما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ، يحرفون الكلم عن مواضعه . ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً " ( الآية 14 ) .هذا النص يقع في مقطع واحد لا يتجزأ ( 13- 21 ) ، وهو حمله على اليهود بني إسرائيل ( الآية 13 ) لنقضهم الميثاق الذي عاهدهم الله فيه على الإيمان برسله وتعزيزهم ( الآية 17 ) ؛ ولا يذكر النصارى فيه إلا عرضاً ( الآية 15 ) ليذكرهم بميثاقهم ، ولا ينسب إليهم فيه تحريفاً ولا مؤامرة على النبي
. وأما أسباب نزول هذه الآية (14 ) والتي بعدها ( 44 ) فهي تعديل اليهود حد الزنى من الرجم إلى التحميم والجلد ، كما ذكر السيوطي والزمخشري . فتحريف الكلم عن مواضعه يعني إذن هذا التأويل لا غير
. وإذا أمعنا النظر في دقائق النص نرى أن الله لعن اليهود بسبب نقضهم ميثاقهم الذي عهد الله فيه إليهم بافيمان بالرسل ومناصرتهم ( الآية 13 ) ، ومنهم محمد ، فقست قلوبهم وباتت لا تلين لقبول الإيمان ، بل مضت تحاول تأويل الميثاق والميل به عن معناه بحسب أهوائهم ؛ وقد نسوا حظاً مما ذكروا به على لسان الأنبياء بوجوب الإيمان بالنبي الآتي ؛ فجاء محمد على فترة من الرسل يبين لهم ام نسوه ( الآية 21 ) ويبين لهم الكثير مما كانوا يخفون من الكتاب ( الآية 16 ) . فتحريف الكلم من ثم مقصور على نقض الميثاق وتناسي ذكر الأنبياء ، وإخفاء أشياء من الكتاب على الناس
فالتعبير " يحرفون الكلم عن مواضعه" يفسره ما قبله وما بعده من هذا المقطع كله ( 13 – 21 ) . لقد أخذ الله على اليهود العهد بأن يؤمنوا برسله ( الآية 13) ، فنقضوا العهد ولم يؤمنوا بيحيى ولا بعيسى ولا بمحمد ؛ ووجدوا في أنبيائهم نعت " النبي الآتي " فلما ظهر محمد كتموه وفسروه بمعنى آخر فغيروا الكلم عن مواضعه أي معانيه . فهم لم يغيروا النص الأصلي بل " نقضوا ميثاقهم " وأهملوا العمل بما جاء في " ذكرهم " من نعت " النبي " وضرورة قبول نبوته ؛ ودسائسهم على النبي العربي لا تنتهي " فلا تزال تطلع على خائنة منهم " . بيد أن جميع محاولاتهم هذه قد باءت بالفشل لأن الرسول " يبين لهم كثيراً مما كانوا يخفون من الكتاب " ( الآية 16 ) . وهذه الآية ( 16) الناطقة بالإخفاء والكتمان تفسر الآية 14 عن التحريف . فالتحريف المذكور إذن لا يُقصد به سوى كتمان النص أو كتمان معناه على الناس ، لا غير .
. النص الرابع من سورة المائدة أيضاً : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ز ومن الذين هادوا سماعون للكذب ، سماعون لقوم آخرين لم يأتوك ، يحرفون الكلم من بعد مواضعه ، يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاذروا . ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً . أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم " ( الآية 45 )
. يعزى الله لرسوله عن كفر المنافقين من المشركين الذين آمنوا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم ، وهؤلاء المنافقون من اليهود ؛ ونفاق اليهود يقوم على " تحريف الكلم من بعد مواضعه " في حادثة معينة يذكر من ظروفها .. سماع قوم منهم لكذب قوم آخرين ، وتحريضهم لهم :" إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " . وأجمع المحدثون والمفسرون أن الحادثة المذكورة ترجع إلى تفسير اليهود لآية الرجم في التوراة بالجلد . فالتحريف المنصوص عنه ههنا في القرآن يُقصد به آية واحدة بعينها . وهذا التحريف يفسره النص ذاته بتغيير المعنى لا بتغيير اللفظ حيث يقول : " يحرفون الكلم من بعد مواضعه ، يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " فالتحريف إذن إنحراف في المعنى لا تبديل في اللفظ
. ومما يدعم قولنا أن " تحريف الكلم من بعد مواضعه " يراد به تأويل آية الرجم لا تغيير لفظها ، هو ما نُعت به اليهود في قوله :" سماعون للكذب ، سماعون لقوم آخرين " فالكذب على الكتاب هو تبديل معنى لا تغيير لفظ وتحريف مبنى
. وإذا اقتصرنا على التعبير بحد ذاته " يحرفون الكلم من بعد مواضعه " فصيغة التعبير نفسها " من بعد مواضعه " تعني تحريف المعنى لا تغيير الألفاظ . وقد لخص البيضاوي مجمل التفاسير السابقة بقوله :" يحرفون الكلم من بعد مواضعه ، أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها إما لفظاً بإهماله أو تغيير وضعه ، وإما معنى بحمله على غير المراد وإجرائه في غير مورده " . وكلاهما لا يعني تبديل ألفاظ في النص بألفاظ غيرها ، فيقع التحريف بالمعنى الحصري
. والمقطع كله " سماعون للكذب ... يحرفون الكلم من بعد مواضعه ... يقولون : إن اوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " قبل ذكره التحريف ومعه وبعده لا يُقصد به سوى حمل الكلم ، المقصود بسؤالهم ، على غير المراد منه وإجرائه في غير مورده فليس هناك دليل على تبديل ألفاظ غيرها
. وقد لاحظت ، ولا شك ، إن محاولة التحريف المعنوي المذكور قام بها قوم " من الذين هادوا " ( "من " التبعيضية ) ، لا جميع اليهود معاً . والتحريف من جانب أفراد لمعنى آية يستحيل أن يتواطأ عليه الجميع ولا سيما إذا كانوا على اختلاف كما هم عليه إذ نراهم يختصمون إلى النبي ويستفتونه فينتصر للتفسير الحق . فليس من هذا القبيل أيضاً خوف على تحريف وتغيير في لفظ التوراة
. ويختم هذا المقطع بذكر عداوة اليهود ومودة النصارى للمسلمين ( الآية 85 ) ؛ وفيه حصر آخر لفاعل التحريف ومعناه ومرماه . فيكون مما تقدم أن تهمة التحريف تنحصر في تغيير نفر من اليهود لمعنى آية واحدة لا غير
فقل بربك ، بربك ، ألا ترى تلك التهمة الخطيرة المدوية أنها مجرد قرقعة ! وهل يستحق تغيير نفر من اليهود لمعنى آية الرجم بالجلد كل هذه الضجة الصاخبة ، واتهامهم اليهود تعسفاً بتحريف الكتاب اجمالاً ؟! " وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون " ! ( الآية 41 )
: تهم غير صريحة
. وهناك تُهم غير صريحة بمجموعها معنى التحريف المذكور في القرآن . أنهم يتهم اليهود بالكفر بالوحي الجديد مع أنه مصدق لما معهم ( البقرة : 41 ، 89 و آل عمران : 69 ) . ويتهمهم أنهم يُلبسون حقيقة معنى الكتاب بباطل تفسيرهم : " ولا تلبسوا الحق بالباطل " ( البقرة : 41 ، آل عمران : 61 )
. ويتهمهم أكثر الأوقات بكتمان معنى الكتاب عن الناس " لا تلبسوا الحق بالباطل ، وتكتموا الحق وأنتم تعلمون " البقرة : 41 ) ، أو كتمان نص بعض الآيات :" يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " إذ " تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً " ( الأنعام : 91 ) بيد أنه " يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب " ( المائدة : 16 )
. يتهمهم بلي ألسنتهم في تلاوة الكتاب " لتحسبوه من الكتاب " ( آل عمران : 78 ) وفي قراءة القرآن " لياً بألسنتهم وطعناً في الدين " ( النساء : 45 )
. يتهمهم بالإعراض عن التوراة عند تحكيمها .. فإذا استشهد محمد بالتوراة " نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون " ( البقرة : 101 ) و " يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون " ( آل عمران : 23 )
. يتهمهم بإخفاء الكتاب عن الناس لمآربهم وقد أمرهم الله أن يبينوه لهم " لتبيننه للناس ! ولا تكتمونه ! فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً " ( آل عمران : 187 )
. يتهمهم بنقض المياق الذي عقده معهم باتباع رسله والإيمان بالرسول الأعظم الذي يختمهم فنقضوا العهد ( المائدة : 13 )
. يتهمهم بالتظاهر بالإيمان مع إضمار الكفر وهذا هو النفاق :" وغذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ " ( آل عمران : 119 ) ، وينافقون دائماً :" آمنوا بالذي أنول على الذين آمنوا وجه النهار وكفروا آخره لعلهم يرجعون " ( آل عمران : 72 )
. فكل هذه التهم ترجع في جوهرها إلى موقف واحد .. كتمان بعض اليهود لبعض آيات التوراة ، كتمان نص الآية أو كتمان معناها الحقيقي كي لا يستشهد بها محمد وقومه :" اتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ، أفلا تعقلون ؟" ( البقرة : 76 ) ؛ كانوا يخفون معنى بعض الآيات بشتى محاولات التأويل الباطل والتفسير العاطل ، وهذا كله ليس من التحريف الحقيقي في شئ لأن التحريف بمعناه الحصري هو تغيير النص بنص آخر غيره
! وهذا التحريف اللفظي كان مستحيلاً بشهادة القرآن نفسه إذ عنى تلميحاً وتصريحاً ، كما رأينا ، التحريف المعنوي لا اللفظي لبعض الآيات . وقد أظهر النبي " كثيراً مما كانوا يخفون من الكتاب " ( المائدة : 16 ) خاصة ىية الرجم ( مائدة : 44 ) ، وآية نعت محمد ( المائدة : 14 ) . فلا مجال بعده للخوف من خطر التحريف ؛ فضلاً عن أن القرآن قد جاء مصدقاً للكتاب ومهيمناً عليه فلا يمكن أن يشهد للتحريف ؛ ويشهد أيضاً أن المحاولة بإفساد بعض معاني الكتاب كانت فاشلة فضحها الموالون للنبي والمسلمين :" زإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً " ( آل عمران : 169 ) ، ولا سيما وأن من هذا الفريق الكتابي رجالاً راسخين في العلم : " والراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أننزل من قبلك " ( النساء : 162 ) ، وكانوا يتلون الكتاب حق تلاوته :" الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ، أولئك يؤمنون به " بالكتاب والقرآن ( البقرة : 121 ) . فكيف يمكن أن يسمح ذلك النفر الصالح من الراسخين في العلم ، يؤيدهم محمد بقوته وقوة المسلمين ، أن يمس خصومهم نص التوراة عابثين محرفين ؟! إن محاولة الخصوم فاشلة من كل الوجوه
أول الصفحة
. إن قراءة ممعنة هادئة لنصوص القرآن لتؤكد باستحالة التحريف " كتابياً " ، موضوعياً . وإذا ارتقينا إلى جو أوسع وأعم اتضحت لنا استحالة التحريف من كل الوجوه
: يستحيل التحريف تاريخياً
. إن تهمةالتحريف لا تستند أبداً عند المسلمين إلى فاعل أو مفعول بعينه ، ولا إلى زمان ومكان معين . فإذا سألت : من المحرف : أهم اليهود أم النصارى أم الإثنان معاً ؟ الأقدمون منهمأم المحدثون ؟ أهم العرب أم الأجانب ؟ ما أحاروا جواباً ! .. وإذا استوضحت عما هو محرف : الكتاب كله ، أم جله ،أم بعضه ؟ ما نبسوا قط ببنت شفة ! .. يظنون أنالتحريف واقع في الآيات التي تنبأت عن محمد ؛ ولكن ما هي ؟ ومن يعرفها ؟ ومهما يككن من أمر فإن إثبات تهمة التحريف تاريخياً تقتضي إظهار النص الأصلي والنص المحرف ، ثم مقابلتهما بالآخر : فأين الأول وأين الآخر ؟
: يستحيل التحريف فلسفياً
. من المسلمات البديهية أنه لا يجتمع الإيمان بشئ والكفر به على صعيد واحد وفي آن واحد ؛ فلا يمكن من ثم أن يؤمن اليهود بكتابهم ويحرفونه ! لا يمكن أن يؤمن النصارى بإنجيلهم ويغيرونه ! لا يمكن أن يؤمن المسلمون بقرآنهم ويبدلونه ! وهب أن نفراً فاسقاً قصد ذلك فلا يعقل أن يكفر جميع المؤمنين معاً حتى يفعلوا بكتابهم ما يفعلون . وإذا ما قله فاسدة حاولت التحريف تصدت لها الكثرة الصالحة وأبطلت محاولتها
: يستحيل التحريف اجتماعياً
من اليقين الثابت أن الإنجيل والتوراة كانا قد انتشرا قبل مجئ محمد في كل زمان ومكان إنتشاراً عظيماً جداً حتى أُسميا " الكتاب " وسُمي اليهود والنصارى " أهل الكتاب " فهو علم معُلم على جميع الكتب المبثوثة في العالم ، وأصحابه معروفون به ، كما يظهر ذلك من القرآن نفسه الأمر الذي يجعل محاولة التحريف شيئاً مستحيلاً إذ لا يمكن أن يتواطأ جميع الناس من كل الأمم والألسنة والأجناس على جمع كل النسخ وكل النشرات وكل الترجمات ويحرفون كلام الله وما يكون من بقية باقية تنتصر للوحي الكريم وتبعث صرخة الاعتراض مدوية . وإذا ضيقنا رقعة الزمان والمكان لتصل إلى زمن نزول التوراة أو الإنجيل نرى أنهما نزلا على مسمع ومشهد من أمة بكاملها ، ونقلا بالسماع قبل أن ينقلا بالكتابة . وقد لخص الرازي الرأي العام الصحيح بقوله : " إن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى فيه تغيير اللفظ " .
: يستحيل التحريف منطقياً
! لقد اختلف اليهود شيعاً متضاربة واختلف النصارى فرقاً متحاربة ، واختلف المسلمون بدعاً متباغضة . وقد قال في ذلك حديث شريف :" افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتي وسبعين فرقة ، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " ! ومع ذلك فالكتاب واحد بنصه عند الجميع كل يقر هذا النص بلفظه ، وكل يؤيد رأيه بما يشتق من هذا النص ومن آيه ! فهل يمكن التحريف والكل عين على خصمه ؟
: يستحيل التحريف أثرياً
. قبل محمد بمئات السنين كان كتاب اليهود وبخاصة كتاب النصارى قد فسروا في كتابهم آيات الكتاب بأحمعها حتى لو ضاع لجمعوه من تلك النصوص المبثوثة . ونقدر اليوم أن نتحقق كل ذلك ونقارن بين الأصل والاقتباسات . أفمن المعقول أن تتلاشى من الوجود كل هذه الكت والمنشورات والنسخ في جميع الأمم والبلدان حتى يمكن التحريف ؟ إن القول بمثل ذلك لا يأخذ به عاقل
. وأخيراً توجد اليوم في كبريات المكتبات ودور الكتب نسخ عن الإنجيل والتوراة مع ترجمات متعددة ، من كل العصور ، قبل المسيح ، وبعده ، خاصة من القرن الأول الميلادي إلى القرن السادس أي إلى ظهور " محمد " ؛ وهناك نسخة ملكية من القرن الرابع ، من عهد قسطنطين الملك النصراني الأول ، بل بالحري أربع نسخ متجانسة ترتقي إلى ما قبل محمد بمئتي سنة ونيف ، وتعرف باسم مصدرها أو مقرها الأثري بالفاتيكانية والسينائية والإسكندرية والإفرامية في مكتبات روما ولندن وباريس ، يمكن مقابلتها بالنص المتداول اليوم وكل يوم . فلا تحريف ولا تباين يذكر ! وعن هذه النسخ العريقة ينقل علماء المؤمنين وغير المؤمنين النص الكريم ولا أحد يقدر أن يقول بتحريف
! إن الكتاب المقدس يحمل كلمة " الخلاص " إلى كل زمان وكل مكان ، فلئن ضاعت هذه الكلمة أو فسدت أو حرفت ضاع على الله سبحانه قصده الخلاصي ! فهو مسئول عن حفظ كتابه :" إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ، ونعم المسئول ونعم الوكيل ونعم الحفيظ

أول الصفحة

أرغب في توجيه سؤال لكم

صفحات أخرى ذات صلة بالموضوع

هل يجب على كل إنسان أن يفحص الكتاب المقدس بنفسه؟

لماذا يقول المسلمون بتحريف الكتاب المقدس؟

ما هي الأدلة على أن الكتاب المقدس متضمن للوحي الإلهي؟

ما هو الكتاب المقدس؟

هل الكتاب المقدس هو كلمة الله؟

 الرجوع إلى قائمة " ركن الأسئلة المشهورة"