1- سيرة
محمد تدل على سعة علمه واطلاعه
إن إجماع السير النبوية والحديث يدل على ان محمدا قبل دعوته كان " يتخنف" شهرا مع
قس مكه، ابن عمه، ورقة بن نوفل (مطران مكة). وهذا القس النصراني يشهد الحديث الصحيح
أنه كان يكتب الكتاب العبراني، ويترجم الانجيل الى العربية. وقد قضى محمد جواره بعد
زواجه من السيدة خديجه، بنت عم ورقة، مدة خمس عشرة سنة قبل البعثة يحضر كتابة
الكتاب وترجمة الانجيل. فقصص القران واخبار الخلق واوصاف اليوم الاخر كان يسمعها من
أستاذه، قس مكة "النصرانية".
ناهيك عن رحلتي الشتاء والصيف، الى اليمن والشام، موطن المسيحيه وبعض اليهودية، في
تجارة زوجة السيدة خديجة التي كانت تجارتها تعادل تجارة قريش، وما يقتضيه ذلك من
سعة الاطلاع، في اتصال دائم مع أهل الكتاب.
يكفي محمدا أن يكون تلميذا لقس مكة، ابن عم زوجه، حتى يكون عالما بقصص الأولين،
واخبار الخلق، وأوصاف اليوم الاخر. فلم يكن محمد اميا ولا جاهلا بها حتى يكون ما
جاء به " من زبر الاولين"، " ممن عنده علم الكتاب"، معجزا بالنسبه الى حاله أو
بيئته. والقرآن والحديث والسيرة شهود عدل.
2- قصص القرآن كان متدوالا بين العرب قبل
القرآن
يقول الاستاذ دروزة ( سيرة الرسول: 1/296) " عرف العرب الحجازيون اهل الكتاب من
يهود ونصارى، في بلاد الحجاز والشام، واحتكوا بهم. وأخذوا عنهم
كثيرا من الافكار والمعارف، ومنهم من دان باليهودية والنصرانيه،
وتضلّع باللغة العبرانية، واطّلع على ما عند اليهود والنصارى من كتب. وقد
عرفوا كذلك ما كان عليه أهل الكتاب من خلاف وشقاق في الامور الدينية والمذهبية.
وكان لكل ذلك صدى وأثر في نفوسهم وأذهانهم. وقد كان في مكة خاصة
بعض الجاليات الكتابية، يرجع تاريخ سكناها الى ما قبل البعثة، وشهدت أدوار
الدعوة النبوية. ولم تكن بعزلة عنها بطبيعة الحال". فالمعارف الكتابية كانت شائعة
بمكة، ولا يصح ان يبقى محمد في عزلة عنها، أو غفلة.
3- اتصال العرب بأهل الكتاب
يقول دروزة ايضا (سيرة الرسول 1: 37-39): " ولقد أثبتنا بالاستدلالات القرآنية في
كتابنا (عصر النبي وبيئته قبل البعثة) أن أهل بيئة النبي ص. كانوا
على اتصال بالامم الكتابية وغير القرآنية، عن طريق
المستقرين منهم في الحجاز، وعن طريق الرحلات المستمرة الى البلاد المجاورة. وأن
كثيرا من أخبارهم ومعارفهم وعقائدهم ومقالاتهم وأحوالهم قد تسربت
الى العرب، وشاهدوا مشاهدها التاريخية والمعاصرة، وليس من الطبيعي ولا من
المعقول، أن يبقى النبي ص. في عزلة أو في غفلة عن هذا كله.
حقيقة قد علّم الله النبي بوحيه وتنزيله امورا متنوعه كثيرة كان غافلا عنها هو
وقومه، ولكن ذلك لا يقتضي أنه كان غافلا عن كل ما حوله من أمور، وما يدور في بيئته
وعلى ألسنة معاصريه من كتابين وغير كتابين، عرب وغير عرب، من
أنباء وقصص وظروف وحالات، فإن هذا يناقض طبائع الاشياء...
وفي القرآن إشارات الى أمور كثيرة جدا مما كان عليه الناس في بيئة النبي ص.
ودائرا فيها من شؤون وظروف وحالات دينية واجتماعية واخلاقية ومعاشية ومعارف وانباء
تناولها القرآن بالذكر جدلا وعظة وتعليما وتنديدا واصلاحا وتشريعا وحظرا وإباحة.
ولو يقول أحد بطبيعة الحال ان هذه الامور جاءت في القرآن جديدة.
أو ان النبي كان أو يمكن ان يكون في غفلة أو عزلة عنها قبل مبعثه، وكثيرا منها متصل
بتاريخ واحوال وتقاليد ظروف عربية وغير عربية. وليس هناك فرق فيما نعتقد، في المدى،
بين الحالتين".
4- اتصال محمد نفسه بأهل الكتاب
ويستشهد دروزة بالقرآن على اتصال محمد الشخصي بأهل الكتاب. " في سورة النحل(103)
آية تحكي دعوى بعض الكفار ان شخصا أجنبيا معينا كلن يعلّم النبي
( ولقد نعلم انهم يقولون: انما يعلمه بشر! – لسان الذين يلحدون اليه أعجمي، وهذا
لسان عربي مبين). فالاية تنفي التعلم الذي أراد ناسبوه في ادعائهم جحود نزول الوحي
الرباني بالقرآن على النبي ص. غير أنها لا تنفي اتصالا ما بينه
وبين أحد أفراد الجالية الاجنبية كما هو ظاهر. والمتبادر ان الجاحدين
لم يكونوا ليقولوا ما قالوه لو لم يروا أو يعرفوا أن النبي ص.
كان يتردد على شخص من افراد هذه الجاليه في مكة، هو أهل علم وتعليم ديني، وله وقوف
على الكتب الدينية السماوية...وأنه كان يستمع احيانا الى ما يُقرأ من تلك الكتب.
وليس من المستبعد، إن لم نقل من المرجح، أن يكون هذا الاتصال قبل البعثة ثم امتد
الى ما بعد البعثة".
" وفي سورة الفرقان آية تحكي كذلك دعوى بعض الكفار أن النبي ص. كان يستعين في نظم
القرآن " بقوم آخرين" كما ترى: " وقال الذين كفروا: إن هذا الا إفك افتراه، وأعانه
عليه قوم آخرون..." والاية انما تنفي كذلك دعوى الاستعانة ولا
تنفي اتصالا أو صحبة بين النبي ص. وفريق من الناس، كما ان تعبير "
قوم آخرون"، يلهم ان المنسوب اليهم أكثر من واحد.
وبالتالي يسوغ القول انه غير الشخص الاعجمي المعني في آية النحل (103). والذي
يتبادر الى الذهن أن الكفار لم يكونوا ليقولوا ما قالوه، مما حكته الاية،
لو لم يروا أو يعرفوا أنه كان للنبي ص. حلقة، أو رفاق يجتمعون اليه ويجتمع اليهم،
ويتحدثون في الامور الدينية. وليس من المستبعد – إن لم نقل من المرجح – ان
هذا كان قبل البعثة ثم امتد الى ما بعدها. وأن يكون من هؤلاء الرفاق
أفراد من الجالية الكتابية".
5- شهادة القرآن على قيام لغات اجنبية في
مكة
إن القرآن يشهد مباشرة على قيام لغات أجنبية في مكة، ومداورة بأن محمد كان يعرف تلك
اللغات الاعجمية.
الشهادة الاولى: " ولقد نعلم أنهم يقولون: إنما يعلمه بشر! – لسان الذين يلحدون
اليه أعجمي، وهذا لسان عربي مبين" (النحل 103)
الشهادة الثانية: " ولو جعلناه قرآنا اعجميا، لقالوا: لولا
فصّلت آياته! أأعجمي وعربي"؟؟ (فصلت 44).
نلاحظ ان التفصيل في لغة القرآن يعني التعريب. فقوله " تفصيل الكتاب" (يونس 37)
يعني تعريب الكتاب.
يقول محمد صبيح ( عن القرآن ص 116): " ومن هنا ( الرحلات من والى مكة والاستيطان
فيها) يمكن أن نقرر: ان أهل مكة عرفوا لغات أجنبية الى جانب
لغتهم الاصلية. وان اللغة الاصلية نفسها تأثرت بهذه اللغات التي تنتقل الى
مكة من الاجانب المقيمين بها أو تنتقل الى مكة في متاجرها. وقد كونت هذه الرحلات
وهذه الاتصالات، الى جانب التأثير اللغوي، ثقافة غير هينة،
كما وُجدت حركة تدوين وقراءة. هذا هو شأن مكة، ولغة
أهلها".
6- شهادة الحديث على معرفة محمد للغات
الاجنبية
ويأتي الحديث فيثبت لنا معرفة محمد باللغات الاجنبية
الموجودة بمكة، والتي كان يتصل بها في الجنوب والشمال، بحكم رحلاته التجارية، على
رأس أضخم تجارة مكية.
يقول محمد صبيح ( عن القرآن ص 116-117): " ولم يقل أحد إن رسول
الله لم يكن يعلم شيئا من أمر هذه اللغات التي تأثرت بها مكة، وأمر هذه الثقافات
التي ذابت فيها. بل أكثر من هذا، فان لدينا من الحوادث ما يؤكداتصال رسول
الله، وهو في مكة، بهؤلاء الاجانب، الذين كانوا يقيمون فيها،
وكان يزورهم ويطيل صحبتهم. فقد روي عن عبيد الله بن مسلم قال: " كان لنا
غلامان روميان يقرأان كتابا لهما
بلسانهما، فكان النبي ص. يكر بهما فيقوم فيسمع منهما – (
اذن كان محمد يعرف اليونانية ) – وروي عن ابن اسحق أن رسول الله كثيرا
ما كان يجلس عند المروة الى سبيعة، غلام نصراني يقال له جبر، غلام لبعض بني
الحضرمي، وعن ابن عباس ان النبي كان يزور وهو في مكة، أعجميا
اسمه بلعام، وكان المشركون يرونه يدخل عليه ويخرج من عنده – ( وقد يكون
حديثهما بالعربية، وقد يكون بالفارسية) – وفي رواية اخرى
ان غلاما كان لحويطب بن عبد العزى، قد أسلم وحسن اسلامه، اسمه عاش أو يعيش،
وكان صاحب كتيب، وقيل هما اثنان جبر ويسار، كانا يصنعان
السيوف بمكة ويقرأان التوراة والانجيل (بالعبرية
واليونانية، أو السريانية)؛ فكان رسول الله اذا مر عليهما وقف يسمع ما يقرأان.
واذن فقد كان رسول الله يسمع ما يُقرأ في الكتب، بلغة غير لغة
مكة، ويفهم ما يُتلى عليه".
7- حاشية محمد قبل البعثة وبعدها كانت
حاشية علم وتوحيد كتابي
قبل " البعثة" كان محمد حنيفا يؤمن بالتوحيد ويبحث عنه وفيه مع زملائه. وكان له
ايضا رفقه من أهل الكتاب ومن العرب يجتمعون ويبحثون في الدين والتوخيد.
وبعد " البعثة" نرى في حاشية محمد جلة القوم من الصحابة وعلى رأسهم ابو بكر وعمر
وعلي وكلهم من أهل العلم والمعرفة بشؤون الدين والدنيا. وخاصته من أهل الكتاب
سليمان الفارسي النصراني الخبير بالدين وشؤون الحرب وهو صاحب فكرة الخندق حول
المدينة للدفاع عنها؛ وصهيب الرومي الثري؛ وبلال الحبشي مؤدن محمد؛ ثلاثة من
النصارى من بلاد مختلفة، ذي معارف مختلفة، يحلون ويرحلون مع محمد؛ ومعه اثنان من
علماء اليهود، كعب الاحبار وعبدالله بن سلام. فهذه الحاشية والصحابه دليل بيئة
مثقفه في الادب والدين والكتاب المقدس، أكفاء لحمل الدعوة الكتابية مع الداعي
الاكبر.
ونقل محمد صبيح (عن القرآن ص 87) ان " الناس كانوا يعرفون القراءة والكتابة من
أصحابه الاوائل: أبو بكر وعثمان وعلي والزبير. وقد أحصى كتاب الاسلام والحظارة
العربية 42 كاتبا يؤلفون الديوان النبوي...وتقول دائرة
المعرف الاسلامية، نقلا عن القلاذري أن حفصة وأم كلثوم
كانتا تعرفان القراءة والكتابة، وأن عائشة وأم مسلمة
كانتا تعرفان القراءة ولا تعرفان الكتابة...وعن الازرقي ان بلدا مثل مكة كانت تكثر
فيه التجارة مع الخارج، ما كان يمكن ان يخلو من كثيرين يكتبون ويقرأون:
فالتجارة تحتاج الى حساب والحساب يحتاج الى تدوين".
من هنا يتضح ان الارستقراطية المكية كانت تقرأ وتكتب، وعلى ثقافة واسعة. ومحمد تربى
عند عمه ابي طالب، الذي ثقّف علياً ثقافة عالية، فكان كاتبا وخطيبا شق (نهج
البلاغة) للعرب: أيكون محمد، وهو أمانة عند عمه، دون ابن عمه؟؟؟
8- يدلنا على ثقافة محمد ظاهرتان أخريان:
التجارة والثقافة.
أجمعت المصادر ان محمدا تعلم التجارة بين اليمن والشام على يد عمه. ولما برع فيها
استخدمته خديجة بنت خويلد في تجارتها، " ثم خرج على تجارة خديجة، التي كانت قيمتها
تعادل قيمة تجارة قريش مجتمعة. اي انه كان يخرج على نصف تجارة
قريش كلها" ( عبد الرزاق نوفل: محمد رسولا نبيا ص 97). تجارة كهذه تحتاج الى
الحساب الدقيق والحساب الكبير يحتاج الى تدوين. من هذا الوجه، هذا دليل أول على ان
محمدا لم يكن اميا. ومن وجه آحر، هذه الرحلات المتواصله الغنية بين اليمن والشام،
كانت سبب اتصالات ماليه وثقافة نادرة، سمحت لمحمد الحنيف اللقاء بالمفكرين وعلماء
الدين. فكان محمد بعد زواجه أكبر تاجر دولي في قريش، وأوسع أهلها
ثقافة عربية وأجنبية.
والظاهرة الثانية ان محمد بحكم تجارته كان يعرف لغات اجنبية، ويؤثر الاتصال
بالاجانب المقيمين في مكة – راجع ما نقلنا اعلاه عن محمد صبيح.
وهكذا كان محمد يعرف اللغة الحميرية والحبشية الشائعة في اليمن، ويعرف السريانية
لغة سوريا مع الرومية الشائعة فيها، والفارسية التي تتاجر فيها معها. واستشهاد
القرآن بالكتاب واهله في مكة، وجداله لليهود في المدينة، وتحديهم أن يأتوا بالتوراة
فيتلوها أمام الناس، دليل على اطلاعه على العبرية ايضا.
--------------------
جاء في ( اسباب النزول ): " أخرج ابن جرير (الطبري) عن عمر انه كان يأتي اليهود
فيسمع من التوراة فيعجب كيف تصّدق ما في القرآن. قال فمر بهم النبي ص. فقلت نشدتكم
بالله أتعلمون أنه رسول الله؟ فقال عالمهم: نعم نعلم انه رسول الله! قلتُ فلمَ لا
تتبعونه؟ قالوا سألناه من يأتيه بنبوته فقال: جبريل وذاك عدونا من الملائكه". –
لاحــــظ تردد محمد والصحابة على نوادي اليهود وكنيسهم وتذكر
السيرة ايضا تردد محمد على بيت المدراش (حيث يتدارسون كتبهم) ومباحثهم (2: 201).
" واخرج ابن ابي حاتم ان يهوديا لقي عمر بن الخطاب فقال ان جبريل الذي يذكر صاحبكم
عدوُ لنا. فقال عمر: مَن كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل
وميكال فإن الله عدوه – فنزلت على لسان عمر".
ورد اسم ميكال (ميخائيل) فهل هذا عربي مبين أم
اجنبي مقحم على القرآن بحرفه ولفظه العبراني المبين؟؟؟
----------
فقد كان محمد لغويا عالما يعرف الحبشية والحميرية والسريانية والرومية والعبرية
والفارسية، أو يعرف بعضها ويلم ببعضها. والقرآن شاهد عدل بما فيه بغير لغة الحجاز
من لغات العرب المختلفة، وبما فيه بغير لغة العرب كما جمعها السيوطي في الاتقان. (
راجع اعلاه).
وقال السيوطي والواسطي ايضاً: "في القران من غير اللغة العربية
من لغة الفرس والروم والنبط والحبشة والبربر والسريانية والعبرانية والقبط". وقد
جمعها السيوطي في كتابه (المتوكلي) ايضاً "فتمّت اكثر من مئة لفظة بغير لغة العرب".
" وقد فهم الصحابة القرآن إجمالا، ولكن الفاظا غير قليلة استغلقت عليهم، بل ان
بعضها لا يزال مستغلقا علينا الى اليوم على الرغم من أن وسيلة العلم ببعض اللغات
القديمة قد توفرت لدينا" (محمد صبيح: عن القرآن ص 117).
فهذه شواهد ملموسه من القرآن والتاريخ والحديث وحتى علماء المسلمين، تدل على سعة
علم محمد قبل بعثته وبعدها، وعلى اطلاعه على لغات العرب وعلى لغات أجنبية عديدة.
المعارضون
يتهمون محمد بأن له مصادر
نورد تاليا ردّ الفعل الذي أثاره القرآن عند معارضيه، فرموا محمدا بطائفة من التهم
المتنوعة، نذكر من الخاصة " بالمصادر"!!!
1. تهمة الافتراء على الله بمعونة الاخرين له!
" وقال الذين كفروا: إن هذا افك افتراه، وأعانه عليه قوم آخرون..." (فرقان 4).
ويرددون تهمة التزوير مرارا، فيسخر منهم ويتحداهم (هود 14). وفي صورة النحل صولة
بين محمد وخصومه: يستشهدون عليه بالافتراء من تبديل اية مكان اية، ويستشهدون بتعلمه
من بشر " ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر! – لسان الذين يلحدون اليه اعجمي،
وهذا لسان عربي مبين" (نحل 103).
قال البيضاوي في نحل 103: " إنما يعلم بشر: يعنون جبرا الرومي غلام عامر بن
الخضرمي. وقيل ان جبرا ويسارا كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآن
التوراة والانجيل وكان رسول الله يمر عليهما أو يسمع ما يقرآنه. وقيل عائشا
غلام حويطب بن عبد العزي قد أسلم وكان صاحب كتب. وقيل سليمان الفارسي...وتقريره
يحتمل وجهين احداهما ان ما يسميه كلام أعجمي لا يفهمه؛ وثانيهما هب انه
يفهم المعنى بالسماع، ولكن لم يتلقن منه اللفظ لان ذاك اعجمي وهذا عربي.
والقرآن كله معجز باعتبار المعنى فهو معجز من حيث اللفظ".
قال محمد صبيح (عن القرآن ص 112-117): " فهذه الايات صريحة الدلالة على ان النبي
كان يتلو القرآن باللسان العربي المبين الذي يعلمه هو. وقد حرصت آيات كثيرة على
تأكيد هذا المعنى...ولكن هل كان يعرف النبي لغة غير لغة قريش
الحجازية المكية التي نراها في القرآن وفيما صح من الاحاديث؟...وما
هذا اللسان أو الالسن الاعجمية التي يتحدث عنها القرآن؟..كان
يقيم في مكة ناس من الفرس واليونان وأقباط مصر وأهل الحبشه وأهل الجنوب وغيرهم. ومن
المؤكد ان هؤولاء القوم كانوا يقيمون فيها وألسنتهم معهم. وكان اتصالهم بأهل هذه
القرية يضطرهم الى تعلّم لغتها العربية القرشية كما ينقل الى لسان المكين ألفاظا
غير قليلة من هؤلاء الذين يقيمون بينهم...ومن هنا يمكن ان نقرر ان أهل مكة عرفوا
لغات اجنبية الى جانب لغتهم الاصلية وأن اللغة الاصلية نفسها تأثرت بهذه اللغات
التي تنتقل الى مكة من الاجانب المقيمين فيها أو تنتقل اليها مكة في متاجرها...
وقد كان رسول الله يسمع ما يقرأ في الكتب بلغة غير لغة مكة وكان يفهم ما يتلى عليه"!!!!
ملاحظة : لاحظ ان محمد كان يفهم ما يسمع (يتلى عليه) بلغة
غير اللغة العربية!!!
2. تهمة " أضغات أحلام"
لعلم معارضي محمد ان دليل الله على انبياءه المعجزة، فطلبوا منه معجزة كالانبياء
الاولين، فما جائتهم. فوجهوا اليه انذارا ذو حدين: إما المعجزة، وإما الافك: "
وأسروا النجوى الذين ظلموا: هل هذا إلا بشر مثلكم؟ أفتأتون السحر وأنتم تبصرون!
...بل قالوا أضغاث أحلام! بل افتراه! بل هو شاعر! – فليأتنا بىية كما أرسل
الأولون!" (انبياء 3-5)
وقد فاتهم ان بين المعجزة والافك طريقا اخرى قد تكون الحقة، ومحمد يدلهم عليها
بإحالتهم على الكتاب وأهله (أنبياء 7).
3. تهمة " أساطير الاولين، اكتتبها"
لقد عمل القوم بأشارات محمد الى أهل الكتاب، ولاحظوا علاقاته مع
علماء الكتاب، فقالوا ان القرآن من أساطير أهل الكتاب.
هذه هي التهمة الكبرى التي ظلت تلاحقة طيلة حياته. نراها
منذ سورة القلم: " ولا تطع كل حلاف مهين...اذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير
الاولين" ((10-15) وتنتهي مجادلتهم معه بهذه التهمة: " اذا جاؤك يجادلونك، يقول
الذين كفروا: إن هذا إلا اساطير الاولين" (انعام 52) ورافقته الى المدينة، حتى بعد
معركة بدر ونصر المسلمين على المشركين: " واذا تتلى عليهم اياتنا قالوا: قد سمعنا،
لو نشاء لقلنا مثل هذا: إن هذا إلا اساطير الاولين..." (انفال 31)
وأصروا على موقفهم الذي تؤيده تصريحات القرآن ومشاهداتهم: " وقالوا: أساطير
الاولين، اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا" (فرقان 5). " اي ما
سطره المتقدمون، كتبها لنفسه أو استكتبها، وأصله اكتتبها كاتب له، وهي تملى عليه
بكرة وأصيلا ليحفظها...وأعانه عليه قوم اخرون أي اليهود فانهم يلقون اليه أخبار
الامم وهو يعبر عنها بعبارته. وقيل جبر ويسار وعداس؛ وقد سبق في قوله:
:” إنما يعلمه بشر" (البيضاوي).
قال محمد صبيح: بل أكثر من هذا فإن لدينا من الحوادث ما يؤكد اتصال رسول الله وهو
في مكة بهؤلاء الاجانب الذين كانوا يقيمون فيها وكان يزورهم
ويطيل صحبتهم. فقد روي عن عبدالله بن مسلم قال: كان لنا
غلامان روميان يقرآن كتاب لهما بلسانهما فكان النبي ص. يمر بهما فيقوم ويسمع منهما.
وروي عن ابن اسحاق ان رسول الله كثيرا ما كان يجلس عند المروة الى سبيعة – غلام
نصراني يقال له جبر – عبد لبعض بني الحضرمي. وعن ابن عباس ان النبي كان يزور وهو في
مكة اعجميا اسمه بلعام وكان المشركون يرونه يدخل عليه ويخرج من
عنده...." (عن القرآن 116) وعلى تهمة ان القرآن من اساطير
الاولين من أهل الكتاب لا جواب لها سوى قوله: "انزله الذي يعلم السر في
السموات والارض" (فرقان 6) فلا تقنعهم، حتى ظلوا يطلبون اية رحمة من السماء تؤيده
مثل الانبياء الاولين (انبياء 5)، او آية عذاب اليم مثل حجارة من السماء يضربهم بها
الله (انفال 32)، فجاءت اخيرا اية " الحديد، فيه بأس شديد" (حديد 25)
فأخرستهم نهائيا.
4. تهمة " درست"! (انعام 93)
" أم لكم كتاب فيه تدرسون" (القلم 38)؛ " وما أتيناهم من كتب يدرسونها" (سبأ 44)
مما يوحي بأن محمد كان له كتبا يدرس فيها. " أم عندهم الغيب فهم يكتبون" (القلم 42؛
الطور 42) ويسطرون بالقلم (القلم 2) من الغيب المنزل ويعلمون الناس، لذلك كان
يقولون لمحمد: " لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه" (سبأ 33) " بالذي تقدمه
كالتوراة والانجيل" (الجلالان).
لقد أجاب محمد على جميع التهم، ولكن تهمة الدراسة عند أهل الكتاب
يمر بها مرور الكرام، كأنه يقبل بها. وهذه هي التهمة بأجلى بيان: " قد جائكم
بصاءر من ربكم... وكذلك نصرف الايات وليقولوا: درست
ولنبينه لقوم يعلمون" و " الدرس: القراءة والتعلم. ودارست أهل الكتاب: ذاكرتهم"
(البيضاوي انعام 104-105) ( دارست: ذكر البيضاوي عشر قراءات لهذه الكلمة؛ حفظ منها
الجلالان: درست أو دارست أي ذاكرت أهل الكتاب أو درست كتب الماضين وجئت بهذا منها).
ولا جواب عنها في القرآن، بل بالاحرى كل تصريحاته التي ذكرت اعلاه تقوّي فيهم هذه
الشبهه.
ودرس الكتاب وتفصيله كانت مهمة الربانيين أئمة أهل الكتاب الذين يذكرهم القرآن.
ويرد اللفظ والمعنى في الكتاب " درش" بمعنى درس ودرّس أي فصّل. وكان نحميا مع أئمة
اللاويين يفصّل الكتاب للشعب" "قرأوا في سفر توراة الله جهرا وفصّلوا المعنى حتى
فهم الشعب القرأءة" ( نحميا 8: 8-9) قالقرآن، اذ ينسب لنفسه مهمة " تفصيل الكتاب"
مثل أئمة الكتاب، يؤيد التهمة التي لا يرد عليها.
وبخصوص الدراسة والاكتتاب، والاكتساب العلمي الذي لا يتنافى مع التنزيل نجد هذه
التلقينات القرآنية عند محمد عروة دروزة ( سيرة الرسول 1: 38-39): " هذه الايات
(عنكبوت 48) قد حملت على ما يبدو بعض المسلمين على نفي الاكتساب العلمي عند
النبي...ونحن لا نرى حكمة أو ضرورة تحمل هؤلاء العلماء على نفي
الاكتساب العلمي عن النبي ص. قبل بعثته وبذل الجهد في هذا النفي. كما اننا
لا نرى هذه الايات تتعارض مع صحة القول بأن النبي ص. قد اكتسب
معارف كثيرة مما كانت تحويه الكتب الدينية وغيرها من مبادىء وأسس وتشريعات وقصص،
ووما كان يدور على السنة الناس من مثل ذلك، كتابين كانوا او غير كتابين، بسبب تلك
الاتصالات التي تلهم وقوعها الايات القرآنية، وبسبب
الرحلات التي أجمعت الروايات ان النبي ص قام بها، وبسبب طبيعة وجوده في بيئة تلم
الماما غير يسير بهذه المعارف... إن أهل بيئة النبي كانوا على اتصال دائم بالامم
الكتابية وغير الكتابية عن طرق المستقرين منهم بالحجاز وعن طريق الرحلات المستمرة
الى البلاد المجاورة. وان كثيرا من أخبارهم ومعارفهم وعقائدهم
وأحوالهم قد تسربت الى العرب، وشاهدوا مشاهدها التاريخية والمعاصرة، وليس من
الطبيعي، ولا من المعقول ان يبقى النبي ص في عزلة أو غفلة عن هذا
كله".
وفي سورة الطور ( 29-42) موقف يجمع التهم الموجه الى محمد والقرآن، فيرد عليها
جميعا الا تهمة الاتصال بالكتاب واهله، يمر بها مرور الكرام: " فَذَكِّرْ فَمَا
أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ
نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ
الْمُتَرَبِّصِينَ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ
طَاغُونَ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ
مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ
الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ أَمْ
عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ
يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ أَمْ لَهُ
الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ
مُثْقَلُونَ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ – (
لا جواب) - أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ
الْمَكِيدُونَ "
فالغيب المنزل هو عند محمد وعند اساتذته أئمة الكتاب، وهو يتعلم منه (نحل 103)
ويدرس فيه ( قلم 35 وأنعام 93) ويطلع على الغيب المنزل في الكتاب الامام بواسطتهم
(سجدة 23 شورى 51). فاذا تحدى قومه بما يكتبون له من الغيب " ام عندهم الغيب فهم
يكتبون" (القلم 42، الطور 42) او قالوا " دريت" (انعام 104)، " وما اتيناهم من كتب
يدرسونها" (سبأ 44) تبقى التهمة بلا جواب. وهذا تسليم ضمني
بالامر الواقع
الصفحة
الرئيسية |
|
الصفحة
الرئيسية |