مجتمع يثرب |
|
4ـ مجتمع الذكور والإناث كانت نزعة معافسة النساء لدى رجال " المجتمع اليثربي " من القوة بحيث دفعتهم إلى تحطيم الحواجز التي أقامتها " النصوص المقدسة " صراحة وبلا موارية مثل : من يظاهر من امرأته ثم يعتليها قبل التكفير وآجر يركب زوجته وهي حائض أو مستحاضة وثالث يطؤها في نهار رمضان ورابع ينكح امرأة أبيه أو يعاشرها دون عقدة نكاح وبتعبير الخبر " يدخل عليها " والمملوك الذي يشرع في مفاخذة جارية سيده بادئاً - كالعادة بتقبيلها وقد يحدث العكس : المرأة تسعى إلى أجير زوجها ليشبعها ويروي لها ظمأها لعجز زوجها عن ذلك .. الخ. كل هؤلاء ذكوراً وإناثاً يعلمون علم اليقين أن الفعل الذي قارفوه حرمته عليهم الشريعة التي بلغها محمد نزعة التلاقي بالآخر تغلبهم وتقهرهم وتملك عليهم نفوسهم وعقولهم ووجدانهم وتعطل ملكة التفكير السديد عليهم فلا يرون في " النصوص المقدسة " إلا قيوداً تحول دون انطلاقهم : - - ( أوس بن الصامت بن قيس الخزرجي ظاهر من امرأته فوطئها قبل أن يكفر ) وهذا رجل آخر يرتكب ذات المخالفة : - أخبرنا أبو سلمة ومحمد بن عبد الرحمن أن سلمة بن حجر البياضي جعل امرأته كظهر أمه حتى يمضي رمضان ؛ فلما مضى نصف رمضان وقع عليها فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال اعتق رقبة ) فهذا الصحابي سلمة - أراد أن يتفرغ للعبادة في رمضان ولما كان يشك في قوة إرادته فقد ظاهر امرأته طوال ذاك الشهر لكي لا يقربها حتى انصرام الشهر ولكنه لم يصبر أكثر من أسبوعين وفي ليلة النصف بدل أن يحيها بالصلاة والدعاء والذكر والتهجد .. الخ وثب على امرأته فوطئها غير عابئ لا باليمين ؛ يمين الظهار الذي قطعه على نفسه ولا بالنص الذي يمنع ملامسة النساء إبان مدة الظهار ؛ لأن نزعة التواصل مع الجنس الأخر غلابة قهارة تكتسح في طريقها العقود والمواثيق والإيمان بل والنصوص نفسها. وهذا الآخر لا يراعي للصيام حرمة ويسيطر عليه الدافع ويهيمن على نفسه وحواسه ويشل عقله فيسارع إلى امرأته فيعتليها في نهار رمضان غير عابئ بحرمة الشهر وقدسيته ولا بالنصوص الناهية : - (عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت قال : مالك ؟ قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم ) ولا يقال دفعاً لذلك الرجل كان صائماً صيام تطوع لا صيام رمضان والرد عليه أنه لو كان كذلك لما أسرع إلى محمد لظنه أنه هلك لأنه لو كان صيام تطوع لكان في مقدوره الإعادة كما أن بقية الحديث تقطع بوقوع الامتطاء في نهار رمضان. وهناك العديد من الأحاديث والأخبار التي تقطع بوقوع ملامسة الزوجات في نهار رمضان وهذا الخبر سقناه على سبيل المثال لا الحصر منعاً من الإملال والإطالة.
- ( كان لزنباع الخذامي عبد يقال له " سندر" وجده جارية له فخصاه وجدعه فأتى سندر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلى زنباع وقال : من مثل به وأحرق بالنار فهو حر؛ وهو مولى الله عز وجل ورسوله واعتق سندر فقال له سندر: يا رسول الله أوص بي فقال : أوصى بك كل مسلم ؛ فلما توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعاله أبو بكر حتى توفى ثم أتى بعده إلى عمر فقال عمر : إن شئت أن تقيم عندي أجريت عليك ؛ وإلا فانظر أي المواضع أحب إليك فأكتب لك فاختار سندر مصر ؛ فكتب له إلى عمرو بن العاص أن يحفظ فيه وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قدم إلى عمرو بن العاص قطعة أرضاً واسعة وداراً فكان سندر يعيش فيها ؛ فلما مات قبضت في مال الله ).
نزعة التماس بالجنس الأخر شملت الأحرار والعبيد ونرى أن محمداً قابل العبد الذي هم بالزنا بجارية سيده بالرفق واللين ؛ خاصة وأن سيده عاقبه عقاباً صارماً . وفي المجتمع اليثربي كان النسوان والرجال على قدم المساواة في السعي إلى الالتقاء بالآخر وفي الصور السابقة كان الذكران هم أصحاب المبادرة ولكن الخبر الذي نسوقه بعد قليل يثبت أن النساء لم يكن أقل إقداماً على ذلك ولم يحل الحياء الأنثوي المعروف دون اتخاذ الخطوة الأولى لشدة النزعة:
( عن عبيد الله بن عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله فقال خصمه وكان أفقه منه صدق وإذن لي رسول الله أن أتكلم فقال له رسول الله-صلى الله عليه وسلم - قل ؛ فقال : إن ابني هذا كان عسيفاً ( = أجيرا ) على أهل هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم وإني سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام لأقضين بينكم بكتاب الله المائة شاة والخادم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ويا أنيس اغد على امرأة هذا فسلها فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها )
ولا يقال أن المرأة كانت مكرهة أي أن العسيف ( الأجير ) قد أكرهها لأنها لو كانت كذلك لما أمر محمد برجمها لأن الإكراه يرفع الحد ولقالت لأنيس ذلك عندما طلب منه محمد أن يذهب إليها ليسألها فإن اعترفت رجمها إذن الفعل تم برضاها ولما كان شريكها عسيفاً ( أجيراً ) لديها = لدى زوجها فلا شك أنها هي التي أغرته على ذلك سواء بالقول أو بالحركات أو باللين .. الخ لأن الأجير لا يجرؤ على الاقتراب منها بدون ذلك الخلاصة أن الخطوة الأولى كانت من قبلها تحت تأثير النزعة المشبوبة لدى أفراد ذلك المجتمع من الجنسين ؛ وفي بعض الأحيان كان ذلك الدافع من القوة بحيث يجبر صاحبه ليس على تحطيم ( النصوص المقدسة ) فحسب بل على تجاوز الحد الأدنى من الالتزام الخلقي الذي ينبع من الفطرة السوية : - ( عن البراء بن عازب قال : مر بي عمي الحارث بن عمر ومعه راية فقلت أين تريد ؟ فقال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمر أن أضرب عنقه وأخذ ماله ) وتلك الواقعة تكررت وذكرت المصادر تكرارها ما يقطع بأنها كانت شائعة مألوفة. - ( عن معاوية بن قرة عن أبيه قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أضرب عنقه وأصفي دمه وفي رواية أخرى وأصفي ماله ) وكان الزواج من أرملة الأب معروفاً وليس منكراً في " المجتمع اليثربي " وهو ما يسمى في علم الاجتماع بـ " وراثة النساء " ثم جاء الإسلام فحرمه وسماه ( فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً ) . ولا شك أن الذين مارسوه سواء في هاتين النازلتين أو في غيرهما لا يجهلون ذلك ولكن يبدو أن تلك العادة كانت متمكنة وذات جذور ضاربة في الأعماق خاصة وأنه يحقق الري وإطفاء الشهوة بلا مقابل للرجل : والمرأة تجد لدى الابن من الفتوة والشباب والقوة ما يعوضها عن ضعف أبيه وهرمه ؛ خاصة وأن الرجال في ذلك المجتمع كانوا يحرصون على أن تكون الزوجة الثانية والثالثة … صغيرة السن ليمتع نفسه بها غير عابئ بالفارق في العمر الذي يصل في أحيان كثيرة إلى ثلاثين أو أربعين عاماً فلما يموت تسعد بالالتقاء مع ابنه الذي قد يكون نديداً لها أو أصغر منها ليعطيها ما كانت محرومة منه أيام أبيه. والعقوبات الصوارم التي أمر بها محمد : التصفية الجسدية وإستصفاء المال تشي بأن المسألة لم تكن فردية بل جماعية أو جمعية أي متكررة ومتواترة - ولكن في بعض الأحيان يكون طرفا العلاقة ( = امرأة الأب والأبن ) أكثر دهاء فلا يعقدان نكاحاً ولكن المباشرة بينها تتم في الخفاء والكتمان : (قال أبي كعب : جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - فقال: أن فلاناً يدخل على امرأة أبيه فقال أبي : لو كنت أنا لضربته بالسيف ؛ فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -وقال : ما أغيرك يا أبي إني لأغير منك والله أغير مني ) .
وواضح من سياق الحديث أن الرجل يدخل على زوجة أبيه دخولاً مريباً وكانت تسعد بذلك بل ربما كانت تسعى إليه وتشجعه وأن الريبة هي التي دفعت الشاكي إلى تقديم شكواه إلى محمد وهناك ملحوظة على درجة كبيرة من الأهمية وهو أن الخبر لا يفهم منه أن الأب متوفى ؛ لعله كان مسافراً في تجارة أو سرية فانتهز الابن فرصة غيابه واتصل بزوجته ؛ إلى هذا الحد بلغ طغيان وازع الاتصال بالآخر: نكاح أرملة الأب أو مخاذنة زوجته عندما يولي ظهره ويغيب عن بيته !! لم يفلت من هذا النزوع العارم نحو الآخر صحاب ذوو أسماء لوامع: - ( عن خوات بن جبير بن النعمان عن أبيه قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم – في غزوة فخرجت من جبائي فإذا بنسوة حولي فلبست حلة ثم أتيتهن فجلست إليهن أتحدث معهن ؛ فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا جبير ما يجلسك هنا ؟ قلت : يا رسول الله بعير لي شرد ) هذا الصحابي خارج في غزوة ومعه محمد أو هو مع محمد أي قريب منه ولكن كل ذلك يهون في سبيل الاتصال بالآخر فسارع بلبس حلة - لزوم التأنق - وأتى إلى النسوة وجلس إليهن يسامرهن ويبادلهن أطراف الحديث الشهي لعل الحديث يجر وراءه ما هو أعمق ؛ ولما يضبطه محمد متلبسا وينكر عليه جلوسه ذاك لا يتورع أن يدعي أن سبباً آخر هو الذي دفعه لذلك وهو شرود بعيره ؛ ومن البديهي أن ذلك لم يفت على فطنة محمد فكان كلما يراه ؛ يسأله : ما فعل بعيرك - ولم يحدثنا الخبر عما إذا كانت تلك النسوان صواحب جبير هن زوجات الخارجين في الغزوة أو من الجيرة - ولعله مما لفت النظر أنهن لم يجدن غضاضة في الجلوس مع جبير والتحدث معه مما يقطع بأن ذلك المجتمع لم يكن مغلقاً كما كتب المتأخرين في وصفه.
- ( حدثنا عمر بن أبي قيس عن عاصم عن عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها ). ( وحمنة هذه أخت زينب بنت جحش التي تزوجها محمد بموجب آية من القرآن بعد أن كانت عند زيد ابنه ثم مولاه وحمنة كانت زوجا لمصعب بن عمير ؛ قتل عنها يوم أحد فتزوجها طلحة بن عبيد الله ) وكلاهما من أكابر الصحابة فالأول أرسله محمد قبل هجرته ليثرب ليقرئ اليثاربة القرآن ولذا أطلق عليه لقب " المقرئ " ولعب دوراً بارزاً في إدخال عدد من زعمائهم في دين محمد أما الآخر فهو من مجلس ( العشرة المبشرين بالجنة ) وهو" مجلس شورى محمد " والصورة الإسلامية لـ " ملأ قريش " حاكم مدينة القداسة : مكة قبل الإسلام ؛ وسواء كان هذا أم ذاك فقد كان لا يجد غضاضة في مباطنة حمنة وهي مستحاضة. أما عمر بن الخطاب فقد أقدم على ما هو أوعر - ( عن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب قال : كان لعمر بن الخطاب امرأة تكره الجماع فكان إذا أراد أن يأتيها اعتلت عليه بالحيض فوقع عليها فإذا هي صادقة ؛ فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يتصدق بخمس دينار ) هنا حديث أسري أي راويه من صاحب الخبر فعبد الحميد هو ابن أخي عمر ومعرفة ما إذا كانت المرأة حائضاً ليست معضلة فالحيض له رائحة نفاذة ولون دمه متميز ولكن ابن الخطاب لم يستطع أن يكبح جموح شهوته حتى بعد أن تثبت من صدق زوجته وأنها فعلاً كانت حائضاً. وهناك أخبار تدل على أن الدافع كان متوهجاً لدى ابن الخطاب : - - ( عن ابن عباس قال : جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله : هلكت قال : ما الذي أهلكك قال : حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئاً فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ؛ أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة ) الخبر يدل على أن ابن الخطاب من الذين يتلذذون بالمرأة مستلقية أو مقبلة أو مدبرة والذين يفرشونها فرشاً مؤثراً ولقد أيده محمد بآية من القرآن في أتيان المرأة مدبرة ( مع تجنب الدبر ) ومن ساعتها أصبحت رخصة لا لعمر وحده ولكن للمسلمين كافة ومن الملاحظ أن محمداً قال لابن الخطاب ( اتق الحيضة ) لأنه جامع إحدى زوجاته وهي حائض كما ثبت في الخبر الذي سقناه فهو يلفت نظره لعدم تكرار ذلك مرة أخرى.
حتى وهو صائم لم يكن ابن الخطاب يملك نفسه أو يسيطر عليها : - ( عن جابر أن عمر قال : هششت فقبلت وأنا صائم ؛ فقلت : يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً قبلت وأنا صائم فقال : أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم ؟ قلت لا بأس ؛ قال : فمه ) والصائم يكون في حالة روحية سامية لأن الصيام لله وهو الذي يجزي به كما أجبر محمد ومن ثم لا يفكر الصائم حتى في مقدمات الجماع مثل التقبيل لأن مثل هذه الأفعال تنافي روحانية الصوم ولكن يبدو أن ابن الخطاب كان له رأي آخر وتفسير مغاير للصيام - ومما يؤكد أن دافع الالتقاء بالأنثى كان متقداً عند ابن الخطاب هو الخبر الآتي الذي قبل أن نسطره نبدأ بمقدمة شارحة : عندما شرع الصيام كان يحرم على المسلم الأكل والجماع بعد أن ينام في الليل بمعنى أنه إذا نام لا يحل له الطعام والشراب والاقتراب من الزوجة حتى يصبح ؛ ولكن أصحاب النوازع المتوهجة في الالتقاء بالجنس الأخر مثل ابن الخطاب لم يعبأوا بهذا التحريم وتجاوزوه : - ( عن ابن عباس قال : إن الناس كانوا قبل أن ينزل الصوم ما نزل فيهم يأكلون ويشربون ويحل لهم شأن الناس فإذا نام أحدهم لم يطعم ولم يشرب ولم يأت أهله حتى يفطر من القابلة ؛ فبلغنا أن عمر بن الخطاب نام ووجب عليه الصوم ووقع على أهله ثم جاء إلى النبي - ص -فقال : أشكو إلى الله وإليك الذي صنعت ؟ قال : ما صنعت ؟ قال : إني سولت لي نفسي فوقعت على أهلي بعد ما نمت ؛ وأنا أريد الصوم ؛ فزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما كنت خليقاً أن تفعل ؛ فنزل الكتاب ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )؛ وفي رواية : قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله إني أردت من أهلي البارحة ما يريد الرجل من أهله ؛ فقالت : إنها قد نامت فظنتها . تعتل فواقعتها ؛ فنزل في عمر ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ). وفي رواية ثالثة : فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة قد سمر عنده فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت : إني قد نمت فقال : ما نمت ثم وقع بها ) هذا الخبر برواياته المختلفة التي حملتها مصادر موثوقة يثير عدة أمور: أـ أن ابن الخطاب لا يتورع عن أتيان أهله سواء بعد نومه هو أو نوم الزوجة رغم أنه يعلم تمام العلم أن ذلك منهي عنه ومحرم…الخ. ب ـ أنه يرمي زوجه بالكذب عندما تخبره أنها نامت ليحلل وقوعه عليها. ج ـ أن محمداً عاتبه على ذلك بقوله له ( ما كنت خليقاً أن تفعل ) د ـ يقول عمر " إني أردت من أهلي البارحة ما يريد الرجل من أهله " وهي عبارة بالغة الدلالة وتفصح عن نظرة الرجل إلى المرأة في ذلك المجتمع الأمي فكل ما يؤيده منها هو المفاخذة فلا يريد منها :مسامرة لطيفة أو مشاورة في أمر عام أو خاص… لأنها في نظره مجرد ماعون يفرغ فيه شهوته. هـ ـ أن محمداً للمرة الثانية على التوالي يحل لعمر الورطة التي وقع فيها بأن يتلو آية قرآنية وقد سبق أن رأينا أن ذلك حدث عندما حول ابن الخطاب رحله وأتى امرأته وهي مدبرة ( مع تجنب الدبر ) - ( روى الشافعي في مسنده عن زينب بنت أبي سلمة أنها أرتضعت من أسماء امرأة الزبير قالت : فكنت أراه أباً وكان يدخل على وأنا أمشط رأسي فيأخذ ببعض قرون رأسي ويقول أقبلي على ) والزبير من أكابر الصحابة وهو زوج أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة وزينب بنت أم سلمة إحدى زوجات محمد.
ونظراً لان التقاء الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر طقس يومي من الطقوس الاجتماعية المعتادة في مجتمع يثرب فقد اضطر محمد دفعاً للحرج عن أصحابه أن يبيح لهم أن يسيروا في المسجد وهم جنب :
( عن زيد بن اسلم قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشون في المسجد وهم جنب ) ولو كانت حالة الجنابة فردية لما صرح بذلك ولكن هذا التصريح يفيد أن الحالة كانت جماعية وبدرجة شديدة الكثافة بحيث لو حظر المشي في المسجد مع الجنابة لأحدث ارتكاباً في صفوف الصحبة خاصة وإن المسجد آنذاك كان يستعمل لغير الصلاة وذلك وراثة عن المسجد الحرام ودار الندوة قبل ظهور الإسلام. وكانت بعض الوقائع على درجة معقولة من الجنوح : - ( روى جابر قال : ... فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت ما دعاني إلى نكاحها ) ما الذي دفع جابر بن عبد الله وكان من المقربين لمحمد إلى أن يتخبأ ليرى ما يدعوه إلى نكاحها لأن المرأة – على الأقل - كانت تكشف وجهها وكفيها - إذن كان يريد أن يرى غيرهما مما لا تظهره المرأة إلا في المنزل وهو ما يحتاج لمن يريد أن يطلع عليه إلى التخبؤ لأنها لو فطنت إليه لخبأته عنه ؛ هذه الأجزاء المستورة هي ما عبر عنها جابر : حتى رأيت " ما دعاني إلى نكاحها " فلما أعجبته تزوجها.
ولم تكن " التجاوزات " مقصورة على مشاهير الصحابة ممن ذكرنا بعضهم على سبيل المثال بل تعدتهم إلى صحابيات معروفات بل ومقربات إلى محمد : - ( عن عبد الرحمن بن أبي رافع أن أم هاني بنت أبي طالب خرجت متبرجة قد بدا قرطاها فقال لها عمر بن الخطاب : اعملي فإن محمدا لا يغني عنك شيئا فجاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال رسول الله - ص - : ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي ... تنال حاوحكم ) حاوحكم قبيلتان . إن تبرج أم هانيء بنت أبي طالب أخت على وبنت عم محمد ؛ أفزع عمر بن الخطاب حتى لفت نظرها إلى أن محمداً لا يغني عنها شيئاً أي يوم الحساب فتشكوه إلى محمد - فيصرح محمد بأن له شفاعة أكيدة يوم القيامة وأن أول من تنالهم هم أهل بيته أي بني هاشم ؛ فهو لم ينف واقعة تبرجها ولم يخطئ ابن الخطاب في لفت نظرها إلى ذلك ولكنه أخذ عليه إنكاره شفاعته وأنها ستشمل بني هاشم وأم هانئ منهم أي أن تبرج أم هانئ مغفور لها بالشفاعة المحمدية. ولكن ما الذي يدعو أم هانئ وهي من هي إلى التبرج ؟ إنها بلا شك ضواغط "مجتمع يثرب".
هذه الفصلة نفردها لصحابيين من ذوي الشهرة لكل منهما قصة تدخل في نطاق هذا الموضوع ؛ وقد اشتركا معاً في الحكاية الأولى أما الأخرى فقد انفرد بها أحدهما وهو الأعلى مكانة والأذيع صيتاً والأكثر تقديراً . والخبران موثقان توثيقاً محكماً وقد وردا في العديد من الدواوين والكتب التي تكاد تبلغ حد القداسة ومن ثم لا يرقى إليها شك ولا تقرب منها ريبة.
أما أولهما فهو المغيرة بن شعبة: فهو - بادئ ذي بدء من كتاب محمد أي الذين كانوا يكتبون له الرسائل التي يمليها عليهم وكان لا يفعل ذلك إلا من يحوز على الثقة بعد أن خان أحدهم الأمانة وارتد وهرب إلى مكة وادعى أنه من كتاب ألفاظ القرآن التي كان يمليها عليه محمد - واتصاف المغيرة بأنه من كتاب محمد مسألة متواترة جاءت في الكتب التي تناولت حياة الصحابة وأحوالهم منها كتاب " أسد الغابة في معرفة الصحابة " - ( قال المغيرة بن شعبة : حصنت تسعاً وتسعين امرأة ما أمسكت فيهن واحدة منهن واحد على حب ؛ ولكني أحفظها لمنصبها وولدها ؛ فكنت أسترضيهن بالباه شاباً ؛ فلما أن شبت وضعفت عن الحركة أسترضيهن بالعطية )
والخبر صحيح في أن مجتمع يثرب الذي عاش فيه المغيرة ملازماً لمحمد إذ عمل كاتباً له بعبارته لا يعبأ بالحب بين الرجل والمرأة ورغم سمو هذه العاطفة فلم يكن لها أقل موضع في ذاك المجتمع إنما مدار العلاقة بين الطرفين ومحورها كان أمرين : الباه أي قوة الجماع والمال فهما السبيل لاسترضاء إناث ذاك المجتمع فإذا كنت شاباً استطعت أن تروضهن وتسترضيهن بالباه أم إن كنت شيخاً اضمحلت قوتك ووهنت حركتك فليس أمامك إلا الأموال والهدايا والعطايا ؛ ولعلنا لاحظنا :أن الباه جاء في المقام الأول بعبارة أحد الفاعلين البارزين في ذلك المجتمع – وكل خبر نسوقه يؤكد الفكرة التي تتمحور عليها دراستنا هذه . ثم نعود إلى سياق الخبر:
نحن لا نعول كثيراً على ما أورده الجاحظ – مع تقديرنا البالغ له ولمكانته في الفكر والأدب – لأننا إنما نعتمد في دراستنا هذه على المصادر التراثية التي تلقتها الأمة بالترحاب والتجلة والتي ربما تبلغ حد القداسة ومؤلفات الجاحظ ليست كذلك مع نفاستها الشديدة وذلك لأمرين : أ ـ ربما دفعته نزعته الأدبية إلى المبالغة والتهويل. ب ـ ما عرف عنه من وجهة اعتزالية تجعله غير مقبول لدى أهل السنة والجماعة. نسطر ذلك حتى نقطع السبيل على أي فلحاس حتى لا يصيح ناعقاً أو ينعق صائحا أن مصادرنا هي كتب الأدب والنوادر والأمالي – مع تقديرنا لها جميعها وأنها جزء من تراثنا الذي نعتز به – ويترك عشرات المصادر الأخرى ويتمسك بهذا المصدر اليتيم وإذا كان القارئ يستهول أن يكون المغيرة بن شعبة قد أحصن تسعاً وتسعين زوجة ويرى أن ذلك مبالغة فاضحة من الجاحظ فإننا نورد فيما يلي ما جاء به كتاب تراثي صاحبه من الذين أرخوا للصحابة وهو موضع تقدير من الأمة ؛ وهو كتاب " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " لـ ابن عبد البر:
اذهب إلى فلان فاقتله وأحرقه بالنار فانتهى إليه وقد مات وقبض فأمر به فنبش ثم أحرقه بالنار ) هذا الصحابي الذي ائتمنه محمد وأرسله في مهمة وأعطاه حلته كعلامة – وهكذا كانوا يفعلون في تلك الأيام يخون الأمانة ويحاول أن يستخدم العلامة لتحقيق غرضه الدنيء ويخبر ثقيفا أن محمداً أباح له نساءهم يختار منهن ما يحلو له ، ولكن الثقيفين كانوا أذكى منه فلم ينخدعوا ، خاصة وأن ما طلبه منهم هو زنا صراح من قبله وديوثة من جانبهم وعهدهم بمحمد أنه يحرم ذلك ويحد فاعله فكيف يأمر به !! والعقاب الشديد الذي أمر بإنزاله بابن أبي جذعة الذي بلغ حد تحريق رمته كان جزاء وفاقاً. هكذا كان وصال النسوان ومخالطتهن في ذلك المجتمع ، وتلك كانت هيمنته على أفراده حتى إن أحدهم لا يتورع عن أن ينسب إلى محمد أبشع تهمة وذلك في سبيل تحقيق رغبته. |