خلف الحجاب |
|
الفصل السادس أسواق جديدة للجواري
الجارية والخوف من المجهول الذي ينتظرها ... والنخاس بصوته الغليظ ينادي على جمالها ... والسيد بعيونه الجاحظة وجيوبه المنتفخة بالمال يقلب المرأة البضاعة ويلوي شفتيه تعبيراً عن الرفض أو يبتسم نصف ابتسامة ليداري إعجابه حتى لا يبذل الكثير من المال لكن حيلته الساذجة تنكشف أمام خبرة ودهاء النخاس الذي يطالب جاريته دائما بإبراز المزيد من المفاتن ... وتظل المساومات على جسدها للبحث عمن يدفع أكثر ... تلك الصورة القديمة القميئة التي انقرضت من تاريخ العالم منذ أكثر من مائة عام هل يمكن أن تعود مرة أخرى ؟ هل يمكن أن تتحول المرأة التي عاشت الاستقلال أو فكرت فيه … المرأة التي خرجت إلى الحياة فتعلمت وحصلت على الشهادات وتقلدت الوظائف … المرأة التي لمست بعقلها وروحها ويديها حقيقة إنسانيتها … هل يمكن أن تتحول إلى سلعة في سوق الرقيق مرة أخرى … ؟ أكاد لا أصدق أن هذا الحديث يدور ولو سراً في نهاية القرن العشرين – وبعد مرور زمن طويل على صدور وثيقة حقوق الإنسان ، فكيف ومناقشته علناً على صفحات الكتب وأمام القضاء … وليس المقصود هنا الرق بمعناه النفسي أو المعنوي ، والذي يكاد أن يكون حقيقة لا تقبل النقاش وتحكم العلاقة بين الرجل والمرأة … ليس المقصود هنا المعنى التبعي في العلاقة الذي يجعل الزوجة جارية لزوجها … والذي عبرت عنه الجماعات الإسلامية بإلحاحها في استخدام الحديث القائل : - ( يا أيها الناس اتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً فإنهن عندكم عوانٍ ( أسيرات ) لا يملكن لأنفسهن شيئاً . ) . ولكن المقصود هو ذلك الجانب التشريعي والحقوقي الذي يدور حول مبدأ " وما ملكت إيمانكم " المقصود هو الرق الجسدي الذي يتعامل مع صدور وأرداف النساء كمادة للبيع والشراء ... الرق الذي يبغي الاستيلاء على نساء الجانب المهزوم في الحرب ... الرق الذي يحفظ لنا التاريخ الكثير من صوره المخزية بخطف النساء وسرقتهن بالإكراه وإذلالهن وسوقهن كما تسوق الماشية لعرضهن في أسواق النخاسة ... إن أفكاراً غربية تثيرها الجماعات الإسلامية بين ثنايا كتاباتها ومواقفها وتحاول أن تقدمها في شكل دعائي طنان وديماجوجي .. ليس من أجل تبرير التاريخ القديم بكل ما حمله من سلبيات ونوازع عدوانية فقط ، بل ولتمرير تلك الأفكار الشاذة إلى عقل الجمهور الآن ... يقول أبو الأعلى المودودي الذي تقدمه الجماعات الإسلامية بأنه ( زعيم شعبي وخطيب مفوه يستثير عزائم الجماهير ويستنهض هممهم ويستجيش مشاعرهم ... ) يقول بصدد الحديث عن موضوع الرق : - ( إن إباحة التمتع بناء على حق الملكية واردة في غير واحدة من آي القرآن الحكيم بصراحة متناهية ... وإستعباد أسرى الحرب وبيعهم وشراؤهم كان وما زال رائجاً في الدنيا منذ قديم الزمان إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي ، ارجعوا بنظركم قليلاً إلى ما قبل بضعة قرون وافرضوا أن الحرب قائمة بين المسلمين وأمة أجنبية ، ويصيب المسلمون فيها آلافاً من نساء هذه الأمة وفيهن عدد كبير من النساء الجميلات والشابات … أما العدو فلا يستنقذهن بدفع الفدية ، ولا يبادلهن بما قد أصاب من نساء المسلمين ، فلا يستطيعون أن يسرحوهن مناً عليهن ... فقولوا لي الآن ماذا ينبغي أن نصنع بهذا العدد العظيم من نساء العدو الداخلات في دار الإسلام ؟ أما حبسهن بصفة دائمة فهو ظلم ، وأما تخلية سبيلهن في دار الإسلام فكأنه نشر لجراثيم الخلاعة والمجون والفسق والفجور في الدولة ، لأن الأضرار الخلقية لابد أن تنشأ بهن حيثما وضعهن في الدولة فيفسد المجتمع من جانب وتوصم جباههن بالعار والذل إلى الأبد … من جانب آخر فهي مشكلة شائكة يعالجها الإسلام بتوزيعهن بين أفراد الأمة – جعل التمتع بناء على ملك اليمين من حق الرجال وما جعله من حق النساء . ) ( أبو الأعلى المودودي – الإسلام في مواجهة تحديات المعاصرة – ص81 ) فيالها من زاوية مثيرة للخيال التي يبرر بها المودودي بشاعة الرق ... زاوية تخاطب لدى الجمهور المهزوم كل نوازع الانتقام الشرس ... إنه يستثير في عقول سامعيه صورة الآلاف من نساء العدو ... ثم يركز على النساء الجميلات الشابات وسط هذه الآلاف من اللحم الأبيض ... وحينما يسيل لعاب الرجال المستمعين – بعد أن سال لعاب الخطيب – فإنه يستخدم منطقاً متهافتاً للوصول إلى هدفه ، وهو تحبيب فكرة الرق وإبرازها على أنها منتهى العدل والحكمة ، فحبس هؤلاء النساء ظلم من وجهة نظره ... لأن تلك الأجساد الجميلة الشابة حرام أن تحبس ، وإنما يجب أن يستمتع بها الرجال ، بما يؤكد التصور السائد لدى الجماعات الإسلامية الذي لا يرى في المرأة إنسانا كامل الإنسانية ويقف على قدم المساواة مع الرجل ، بل على أنها كتلة من اللحم تثير المشاعر الجنسية ويجب أن تصب فيها الشهوة الجنسية ... وإذا كانت تخلية سبيل الأسيرات نشراً لجراثيم الخلاعة والمجون والفسق والفجور في الدولة ... فإن الشيخ يقترح حلاً أعجب ، فهو يقترح توزيع هؤلاء الجميلات على أفراد الأمة ، فكأنه يخشى على الشوارع مثلاً من وجودهن فيها ، ولكنه في نفس الوقت يمكنهن من الوجود والانتشار والتمركز في عصب الأمة ... في بيوتها ... ولكن على الجماهير ألا تدع خيالها يذهب بعيداً فأجمل الحسان والبيض الغزلان سوف يكن من نصيب شيوخ الأمة وزعمائها المفوهين ، والأقل جمالاً سوف يكن من نصيب رجال الصف الثاني وهكذا ، فالأمر ليس مباحاً للجميع في هذا النسق الأيديولوجي ، والتاريخ لا يذكر أن فرداً من جمهور الفقراء امتلك جارية من نساء العدو أو من غيرهن ، ولكنه يذكر دائماً أن جمهور الفقراء هذا كان جسم الجيش وأداة الحرب التي حققت رغبات السادة الزعماء . إن المودودي يقاتل في القضية السابقة أي محاولة لتحريم الرق ، ويتصدى لأي محاولة تجميل لهذا الحكم ، فيوجه نقداً قاسياً لكاتب حاول أن ينفي شبهة الرق عن الإسلام بقوله : " فهل بإمكان الكاتب الفاضل أن يشير إلى حكم من أحكام القرآن قد ألغى كل أنواع الرق إلغاء قاطعا بالنسبة للمستقبل ؟ والإجابة بالتأكيد لا . " ( أبو الأعلى المودودي – الإسلام في مواجهة تحديات المعاصرة – ص64 ) إذن فطالما أنه ليس هناك نص يلغي هذا الحكم فهو يطالب باستمراره الآن وفي المستقبل ... !!! أما وثيقة حقوق الإنسان وغيرها من المواثيق فلا تعني المودودي وغيرها من زعماء الجماعات الإسلامية ومـُنظريهم لأنها وببساطة تتعارض مع مصالحهم وأمانيهم في امتلاك الجواري الحسان اللاتي سيعاملهن على أنهن أجساد للهو ومستفرغات للشهوة الجنسية بصرف النظر عن أي قيمة إنسانية . وهذا رمز آخر من رموز الجماعات الإسلامية وهو الشيخ صلاح أبو إسماعيل يدافع عن عودة الرق في شهادته أمام القضاء بقوله : ( جعلت مدخلي إلى الحديث عن الرق وحكم الإسلام فيه بأن ذكرت " الأنبا شنوده " والحاضرين بالمرأة الإسرائيلية التي ضربت بقذائف طائراتها مدرسة بحر البقر وقتلت أطفالنا وأصابت هدفاً ثم أسقتطها المدفعية المصرية فهبطت بالبراشوت ووقعت أسيرة في أيدينا فما حكم الإسلام فيها وهل هو عدل أم ظلم ؟ إن الإسلام يبيح لجماعة المسلمين أن يروا رأيهم في مصير هذه الأسيرة على مفترق طرق أربع على ضوء مصلحة الإسلام والمسلمين : - 1ـ فلهم أن يطلقوا سراحها بلا مقابل. 2ـ أو بمقابل كتبادل الأسرى . 3ـ ولهم أن يضربوا عنقها وهي بلا شك تستحق ذلك . 4ـ ولهم أن يتخذوها أمة رقيقة – وهي بلا شك – تستحق ذلك .) ( صلاح أبو إسماعيل – الشهادة – شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل في قضية تنظيم الجهاد – ص78 ) ونلاحظ أن تفضيلات الشيخ اتضحت في ضرب العنق أو في كونها تصبح أمة رقيقة بعد أن تقرر جماعة المسلمين من الرجال أصحاب المصلحة أي الحلـَّين يختارون . وصلاح أبو إسماعيل يستخدم في حديثه السابق نفس طريقة ومنطق المودودي العنصري الذي يتكشف هنا في رده علي الأنبا شنودة - وهو رمز مسيحي - يجسد الجماعات الإسلامية مع الأقليات في المجتمع المصري , ثم يكشف عن الطريقة الديماجوجية التي تستخدمها الجماعات الإسلامية عند الحديث عن أي قضية حساسة ، وخصوصاً قضية المرأة والرق ، ولكن الطريقة أو مهارة الخطيب اللفظية لا نستطيع إخفاء عيوب كثيرة ناتجة عن ضحالة الأفكار نفسها … ويذهب الشيخ صلاح أبو إسماعيل مع فكرة رق النساء إلي حد الاستفاضة في شرح آليات كيفية تحول المرأة إلى جارية - كل هذا أمام هيئة محكمة عصرية ، وبحجة الدفاع عن مشروعية القتل والذبح والامتلاك فيقول :- فإذا صارت أمة رقيقة فإنها تؤول إلي ملك رجل بعينه بحكم الشرع الشريف ولمالكها أن يستبرئها بحيضة ليتيقن براءة رحمها من أن يكون مشغولا بحمل من غيره . فإن لم تكن حاملاً يعاشرها معاشرة الأزواج بملك اليمين فإن حملت منه ووضعت فقد صارت أم ولد هو أبوه فإن مات سيدها ورثه ولدها منه . ولما كانت أم هذا الولد من ممتلكات أبيه فسوف تؤول ملكيتها إلى الوارث الجديد وهو ولدها ، والإنسان لا يمتلك أصله ولا فرعه . وبذلك تتحرر بحكم الشرع حيث يرث ملكيتها ولدها . " ( صلاح أبو إسماعيل – الشهادة – ص78 ) فأي منطق هذا الذي يدور حول الأفكار ويلوي عنقها لتثبت عكس ما تعنيه ... ؟ أي منطق هذا الذي يتحدث في البداية عن عدالة تحويل هذه المرأة إلى رقيق يمتلكه الرجال … ؟ ثم عدالة وضعها وهي جارية … ؟ ثم عدالة تحويلها إلى إرث يتركه السيد بعد وفاته … ؟ ثم عدالة أن يصير أمرها إلى الوراثة … ؟ ثم عدالة حصولها على الحرية بعد المشوار الطويل … ؟ لماذا كل هذا العناء وقد كانت المرأة حرة منذ البداية لا يملكها إنسان آخر … ؟ أكل ذلك من أجل تحليل طرق استمتاع الرجل بأكبر كمية ممكنة من النساء وتغذية روح الملكية لديه … ؟ لنعود نسمع عن فلان الذي يمتلك عشرات الجواري ، وفلان الذي يتسابق مع الآخرين على ملكية الأجمل من النساء إلى آخر تلك المهازل التاريخية . والغريب أن هؤلاء الدعاة الإسلاميين يتعاملون مع فكرة الرق وكأنها حق لا يقبل النقاش .. فهم يذهبون في تفسير فروعه كتفسير مظهر الجارية وملابسها ووضعها في العلاقة الجنسية مع مالكها وتحديد الفرق بينها وبين الحرة في تلك الأوضاع كما في كتاب حجاب المرأة ولباسها في الصلاة – وهو من كتب التراث التي أعادت الجماعات طباعتها من جديد : " الحجاب مختص بالحرائر دون الإماء ، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي وخلفائه ، أن الحرة تحتجب والأمّة تبرز ، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمّة مختمرة ضربها وقال أتتشبهين بالحرائر أي لكاع ! فيظهر من الأمّة رأسها ويداها ووجهها . " ( شيخ الإسلام – ابن تيمية – حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة – ص37 ) ويؤكد على نفس المعنى في موضع آخر : " وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات متكشفات الرءوس ويخدمن الرجال مع سلامة القلوب " ثم يقول في الهامش : - " كأنه يشير إلى ما رواه البيهقي عن أنس قال : - كن إماء عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخدمننا كاشفات عن شعورهن تضطرب ثديهن، وسنده جيد . " ( ابن تيمية – المصدر السابق ص43 ) ومع التمييز بين الحرة والأمّة في المظهر ، فإن متن النصوص يكشف عن كيفية استغلال أجساد الإماء نفسها .. حيث نجد الكثير من الفروق في المعاملات فعلى سبيل المثال نجد فكر الجماعات الإسلامية يهاجم تحديد النسل ويهاجم كل طرقه ووسائله ومنها وسيلة العزل التي يعترف أبو الأعلى المودودي أنها وسيلة غير إنسانية وتحدث الكثير من الأضرار السيئة في نفسية المرأة وتكوينها، إلا أنه لا يرى ضررا في استخدامه مع الجواري : - " فلابد أن تكون النتيجة لاتخاذ تدابيره الصناعية أن ينشأ التوتر في نظام المرأة الجسماني ويلازمها – شيئاً فشيئاً – القلق والاضطراب والتبرم والضجر ، لأنها عندما لا تشبع غريزتها الجنسية فإن علاقتها بزوجها يعتريها – ولابد – الشذوذ والانزعاج وقد شوهدت هذه النتائج بصفة خاصة في الذين يختارون طريق العزل لمنع الحمل . " ( أبو الأعلى المودودي – حركة تحديد النسل – ص81 ) وهكذا فهو يهاجم بوضوح أسلوب العزل لما له من آثار خطيرة على المرأة ، وبرغم ذلك يحلل استخدامه في وضع الجواري فهو يقول : - ( إن العزل وهو إحدى الوسائل المستخدمة في تحديد النسل كان يستخدم في حالات بعينها وهي : - 1ـ خشية أن تحمل الأمّة " الجارية " 2ـ خشية أن تستحق الأمّة إقامة دائمة إذا صارت أم ولد . ) ( أبو الأعلى المودودي – حركة تحديد النسل ص141 ) ولكن أليس استخدام أجساد هؤلاء النسوة في الأغراض الجنسية مع حرمانهم من كل الحقوق حتى حق المرأة في أن تصبح أماً ، أو حقها في الاستمتاع بالعلاقة مع الرجل ، هو أشد أنواع الدعارة والعهر وأشدها رخصاً وأشدها ابتذالاً وأشدها إذلالاً لإنسانية المرأة … إن الجماعات الإسلامية التي تدعي في مواضع أخرى أنها تبغي القضاء على الدعارة قضاء تاماً … تفتح لها باباً واسعاً ولكنه باب خاص بالسادة أصحاب النفوذ في دولتهم … إن حديثهم عن الرق في النصوص السابقة وفي مواضع أخرى إلى جانب أنه يشحذ الروح العنصرية لدى جمهورهم الساخط حتى يسهل توجيهها بعد ذلك الوجهة التي يريدون ، فهو يحمل أيضاً إمكانية إحداث أنواع ودرجات من التفريق بين الناس يكون تحقيقها مرهوناً بمدى قوة الجماعات الإسلامية وصعودها إلى السلطة … وبمدى وعي الجمهور أو غياب وعيه … إن سيناريو العبودية التاريخي السابق يمكن أن يأخذ أشكالاً جديدة ترتكن على قاعدة قبول المبدأ … قبول التفرقة … قبول الاستبداد وخصوصاً ضد النساء فهل ننتبه إلى حقيقة هذا الخطر الصاعد … أم نتركه حتى نفاجأ به يطبق علينا نحن النساء المعاصرات كل تصوراته السابقة ؟ |