. العرب أما أهل وبر وإما أهل مدر فكان يصعب على القسم المتبدى منهم أن يتخذوا أمكنة ثابتة لإقامة عباداتهم ومن ثم كانت الفرائض عندهم بسيطة يقيمونها حيثما حلوا أما بتوجيه نظرهم إلى الأجرام الفلكية مع ذكر آلهتهم وأما ببعض أعمال تقوية من سجود ودعاء وتقادم لا سيما في بعض أطوار حياتهم المهمة كمولد بنيهم وتزويجهم ودفن موتاهم ، وفى بعض أمكنة عالية يدعونها " المشارف ". وكان إكرامهم لمواليد الطبيعة يوافق أيضاً حالتهم البدوية فيجدون منها أينما ساروا كالأنصاب ، وبعض الأشجار ، والطيور التي يعيفونها ويزجرونها على مقتضى حركاتها يميناً أو شمالاً . وكان الأب في عائلته والشيخ في قبيلته يقومان مقام الكهنة ويتوليان إجراء المشاعر الدينية باسم ذويهم . أما أهل المدر وبالأخص الذين بلغوا منهم درجة راقية من التمدن كالحميريين والنبطيين ودول الحيرة وكندة وغسان فما كانوا ليكتفوا بهذه العبادة البسيطة ، وإنما خصصوا لديانتهم أمكنة كانوا يفردونها لذلك إما بمضارب يزينونها بأصناف الجلود والأقمشة على شكل خيمة العهد في بنى إسرائيل وإما بتشييد بعض الأبنية لهذه الغاية .وربما دعوا هذه الهياكل بالمساجد فإن لفظة المسجد قديمة ، وردت في كتابات النبط المكتشفة حديثاً . ومن مقاماتهم الدينية الكعبات وهى بيوت مربعة مرتفعة على شكل الكعاب ، كانوا يفرزونها لديانتهم ، منها ذو الكعبات في شمالي الجزيرة لبنى أياد ، ومنها كعبة نجران ، والكعبة اليمانية حيث كان بنو خثعم يعبدون صنمهم المسمى ذا الخلصة مع غيره من الأصنام .وأشهر منها الكعبة الحجازية في مكة ، وأول ذكرها في التاريخ ديودورس الصقلي في القرن الأول قبل المسيح [ النصرانية وآدابها ص 14 ] . وكثر عدد هذه الهياكل في بعض الأمكنة حتى أن بلينيوس الطبيعي في القرن الثاني للمسيح عد منها 6. في مدينة سبأ حاضرة اليمن و 65 في تمنة مدينة بنى غطفان . وكانوا يتخذون لهذه المقامات حرماً أي يجعلون لها دائرة تحفظ حرمتها ولا يجوز لأحد انتهاكها ، وكان حرم مكة أشهرها . وكذلك كان يخدم هذه المقامات رجال يدعونهم كهنة ، أو كهاناً ، ويريدون بهم الخبيرين بالأحوال الماضية والعرافين ، وقد دعوهم سدنة أي خدماً للمقدس ، لقيامهم بحاجاته وحاجات زواره . ومنهم من تسمى باسم هذه الأماكن ، كعبد الكعبة ، وعبد الدار وكانوا يزينون تلك الهياكل بالتصاوير المنقوشة على جدرانها أو ينصبون فيها التماثيل للأصنام على هيئات شتى . منها حجارة منحوتة بيضاء أو سوداء ومنها صخور من العقيق كهبل ، وبعض الحجارة الكريمة أو الصخور العادية كسعد معبود بنى كنانة الذي فيه يقول الشاعر : أتينا إلى سعد ليجمع شملنا فشتتنا سعد فلا نحن من سعد وهل سعد إلا صخرة بتنوفة من الأرض لا تدعو لغى ولا رشد . ويقول الأزرقى [ أخبار مكة 1: 11. - 113 ] في تزيين الكعبة الحجازية :" وزوقوا سقفها وجدرانها من بطنها ودعايمها وجعلوا في دعايمها صور الأنبياء وصور الملايكة ، فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن شيخ يستسقم بالأزلام وصورة عيسى بن مريم وأمه وصورة الملايكة عليهم السلام أجمعين ، فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله البيت فأرسل الفضل بن العباس بن عبد المطلب فجاء بماء زمزم ثم أمر بثوب فبُل بالماء وأمر بطمس تلط الصور فطمست ، قال ووضع كفيه على صورة عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام وقال امحوا جميع الصور إلا ما تحت يدي ، فرفع يديه عم عيسى بن مريم وأمه ..." |
|