خلف الحجاب |
|
الفصل الثاني المرأة في نظر الجماعات الإسلامية ـ صورة من قريب ـ
[المرأة تأتي على صورة شيطان … فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها. ] حديث يتكرر استخدامه كثيراً في أدبيات الجماعات الإسلامية ولكن لماذا تـُصَّور المرأة على هيئة شيطان ....؟ ألا يعني ذلك أنها شيء كريه وبشع ويجب أن يحارب … ؟ ألا تقدم تلك الصورة عكس ادعاءات الجماعات الإسلامية بأنها تريد الخير للنساء … فكيف تريد الخير للشيطان … ؟ تلك الازدواجية تبدو واضحة في جميع خطبهم وكتاباتهم … بل تكاد تكون السمة العامة في تناولهم لموضوع المرأة الذي غالباً ما يتم تناوله في درجات متتالية أو متداخلة ، يمكن تحديدها في الأفكار الآتية : _ 1ـ الحديث الإنشائي عن إكرام الإسلام للمرأة وإعلائه شأنها حينما أمر بسترها وصونها في البيت ... 2ـ التقليل من القدرات العصبية والنفسية والعقلية للمرأة بالمقارنة مع الرجل، وتصعيد ذلك إلى نفي قدرتها الطبيعية على القيادة وشغل المناصب العامة. 3ـ الهجوم على المرأة العاملة باعتبارها مسببة البطالة وسارقة فرص العمل من الرجال ومخربة الأسر ومشردة الأطفال. 4ـ تخصيص أنواع بعينها من العمل للنساء كأعمال طب النساء والتمريض والتدريس والخياطة والغزل، أو تخصيص عنابر للنساء في المصانع تضمن الفصل بين العامل والعاملة. وكتابات الجماعات الإسلامية في تلك الأفكار تحتوي على الكثير من التناقض فهم يتحدثون عن الفكرة وعكسها في نفس الوقت – كما سنرى فيما بعد – كما أن النصوص التي يستشهدون بها بالغة العمومية وتحتمل تفسيرات شتى ، والتدقيق فيها يكشف عن بعد آخر يحرصون على إخفائه دائماً خلف الصيغ العامة. فهم حينما يسبون المجتمع المدني الحديث الذي سمح بعمل المرأة وإعطائها كثير من الحقوق ... لا يقصدون بذلك سحبها إلى البيت مرة أخرى وعودتها المطلقة إليه ... وإنما يقصدون الهجوم على حقوق سياسية واجتماعية تكفل لها المساواة ... فلا مانع من عملها ولكن بشروط وتحت ظروف قاسية – كما سنرى بالتفصيل بعد ذلك . وهم عندما يطالبونها بإخفاء جسدها العورة ويسبونها بأقذع الشتائم وأبشع الصفات .. يغازلون لديها – في نفس الوقت – المثيرات الحسية ويطالبونها بأن تكون عاهرة للزوج في مواضع أخرى ... والمادة التي تدور حول تصورهم هذا من الغزارة والفجاجة بحيث كان يكفي تجميعها ووضعها جوار بعضها البعض لتعطي صورة صارخة عن هؤلاء الذين يدعون الدفاع عن المرأة ويتحدثون باسم الحفاظ عليها. لغة الخطاب الموجه إلى النساء عندهم يغلب عليها طابع التهديد والوعيد وتدور حول وصف النساء بالقطيع الضال الذي يحتاج إلى من يقوده، وخصوصاً بالعصا – وكثرة استخدمهم لكلمة التبرج في وصف غير المحجبات يليها استخدام صفات التغفيل والطيش. حتى أن كتيباً دعائياً صغيراً طبعته مؤسسة دار الاعتصام، إحدى دور الإخوان المسلمين للنشر والطبع – تحت عنوان " التبرج " لنعمت صدقي حشد في صفحاته القليلة التي لم تتجاوز الستين صفحة من القطع الصغير، تلال من السباب والشتائم وضعتها الكاتبة على رؤوس النساء بلا حساب فلم تتورع عن تسمية المرأة غير المحجبة " بالراقصة الخليعة الفاجرة " أو " الزانية الفاحشة "... كما ملأت صفحات الكتاب بصراخ هستيري : - " يا للفضيحة ويا للخجل والعار " . وكأننا لانزال نعيش في القرن الأول في الصحراء القاحلة وصهيل الخيل ودوي السيوف يتعالى ....!!! ومن الطريف أن الجماعات الإسلامية إمعاناً منها في فرض جو إرهابي يحلل لها تحقير نساء العصر الحديث، تلجأ إلى تشبيههن بنساء العصر الجاهلي، طالما أن صورة الجاهلية ترتبط في ذهن الناس بما ما هو مذموم ... ملعون بما يسهل مهمة التشكيك في نتائج الحضارة الحديثة، ويدر ظهر النساء إلى الحائط ... ولكن ما وجه التشابه بيننا نحن نساء القرن العشرين وبين من يسمين بالجاهليات ، فنحن لا نرتدي ملابسهن ، ولا نفكر بطريقتهن ولا نعيش وضعهن الاجتماعي وعلاقتهن بالجنس الآخر من الرجال ، والفرق بيننا وبينهن ليس رقم الأربعة عشر قرناً في حسابه العددي، بل ميراث حضارة وتجارب وخبرات وأفكار التطور التاريخي عبر هذا الزمن الطويل ... ووعي المرأة المعاصرة الاجتماعي – حتى المرأة التي لم تتعلم القراءة والكتابة ولم تمارس عملا وظيفيا لا يمكن قياسه بوعي امرأة القرن التاسع عشر...فما بالكم بوعي أربعة عشر قرناً سابقة ...؟ وبم أن دعاية الجماعات الإسلامية لا تستطيع اختزال أربعة عشر قرناً من عمر الحضارة البشرية بكل نتائجها – حتى لو استغاثوا بكل أسلحتهم الإرهابية لفرض جو من الخوف والصمت عن النقاش – فإن للتشبيه عندهم غرضاً آخر، فربما يستخدمون تلك الأمثلة لتجريم الميراث الفكري الحضاري واختزاله ليس من التاريخ بل من عقل جمهور النساء المتعبات في اللحظة الحالية …مع ملاحظة أن هذه الدعوات لم تجد أي إقبال من نفس هذا الجمهور في لحظات تاريخية سابقة كانت تجسد قوة الإخوان المسلمين … كما رأينا في الفصل السابق : - إن تشبيه " الجاهلية " هو سوط تسلطه الجماعات الإسلامية على ظهور النساء المتعبات لتوجيه طاقتهن وفق النسق الأيديولوجي لهم، وتستخدمهن به في إحداث المزيد من التوتر في معركتهم الآن ... وأي مدقق في كتابات تلك الجماعات سوف يلحظ بسهولة التناقض الواضح في النصوص بين الإكثار من ترديد الصيغ الإنشائية حول إكرام المرأة وإعلاء مكانتها، وبين استدعاء حديث يقول : - [ النساء سفهاء إلا التي أطاعت زوجها ] . وبصرف النظر عن صحة الحديث أو وضعه .. لأنها قضية أخرى يمكن أن تبحث في علم رواية الحديث .. فإن الجماعات الإسلامية تفتن به وتستشهد به كثيراً حيث ورد في معظم كتبهم مثل كتاب ( إلى كل فتاة تؤمن بالله ) للدكتور محمد البوطي ... وغيره. مثال آخر : - فهم يستشهدون بحديث : ( استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج ، وان أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، فاستمتع بها على عوج.) - (حسن البنا - حديث الثلاثاء ) فهذا الحديث الذي يبدو في الظاهر وكأنه دعوة لحسن معاملة النساء إلا أنه يعكس تفوق الرجل الذي تمنحه تلك الرؤية الاستمتاع بالمرأة وكأنها دمية، ويا ليتها حتى دمية مستقيمة بل هي معوجة. ومن الطريف أن يسوق حسن البنا المرشد العام هذا الحديث في حديث الثلاثاء ويشرحه لمستمعيه قائلاً : ( والأعوج فيها رأسها، والمعتدل فيها قلبها، فكل معاملة معها يجب أن تكون على أساس من السياسة واللين لا على المنطق والفلسفة. ) ويقول البهى الخولي تعليقاً على نفس الحديث : _ ( إن إغضاء المرء عما لا يرضى من حال زوجته يكفل له إقباله على الاستمتاع بها، ولا يحرمه تلك السعادة، والرسول عليه السلام لا يعني بما قدمنا أن المرأة مخلوق شرير شرس، إنما يريد - كما ذكرنا - تقرير الحقائق ليخرج المرء عن أحلامه وأوهامه. ) إذاً فالإخوان يعتبرون أنه من الأوهام الاعتقاد بسلامة المرأة ... في نفس الوقت الذي يسوقون الحجج لإظهار أنفسهم بمظهر المدافعين عن النساء والمنقذين لهن من وحشية الحضارة الحديثة ...!!! إن أدبيات الجماعات الإسلامية مليئة باستدعاءات من تراث الأحاديث والآيات والمواقف التاريخية تؤكد جميعها أن النظر للمرأة لم يكن أبداً يقوم على أساس مساواتها بالرجل في الإنسانية، بل يقوم على كونها جسداً يرضى نزعاته الجنسية ففي كتاب أبي حامد الغزالي " إحياء علوم الدين " الذي أعادت الجماعات طباعة الجزء الخاص بالمرأة فيه تحت عنوان " الزواج الإسلامي السعيد " حديث موجه إلى الرجال بشأن النساء :- ( ينبغي أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة وتتبع الحق في جميع ذلك لتسلم من شرهن، فإن كيدهن عظيم وشرهن فاش والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل، ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة.) (أبو حامد الغزالي – الزواج الإسلامي السعيد ص80). وكان علي بن أبي طالب يقول : ( شر خصال الرجال خير خصال النساء ، البخل والزهو والجبن ، فإن المرأة إذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال زوجها ، وإذا كانت مزهوة استنكفت أن تكلم كل أحد بكلام لين مرتب ، وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء فلم تخرج من بيتها واتقت مواضع التهمة خيفة من زوجها.) . إذاً فتلك هي الصورة المثلى التي تريدها الجماعات الإسلامية للمرأة :- جبانة – بخيلة ، في مقابل صورة الرجل الكريم – الشجاع ... حيث تكون نقيضه الذي يجمع بداخله النواقص والمثالب ويكون ذلك مبرر خضوعها له. وعلى النساء من وجهة نظر الجماعات الإسلامية ألا يتبرمن من تلك الصفات السلبية ومن هذا الوضع الدوني ، وأن يقتنعن بأن هذا هو الخير كما تطالب بذلك النشرات الدعائية التي يوزعونها بين الحين والآخر على طلاب الجامعات ويملأونها بشوارد الأحاديث والحكايات ومنها تلك الحكاية : - ( روى أن أسماء بنت يزيد الأنصاري رضي الله عنها أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت يا رسول الله إني وافدة النساء إليك . إن الله بعثك بالحق للرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك ، وإنا معشر النساء محصورات قواعد بيوتكم ، وحاملات أولادكم ، وأنتم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى ، وشهادة الجنائز ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله تعالى ، وإن الرجل إذا خرج حاجاً أو مرابطاً أو معتمراً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا لكم أولادكم … فما نشارككم في هذا الخير والأجر يا رسول الله ؟ فالتفت النبي (صلى الله عليه وسلم ) بوجهه الكريم إلى أصحابه ثم قال: - هل سمعتم مقالة امرأة أحسن من هذا عن أمر دينها، فقالوا يا رسول الله ما ظننا امرأة تهتدي إلى مثل هذا فالتفت النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم قال: " انصرفي أيتها المرأة ، وأعلمي من خلفك من النساء أن طاعة – الزوج اعترافاً بحقه – يعدل ذلك. وقليل منكن من يفعله. " ) إذاً فهذا التصور الذي يرفع مكانة الرجل إلى حد التقديس والاعتراف بحقه وتجبيله لاحتكاره المهام ذات الشأن الاجتماعي هو نفسه الذي يخفض من قيمة المرأة ويقلل شأنها وشأن قدراتها العقلية والنفسية .. ويفيض كتابهم في الحديث عن ضعفها الجسدي والمعنوي وعدم استقامة نفسيتها كما رأينا من قبل ، وحتى في محاولة بعض شيوخ الجماعات الإسلامية في التذاكي وإلباس تلك الأفكار ثوباً عصرياً ، فإن محاولاتهم تكشف عن مزيد من التناقض بين الصيغ الإنشائية لإعلاء شأن المرأة التي يطنطنون بها في الخطب الدعائية وبين تصورهم الدوني عنها كما ينعكس كلما استرسل الخطيب أو الكاتب في الحديث .... فالشيخ محمد الغزالي – الذي يأخذه الحماس في الرد على العلمانيين – يحاول أن يتصل من هذا التناقض بمحاولة إرجاعه إلى من يسميهم بالمتزمتين ولكن الكرة سرعان ما تعود إليه مرة أخرى لأن الحقيقة لابد أن تكشف عن نفسها مهما برع الأشخاص في القدرة على التزييف فهو يقول : ( إن القماءة الفقهية عند بعض المشتغلين بالعلم الديني أحرجت الإسلام كثيراً ومكنت خصومه من خناقه. ) . ولكن على الرغم من هجومه الواضح على من يدعوهم بالمتزمتين ، فأنه لا يستطيع إلباس تلك الأفكار زياً عصرياً متفتحاً وأن يخلصها من الإحراج النابع من تناقضاتها الداخلية ، حيث يقع هو في نفس الحرج حينما يتصدى للتعليق على الحديث النبوي " النساء ناقصات عقل ودين. " فيقول : - " والمرأة على ضعفها تحب أن تغلب غيرها وتعرض نفسها ، قد تقول وما هذا الضعف ؟ والجواب في تكوينها الخلقي فإنها تضحى عليلة أو شبه عليلة خلال الدورة الشهرية التي تعتادها ، وتؤثر في أعصابها وأفكارها ، وزاد الطين بلة في تأليب المرأة المعاصرة على الإسلام أن البعض فسر نقصان العقل بالحماقة ونقصان الدين بالمعصية ، وعد الأنوثة ترادف الخسة والهوان ، وهذا التفكير امتداد للجاهلية الأولى ، وهو بعض ما يشين النفسية العربية ، والإسلام بريء من هذا اللغو. " والقضية – أيها الشيخ – ليست تجميل أو تزيين تلك الأفكار، وليست تذاكي البعض لاجتذاب أكبر عدد من جمهور النساء لأنه مهما بلغت قدرة الخطيب أو الكاتب التبريرية فإن هناك حدوداً للمفاهيم الأساسية في هذا المعسكر لا يمكن تخطيها ، فالغزالي الذي يستنكر تصوير المحدثين لنقصان العقل بأنه حماقة ويصرخ بأن هذا ليس من الإسلام في شيء ، نجده في مواضع أخرى يقول : إن الدورة الشهرية تؤثر في الأعصاب والأفكار ولذا فإن النساء ناقصات عقل ، فهو إذن ينفي شبهة وصف النساء بالحماقة ، ولكنه يؤكد على نقصان عقل المرأة ، بما يعني فقدانها السيطرة على الأعصاب والأفكار في زمن الدورة الشهرية ؟ وهذه هي الحماقة – أيها الشيخ – تنفونها حينما تواجهون بها صراحة ، وتؤكدونها كأنها صفة لصيقة بالنساء في مواضع أخرى ، ولذلك يتضح أمامنا دائماً أن الأمر لا يتعلق في النهاية بمهارة الخطيب والكاتب أو بحسن نواياه ، لأن هناك نسقاً فكرياً عاماً يحدد في النهاية إطار حقوق الفرد ومكانته في المجتمع الذي يبغونه ليحمي ملكية السادة الرجال دائماً ولذلك لن ندهش إذا وجدنا أن موقف الجماعات الإسلامية من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها تجمعه أسس واحدة لا يمكن تخطيها ، وخصوصاً بالنسبة لقضية المرأة التي هي محورية في فكر تلك الجماعات. فالشيخ محمد الغزالي – وهو من الوجوه التي تبدو معتدلة لدى الإخوان المسلمين – لا يرى في تعدد الزوجات ضرراً بالزوجة الأولى ولا يمكن أن يوافق على تدرج المرأة في المناصب حتى ترأس الرجال فهو الذي يقول : ( ومن الصعب أن تكون المرأة ربة بيت متقنة وصاحبة منصب منتجة. ) . أما البهي الخولي فيقول إنه بدخول المرأة كليات الزراعة والصيدلة ( لم يجعلها تجني إلا أنها خرجت من نطاق الرقة ومشاعر الأنوثة التي خصتها بها الطبيعة إلى الاسترجال الخشن.) (البهي الخولي – المرأة بين البيت والمجتمع – من رسائل الإخوان المسلمين ص103) وهو هنا يختزل معنى الأنوثة إلى درجة أقل من المعنى الذي تروجه شركات التجميل وإعلانات المساحيق عن المرأة اللينة " كالملبن " والتي تستخدم كأداة استمتاع وإشباع لغرائز الرجل ... وليس من الغريب أن نسمع بعد ذلك عن أحد الإخوان المسلمين يطالب من فوق منبر مجلس الشعب بعد أن خاض تجربة الانتخابات العصرية ونجح تحت شعار " الإسلام هو الحل " فيصدقه الجمهور وينتخبه الرجال والنساء ليطالب من فوق منابر هذا المجلس بحق الرجل في تزوج أربع من النساء دون إذن الزوجة الأولى ، بحجة أن هناك من الرجال الميسورين من لا تكفيه زوجة واحدة وهو يستطيع أن يغطي نفقاتها بما أعطاه الله من رزق ، كما فعل التائب محمود المراغي في دورة مجلس الشعب الماضية (84 – 87 ) وكما أتخذ العضو محمود نافع إخوان مسلمين أيضاً من موضوع المرأة حجة لإعداد قانون يلزم المرأة العاملة بارتداء الزي الشرعي ، ثم يلتقط منه طرف الحديث الشيخ صلاح أبو إسماعيل ، ليطالب بأنه ( قد آن الأوان بعد التعديلات الدستورية الإسلامية أن نضع للديمقراطية حدوداً.) ؟؟؟ هذا الشيخ يطالب بوضع حدود للديمقراطية وأن يذبح كل الأفكار والآراء المخالفة لهم يدعي الاعتدال حينما يكون مطلوباً .. ولكنه في جوهر الأمر لا يختلف عن الدكتور عمر عبد الرحمن مفتي جماعة الجهاد الذي وقف يهاجم : ( النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السماوات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السماوات والأرض ، كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف بل يلزم استواؤهما في الميراث ، وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم ، وأن الطلاق ظلم للمرأة وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان ونحو ذلك.) فيالرقة الشيخ الذي يريد استبدال كل القوانين المدنية بأخرى تحلل الرجم والقطع وتعدد الزوجات ... وغيرها من الأحكام التي يوافقه عليها الشيخ الغزالي والبهي الخولي وصلاح أبو إسماعيل وأعضاء مجلس الشعب عن التيار الإسلامي ... والخلاف الأساسي بين الإخوان والجهاد ... أن الإخوان يحاولون تمرير تلك القوانين دون تعجل الصدام المباشر مع السلطة القائمة الآن ، حتى إذا تمكنوا وأحسوا أن موازين الحال أصبحت في صالحهم فلا يبقى أمامهم إلا تنفيذ تلك القوانين بكل الوسائل بعد تصفية خصومهم أما الجهاد فيدفعهم تعجلهم إلى الصدام الدائم مما يؤدي إلى إضعاف قواهم أولاً بأول ... إن قوانين الجماعات الإسلامية ومبادئها واحدة ... والاختلاف في الأساليب بشكل يجعل البعض يجاهر باستخدام العنف أما الآخرون فهم يؤجلونه إلى فرصة أخرى تسنح لهم بعد أن تكون دعوتهم قد استشرت دون أن تحيط بها صيحات الاستنكار مما ينقذها من الصدمات غير المحسوبة ... وهذا هو الأخطر... لأنه حين تسنح لهم الفرصة فإنهم لن يبقوا ولن يذروا ... ثم إن جماعة الجهاد وغيرها من الجماعات التي توصف بالتطرف ما هي إلا محض انشقاقات خرجت جميعاً من عباءة الإخوان المسلمين الذين يوصفون بالاعتدال بينما هم " فراخة " كل التيارات السياسية الإسلامية. ولكن طبائع الأمور تكشف ستار الاعتدال ... وكما نرى في إطار القضية موضوع الدراسة الآن ... اعتدال الإخوان هو الذي يصف المرأة بالشيطانية ، وهو الذي أعاد طباعة كل التراث المؤكد على دونية المرأة ، وهو الذي عمل على ترجمة أفكار أبو الأعلى المودودي من " اللغة الأوردية " المنتشرة في وديان باكستان لتقديمه إلى الجمهور المعاصر على أنه المثل والنموذج وهو الذي يعيد طباعة فتاوى ابن تيميه التي كان يقدمها لسلطان المماليك أيام هجوم التتار ليحكم بها عصرنا الحديث ... نعم إن اعتدال الإخوان المسلمين هو الذي يقود حملة الهجوم على المرأة في الجامعة والنقابات المهنية وفي وسائل الإعلام المختلفة ... اعتدالهم هو الذي اختار قضية المرأة ليصب عليها غضب المجتمع بأكمله ويضع على أكتافها كل أخطائه وعيوبه ... وتعكس تلك التصورات المتشددة نفسها بوضوح وسط جمهور الجماعات الإسلامية ، ففي إحدى مطبوعات لجنة النشاط الثقافي والسياسي بكلية الطب جامعة الإسكندرية نجدهم يستشهدون بحديث يفضل لمس الخنزير الملطخ على لمس المرأة التي هي في موضعهم هذا زميلة الدراسة :- ( روى عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : - إياك والخلوة بالنساء والذي نفسى بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما ، ولأن يزحم رجل خنزيراً متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبيه منكب امرأة لا تحل له.) . ذلك من الصيغ التي تملأ صفحات وصفحات تطمس في الحقيقة صورة دونية للمرأة فهكذا تروج الجماعات الإسلامية وسط شباب الجامعات وفي كلية يفترض أن يسودها مناخ من البحث العلمي والموضوعية وتتطلب الدراسة فيها تساوي الفتى بالفتاة في المدرج والمعمل والمشرحة. ونجد في نفس النشرة : - ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له.) .. رواه الطبراني والبيهقي. وقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وقال لها " يا فاطمة أي شيء خير للمرأة ؟ قالت أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل ، فضمها إلى صدره مسروراً وقرأ قوله ( ذرية بعضها من بعض ) . " وهكذا تمتلئ النشرات التي تطبعها الجماعات الإسلامية وتوزعها على طلاب الجامعة بأمثال تلك الأحاديث والحكايات التاريخية التي تشعر الفتاة بأن كل شيء حرام عليها حتى نفسها ، وتشعر الفتى بأنه الكائن الأعلى فيزداد الاضطراب والهوس الجنسي المقنع بين الطرفين ، ويصبح موضوع عدم الاختلاط والحجاب هو مصب الاهتمام ومحور المناقشات . فهل لازالت الجماعات الإسلامية تصر على أن دعوتهم تكرم المرأة حين تصفها بأنها تأتي على هيئة شيطان ؟ أم ترفع قدرها حين تعتبرها مجرد حصيرة :- " لحصير في ركن البيت خير من امرأة لا تلد " أم تحافظ عليها حفاظاً حقيقياً حين توصي بـ :- " أن من يـُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها ، وتيسير رحمها " ( أبو حامد الغزالي – الزواج الإسلامي ص22 ) . فياله من حفاظ ورحمة تلك التي تتعامل مع المرأة وكأنها مصيبة يجب أن تنزاح سريعاً . إن صيغة أفعل التفضيل الإنشائية التي تستخدم دائماً في دعاية الجماعات الإسلامية مثل " أعلى من شأن المرأة وكرمها أفضل تكريم ورفعها إلى أعلى قدر. " ، وخلاف ذلك من الصيغ التي تملأ صفحات وصفحات تطمس في الحقيقة صورة دونية للمرأة لا ترقى فيها إلى مرتبة البشر من الرجال ... وأبو الأعلى المودودي المنظر الفكري للجماعات الإسلامية لا يذهب بعيداً حينما يقول في كتاب تفسير سورة النور في معرض التعليق على الحديث النبوي : - " استأخرن فإنه ليس لكـُن أن تحققن الطريق – أي تركبن حقها وهو وسطها عليكن بحافات الطريق. " ( أبو الأعلى المودودي – تفسير سورة النور - ص176) يقول تعليقاً على ذلك : - " كانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به." . فأي حالة من الدونية والهوان تلك التي تفرض على النساء أن يتمسحن كالهوام في الجدران حتى يتركن عرض الطريق وجنباته للسادة الرجال يسيرون فيه مختالين ... فخورين ... أي حالة من انعدام الشأن الاجتماعي تلك التي يبلورها حديث كهذا تنشره الجماعات الإسلامية وسط الشباب والشابات الآن ؟ وأي حالة من الدونية يريدونها للمرأة بنشرهم لحديث يذكره الغزالي في متن كتابه : " للمرأة عشر عورات فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة فإذا ماتت ستر القبر العشر عورات." ( أبو حامد الغزالي – الزواج الإسلامي السعيد – ص 109) فكيف ستتعامل المرأة مع نفسها إذا صدقت أنها عورة ، لا ليست عورة واحدة .. بل عشر عورات ... ؟ وكيف سيتعامل معها الرجل إذا صدق أنها عورات مركبة ، وأنه حتى إذا تكرم وتعطف عليها بستر عورة واحدة فستظل أبد حياتها تنوء بالتسع الأخريات .. لا تعرف كيف تغطيها أو تواريها … ؟ وأي حالة من الكراهية للذات تلك التي يسببها تصور أنه لن يسترها إلا الموت وإهالة التراب فوق جسدها مبعث الشرور والمفاسد من وجهة نظر الجماعات الإسلامية …؟ |