ســـوداء وجمـــيلة
" أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم كخيام قيدار كشقق سليمان
لا تنظرن إلىَّ لكوني سوداء لأن الشمس قد لوحتني بنو أمي غضبوا علي ..
جعلوني ناطورة الكروم أما كرمي فلم أنطره .. " (نش 1 : 5 ، 6)
نأتى إلى الموضوع الثانى فى الإصحاح الأول من سفر النشيد ، والذى نرى فيه
سواد الخارج الذى لا يقارن بجمال الداخل فبينما نجد أن النفس البشرية أو
الكنيسة المفدية يراها العالم سوداء كخيام قيدار السوداء لأنها مصنوعة من
جلود الماعز السوداء ، يراها المسيح جميلة كقصور سليمان الملك بهية الطلعة
وفائقة الجمال ...
لذا قال الكتاب : " إن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوما فيوما "
(2كو 4 : 16)
فحين تحاربنا سهام المجد الباطل نقول : " أنا سوداء .. " وحين تحاربنا سهام
اليأس والفشل نقول : " أنا جميلة .. "
ويرى العلامة أوريجانوس فى هذا المشهد تشبيهاً لخيمة الاجتماع فيقول : "
الخيمة التى غطتها من الخارج جلود الماعز غير الجميلة ، احتوت من الداخل
روعة الستائر فضلاً عن مجد الله فيها .. من خارج شعر الماعز وجلود الكباش
.. أما من داخل فالستائر من أسمانجونى وأرجوان وقرمز وبوص ]
ولنا فى هذا المشهد ثلاث كلمات :
فســاد وخِرب .
جمال مكتسـب .
بغضة بلا سبب .
أولاً : فســـاد وخِــــــرب
تعددت جـوانب فساد حياة الإنسان الذى يجرى خلف شهواته ويشابه أهل العالم ..
ويمكن تلخيص جوانب الفساد فى :
1) فساد الطبيعة القديمة :
ولقد أكد داود النـبى ذلك بقوله : " هأانذا بالإثم صُورت وبالخطية حَبُلت
بي أمي .. " (مز 51 : 5) ، ويشرح أشعياء النبى الأمر بقوله : " من أسفل
القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جرح واحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب
ولم تلين بالزيت " (إش 1 : 6) إنها الطبيعة القديمة التى نجحدها قبيل
المعمودية ، حتى نأخذ الطبيعة الجديدة فى سر المعمودية ..
كما أنها الطبيعة التى جاهد معلمنا بولس الرسول ضدها إذ قال : " لأني لست
أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل فإن كنت ما لست
أريده أياه أفعل فلست بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة فيَّ ويحي أنا
الانسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت .. " (رو 7 : 19 ، 20 ، 24)
أخى الحبيب ، هل تعلم أنك قد مت مع المسيح فى المعمودية ، لكن يبقى السؤال
: " حاشا .. نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها ؟ " (رو 6 : 2)
2) فساد الخبرات المريرة :
وهى خبرات السقوط الماضية التى تحفر فى القلب خندقاً لليأس يقود إلى الفشل
فى الحياة الروحية يحاول به الشيطان أن يرجعنا إلى كورة الخنازير مرة أخرى
..
من أجل هذا نصلى فى صلاة الصلح ونقول : [ طهرنا من .. تذكار الشر المُلبس
الموت .. ] ويصلى القديس كيرلس فى قداسه قائلاً: [ أنعم لنا يا سيدنا بحاسة
غير ذاكرة للشرور الأولى .. ]
فالشيطان يذكرنا بالخطية لا لنتوب عنها ، بل لنعود ونشتاق لأرض العبودية
..
أخى الحبيب ، هل يمكن أن نتخيل أن الإبن الضال بعدما عاد إلى بيت أبيه وإلى
أحضانه .. هل يمكن أن نتخيل أن يعود ويشتهى يوماً من أيام كورة الخنازير ؟
أليس هذا كابوساً مرعباً له !!!
3) فساد العلاقات الشريرة :
يقول الكتاب : " المعاشرات الردية تفسد الاخلاق الجيدة " (1كو 15 : 33) ..
فكم من كثيرين بدأوا فى طريق التوبة ، ولكن العلاقات القديمة عادت
واجتذبتهم .. وفيهم يقول الكتاب : " كلب قد عاد إلى قيئه وخنزيرة مغتسلة
إلى مراغة الحمأة " (2بط 2 : 22) فإن أعثرتك يدك فأقطعها .. وحتى إن كان
هذا الصديق عيـنك فأقلعـها كما عمل القديس سمعان الخراز حين أعثرته عينه ..
لذا يقول قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث فى كتابه حياة التوبة والنقاوة
ص 299 : [ صديقك الحقيقى ، هو رفيقك فى طريق الملكوت .. يشترك معكق
فى الحياة الروحية ، وبشجعك عليها ، وتشجعه أنت أيضاً .. ]
ثانياً : جــمال مُكتســب
الواقع أن النفس البشرية مهما حاولت أن تتجمل وتتحلى بالأخلاق الجيدة ، فما
هى هذه المحاولات إلا كمحاولة آدم وحواء لتغطية عريهما بأوراق التين ، التى
حين اشرقت الشمس فإذ بها تتساقط ويعود آدم وحواء إلى عريهما من جديد ..
لذا فكاتب سفر النشيد شبه العروس بالقمر ، إذ قال : "من هي المشرفة مثل
الصباح جميلة كالقمر " (نش 6 : 10) ، والقمر أخبرنا عنه علماء الفضاء
بقولهم أنه يشبه شاطئ بحر قذر .. وهو مظلم بطبعه ، لكنه يكتسب جماله وبهاء
ضيائه من الشمس .. كذلك النفس البشرية فى فساد طبيعتها وخراب خطيتها تبدو
كشاطئ بحر قذر .. لكن حين تكتسى بثوب بر الرب يسوع شمس البر ، تبدو مشرقة
كالشمس ..
ويوضـح ذلك القديس أغسطينوس هذا المعنى بقولـه : [ لقد كان شاول الطرسوسى
مجدفاً ومضطهداً .. كان فحماً أسـوداً غـير متقد ، لكنه إذ نال رحمة إلتهب
بنار من السـماء .. صوت المسيح ألهبه وأزال كل سواد فيه ، فصـار جميلاً
ملتهباً بحرارة الروح ، حتى ألهب آخرين بــذات النـار الملتهبة فيه .. ]
إنها النعمة التى تكسب النفس السوداء جمالاً فتبدو مشرقة .. كما قال الكتاب
عن النفس البشرية التى كانت ملقاة على قارعة طريق الخطية والنجاسة : " وخرج
لك إسم في الأمم لجمالك لأنه كان كاملاً ببهائي الذى جعلته عليك يقول السيد
الرب " (حز16 : 14) ..
ويمكن أن تعمل النعمة فى النفس لتغيرها لتبدو فيها إشراقة جمال المسيح من
خلال :
1) ثوب بر المسيح الذى يكسونا فى المعمودية .
2) ثوب قداسة الروح القدس الذى يجملنا فى سر الميرون
3) ثوب الجهاد ضد الطبيعة القديمة والعـادات القديـمة ليستبدلها بالعادات
الجديدة ..
4) ثوب كلمة الله التى تزين العقل وتهبه جمالاً وذكاءاً ..
5) ثوب التسبيح عوض الروح اليائسة ..
6) ثوب إتضاع المسيح إذ يتسربل به المؤمن فيجد راحة لنفسه ..
7) ثوب الخضوع للكنيسة ولقيادتها الذى يحمى النفس من التمرد والذات ..
أخى الحبيب .. هل تطلب ثوب بر جمال وكمال المسيح ليكسوك وليطبع عليك بهائه
فتكتسب جمالاً سماوياً .. ؟ هل تقضى أوقاتاً فى حضرته كموسى النبى الذى نزل
من الجبل وجلد وجهه يلمع ، إذ طبع الله نوراً سماوياً بسبب عشرة موسى مع
الله على الجبل .. ؟ إنها فرصة لتبدأ من اليوم على المواظبة على خلوتك
اليومية لا لتؤدى فرضاً ، بل لتدخل إلى حجال الحبيب الغالى عريس النفس
الحبيب الرب يسوع المسيح لتكتسى بنور عشرته .. ؟
ثالثاً : بغضـــة بلا ســبب
تقول عروس النشيد : " بنو أمى غضبوا علىَّ .. جعلونى ناطورة [ حارسة ]
الكروم .. أما كرمـى فلم أنطره [ أحرسه ] " ويرى بعض المفسرين أن " بنى
الأم " تشير إلى الأنا أو الذات البشرية التى هى عدو يثور ضد عمل المسيح
فينا .. وخلال هذه الحرب ينشغل المؤمن بكروم الآخرين فى كبرياء بمظاهر
الخدمة والكرازة ، دون أن يهتم بكرمه الداخلى ..
وفى ذلك قال رب المجد يسوع المسيح : " يا مرائي اخرج أولاً الخشبة من عينك
وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك " (مت 7 : 5)
أما عن أن العالم يبغض أولاد الله بلا سبب .. فالأمر يتعلق بما عمله العالم
مع الرب يسوع .. إذ يقول الكتاب : " انهم أبغضوني بلا سبب " (يو 15 : 25)
.. ومادام هذا هو اسلوب العالم فى تعامله مع الرب يسوع العود الرطب ، فكم
باليابس ..
والواقع أن وجود النور فى وجه العين المصابة بالرمد يؤذيها ، ليس بسبب خطأ
فى النور ، بل بسبب وجود مرض فى العين .. لذا يا أخى الحبيب لا تستغرب
الآلام فى هذا العالم كانما أصابك شئ غريب .. ذلك لأنك وأنت نور للعالم ،
أنت تفضح السالكين فى الظلمة ، وحياتك المقدسة تظهر نجاسة الآخرين فيبغضوك
بلا سبب ... كما حدث مع دانيال والثلاث فتية .. بل مع رب المجد يسوع المسيح
الذى لم يفعل خطية ، ولم يكن فى فمه غش ..
لكن هنا لا بد لنا من أن نلفت الإنتباه أن الكتاب يحذرنا قائلاً : " أن
تكون سيرتكم بين الأمم حسنة لكي يكونوا في ما يفترون عليكم كفاعلي شر
يمجدون الله في يوم الافتقاد من أجل أعمالكم الحسنة التي يلاحظونها " (1بط
2 : 12) ، فيجب أن نسلك فى كمال المسيح .. فى السر والعلن .. حتى إذ اتهمنا
الآخرون ظلماً يكون لنا أجراً فى السماء ، كما يكون لنا ضميرنا الذى يذكينا
أمام الله ...
وفى كل الأحوال أحترس أن تنشغل بالآخرين فتضيع وقتك ومجهودك فى إدانة
الآخرين .. وفى هذا الصدد تعلمنا كنيستنا القبطية المجيدة أن الأب الكاهن
بعد أن يصلى كافة الأواشى ويطلب من أجل الجميع ، فهو يعود ويقول : [ اذكر
يارب ضعفى أنا أيضاً واغفر لى خطاياى الكثيرة ، وحيث كثر الضعف تكثر هناك
نعمتك .. من أجل خطاياى خاصة ونجاسات قلبى .. ]
ويقول قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث فى كتابه الخدمة الروحية ص 102 : [
ماذا يستفيد الخدام الذين يميتون أنفسهم فى الخدمة ، وإذ يهملون أنفسهم
يخسرون الملكوت ؟ ويظن الواحد منهم وهو فى الخدمة ، انه قد أخذ راحيل ، ثم
ينـظر فـإذا هى ليئة !! ]
أخى الحبيب .. ختاماً ، يلخص معلمنا بولس الرسول هذا الموضوع بأن يطلب منا
ثلاثة أمور :
1) أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الانسان العتيق الفاسد بحسب شهوات
الغرور ..
2) وتتجددوا بروح ذهنكم ..
3) وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق .. (أف 4
: 22 ـ 24)
سيدى الرب يسوع المسيح عريس نفسى الغالى .. اشكرك لأجل أنه برغم سواد
الخارج من ضعف الجسد وحرب الإنسان العتيق وذكريات الماضى المظلم ونجاسات
أفكارى التى تعرفها وحدك .. إلا أن الداخل جميل ببهاء برك الذى تضفيه علىَّ
احفظنى من أن أنشغل بإدانة الآخرين وأنسى نفسى وضعفاتى ومهما ابغضنى العالم
هبنى ان اقدم حبك الذى لا يكل ولا يمل للآخرين ..
بشفاعة كل قديسيك الذين جملتهم بثياب خلاصك ، فصاروا بنعمتك كاملين .. آمين
** ترنيمة :
1) ربى اجذبنى وراك فأجرى قدس حياتى2 قلبى وفكرى
2) أدخلنى الملك إلى حجالـه فسُرَ قلبى2 إذ رأى جماله
3) أنا جميلة مع كونى سـودا يسوع ربى2 هو جـمالى
4) شمس التجارب قد لوحتنى لكن يسوع2 أبداً ما تركنى
5) قد تركتنى كل البـــرية وبنو أمى2 غضـبوا علىَّ
6) لما رآنا فى الدنيا حـزانى فتش علينا2 مات وأحـيانا
7) يسوع بقربى يسوع فى قلبى يا لسرورى2 بيسوع ربى
دراسة تطبيقية :
ســـوداء وجمـــيلة
** أولاً : ما هى المجالات التى تحارب المؤمن فتجعل حياته سوداء أمام الله
والناس ؟
1) -----------------------------------------
2) -----------------------------------------
3) -----------------------------------------
4) -----------------------------------------
** ثانياً : ما هو المعنى الروحى لقول العروس :" أنا سوداء وجميلة " ؟
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
** ثالثاً : ما هى أوجه الشبه بين حارس الكروم ، وبين النفس البشرية ؟
1) -----------------------------------------
2) -----------------------------------------
3) -----------------------------------------
4) -----------------------------------------
** رابعاً : ما هى الخطوة العملية التى تريد أن تتخذها حتى يتحول هذا
الموضوع إلى واقع عملى تحياه ؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
** التدريب الروحى للأسبوع :
1) حفظ آية :
روميه 13 : 14
" بل إلبسوا الرب يسوع المسيح
ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات .. "
روميه 13 : 14
2) المواظبة على الخلوة اليومية .
3) الذهاب للكنيسة ، وممارسة الاعتراف والتناول .
___________ التتميم الروحى الأسبوعى __________
الكنيسة
|
محاسبة
النفس
|
ممارسة
التدريب
|
الصوم
|
مراجعة
آيات
|
صلاة
ارتجالية
|
الأجبية
|
الكتاب
المقدس
|
التاريخ
|
م
|
خ
|
ج
|
ت
|
ع
|
ق
|
|
|
|
|
م
|
ص
|
م
|
ص
|
م
|
ص
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
2
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
3
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
4
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
5
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
6
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
7
|
ق = حضور القداس ، ع = اعتراف ، ت = تناول ،
ج = حضور اجتماعات ، خ = خدمة
|