الاعتراضات على سفر نشيد الأناشيد والرد عليهـا

مقدمة

سفر نشيد الأناشيد والشعر

هل كُتب سفر نشيد الأناشيد بلغة مُبتذلة

ماهو التصـوف

العلاقة بين التصوف وسفر نشيد الأناشيد

العشق الإلهى والإبتداع فى الدين

ألفاظ سفر نشيد الأناشيد ومعانيها السامية

أوصاف الجسم

تعبيرات يُقال عنها لاتليق بكتاب من الله

سفر نشيد الأناشيد وجـنة حور العـين والولدان المخـلدين

الجنة فى القرآن والأحاديث والتفاسير

حور العين وعملهم فى الجنة

الولدان المخلدون ودورهم فى الجنة

الخمر فى الجنة

الفاكهة ولحم الطير فى الجنة

 مقارنة بين ماقيل فى الجنة ونشيد الأناشيد

كلمة ختامية

عودة للرئيسية

   الفصل الأول

أوصـاف الجسـم

 

 نواصل بحثنا عن سفر نشيد الأناشيد والرد على الاعتراضات بخصوصه.

 

وقد ناقشنا في الباب الأول موضوع سفر نشيد الأناشيد والشعر الصوفي الروحي.

وفى هذا الباب نتكلم عن الاعتراضات على ألفاظ سفر نشيد الأناشيد .

يتساءل الكثيرون :

 هل من المعقول أن يَذكُر وحيٌ من الله، أوصاف أعضاء جسد المرأة: كالثديين والفخاذ، كما جاء في نشيد الأناشيد؟ .

 

والواقع أنى أوجه تساؤلى أنا أيضاً إلى أصحاب هذا السؤال: هل ذُكرت هذه الأوصاف بطريقة مبتذلة؟ أم أنها ذكرت في قالب من الأدب الراقي، تماما كما تُذكر في كتب الطب بطريقة علمية، وكتب الشعر بطريقة بلاغية. فكلنا يعلم، كما وضحنا في الباب السابق، أن سفر نشيد الأناشيد هو شعر صوفي روحاني، مملوء بالصور البلاغية الرمزية من تشبيهات واستعارات وكنايات، فألفاظه لا تؤخذ بالمعنى الحرفي، بل كما تقول لغة البيان: لا تؤخذ بلازم معناها، وإنما لها معان أخرى تشير إليها، كما سنرى.

وقبل أن أتكلم عن تفسير ألفاظ سفر نشيد الأناشيد التي غلق فهمها على الغلفاء وغير المختونين بقلوبهم، على رأي القديس استفانوس رئيس الشمامسة (أع7: 51) أجد لزاما عليَّ أن أوضح أمرا هاما أساسيا قد أشار إليه القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس الإصحاح (2: 11ـ15) قال: "مَنْ مِنَ الناس يعرف أمور الانسان، إلا روح الإنسان الذي فيه، هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله، ونحن لم نأخذ روح العالم، بل الروح الذي من الله، لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله، التي نتكلم بها أيضا لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية، بل بما يعلمه الروح القدس، قارنين الروحيات بالروحيات، ولكن الانسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة، ولا يقدر أن يعرفه، لأنه إنما يحكم فيه روحيا. وأما الروحي فيحكم في كل شيء وهو لا يحكم فيه من أحد" (1كو2: 11ـ15).

فلكي نفهم تعبيرات سفر نشيد الأناشيد، يجب مقارنتها بآيات أخرى من الكتاب المقدس، لتوضيح معانيها "قارنين الروحيات بالروحيات". والواقع أن صفات العروس قد وردت في الاصحاحين (الرابع  والسابع) من سفر نشيد الأناشيد. وإليك المعاني الروحية التي تشير إليها هذه الألفاظ من واقع مقارنتها بآيات الكتاب المقدس الأخرى:

1ـ الرأس: تشير إلى الحكمة كما ذُكر في (أمثال4: 7و9)  "الحكمة هي الرأس فاقتن الحكمة ... تعطي رأسك إكليل نعمة، تاج جمال تمنحك" .

2ـ الشَّعر: يرمز إلى العناية الإلهية بالإنسان: فقد قيل في (متى10: 30) "وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة" .

3ـ العينان: ترمزان إلى البصيرة الروحية، كما وضح معلمنا يوحنا في رسالته الأولى (إصحاح5: 20) "ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق" .

4ـ الخدُّ تحت النقاب: [أي تحت الحجاب أو البرقع] يرمز إلى إمتياز البهاء (خروج34: 29) "وكان لما نزل موسى من جبل سيناء .. لم يعلم أن جلد وجهه صار يلمع في كلامه معه .. فإذا رأى بنو اسرائيل وجه موسى أن جلده يلمع كان موسى يرد البرقع على وجهه" .

5ـ الفم: يرمز إلى الحديث بما يرضي الله. (مزمور19: 14) "لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك" .

6ـ الشفتان: ترمزان إلى التسبيح والاعتراف باسم الرب (عبرانيين13: 15) "ولنقدم به في كل حين ذبيحة التسبيح أي ثمر شفاه معترفة باسمه" .

7ـ الأسنان: ترمز إلى هضم كلمة الله (أرميا15: 16) "وُجد كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي ..." .

8ـ العنق: يرمز إلى قوة الإيمان ففي (أيوب41: 22) "في عنقه تبيت القوة ..." ولهذا وصف عنق العروس ببرج الأسلحة والمجان (نشيد الأناشيد4: 4) .

9ـ الثديان: يرمزان إلى التغذية الروحية من العهد القديم، والعهد الجديد، وهما ثديا الأم الروحية الكنيسة عروس المسيح، ففي سفر أشعياء يقول: (أشعياء66: 11) "لكي ترضعوا من ثدي تعزياتها" .

والواقع إني لأتعجب من اعتراض الأخوة المسلمين قائلين هل ذِكْر ثديي المرأة يليق بكتاب من عند الله؟؟؟؟؟ عجبا! أفلا يطبقون هذا القول على القرآن ذاته؟ ألا يعلمون أن القرآن قد ذكر هذا اللفظَ بعينه في وصف حوريات الجنة، في (سورة النبأ 78: 31ـ33) إذ يقول: "إن للمتقين مفازا [أي جنة] حدايق وأعنابا [أي بها أشجار وكروم] وكَواعِبَ أترابا [كواعب: أي نهود أو أثداء جمع نهد أو ثدي، كما جاء في (المعجم الوسيط الجزء الثاني ص 790) وأترابا: بمعنى أن الحوريات مستويات السن [تفسير الإمام النسفي الجزء 4 ص 479]، أي لا توجد واحدة كبيرة السن مثل خديجة، وأخرى صغيرة السن مثل عائشة]" والقرآن لا يقصد المعنى المجازي الروحي بل المعنى الحرفي المادي للحوريات والخمر والولدان. في حين أن نشيد الأناشيد لا يقصد المعنى الحرفي بل المعنى الرمزي الروحي.

ألا يخجل المعترضون من قرآنهم، ويكفون عن اتهام الكتاب المقدس باطلا.

10ـ البطن: ترمز إلى الحياة الباطنية أي الانسان الباطن أو الداخلي كما يقول بولس الرسول في: (أفسس3: 16) "لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن" .

11ـ السرة: ترمز إلى الفطامة الروحية: فقطع الحبل السري بعد الولادة يعطي للمولود حياة، تعتمد على ما يحصله بالفم، وليس عن طريق الحبل السري، وينبغي مقارنة ذلك بما قيل عن المولودة اللقيطة في (سفر حزقيال إصحاح 16: 4)  "أما ميلادك يوم ولدت فلم تقطع سرتك ولم تغسلي بالماء للتنظف ..." بل تركت للموت.

 

 

12ـ دوائر الفخذين: (أي مفاصل الساقين):

The joints of your limbs are like jeweled chains, the work of a master hand.

والمفاصل في جسم الإنسان هي الروابط التي تربط أعضاء الجسم بعضها ببعض، وهي ترمز إلى الروابط القوية بين أعضاء جماعة المؤمنين كجسد واحد. وهذا ما وضحه بولس الرسول عن دور المفاصل في تركيب الجسد، إذ قال "ننمو في كل شيء نحو المسيح الذي هو الرأس، فبه يتماسك الجسد كله ويلتحم بفضل جميع المفاصل التي تقوم بحاجته، حتى إذا قام كل جزء بعمله الخاص به، نما الجسد كله، وتكامل بنيانه بالمحبة" (أفسس4: 15و16) .

وقد جاءنا سؤال من أخت مسئولة فى إحدى غرف الحوارات بالإنترنت وقد خَجَلَت كما تدَّعي من أن تقوله، فأرسلته بالـ E-Mail إلى أحد الإخوة ليقرأه عوضاً عنها، وكان السؤال بخصوص الآية من سفر نشيد الأناشيد التي ذُكِر فيها دوائر (أي مفاصل) الفخذين (أي الساقين)، وتعجبت في الحقيقة من خجلها، فقد أخَذَتْ الكلامَ بمعناه الحرفي، ولم ترتق إلى المستوى الروحي والرمزي لكلمات الوحي الإلهي. وتعجبت بالأكثر أنها لا تجد خجلا من قراءة ونطق هذا اللفظ بعينه: فخذ عائشة الذي كان النبي محمد يضع رأسه عليه كما ذكر في (الحديث رقم 5250 من صحيح البخاري الجزء الثالث ص 270 طبعة دار البيان العربي) الذي يقول بالحرف: "حدثنا عبد الله بن يوسف ... عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه على فخذي!!!!! .

وما هو رأي هذه الأخت في حديث الإمام أبو محمد ابن عبد الملك ابن هشام في كتابه (السيرة النبوية الجزء الأول ص 230 طباعة دار المعرفة سنة 2001م) إذ يقول بالحرف: "قال رسول الله (صلعم): يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني. قالت: قم يا ابن عمِّ فاجلس على فخذي اليسرى. فقام رسول الله وجلس على فخذها. قالت: هل تراه؟ قال نعم. قالت: تحول واجلس على فخذي اليمنى، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى. فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: تحول واجلس في حجري (أي بين فخذيَّ) فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس في حجرها [أي بين فخذيها] فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. فتحسرت [أي كشفت عن وجهها] وألقت خِمَارَها [أي ما يستر وجهها] ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها [أي بين فخذيها] ثم قالت له: هل تراه؟ قال: لا. فقالت يا ابن عمِّ اثْبَتْ وأبْشِرْ فوالله إنه لملكٌ وما هذا بشيطان!!!!" .

ألا توجد علاقة بين هذه القصة وبين ما قالته عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه على فخذيَّ ويقرأ القرآن وأنا حائض!!!!! (البخاري باب الحيض 2) .

وبصرف النظر عن بحث علاقة فخذَيِّ خديجة بإثبات أن الذي ظهر لمحمد هو ملاك وليس شيطانا [فهذه قضية أخرى] ولكني أقول للأخت التى أثارت هذا السؤال ألم تخجلي من هذه الفخاذ: فخاذ خديجة وعائشة رضوان الله عليهما، أكانت أفخاذُهما مقدسة، في حين أن الصورة البلاغية لدوائر فخذ أو مفاصل ساقي عروس النشيد، عمل من رجس الشيطان الرجيم؟؟؟ .

13ـ الرجلين: ترمزان إلى السعي للخدمة ببشارة السلام كقول الرسول بولس في (رسالة أفسس6: 15) "حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام" .

هذه هي معاني ومدلولات أجزاء الجسم التي يقول المغرضون أنها ألفاظ هابطة. فقد اتضح لنا سمو الإشارة وبلاغة التعبير للمعاني السامية التي تعبر عن ترابط جسد الكنيسة المقدسة كعروس روحية للمسيح.