خلف الحجاب |
|
الفصل الرابع ملكة على عرش من الأشواك
البيت مملكة المرأة وهي ملكته المتوجة .. تعيش فيه مكرمة ودرة مكنونة ... " والبيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أرادها الله تعالى – غير مشوهة ولا منحرفة ولا ملوثة ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيأها الله لها بالفطرة " (لجنة النشاط الثقافي والسياسي بكلية الطب البشري – جامعة الإسكندرية – ص19) هكذا تروج الجماعات الإسلامية وسط النساء وتعدهن بأنها سيجدن أنفسهن على حقيقتها ..... وربما يداعب هذا الوعد خيال الكثير من النساء المرهقات بالأعباء والتعب والعمل فيذهبن مع الحلم بعيداً ويصدقن أن البيت هو الفردوس المفقود وأن الزواج على طريقة " الجماعات الإسلامية " هو حل لجميع المشكلات المتراكمة في الخارج والداخل ... ولكن ما هي حقيقة المعاملات داخل تلك المملكة التي تعدهن بها الجماعات الإسلامية ... كيف ستجد المرأة نفسها فيه – على حقيقتها – كما يقولون ؟ كيف ستعامل الزوجة الزوج … وكيف سيعاملها هو ؟ هل يمكن أن تفصح الدعاية عما هو أكثر من الوعد بالفردوس الحسن … ؟ إن كتابات الجماعات الإسلامية تتناول العلاقة الزوجية على أنها شركة لكل طرف فيها وظيفة ، ولكنها شركة لا تبنى على رغبة الطرفين وإرادتهما بل رغبة الرجل وإرادته . ( الرجل له أن يزوج نفسه أما المرأة فليست حرة تمام الحرية في هذا وتزويجها في يد أوليائها والذي لا شك فيه من وجهة نظر الحديث الشريف – الأيم أحق بنفسها من وليها – و – لا تنكح البكر حتى تستأذن – إن رضا المرأة ضروري لإتمام الزواج ولا حق لأحد في تزويجها خلاف ما ترغب ، إلا أنه لما كان زواج المرأة يتصل اتصالاً وثيقاً بمصلحة العائلة ، فإن القرآن يريد ألا تكون رغبة المرأة وحدها كافية في هذا الأمر ، بل أن يكون لرأي رجال عائلتها – إلى جانب رضاها – نصيب منه . ) ( أبو الأعلى المودودي – حقوق الزوجين – ص87) هكذا يؤكد المودودي في صراحة أن الرجل هو الذي يزوج نفسه، وأن الرجل الأب هو الذي يقرر حسب مصلحة عائلته ، أما المرأة فليست حرة في تقرير شأن مستقبلها وموافقتها هي موافقة التابع وليس صاحب الأمر . وإذا تزوجت ودخلت مؤسسة الأسرة كيف ستكون العلاقة بينها وبين الزوج ... كيف ستسير الأمور ومن المتصرف فيها ... ؟ تتحدث نصوص الجماعات الإسلامية عن تلك العلاقة وبلا أية مواربة على أنها علاقة رئيس ومرءوس ، فيقول " البهي الخولي " : - ( إن قول الله سبحانه وتعالى " وللرجال عليهن درجة " يجعل الرياسة للرجل لا للمرأة ... وذلك هو مقتضى العقل وطبيعة الأشياء ومن مظاهر تلك الدرجة ، أو تلك الرياسة أن المرأة تتحول من بيت أهلها إلى بيت زوجها ، أي تتبعه في الإقامة ومحل السكني ، وليس لها أن تفرض عليه الإقامة في بلد معين أو تلزمه السكن في شارع خاص ، فذلك غير خاضع لتقديرها بل خاضع للظروف والعوامل التي تيسر له العمل وكسب الرزق ، وهى ظروف ترجع إلى تقديره هو لا إلى تقديرها هي .) (البهي الخولى -المرأة في البيت والمجتمع – ص 48) إن النص السابق ليس في حاجة إلى تعليق لأنه يحرمها حق المشاركة في كل ما يتعلق بالبيت ، ويقرر في وضوح لا لبس فيه أن حق التقدير والتقرير مقصور على الزوج فقط ، ويكفى في الحقيقة أن نجمع تلك النصوص بعضها إلى بعض لترسم صورة واضحة جلية لتلك المملكة التي يدعون النساء إليها … يقول " حسن البنا " في معرض حديثه عن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في الأسرة :- ( ولما كانت كل شركة تحتاج إلى مدير في تصريف الأمور ، والشركاء ليسوا جميعاً على مستوى واحد ، فقد حفظ الإسلام الإشراف للرجل ، لأنه أكمل عقلاً من المرأة .) (حسن البنا –حديث الثلاثاء – ص382 ) ومن هنا يتم تقسيم الوظائف داخل مؤسسة الأسرة على الأساس التالي :-
وهم يتحدثون عن سلسلة طويلة من الحقوق الرجالية :- - فحق الرجل أن يعبر عن جميع رغباته . - وحقه أن يصدر الأوامر . - وحقه أن يتصرف كيفما شاء في كل شيء . - وحقه أن يحاسب الزوجة ويعاقبها إذا لزم الأمر. وحقه أن يتزوج عليها دون إذنها ، وحقه أن يطلقها إذا شاء. أما الزوجة فليس أمامها إلا الطاعة دون أي نقاش وتلبية جميع رغباته الجنسية حتى ولو كان ذلك بإكراه نفسها على ما لا تحب ... المهم أن ترضيه وتشبع جميع شهواته مع إهمال رغباتها هي ، أو بالأحرى كبتها وسحقها لأن رغباتها تدخل في باب المحرمات لديهم . ويعبر النص الآتي عن تلك الفكرة بوضوح : - " حق الزوج على زوجته ألا تمنعه نفسها ولو كان على ظهر قتب " أي بعير " وأن لا تصوم يوماً واحداً إلا بإذنه إلا لفريضة فإن فعلت أثمت ولم يتقبل منها ، وألا تعطي من بيتها شيئاً إلا بإذنه ، فإن فعلت كان له الأجر وعليها الوزر ... وألا تخرج من بيته إلا بإذنه فإن فعلت لعنها الله وملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع، وإن كان ظالما . ) (السيد السابق – فقه السنة – الجزء السابع) أما جماعة شباب محمد – المنشقة عن الإخوان المسلمين بعد خلاف مع " البنا " بسبب انفراده بالرأي والقرار ومحاباته لبعض أفراد الجماعة ودفاعه عن أخطائهم . ( لمزيد من التفاصيل يمكن العودة إلى كتاب محمود عبد الحليم – الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ) فإن نصائحها تعكس الوجه المبدئي الذي تشبعت به أثناء ترتيبها وسط الإخوان ، ومن هنا فهم يضعون دستور سلوك المسلم في البيت والمجتمع بصراحة لا تحتاج إلى تعليق ويأمرون الزوجة بما يلي : - ( أطيعي زوجك طاعة مطلقة فيما لا معصية فيه ، وابتغي رضاءه واعملي على سروره وسعادته ... ـ احفظي زوجك في نفسك ، فتزيني له ما استطعت إلى ذلك سبيلاً أقبلي عليه إذا حضر ، واستمعي له إذا تكلم واطلبي رضاءه إذا غضب . ـ احفظي زوجك بعد موته وترحمي عليه واذكريه بالخير والبسي الحداد عليه أربعة أشهر وعشرة أيام ولا تغادري منزلك طيلة هذه المدة ، وتجنبي الزينة والطيب واخلفيه في ولده وماله ، وكوني بعد موته كما كنت في حياته . ) (شباب محمد صلى الله عليه وسلم – رسائل الدعوة – دستور سلوك المسلم في البيت والمجتمع – الطبعة الأولى 1978م ص28) وهكذا نرى إلى أي حد تتحول العلاقة إلى طاعة مطلقة لأوامره في الدخول والخروج ، والقيام والقعود ، والحديث والصمت ، وتلبية رغباته الجنسية حتى ولو كان ظالماً ...!!! ومن الغريب أن يصل حد التعنت بهم إلى التقرير أن الزوجة إذا أتت بسلوك حسن دون إذنه يكون له الثواب ويكون عليها العقاب ...!!! ويؤكد ابن تيمية على هذا المعنى بقوله : - ( وللرجل عليها - يقصد الزوجة – أن يستمتع بها متى شاء ما لم يضر بها أو يشغلها عن واجب فيجب عليها أن تمكنه لذلك ، ولا تخرج من منزله إلا بإذنه وإذن الشارع . ) ( ابن تيمية – السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية – ص177) وفي كتاب آخر يؤكد ابن تيمية على نفس المعنى : - " وسئل شيخ الإسلام عن رجل له زوجة تصوم النهار وتقوم الليل وكلما دعاها الرجل إلى فراشه تأبى عليه ... فأجاب لا يحل لها ذلك باتفاق المسلمين ، بل يجب عليها أن تطيعه إذا طلبها إلى الفراش . " ( ابن تيمية – فتاوى النساء – ص231 ) وفي كل النصوص السابقة – وفي كثير أخرى غيرها – لا نجد حديثا عن رغبات الزوجة وإحساسها بنفسها أو إحساسها بالعلاقة الزوجية ، اللهم إلا من زاوية الهجوم على رغباتها والدعوة إلى ضرورة كبتها وعدم إطلاق العنان لشهواتها بل والقضاء على موضع الشهوة فيها ... فلقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية " عن المرأة هل تختتن أم لا ؟ فأجاب :- الحمد لله نعم تختتن وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك ، قال رسول الله للخافضة – وهي الخاتنة . أشمي ولا تنهكي ، فإنه أبهى للوجه وأحظى عند الزوج ، يعني لا تبالغي في القطع وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهره من النجاسة المحتقنة في القلفة ، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها ، فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة ، ولهذا يقال في الشاتمة يا ابن القلفاء ، فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر ، ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين ، وإذا حصلت المبالغة في الاختتان حصل المقصود باعتدال . " (ابن تيمية – فتاوى النساء ص12) وعلى الرغم من أن العلم الحديث قد بين الأضرار الناتجة من ختان الإناث ، وأكد أنها عملية تعني تحويل المرأة إلى إنسانة مخصية مما يؤثر على تكوينها النفسي والعصبي والفسيولوجي ، إلا أن الجماعات الإسلامية لا زالت تطالب بإجراء تلك العملية حتى تظل النساء مجرد أوعية لرغبات الرجال الجنسية ، فتكرس بذلك للثنائية الكلاسيكية حيث المرأة تثير الرجل وهو يفرغ شهوته فيها ، ولذلك فهي ملعونة لأنها مثيرة ، وملعونة لأنها مرغوبة ، وملعونة لعنة لا نهاية لها إذا فكرت في التمرد وكسر مبدأ الطاعة :- " إن النكاح نوع رق ، فهي رقيقة له ، فعليها طاعة الزوج مطلقاً " ( أبو حامد الغزالي – الزواج الإسلامي السعيد – ص 109 ) " إذا دعا رجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح . " ( السيد سابق – فقه السنة – الجزء السابع ) فعليها أن تستجيب سواء رغبت في الجماع أم لم ترغب وتطيع الرجل ظل الإله على الأرض :- " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، لعظم حقه عليها … " وهكذا يتضح منطق الجماعات الإسلامية الذي يحكم طرفي العلاقة الزوجية ، حيث ترتفع قيمة أحد طرفي العلاقة إلى حد تنزيه جميع أفعاله ورغباته في مقابل تبخيس الطرف الآخر والحط من قيمته ، فلا يكون أمام المرأة إلا الطاعة الجبرية والرضوخ الكامل .. .. ولكن ماذا لو رفضت الزوجة مبدأ الطاعة المطلقة وعبرت عن مشاعرها في لحظات معينة … ؟ ماذا لو عبرت عما يناسبها وعما لا يناسبها من سلوك الزوج تجاهها .. ؟ يجيب علينا ابن تيمية – منظر الجماعات الإسلامية المستدعى من عصر المماليك ليصلح لنا حياتنا في القرن العشرين بما يعنى أن عليها الطاعة وإلا فالعصا في انتظار العاصية :- ( المرأة الصالحة هي التي تكون قانتة أي مداومة على طاعة زوجها ؛ فمتى امتنعت عن إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزاً ، وكان ذلك يبيح له ضربها كما قال الله تعالي ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ) (ابن تيمية – فتاوى النساء – ص 332 ) ويؤكد " البهي الخولي " على ضرورة استخدام الزوج لأسلوب الهجر في المضاجع والإعراض عن الزوجة وذلك إمعاناً في ذلها من وجهة نظره : - ( يجب على الزوج أن يريها من نفسه تعالياً عليها واستمساكاً عنها .. وهو علاج رادع للمرأة ، مذل لكبريائها . ) هذا في نفس الوقت الذي يحذرون فيه المرأة من إبداء أي بادرة كبرياء أو ترفع عليه لأنها لو فعلت لصارت امرأة ناشزاً يحق له استخدام كل الوسائل لتأديبها … !!! وحينما يصل الأمر إلى المرأة للسجود للرجل الزوج ، وإلى دعوة الرجل لضرب الزوجة وإلى تعمد إذلالها ، يتضح جزء من صورة العلاقات الزوجية في البيوت التي تقدمها الجماعات الإسلامية لنساء العصر الحديث .. وربما يدعى البعض أن سلاحي الهجر والضرب ليسا من الأسلحة الشائعة الاستخدام ، وأن استخدامها مقيد بشروط … إلا أن الروح تنطوي على محاولات تبريرية ساذجة لا تغير شيئاً من حقيقة العلاقة ... وخصوصاً في ظل التبريرات الواضحة التي قدمها كتاب الأخوات المسلمات في تفسير آية [ واللاتي تخافون نشوزهن ] حيث يقول المؤلف – الذي شغل منصب سكرتير الأخوات المسلمات مدى الحياة كما رأينا من قبل : _ " إن المنهج الإسلامي لا ينتظر حتى يقع النشوز فعلاً ، وتعلن راية العصيان وتسقط مهابة القوامة وتنقسم الأسرة إلى معسكرين متصارعين ، فالعلاج حين ينتهي الأمر إلى هذا الوضع قلما يجدي فلابد من المبادرة في علاج مبادئ النشوز قبل استفحاله . " (خيال - الجوهري – الأخوات المسلمات – ص177) وهذا الوضع التهديدي الذي توضع فيه المرأة الزوجة بعد أن أداروا ظهرها للحائط ؟ وسلبوها كل الحقوق والحريات وأقنعوها أن الزوج هو السيد القوام … فإما أن تطيع أو تنفجر فوهة بركان غضب الزوج وسخطه عليها ... إما أن تطيع أو يستخدم ضدها كل ما يملك من أسلحة الضرب والهجر والزواج بأخرى والطلاق أيضاً . وإذا كان من حق الرجل أن يعبر عن غضبه عليها ، فليس من حقها مجرد التفكير في إعلان التبرم أو الضيق ، وينصحها كتاب الجماعات الإسلامية بكتمان شعور الضيق دائماً حتى لو اضطرت إلى الكذب الصريح : - " في حوار لعمر مع زوجته ابن أبي عذرة الذي كانت تكرهه وأخبرته بكراهيتها له ، قال عمر : نعم فاكذبي ، فإن كان إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك ، فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب ، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب " وقد روى البخاري ومسلم عن أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله يقول " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً وقالت ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث يعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها " فهذا حديث صريح في إباحة الكذب للمصلحة . إذن المصلحة بكل ما تعني من أنانية وفردية وإعلاء للذات على حساب مصلحة الآخرين وذواتهم هي التي تبرر كذب الزوجة على زوجها وخداعها له ... فيقوم البيت على قاعدة من الزيف الواضح ، وإذا كان الزوج يستطيع إكراهها على ما لا تحب ، فهي تملك حسب هذا المنطق – الضحك عليه وحرمانه من صفاء المشاعر الحقيقية حتى تحمي نفسها من التهديد المستمر في كل الأوضاع وخصوصاً في وضع التهديد بتعدد الزوجات وإدخال الضرائر من النساء على حياتها التي تتحول تدريجيا إلى جحيم : - " فإحساس الزوجة بأن زوجها يمكن أن يتزوج عليها دون توقف على رضاها ودون أن يكون لها حق التفريق يجعلها تحسن معاملة الزوج خشية أن يجرب حظه مع أخرى ، أما إعطاء حق التفريق في يدها فهو سيف مسلط على الرجال يخل بحقه في القوامة عليها . " والنص واضح في تبيين فكرة أن حق الرجل في تعدد الزوجات دون رضى الزوجة الأولى ، هو سلاح مشهر في وجه الزوجة لزرع المزيد من الخوف في نفسها وقهرها على الطاعة والقنوت . ولكن ماذا أعدت فتاوى الجماعات الإسلامية وقوانينها الصارمة من أجل الدفاع عن الزوجة التي ينشز زوجها .. أي الزوجة التي تسير على صراطهم المستقيم وتتبع كل تعاليم الطاعة والقنوت ومع ذلك ينشز الزوج ولا يبدي حيالها إلا التبرم والضيق ... كيف تحصن تعاليمهم تلك الزوجة الصابرة ، وبماذا يسلحونها في مواجهة ظلم الزوج وجبروته ... ؟ يجيب أحد كتابهم في وضوح :- ( فلتستجمع المرأة كل حيلتها وذكائها ولتدرس أسباب نفوره في تلطف وكياسة ولتعالج كل سبب بما يصلحه ، ولا بأس أن تتقبل ما يكلفها ذلك من ألم نفسي ، أو جهد مالي ونحوه بسماحة نفس وطيبة خاطر ، فهي إنما تسعى لأسمى واجب تعتز به المرأة بعد عبادة الله عز وجل .) ( البهي الخولي – المرأة بين البيت والمجتمع ص53) فأي منطق هذا الذي يطالبه بمعالجة الهوان بأن تهين نفسها أكثر وأن تعالج ذله لها بمزيد من التذلل ... آه ... من الصعب التعليق على نصوصهم هذه ... حيث تبلغ حداً من الوضوح المنفر بما يكفي ... وإذا حاولنا أن نرى ركناً آخر من أركان الزواج الإسلامي السعيد التي يحددها أبو حامد الغزالي في : - ( الولد – كسر الشهوة – تدبير المنزل – كثرة العشيرة – مجاهدة النفس بالقيام بهن . ) فنجده يفيض في سرد الحكايات عن سياق الحمل والولادة فيقول : ( وما روي عن عمر أنه كان ينكح كثيراً ويقول إنما أنكح للولد ، وما ورد من الأخبار في مذمة المرأة العقيم : - قال عليه السلام : " لحصير في ناحية البيت خير من امرأة لا تلد " وقال : " خير نسائكم الولود الودود " وقال : " سوداء ولود خير من حسناء لا تلد " وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما وكان من زهاد الصحابة وعلمائهم أنه : ( كان يفطر من الصوم على الجماع قبل الأكل ، وربما جامع قبل أن يصلي المغرب ثم يغتسل ويصلي ، وذلك لتفريغ القلب لعبادة الله وإخراج غدة الشيطان منه ، وروي أنه جامع ثلاثاً من جواريه في شهر رمضان قبل العشاء الأخير ) ويمتلئ الكتاب بأمثلة الصحابة الذين تزوجوا عشرات النساء ، وضاجعوا عشرات الجواري وأنجبوا الكثير من الأبناء . والجماعات الإسلامية تحرص على إبراز هذا الجانب من سيرة الصحابة بشكل يؤكد أن : - الزوجة في كل الحالات تعامل على أنها مركز لامتصاص شهوة الزوج الجنسية ومعمل لتفريخ الأبناء وحضانة لرعايتهم ، وإذا كانت امرأة لا تلد بسبب عيب خلقي لم تصنعه هي ، فإن زوجها بالضرورة سوف يتزوج بأخرى تنجب له الكثير من الأبناء ، بينما تنتقل المرأة العقيم إلى هامش المملكة إلى منطقة الظل والإهمال تعاني الوحدة وعدم الاهتمام وربما تعاني من الضمور حتى الموت . فالمودودي يؤكد على أن النساء خلقن من أجل الإنجاب :- " فلم يخلق هيكلها الجسدي – يقصد المرأة – إلا ليقوم لخدمة النوع البشري ويؤدي واجب الاستبقاء على وجوده فهو الهدف الرئيسي الذي قصدته الفطرة بخلقها وهو الواجب الذي تطالبها الفطرة بأدائه . " (أبو الأعلى المودودي – حركة تحديد النسل – ص80) أما الدعاية الموزعة بين شباب الجامعات فهي تتحدث عن تلك الوظيفة في سياق آلي وميكانيكي :- " إن خط التقدم الإنساني يسير في اتجاه الضبط للنزوات الحيوانية ، وحصرها في نطاق الأسرة على أساس الواجب لتؤدي بذلك وظيفة إنسانية ليست اللذة غايتها وإنما هي إعداد جيل إنساني يختلف الجيل الحاضر . " وهكذا تصف تلك الدعاية موضوع العلاقة الجنسية بالنزوات الحيوانية ، وتدعو إلى ضبطه بمقاييس الواجب ، فتفرغ تلك العلاقات من معناها الإنساني مما يوقعها في المزيد من الحيوانية والميكانيكية . وتجد الزوجة – الملكة – نفسها محاطة بشروط واضحة في مملكة الأسرة على طريقة الجماعات الإسلامية فهي يجب أن تكون وعاء لشهوات الزوج الجنسية ، ومعملاً لتفريخ الأبناء وحفظ النوع ، وفي التحليل الأخير تختزل المرأة في فكرهم إلى فرج ورحم ... وتلك المكانة العالية التي يتبوؤها الزوج فوق الزوجة يعترف المودودي أن الرجل ينالها " نظير المال الذي ينفقه في صورة المهر ، فالمهر الذي يتفق عليه بين الرجل والمرأة عند الزواج لابد للرجل من أدائه والوفاء به ، فإن رفض دفعه ، حق للمرأة أن تمنع نفسها عنه . والفرض الثاني على الزوج هو النفقة ، ولقد قسم القانون الإسلامي اختصاصات الزوجين تقسيماً واضحاً ، فالمرأة اختصاصها القرار في البيت وأداء واجبات الحياة الزوجية [ وقرن في بيوتكن ] أما الرجل فعليه كسب العيش وإعداد سبيل الحياة وضروراتها لأهله . " (أبو الأعلى المودودوي – حقوق الزوجين تعريب أحمد إدريس – ص28) وفي هذا التحليل الموجز للمودودي نجد أن ثمن تمكين الزوج من قضاء شهوته الجنسية هو المهر … وتمكينه من التحكم في الزوجة والاستمتاع بطاعتها الدائمة هو النفقة … ومن يدفع أكثر يستطيع أن يخضع زوجته أكثر … فتتحول العلاقات الخاصة إلى سوق يصول فيه أصحاب الدنانير الذهبية والعملات الأجنبية . فيالها من مملكة تكون الغلبة فيها لمن يدفع أكثر … ويالها من ملكة يملكها الرجل لقاء الثمن المادي … !!! وفي مقابل تلك السيادة المادية للرجل فإنهم يؤكدون على ضرورة أن تظل المرأة تابعة للرجل على المستوى الاقتصادي بحجة أن :- " خيرها كامرأة يتطلب عدم مساواتها في الاقتصاد بالرجل وبالتالي عدم استقلالها اقتصادياً في مواجهة الرجل ، إذ استقلال المرأة اقتصادياً يعرضها لعدة أزمات نفسية ، يعرضها : 1 – لأزمة ضعف الإحساس بالأنوثة 2- لأزمة الإحساس كذلك بالأمومة 3- لأزمة الشك والتراخي في العلاقة الزوجية إن كانت زوجة 4- لأزمة العزلة كلما تقدم بها السن ولم توفق إلى زوج أو إلى ولد يشاركها الحياة . وأمر المرأة إذن – أية المرأة – يتردد بين وضعين :- وضع تستقل فيه اقتصادياً وتتساوى فيه مع الرجل ولا تضمن فيه مع استقلالها واحتفاظها بأنوثتها وأمومتها وحسن علاقتها بزوجها ، ووضع آخر يتكفل الرجل فيه بالإنفاق عليها ، مع ضمان احتفاظها كامرأة بما لها من خصائص تميزها عن الرجل . " ( د. محمد البهي – الإسلام واتجاه المرأة المسلمة المعاصرة ) وهكذا يضعون الاستقلال والمساواة بما تعنى تلك الكلمات من شعور بالثقة في الذات وسعة في الأفق وقدرة على العطاء بحرية واختيار، في تضاد مع الإحساس بالأمومة والأنوثة وحسن العلاقة بالزوج … !!! ولكن لماذا لا تكون العلاقة الزوجية حسنة – في نظرهم – إلا إذا كانت الزوجة هي الطرف الضعيف … المحتاج … الأدنى دائماً ؟ - أليس من الطبيعي أن تعاشر المرأة الرجل لصفاته الجميلة ونفسه الراقية … ؟ وأن يعاشر الرجل المرأة لنفس الصفات … ؟ - لماذا تعتبر الجماعات الإسلامية الوضع غير الصحي صحيحاً وتقنن له ؟ - وهل من العدل أن تضيف هذه الجماعات إلى كل القيود التي تكبل المرأة ،قيداً أكبر يتمثل في عدم الاستغلال الاقتصادي ؟ - أم أن هذا هو السلاح الذي يطعنونها به ليقضوا على أية محاولة للمقاومة ؟ يبدو أن المزعج في موضوع الاستقلال الاقتصادي للمرأة بالنسبة للجماعات الإسلامية يمكن في أن تجرب المرأة نفسها ككائن كامل ، لا كنصف إنسان يعتمد عل الرجال دائماً … فالقضية ليست قضية كم من الأموال تملك المرأة ، فربما تملك ثروة كبيرة ، وربما تملك بعض الجنيهات ، ولكن المعنى وراء تأكيدهم على ضرورة نفى استقلالها الاقتصادي يمكن فيما يترتب على الاستقلال من شعور بالذات ومطالبة بالحقوق الكاملة والندية والمساواة مع الرجل … وهذا هو ما يعبر عنه " خيال " في كتابه الأخوات المسلمات بقوله : - أولاً : استقلال المرأة استقلالاً اقتصادياً يجعلها قادرة على عدم الارتباط بالرجل أباً كان أم زوجاً أم أخاً ارتباط نفقة وكفالة. ثانياً: هذا الاستقلال الاقتصادي يفتح لها باب التحرر على مصراعيه بلا حدود ولا ضوابط ، ويحقق لها حرية الزواج بلا ولى إن رغبت في الزواج ، وحرية الصداقة إن آثرت علاقة الصداقة . " (خيال – الجوهري – الأخوات المسلمات – ص 285 ) وبمعنى آخر إن الأمر لدى الجماعات الإسلامية هو نصيحة بسيطة إلى الرجل : - انزع عن المرأة استقلالها الاقتصادي تنزع بذلك حريتها في الاختيار فتصبح امرأتك المطيعة ، والنصيحة التي يوجهونها إلى المرأة : - " وسيريك الزمان أن أسلحة المرأة الماضية هي الجمال والاستسلام واللطف والسكينة والاتكال والخجل والبكاء ، لعلك تظنينها أسلحة ضعيفة … ولكن أؤكد لك أنها إذا شحذتها الحمية والأمانة كانت ماضية جداً " ( عبد المتعال محمد الجبري – المرأة في التصور الإسلامي – ص 48 ) أما إذا رفضت المرأة هذا الوضع وتمردت عليه ، وراحت تبحث عن الإخلاص فستجد أن الطلاق حق الرجل يستخدمه وقتما شاء وحتى لو لم يستخدمه فإنه يظل يدخره كاحتياطي يهدد به الزوجة إذا لم تطعه وتنفذ رغباته . وإذا كانت عاقراً يطلقها وإذا مرضت يحق أن يطلقها وإذا لم يكن هناك أي سبب سوى هواه في فراقها فيحق له أيضاً تطليقها . أما الزوجة فليس أمامها سوى سبيل للخلاص من وضع الزوجية الذي لا تطيقه وهو الخـُلع ، وله شروط تقضى بأن ترد الزوجة إلى زوجها ما ساق إليها من مال يقول ابن تيمية : - " الخـُلع الذي جاء به الكاتب والسنة أن تكون المرأة كارهة للزوج تريد فراقه فتعطيه الصداق أو بعضه فداء نفسها كما يفتدي الأسير . " (ابن تيمية – فتاوى النساء – ص234) يقول محمد الغزالي : - " عندما تطلب الزوجة الفراق ، فيجب أن ترد إلى زوجها ما ساق إليها من مال ، ومن الحيف أن يدفع الرجل ويرسل الهدايا ثم تستولي المرأة على كل هذا وتطلب الانفصال . " (محمد الغزالي – سؤال عن الإسلام – الجزء الثاني ص245) ولا يخفي على أحد أن شرط دفع المرأة للرجل ما ساق إليها من مال هو شرط يعجز النساء عن استخدامه في الغالب الأعم من الحالات ، في ظل ظروف وضع المرأة داخل هذا النسق الأيديولوجي للجماعات الإسلامية لأن ما ساق إليها من أموال وهدايا وخلافه لا يكون بين يدي الزوجة ، فالأب هو الذي يقبض المهر وغالباً ما يكون قد تم تبديده . وفي الغالب أيضاً لا تمتلك المرأة مورداً آخر للمال يمكن أن تفتدي به نفسها ، فتظل بقية عمرها تعيش حياة تكرهها وتعاشر رجلاً لا تطيقه ... رجلاً يتحسس جيبه دائماً ليحسب بالمليم ما أنفق عليها ، وكأننا أمام " فيلم عربي " هزيل تبكي فيه الزوجة من أجل حريتها ... ويتلذذ الرجل بمشاهدة أحزانها ثم يسألها في صفاقة كم تدفعين لقاء الطلاق ... ؟ فإذا لم تستطع الدفع تعيش ذليلة .. مكسورة بين جدران البيت الذي صورته لها دعاية الجماعات الإسلامية على أنه مملكتها وهي ملكته المتوجة . وحتى إذا كان لدى الزوجة المال الذي يمكن أن تدفعه للرجل لقاء الخـُلع ، فإن أدبيات الجماعات الإسلامية تضع حول عنقها قيداً آخر وهو قيد موافقة الزوج على قبول هذا المال ، فتعود الكرة مرة أخرى إلى ملعب الرجل ، وتدخل المرأة في سلسلة طويلة من المفاوضات والمهاترات والشقاء اليومي . " لا يكفي للافتداء مجرد رغبة المفتدية ، إنما يتم هذا الأمر حين يرضي أخذ الفدية بذلك ، يعني أن المرأة لا تستطيع أن تفصل نفسها عن زوجها بمجرد إعطائه قدراً من المال ، ولكن لابد لتمام الانفصال من قبول الزوج هذا المال ، ثم طلاقه لها . " ( أبو الأعلى المودودي – حقوق الزوجين – ص53 ) وهكذا نجد أنه حتى تلك الثغرة التي يمكن أن تكون مفتاح المرأة للخلاص تلغي عملياً بتفريغها من محتواها ، ليعود الأمر ملكاً للرجل الزوج يقرر فيه ما تشاء إرادته ... " وما كان يمكن تحويل سلطة الطلاق للمرأة إذ لو خولت هذه السلطة فسوف تتشجع على إضاعة حقوق الرجل وطبيعي أن من يحصل على شيء بأمواله سيحاول الاحتفاظ به إلى أقصى حد ، وسوف يتركه فحسب حيث لا يكون أمامه سبيل آخر سوى تركه ، أما إذا كان المنفق شخصاً ومن بيده سلطة الإضاعة شخصاً آخر غيره ، فنادراً ما يتوقع من الثاني أن يراعي عند استخدامه سلطاته مصلحة الأول بذل المال وأنفقه ، فتخويل الرجل سلطة الطلاق ليس فقط حماية لحق المشروع بل يحوي في مصلحة مضمرة هي ألا يكثر الطلاق . " ( أبو الأعلى المودودي – حقوق الزوجين ص43 ) هذا ما تفصح عنه بوضوح أفكارهم : الحرية كل الحرية للرجل في استخدام حق الطرق ، في مقابل عمليات متتالية تلغي عملياً إمكانية استخدام حق الخـُلع بالنسبة للمرأة . ومن هنا فأن أي محاولة وضع المرأة حتى ولو كانت بإعطاء فتات الحقوق لها ، فإنها تعتبر النقيض لأفكارهم وتحارب بمنتهى العنف والضراوة كما حدث حينما صدر القانون رقم 44 للأحوال الشخصية الصادر عام 1979م الذي اعتبر الجمع بين الزوجات من قبيل إيذاء الزوجة الأولى وأعطاها حق طلب التفريق بناء على ذلك . كما أعطاها حق الاحتفاظ بمسكن الزوجية إذا كانت حاضنة ، وهذه البنود لا تمثل في الحقيقة تغييراً جذرياً في قوانين الأحوال الشخصية فهي لم تمنع التعدد مثلاً ، إلا أن الجماعات الإسلامية قد اعتبرت هذا التعديل انقلاباً خطيراً في موازيين العلاقات الشخصية وكفراً وخروجاً على الشريعة . وفي الحقيقة أن حملة الجماعات الإسلامية الشعواء على قانون 79، ومحاربتها لفتات الحقوق التي كفلها للزوجة المتضررة ، كان أحد الأسس الهامة التي قامت عليها دعايتهم للتنديد بالقوانين الحالية ومطالبتهم بتطبيق الشريعة الإسلامية، ففي الجامعة قام اتحاد طلاب مصر الذي تسيطر عليه الجماعة الإسلامية بطبع رد الشيخ محمد أبو زهرة على مشروع قانون الأسرة ، واشتركت دار الجهاد ودار الاعتصام في توزيعه على أوسع نطاق ممكن داخل الجامعة وخارجها ، وكان المحور الأساسي الذي يقوم عليه رد الشيخ هو: " أن الطلاق يقع بإرادة الزوج فقط " ووقف النائب صلاح أبو إسماعيل في مجلس الشعب ليعلن أن من أسباب رفضه للقانون الجديد " أن النبي لم يعتبر من الكذب أن يكذب الزوج على الزوجة ليرضيها ولا كذب الرجل في الحرب فالحرب خدعة " مبرراً بذلك كذب الرجل على زوجته عند زواجه من أخرى . ثم عاد وأعلن في شهادته أثناء قضية الجهاد أن : - " المشروع رأى اعتبار الجمع من قبيل إيذاء الزوجة أو الزوجات القائم زواجهن فعلاً ، فأعطاها وأعطاهن الحق في طلب التفريق إذا أخفى الزوج وقت الزواج الجديد أنه متزوج " ونص القانون على أن يعتبر إضراراً بالزوجة الأولى اقتران زوجها بأخرى وأباحوا لها أن تطلب الطلاق ولو رفض زوجها ولم يلقوا بالاً إلى أن طلاق المكره لا يقع فضلاً عن الطلاق هذا القانون الجائز ... " ( صلاح أبو إسماعيل – الشهادة – ص87) وأعلن الدكتور عمر عبد الرحمن أمام المحكمة في نفس القضية أن النظام القانوني الحالي الذي يرفض تعدد الزوجات ويعتبر أن الطلاق ظلم للمرأة ، كفر . وتكرر على لسان الأعضاء الرئيسيين في تنظيم الجهاد أن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتهم إلى اغتيال الرئيس السادات هو قيامه بتعديل قانون الأحوال الشخصية ، ( يلاحظ الدكتور فؤاد زكريا في تعليقه على هذا الموقف أن جماعة الجهاد اغتالت السادات بسبب محاسنه القليلة وليس لمساوئه الكثيرة . ) ( فؤاد زكريا – الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة ) كما يلاحظ أن " التعديلات التي أدخلت على قانون الأحوال الشخصية والتي أقامتهم ولم تقعدهم ، كانت تعديلات طفيفة جداً يظل إطارها العام إسلامياً بحتاً ، وكل ما في الأمر أنها تصرفت قليلاً في تفسير بعض النصوص المتعلقة بالطلاق والتعدد وبيت الطاعة من أجل إعطاء المزيد من الحقوق للمرأة ، فكان هذا نظير الجماعة كفراً أو خروجاً على شريعة الله " إنهم يعتبرون محاولة الزوجة لتخليص نفسها من الظلم الواقع عليها بزواج الرجل من أخرى هو ظلم ... !! وأن القانون جائر حينما يفتح لها ثغرة للخلاص ... !!! وهم يعتبرون من العادي والطبيعي أن يملك الرجل العديد من النساء بالزواج بصرف النظر عن تحطيم مشاعر الزوجة ، بعد وضعها في موضع التنافس مع أخرى ، مما يقلب حياتها إلى صراع دائم من أجل توافه الأمور . وهم ينصحون المرأة بقبول هذا الوضع بإدعاء أن فيه خيرها ، وينصحونها أن تسحق مشاعرها وتمثل دور السعادة الدائمة وتقبل شروط التنافس بإبراز المفاتن الحسية ، وبقدر ما تبذل جسدها له بقدر ما يرضى عنها . " كوني عاهرة لزوجك " ( جملة تتردد كثيراً في خطب الجماعات الإسلامية كما لاحظها الدكتور فؤاد زكريا وعلق عليها في بحثه المقدم إلى جمعية المرأة العربية في مؤتمرها الأول .) في مقابل نصيحتهم للرجل " بأن يسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة ويتبع الحق في جميع ذلك لتسلم من شرهن فإن كيدهن عظيم ، وشرهن فاشٍ والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة . " ( أبو حامد الغزالي – الزواج الإسلامي السعيد – ص 80 ) وهكذا نجحت حملتهم ضد قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 79 التي هي هجوم على حقوق المرأة وإجهاض لأي محاولة تحسين ولو شكلي في وضعها . " إن الحركة الإسلامية معضدة بمواقف الكثيرين من علماء الدين والسياسة الحاكمين والمعارضين نجحت دعائياً في تركيز الأضواء على مضمون القانون الذي احتوى بنوداً تعد أكثر تعبيراً عن الموقف المتحرر إزاء حقوق المرأة منها عن الموقف الإسلامي المحافظ في هذا الشأن . وقد استجابت الحكومة والبرلمان لهذا الاتجاه وعاودت مناقشة مضمون القانون بحيث خلصت إلى قانون يقترب خطوة من مطالب الحركة الإسلامية . " ( التقرير السياسي لمركز الدراسات والاستراتيجية بالأهرام عام 1986 م ) نعم لقد كشفت معركة الأحوال الشخصية عدداً من الحقائق : - 1- أن الجماعات الإسلامية بمختلف تياراتها ضد أي محاولة للمساواة بين الزوج والزوجة حتى ولو كانت محاولة شكلية وأنها تحارب بكل ما تملك من قوة لإسناد المزيد من الحقوق للرجال ، وإنها تتخذ من موضوع الهجوم على قانون الأحوال الشخصية السابق سلاحاً للهجوم على جميع القوانين المدنية . 2- أن موقف الدولة إزاء قوانين الأحوال الشخصية يخضع للتذبذب ولحسابات موازين القوى الاجتماعية حتى إلغاء قانون 79 واستبداله بآخر كان إجراء سريعاً ووقائياً قامت به لأجل امتصاص غضب الجماعات الإسلامية والمزايدة على حملتها الدعائية ، حيث أعلنت الصحف الحكومية بفخر أن " الموافقة على مشروع قانون الأحوال الشخصية قد تمت بإجماع الآراء … وتشرق وجوه السيدات أعضاء المجلس وتعلو الابتسامة العريضة وجوههن … وأكاد أحس أن بعضهن يردن إطلاق الزغاريد لولا جلال الموقف وينتزع الدكتور أحمد هيكل إعجاب سيدات المجلس وهو يقول إن العدل في الزواج ليس في أن تقسم الرغيف بين الزوجين .. إن العدل في الإسلام هو تحقيق الكفاية والعدالة . " ولا يخفى على أحد أن الكفاية هنا هي كفاية الرجل ، والعدالة هي عدالة مصالحه ، وهكذا تعجب سيدات مجلس الشعب بمن يفتح باب ظلم الزوجة على مصراعيه ، ويزغردن من أجل تمرير قانون يدفع بآلاف النساء إلى الشوارع بعد طلاقهن ، و يمنح الرجل مزيداً من حقوق الزواج وحريات الطلاق . حتى أن رئيس مجلس الشعب يعلن بلا خجل " الزواج نحن لا نقيده وليس الزواج بأخرى ضرراً في ذاته وإنما هو يشتمل على مظنة الضرر . " ( الأهرام – مجلس الشعب يوافق بالإجماع على قانون الأحوال الشخصية 1/7/85 ) 3- كما كشفت معركة قانون الأحوال الشخصية أن قوى المعارضة الرسمية كانت من التخاذل والضعف وعدم الاهتمام بحقوق المرأة ووضعها الاجتماعي بحيث يعلن زعيم المعارضة الممثل لحزب الوفد في ذلك الحين ممتاز نصار " أنه باسم الهيئة الوفدية يقر المشروع الجديد " . " وأن القانون الحالي راعى الثغرات وصححها تماماً على خلاف القرار بقانون الذي أسقطته المحكمة الدستورية وأهم شيء هو الزواج الثاني . " أما إبراهيم شكري رئيس حزب العمل فيجد في تلك القضية مجالاً خصباً للمزايدة وركوب التيار المناهض لحقوق المرأة فيطالب " بتطبيق القانون الجديد بأثر رجعي اعتباراً من عام 79 " ( إبراهيم شكري – محاضر مجلس الشعب – دورة 1985 – الأهرام 1/7/85 ص6 مجلس الشعب يوافق بالإجماع على قانون الأحوال الشخصية . ) حتى يمحو أي أثر للقانون السابق الذي أنصف الزوجة المتضررة من زواج رجلها بأخرى . أما حزب التجمع الذي لم يكن ممثلاً في المجلس فقد اكتفى بالشجب والإدانة للقانون الجديد – كما هي عادته – على صفحات الجريدة الناطقة باسمه . 4- أما فلول الحركة النسائية وبقاياها المتشرذمة فجاءت مواقفها الإصلاحية وتصريحاتها تعبيراً عن حالة الهزال والضعف التي تعاني منها الحركة بوجه عام . وبرغم عقد عدد من الندوات بجمعية هدى شعراوي ونادى أعضاء هيئة التدريس وصدور عدد من البيانات والمقالات التي تناقش القانون الجديد وعلاقته بحركة تحرير المرأة ، إلا أنها لم تستطع أن تحدث ضغطاً اجتماعياً أو تجتذب الجمهور العريض من النساء الواقع عليهن ضرر قوانين الأحوال الشخصية . وإذا كان موقف حركة تحرير المرأة والعلمانيين إزاء أفكار الجماعات الإسلامية الخاصة بوضع المرأة المعاصرة ، وكيفية تصديهم لتلك الأفكار بوجه عام يحتاج إلى دراسة مستقلة تكشف وجوه الضعف والقصور في فهم الظاهرة وتجلياتها الاجتماعية . إلا أن ما يجب التأكيد عليه هنا أن الحركة لم تستطع الالتحام بجماهير النساء أصحاب المصلحة والقضية ، وظل الأمر مقصوراً على قطاع من المثقفات اللاتي اكتفين بعقد عدد من المؤتمرات وإرسال برقيات احتجاج لمجلس الشعب ورئاسة الوزراء والجمهورية وكتابة بعض المقالات المتفرقة حول الموضوع على صفحات جرائد المعارضة إلى آخر تلك الطرق الإصلاحية التي لم تستطع التصدي لحملة الجماعات الإسلامية وأفكارها التي هاجمت بشدة عقر كل دار ، واستهدفت بوضوح القضاء على فتات الحقوق التي كان يكلفها قانون عام 1979 م ، وتحويل كل زوجة إلى رقيقة مطيع للزوج صاحب السيادة والقوامة حسب قانون عام 1985 م المفصل بما يطابق وجهة نظر الجماعات الإسلامية |