الاعتراضات على سفر نشيد الأناشيد والرد عليهـا

مقدمة

سفر نشيد الأناشيد والشعر

هل كُتب سفر نشيد الأناشيد بلغة مُبتذلة

ماهو التصـوف

العلاقة بين التصوف وسفر نشيد الأناشيد

العشق الإلهى والإبتداع فى الدين

ألفاظ سفر نشيد الأناشيد ومعانيها السامية

أوصاف الجسم

تعبيرات يُقال عنها لاتليق بكتاب من الله

سفر نشيد الأناشيد وجـنة حور العـين والولدان المخـلدين

الجنة فى القرآن والأحاديث والتفاسير

حور العين وعملهم فى الجنة

الولدان المخلدون ودورهم فى الجنة

الخمر فى الجنة

الفاكهة ولحم الطير فى الجنة

 مقارنة بين ماقيل فى الجنة ونشيد الأناشيد

كلمة ختامية

عودة للرئيسية

الفصل الثانى

تعبيرات يُقال عنها لاتليق بكتاب من الله

 

لعلك ياقارئى العزيز قد تبينت المعانى الروحية لأوصاف الجسم التى وردت فى سفر نشيد الأناشيد كما وضحنا فى الفصل السابق، ولكن ماذا عن التعبيرات التى وردت فى سفر النشيد وتبدو كما لو كانت تعبيرات غير لائقة بكتاب من عند الله ؟.

1) لعل التعبيرات التي تثير تساؤلاتك، هي عبارات الحب والغرام والعشق، التي يذخر بها سفر النشيد،

ولقد وضحنا فى الباب الأول، أن هذه العبارات ليست من باب الغزل الفاضح كما يتوهم المدعون، ولكنها عبارات الحب والعشق المقدس، تماما مثل العبارات التي يذخر بها الشعر الصوفي الإسلامي، وعلاوة على الأمثلة التي ذكرتها فى الباب الأول أضيف أيضا بعضا آخر:

أ ) من شعر محمد الكيزاني أحد الصوفيين الكبار، من (كتاب الأدب الصوفي في مصر للدكتور علي صافي حسين ص (20) قال:

ولقد أودعَ الغـرامُ  بقلـبي    زفراتٍ أضحى بها مصـدوعا

وإذا أطنـب العَـزول فـقد    عاهدتُ سمعي ألا أكون سميعا

وحرامٌ علَىَ التلهفِ ألا يريـ    حَ أويحرقَ الحشا والضـلوعا

ب ) ومن كتاب "رابعة العدوية في محراب الحب الإلهي" للأستاذ (مأمون غريب) (ص 8و52) يقول عن رابعة: يكفيها أنها بهذا الحب كونت مدرسة في التصوف الإسلامي، سار على نهجه بعد ذلك كبار رجال الصوفية .. وهي مدرسة الحب الإلهي]. ولهذا أنشدت قائلة:

إني جعلتك في الفؤاد  محدِّثي  وأَبَحْتُ جسمي من أراد جلوسي

فالجسمُ مني للجليسِ مؤانسي  وحبيبُ قلبي في الفـؤاد أنيسي

 

جـ ) وفي نفس الكتاب (ص 47) ترنم محي الدين ابن عربي قائلا:

أدين بدين الحب أَنَّى توجهَتْ   ركائبُه فالحب ديني وإيماني

 

د ) وفي نفس الكتاب (ص 47) أنشد عمر ابن الفارض أيضا قائلا:

ومن مذهبي في الحب مالي مذهبُ             وإن مِلْتُ يوما عنه فارقتُ  مِلَّتي

وإن خطَرَت لي في سـواك إرادةٌ              على خاطري سهوا قضيتَ بردَّتي

 

هذه بعض عبارات الحب والغرام في الشعر الصوفي الإسلامي أفتعتبر مثل هذه التعبيرات عيباً إن وُجدت في سفر نشيد الأناشيد؟؟.

 

 

2) أيضاً في سفر نشيد الأنشاد تقول العروس إني مريضة حبا. فهل هذا يليق؟ .

نعم هذا يليق في الشعر الصوفي، حتى الإسلامي منه فهيا بنا نستعرض بعضاً منه:

أ ) ما قاله الحلاج:

حـبي لمولاي أضـناني وأسقمـني            فكيف أشكو إلى مولايَ مولائي؟!

يا ويح روحي من روحي، فوا أسفي            علـيَّ مني، فإني أصل بلـوائي

 

ب ) وهذا ما قاله محمد الكيزاني:

 (كتاب الأدب الصوفي في مصر للدكتور علي صافي حسين  (ص 214و216) :

اصـرفـوا عـني طبيـبي            ودعـونـي وحبـيـبي

عـللـوا قـلـبي بذكـراه            فـقـد  زاد لـهـيـبي

طـاب هتـكي فـي هـواه            بـيـن واش ورقـيـب

لا أبـالي  بمـوات الـنفـ            س   مـادام  نـصيـبي

جـســدي  راض بـقـ             سـمي وجفوني بنحيـبي

 

جـ ) واسمع ما ذُكر عن رابعة العدوية التي أنشدت قائلة:

يا مؤنسَ الأبرارِ في خلواتِهم         يا خـيرَ من حلت بـه النُّـزَّالُ ]المحبين[

من ذاق حبك ما يزال متيما           فَرَحُ الفـؤادِ، متيـماً،  بَلْبَـالُ [مهموم]

من ذاق حبَّك لا يُرى متبسما         من طول حزن في الحشا إشعال

 

وتعليقاً على هذه الأبيات قال الدكتور بدوي في كتابه عن رابعة: "يحكى أن رابعة كانت تنوح باستمرار، فسُئلت: لماذا تنوحين وأنت لا تشكين ألما؟ فأجابت: وا حسرتاه! الْعلَِّةُ التي أشكوها ليس مما يستطيع الطبيب علاجه. إنما دواؤها الوحيد رؤية الله. وما يعينني على احتمال هذه العلة إلا رجائي أن أحقق غايتي هذه في العالم الآخر." (ص76) .

ويعلق الدكتور بدوي على ذلك قائلا: "ما أبدع العبارة في وصف ما تشكوه! لقد ألحت عليها الرغبة في الرؤي، حتى استحالت مرضا، مرضا تتألم له، لأن الحب قد صار من القوة والنفوذ بحيث صارت له آثار توغل في أعماق الروح فتصيبها بالعلة، هنا [المرض حتى الموت] من شدة الألم العالي" (ص76) .

 ألا يشبه هذا ما قيل في سفر نشيد الأناشيد "إني مريضة حبا" (نش2: 5) .

لعل في هذا إجابة شافية لتساؤلك عن المرض حبا الذي ورد في نشيد الأناشيد.

 

 

3 ) في سفر النشيد تتغنى عشيقة سليمان بالخمر، أهذا يليق أيضا بكتاب من عند الله؟

أعود وأقول أن هذا السفر ليس بين سليمان وعشيقته، وإنما هو العشق الروحي كما في التصوف الإسلامي. أما عن التغني بالخمر، فذلك يرمز إلى خمر محبة الله التي يسكر بها العاشق الولهان بالحب الإلهي. وقد ورد الكثير من هذه التعبيرات في شعر التصوف الإسلامي، وإليك بعض الأمثلة:

أ ) من كتاب شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية للدكتور عبد الرحمن بدوي(في ص 173) يتحدث عن سكرها من كأس خمر الحب الإلهي: إذ تقول:

كأسي وخمري والنديم: ثلاثة   وأنا المشوقة في المحبة: رابعه

كأس المسرة والنعيم، يديرها   ساقي المُدام على المدى متتابعة

فإذا نُظِـرْتُ فلا أُرى إلا لـه   وإذا حَضَرْتُ فلا أُرَى  إلا مـعه

يا عاذلي! إني أحـب جمالـه  تالله ما أُذُنـي لعَـذَلِك سامـعه

كم بِتُّ من حُرَقي وفرط تعلقي  أُجْري عيونا من عيوني الدامعه

لا عَبْرَتي تُرْقا، ولا  وصلي له  يبقى ولا عيني القريحة هاجـعه

 

ب ) وفي كتاب "رابعة العدوية في محراب الحب الإلهي" للأستاذ (مأمون غريب) (ص 52  يقول: إن رابعة العدوية كانت تريد أن تشرب وتشرب من هذه الكأس الربانية، هذه الكأس التي يصعب وصفها، بل إن عمر بن الفارض كان وصفه رغم ما فيه من رقة المشاعر، يبدو غامضا، تشعر ما فيه من جمال وجلال دون أن تفهمه فهما حرفيا، إنك تستشعرعمق هذا الحب لله، وإن صعب شرحه. (ويكمل الأستاذ غريب كلامه قائلا:) يقول ابن الفارض واصفا النشوة، أو هذه الخمرة الإلهية: (ص52)

يقولون لي صفها فأنت بوصفها خبير،         أجـل عنـدي بأوصـافها علـمُ

صفاءٌ ولا ماءُ، ولطفٌ ولا هوى          ونورٌ ولا نارُ، وروحٌ ولا جسـمُ

تَقَـدَّمَ كـلَّ الكائنـاتِ حديثُـها            قديما،        ولا شـكلٌ هنــاك ولا رســـمُ

وهامت بها روحي بحيث تمازجا       اتحـاداً، ولا جـرمٌ تخللـه جـرمُ

ولا قبلها قبـل، ولا بعدها بعـد         قبليـة الأبعـاد، فهي لها  ختـمُ

هكذا بدا التغني بالخمر في الشعر الصوفي الإسلامي، إذن فلا غضاضة من التغني بها في سفر نشيد الأناشيد بالمعنى الرمزي الروحي الدال على النشوة بخمر محبته.

 

4) قد يعترض البعض قائلين أن الأمور الخاصة بالعشق وبأعضاء الجسم هي أمور مخجلة، ولاتطيق الأذن أن تسمعها .

 

ومثل هؤلاء المعترضين أسألهم : إن كنتم تقولون على هذه العبارات المقدسة أنها مخجلة فما رأيكم في هذه العبارات الإسلامية؟:

أ ) ما جاء بسورة (النور24: 31) تقول: "وقل للمؤمنات يغْضُضْنَ من أبصارهن، ويحفظن  فروجهن" ما معنى هذه الكلمة؟ [الواقع أنها تعتبر كلمة قبيحة، ولا يوجد نظير لها في سفر نشيد الأناشيد، ولا في الكتاب المقدس على الإطلاق] .

ب ) ثم ما جاء بالحديث: ( صحيح البخاري حديث رقم 5265 الجزء الثالث ص 272) "عن عائشة، قالت طلق رجل امرأته فتزوجت زوجاً غيره فطلقها، وكانت معه مِثلُ الهدبة [كلمة قبيحة] فلم تصل منه إلى شيء تريده، فلم يلبث أن طلقها. فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله إن زوجي طلقني، وإني تزوجت زوجا غيره، فدخل بي، ولم يكن معي إلا مثل الهدبة [نفس الكلمة القبيحة] فلم يقْرُبْني إلا هَنَةً واحدة [تعبير قبيح]، لم يصل مني إلى شيء، فأَحِلُّ لزوجي الأول؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحِلَّين لزوجكِ الأول حتى يذوق الآخر عُسَيْلَتَكِ وتذوقي عُسَيْلَتَهُ" [كلمات قبيحة جداً]. وفسَّر صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "لا تحلي له حتى تنكحي زوجا غيره" [منتهى قلة أدب] (صحيح البخاري حديث رقم 5265 الجزء الثالث ص 272) .

الواقع أنني لا أستطيع أن أشرح معاني هذه الكلمات حفظا للحياء، وخشية إيذاء السامعين والسامعات، وخاصة صغار السن والصغيرات، الذين واللائي يقرأون ويتابعون هذه الكلمات . أليست هذه أحاديث مخجلة حقاً يا عزيزي السائل.

جـ ) ثم ما جاء في البخاري باب الحيض 4 عن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد، وكلانا جُنُبٌ [كلمة قبيحة لا أستطيع أن أنطق بمعناها، فانظرها بالقاموس] وتكمل حديثها قائلة: "وكان يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض [عبارة قبيحة جدا]. وكان هكذا يفعل بزوجاته الحائضات" [كلام قبيح تفيح منه رائحة العفونة]!!!!! .

د )  وحديث آخر لعائشة في البخاري باب الحيض أيضا رقم 5 تقول فيه: "أيكم يملك إرْبَه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك إرْبَه" [معنى هذه الكلمة قمة القباحة، ابحث عنها في القاموس] .

أفبعد هذا تقولون أن سفر نشيد الأناشيد يحوي كلاما مبتذلا!! أين كلام نشيد الأناشيد من هذه الألفاظ التي لا تطيق الأذن أن تسمعها؟؟ والتي يخجل الإنسان المؤدب أن يتلفظ بها، ولولا أنني أردُّ على سخافاتهم ما سمحت لنفسي أن أقتبسها، فسامحوني، ولابد أن أقدم توبة واعتراف عن هذا الذنب حتى يغفر الله لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر.

أخي القارئ أرجو أن تراجع مسلماتك وتفحص كل شيء لتتمسك بالحسن. وليتك تقرأ الكتاب المقدس فهو أقدس ما كتب، إنه رسالة من الله شخصية لك، لعله ينير لك الطريق إلى قلبه المحب المستعد أن يقبلك إذا لجأت إليه، فهو الذي قال "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متى11: 28). وستجد الكتاب المقدس على الإنترنيت في الموقع التالي:

www.arabicbible.com