في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين

" 5 "
الشعوبية وانتحال الشعر

 

والشعوبية ما رأيك فيهم وفيما يمكنِ أن يكون لهم من الأثر القوي في إنتحال الشعر والأخبار وإضافتها إلى الجاهليين ؟ أما نحن فنعتقد أن هؤلاء الشعوبية قد انتحلوا أخباراً وأشعاراً كثيرة وأضافوها إلى الجاهليين والإسلاميين . ولم يقف أمرهم عند إنتحال الأخبار والأشعار ، بل هم قد أضطروا خصومهم ومناظريهم إلى الانتحال والإسراف فيه . وأنت تعلم أن أصل هذه الفرقة إنما هو هذا الحقد الذي أضمره الفرس المغلوبون للعرب الغالبين ، وأنت تعلم أن هذه الخصومة قد أخذت مظاهر مختلفة منذ تم الفتح للعرب ، وأحدثت آثاراً مختلفة بعيدة في حياة المسلمين الدينية والسياسية والأدبية . ولكنا لا نريد أن نتجاوز في هذا الفصل تأثير الشعوبية في الحياة الأدبية وحدها وفي انتحال الشعر على الجاهليين بنوع خاص .

لم يكد ينتصف القرن الأوّل للهجرة حتى كان فريق من سبي الفرس قد أستغرب وأتقن العربية وأستوطن الأقطار العربية الخالصة ، وأخذ يكون له فيها نسل وذرية ، وأخذ هذا الشباب الفارسي الناشئ يتكلم العربية كما يتكلمها العرب أنفسهم . وما هي إلا أن أخذ هذا الشباب يحاول نظم الشعر العربي على نحو ما كان ينظمه شعراء العرب . ثم لم يقف أمرهم عند نظم الشعر بل تجاوزه إلى أن شاركوا العرب في أغراضهم الشعرية السياسية . فكان من هؤلاء الموالي شعراء يتعصّبون للأحزاب العربية السياسية ويناضلون عنها .

وهذا الموقف السياسي الذي وقفه الموالي الأحزاب يسّر الأمر عليهم تيسيراً شديداً . فقد كان أحدهم لا يكاد تأييده لحزب  من هذه الأحزاب حتى يفرح  به هذا الحزب ويعطف عليه ويجزل له الصِّلات ويذهب في تشجيعه كل مذهب ، على نحو ما تفعل الأحزاب السياسية الآن بالصحف التي تقف منها مواقف التأييد ، تقبل عليها وتمنحها المعونة لا تبالي في ذلك بشيء ، لأنها لا تريد إلا نشر الدعوة ، ولأنها لا تريد إلا الفوز . ومن إبتغى الفوز وحده كان خليقا ألا يحقق في اختيار الوسائل  وتدبرالعواقب .

وكذلك كانت تفعل الأحزاب العربية أيام بني أمية . كان هذا المولى يعلن تأييده للأمويين في قصيدة من الشعر فما أسرع ما يضمه الأمويون إليهم لا يعنيهم أكان مخلصاً لهم أو مبتغياً للحظوة والزلفى .

وكذلك كان يفعل حزب آل الزبير وحزب الهاشميين . وكذلك كانت الخصومة بين الأحزاب العربية للمغلوبين الموتورين من الموالي أن يتدخّلوا في السياسة العربية وأن يهجوا أشراف قريش وقرابة النبي .  

كان بني أمية يشجعون أبا العباس الأعمى ، وكان آل الزبير يشجعون إسماعيل بن يسار ، وكان هذان الشاعران يستبيحان لأنفسهما هجو أشراف قريش خاصة والعرب عامة في سبيل التأييد لآل مروان وآل حرب وآل الزبير .

ولم يكن هؤلاء الموالي مخلصين للعرب حقاً ، إنما كانوا يستغلّون هذه الخصومة السياسية بين الأحزاب ليعيشوا من جهة وليخرجوا من حياة الرق أو حياة الولاء إلى حياة تشبه حياة الأحرار والسادة من جهة أخرى ، ثم ليشفوا ما في صدورهم من غل وينّفسوا عن أنفسهم ما كانوا يضمرون من ضغينة من جهة ثالثة .

ولعل إسماعيل بن يسار أظهر مثل هذه الطائفة من الشعراء الموالي . الذين كانوا يبغضون العرب ويزدرونهم ويستغلون ما بينهم من الخصومات السياسية لحاجاتهم ولذاتهم وأهوائهم . قالوا : كان إسماعيل بن يسار زبيري الهوى ، فلما ظفر آل مروان بآل الزبير أصبح  إسماعيل مروانياً وقبله بنو أمية ، فأستأذن ذات يوم على الوليد بن عبدالملك فأخّره ساعة حتى إذا أذن له دخل عليه يبكي ، فلما سأله عن بكائه هذا قال : أخرتني وأنت تعلم مروانيتي ومروانية أبي ؛ فأخذ الوليد يهوّن عليه ويعتذر إليه وهو لا يزداد إلا إغراقاً في البكاء ، حتى وصله الوليد فأحسن صلته ، فلما خرج تبعه بعض من حضر فسأله عن هذه . المروانية التي إدعاها : وما هي ومتى كانت ؟ فأجاب : إن هذه المروانية هي بغضنا لآل مروان وهي التي حملت أباه يساراً وهو يموت على أن يتقرّب إلى الله بلعن مروان بن الحكم ، وهي التي تحمل أمه على أن تلعن آل مروان مكان ما تتقرّب به من التسبيح .

ولكن آل مروان كانوا في حاجة إلى إصطناع هؤلاء الشعراء يذودون عنهم ويناضلون بني هاشم خاصة ؛ فقد علمت منزلة بني هاشم في نفوس الموالي والفرس .

والرواة يحدّثوننا بأن حب بني أمية لشاعرهم أبي العباس الأعمى لم يكن له حدّ ؛ فقد كانت صلات بني أمية ترسل إليه في مكة . وحج عبدالملك مرة فدخل عليه هذا الشاعر وأنشده شعرا هجا به أبن الزبير ، فخلف عبدالملك على من في المجلس من قرابته ومن قريش ليكسونّه كل واحد منهم ؛ قالوا فألقيت عليه الحلل والثياب حتى كادت تخفيه ، ونهض فجلس عليها بقية مجلسه مع عبدالملك .

ولم تكن سيرة الهاشميين مع أنصارهم من الموالي أقل من سيرة الأمويين والزبيريين . وكانت النتيجة لهذا كله أن استباح هؤلاء الموالي لأنفسهم هجو العرب أوّلا ثم ذكر قديمهم والافتخار بالفرس ثانيا . وهجاء العرب أيام بني أمية ؛ ولكنك تجد من ذلك طرفاً مجزئاً مغنياً في الأغاني وغيره من كتب الأدب .

أما العصر العباسي فيكفي أن تقرأ هذه القصيدة التي قالها أبو نواس يهجو فيها العرب وقريشا ، والتي يقال إن الرشيد أطال حبسه فيها .

وهم يحدّثوننا أن الجرأة بلغت بإسماعيل بن يسار أن أنشد فخره بالفرس بين يدي هشام بن عبدالملك ؛ فغضب عليه الخليفة وأمر به فألقي في بركة كانت بين يديه ولم يخرج إلا وقد أشرف على الموت .

نسوق هذا كله لنعطيك صورة من حقد الفرس على العرب وما كان له من أثر في الحياة الأدبية لهؤلاء الشعراء .

وقد وصلنا إلى ما كنا نريد من تأثير هذه الشعوبية في انتحال الشعر ، فيكفي أن يحاول الشاعر من الموالي الإفتخار على العرب ليفكر في أن يثبت أن العرب أنفسهم كانوا قبل أن يتيح لهم الإسلام هذا التغلب يعترفون بفضل الفرس وتقدّمهم ، ويقولون في ذلك الشعر يتقّربون به إليهم ويبتغون به المثوبة عندهم ، ولا سيما إذا كانت الحوادث التاريخية والأساطير تعين على ذلك وتدني منه .

ومن الذي يستطيع أن ينكر أن الفرس قد سيطروا قبل الإسلام على العراق وأخضعوا لسلطانهم من كان يسكن حضره وباديته من العرب ! ومن ذا الذي يستطيع أن ينكر أن الفرس قد أرسلوا جيشاً أحتل اليمن وأخرج منه الحبشة ! ومن ذا الذي يستطيع أن ينكر أنه قد كانت بين الفرس والعرب وقائع ، وأن ملوك الحيرة كانوا أتباعاً للفرس يوفدون إليهم من حين إلى حين أشراف البادية العربية ؟ وإذا كان هذا كله حقا فلم لا يستغله الموالي ؟ ولم لا يعتزون به على العرب المتغلبين الذين يزدرونهم ويتخذونهم رقيقا وخدما ؟

الحق أن الموالي لم يقّصروا في هذا ، فهم أنطقوا العرب بكثير من نثر الكلام وشعره ، فيه مدح للفرس وثناء عليهم وتقرّب منهم . وهم زعموا لنا الأعشى زار كسرى ومدحه وظفر بجوائزه . وهم أضافوا عديّ بن زيد ولقيط يَعْمُر وغيرهما من إياد والعباد كثيراً من الشعر فيه الإشادة بملوك الفرس وسلطانهم وجيوشهم . وهم أنطقوا شاعراً من شعراء الطائف بأبيات رواها الثقات من الرواة على أنها صحيحة لا شك فيها ، وهي أبيات تضاف إلى أبي الصلت بن ربيعة ، وهو أبو أمية بن أبي الصلت المعروف . وقد يكون من الخير أن نروي هذه الأبيات وهي :

لله ردّهُم من عصبــــة خرجــــــوا    ما إن ترى لهم في النـــــاس أمثالا
بيضـاً مرزابةً غُـــراً حجاحجـــــة    أُسدا ترّبب في الغَيْيضــــات أشبالا
لا يرمَضُون إذا حرّت مغافــــرهم    ولا ترى منهـــمُ في الطعـــن مَيَّالا
مًنْ مثلُ كسرى وسابور الجنود له    أو مثل وهرز يوم الجيش إذ صالا
فاشرب هنيئا عليك التاجُ مرتفعــا    في رأس غُمْدانَ داراً منك مْحِلالا
واحتطم بالمسك إذا شالت نعامتهم     وأسبل اليوم في بُرديـــك إسبــــالا
تلك المكارم لا قَعْبان من لبــــــــنٍ     شيبـــاَ بمــــاء فعـــــادا بعدُ أبـوالا

والشعر في مدح سيف بن ذي يزن . وقد زاد ابن قتيبة في أوّله هذه الأبيات وهي أبلغ في الدلالة على ما نريد أن ندل عليه وهي :

ولن يطلب الوترأمثال ابن ذي يزَنٍ    لجج في البحر للأعداء أحـوالا
أتى هِرَقْــلَ وقــد شـالــت نَعامتــــه    فلم يجـــد عنده القولَ الذي قالا
ثم أنتحى نحو كســـرى بعـد تاسعةٍ    من السنيـن ، لقــد أبعدتَ إيغالا
حتى أتى ببني الأحــــرار يحملهــم    إنك عمري لقـــد أسرعتَ قلقالا

فأنظر إليه كيف قدّم الفرس على الروم في أوّل الشعر وعلى العرب في سائره ! ولو أن العرب غلبوا الروم بعد الإسلام وأزالوا سلطانهم كما أزالوا سلطان الفرس وأخضعوهم لمثل ما أخضعوا له الفرس لكان للروم مع العرب شأن يشبه شأن الفرس معهم . ولكن العرب لم يقوّضوا سلطان الروم وإنما أقتطعوا طائفة من أقاليمهم وظلت دولتهم قائمة .

ومن الخير أن نروى أبيتاً قالها إسماعيل بن يسار في الفخر بالفرس ، فسترى بينها وبين الشعر الذي يضاف إلى أبي الصلت ما يحمل على شيء من الشك والريبة . قال :

إني وجدّك ما عُودي بــــــــذي خَوَرٍ    عند الحِفَاظ ولا حَوْضي بمهدوم
أصلي كريمُ ومجـــــــدي لا يُقاس به    ولي لســـانُ كحدّ السيف مسموم
أحمي به مجـــــد أقـــوام ذوي حسب    من كل قــرم بتاج الملك معموم
حجاحج ســــادة بُلْـــــــج مرازبــــــة    جرد عِتـــاق مساميـــح مطاعيم
مَنْ مثلُ كسرى وسابور الجنود معَاً     والهرمـــزان لفخرٍ أو لتعظيـــم
أُسد الكتّائب يوم الرَّوع إن زحفـــوا     وهم أذلُّوا ملوك التـرك والروم
يمشون في حلـــق المــــاذي سابغـةً     مشي الضراغمة الأُسد اللهاميم
هنـــــاك إن تســـــألي تُنْبـَـــى لنــــا     جُرْثومةً قَهَرت عِزّ الجراثيــــم

على هذا النحو من انتحال الموالي للشعر والأخبار يضيفونها إلى العرب ذكراً لمآثر الفرس ، وما كان لهم من سلطان ومجد في الجاهلية . كان العرب مضطرين إلى أن يجيبوا بلون من الانتحال يشبه هذا اللون ، فيه تغليب للعرب على الفرس ، وفيه إثبات لأن ملك الفرس في الجاهلية وتسلطهم على العرب لم يكن من شأنه أن يذل هؤلاء أو أن يقّدم عليهم أولئك .

ومن هنا مواقف هذه الوفود التي تتحدّث أمام كسرى مجامد العرب وعزّتها ومنعتها وإبائها للضيم . ومن هنا هذه المواقف التي تضاف إلى ملوك الحيرة والتي تظهر هؤلاء الملوك أحياناً عصاة مناهضين للملك الأعظم . ثم من هنا هذه الأيام والوقائع التي كانت للعرب على الفرس والتي تحدّث النبيّ عن بعضها وهو يوم ذي قار .

فأنت ترى أن الشعوبية في مظهرها السياسي الأول قد حملت الفرس على أنتحال الأشعار والأخبار وأكرهت العرب على أن يلقوا الأنتحال بمثله .

على أن هذه الشعوبية لم تلبث أن أستحالت بعد سقوط الأمويين وقيام سلطان الفرس على يد العباسيين إلى خلاف له صورة عليمة أدبية أقرب إلى البحث والجدل في أنواع العلم منها إلى ما كان معروفاً من الخصومة السياسية بين الغالب والمغلوب . وكان هذا النحو من الشعوبية أخصب من النوع السابق وأبلغ في حمل العرب والفرس على الانتحال والإسراف فيه .

ولعلك تلاحظ أن الكثرة المطلقة من العلماء الذين أنصرفوا إلى الأدب واللغة والكلام والفلسفة كانوا من العجم الموالي ، وكانوا يستظلون بسلطان الوزراء والمشيرين من الفرس أيضاً ؛ وكانت غايتهم قد أستحالت من إثبات سابقة الفرس في الملك والسلطان إلى ترويج هذا السلطان الذي كسبوه أيام بني العباس وإقامة الأدلة الناهضة على أن الأمر قد ردّ إلى أهله وعلى أن هؤلاء العرب الذين حيل بينهم وبين السيادة الفعلية ليسوا ولم يكونوا أهلا لهذه السيادة . ومن هنا كان هؤلاء العلماء والمناظرون أصحاب أزدراء ونعى عليهم وغضٍّ من أقدارهم .

فأما أبو عُبّيْدة مَعْمَر بن المُثَنىَّ الذي يرجع العرب إليه فيما يرون من لغة وأدب ، فقد كان أشدّ الناس بغضا للعرب وأزدراءً لهم ؛ وهو الذي وضع كتابا لا نعرف الآن إلا إسمه وهو " مثالب العرب " . وأما غير أبي عبيدة من علماء الموالي ومتكلميهم وفلاسفتهم فقد كانوا يمضون في أزدراء العرب إلى غير حدّ : ينالونهم  في حروبهم ، ينالونهم في شعرهم ، ينالونهم في خطابتهم ، وينالونهم في دينهم أيضاً. فليست الزندقة إلا مظهراً من مظاهر الشعوبية ؛ وليس تفضيل النار على الطين وإبليس على آدم إلا مظهراً من مظاهر الشعوبية الفارسيّة التي كانت تفضّل المجوسية على الإسلام .

وأنت تجد في " البيان والتبين " كلاما كثيراً تستبين منه إلى أيّ حدّ كان الفرس يعجبون بآثار الأمم الأعجمية ويقدّمونها على آثار العرب ، فهم يعجبون بخطب الفرس وسياستهم ، وعلم الهند وحكمتها ، ومنطق اليونان وفلسفتهم ؛ وهم ينكرون على العرب أن يكون لهم شيء يقارب هذا . والجاحظ ينفق لكل هذه المفاخر الأعجمية وأن يأتوا بخير منها .

ولعل أصدق مثال لهذه الخصومة العنيفة بين علماء العرب والموالي : هذا الكتاب الذي كتبه الجاحظ في البيان والتبين وهو "كتاب العصـا". وأصل هذا الكتاب كما تعلم أن الشعوبية كانوا ينكرون على العرب الخطابة ، وينكرون على خطباء العرب ما كانوا يصطنعون أثناء خطابتهم من هيئة وشكل وما كانوا يتخذون من أداة ، وكانوا يعيبون على العرب إتخاذ العصا والمخصرة وهم يخطبون . فكتب الجاحظ كتاب العصا ليثبت فيه أن العرب أخطب من العجم ، وأن أتخاذ الخطيب العربي للعصا لا يغضّ من فنه الخطابي . أليست العصا محمودة في القرآن والسنـة وفي التوراة وفي أحاديث القدماء ؟ ومن هنا مضى الجاحظ في تعداد فضائل العصا حتى أنفق في ذلك سفراً ضخماً .

والذي يعنينا من هذا كله هو أن نلاحظ أن الجاحظ وأمثاله من الذين كانوا يعنون بالردّ على الشعوبية ، ومهما يكن علمهم ومهما تكن روايتهم لم يستطيعوا أن يعصموا أنفسهم من هذا الأنتحال الذي كانوا يضطرون إليه إضطراراً ليسكتوا خصومهم من الشعوبية . فليس من اليسير أن نصدق أن كل ما يرويه الجاحظ من الأشعار والأخبار حول العصا والمخصرة ويضيفه إلى الجاهليين صحيح . ونحن نعلم حق العلم أن الخصومة حين تشتدّ بين الفرق والأحزاب فأيسر وسائلها الكذب . كانت الشعوبية ينتحلون من الشعر ما فيه ذود عن العرب ورفع أقدارهم .

ونوع آخر من الانتحال دعت إليه الشعوبية ، تجده بنوع خاص في كتاب الحيوان للجاحظ وما يشبهه من كتب العلم التي ينحوبها أصحابها نحو الأدب . ذلك أن الخصومة بين العرب والعجم دعت العرب وأنصارهم إلى أن يزعموا أن الأدب العربي القديم لا يخلو أو لا يكاد يخلو من شيء تشتمل عليه العلوم المحدّثة . فإذا عرضوا لشيء مما في هذه العلوم الأجنبية فلا بد أن يثبتوا أن العرب قد عرفوه أو ألموا به أو كادوا يعرفونه ويلمون به .

ومن هنا لا تكاد تجد شيئاً من هذه الأنواع الحيوانية التي عرض لها الجاحظ في كتاب الحيوان إلا وقد قالت العرب شيئاً قليلاً أو كثيراً طويلاً أو قصيراً ، واضحاً أو غامضاً . يجب أن يكون للعرب قول في كل شيء وسابقة في كل شيء ، هم مضطرون إلى ذلك إضطراراً ليثبتوا ما يفقدون من السلطان السياسي ، وبمقدار ما ترفع هذه الأمم المغلوبة رءوسها .

وأنا استطيع أن أمضي في تفصيل هذه الآثار المختلفة التي تركتها الشعوبية في الأدب العربي وفي الأنتحال بنوع خاص ؛ ولكني لم أكتب هذا الكتاب إلا لألمّ إلماماً بكل هذه الأسباب التي تحمل على الشك في قيمة ما يضاف إلى الجاهليين من الشعر . وأحسبني قد ألمت بالشعوبية وتأثيرها في ذلك إلماماً كافياً .

الصفحة الرئيسية

 الإهداء

    الكتاب الأول :
1- تمهيد
2- منهج البحث
3- مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن لا في الشعر الجاهلي
4- الشعر الجاهلي واللغة
5- الشعر الجاهلي واللهجات

    الكتاب الثاني :
   أسباب انتحال الشعر
1- ليس الانتحال مقصورا على العرب
2- السياسة وانتحال الشعر
3- الدين وانتحال الشعر
4- القصص وانتحال الشعر
5- الشعوبية وانتحال الشعر
6- الرواة وانتحال الشعر

    الكتاب الثالث :
      الشعر والشعراء
1- قصص وتاريخ
2- امرؤ القيس . عبيد . علقمة
3- عمرو بن قميئة . مهلهل . جليلة
4- عمرو بن كلثوم . الحارث بن حلزة
5- طرفة بن العبد . المتلمس

   ملحق :
     نص قرار النيابة
1- نص بيان الاتهام
2- عن الأمر الأول
3- عن الأمر الثاني
4- عن الأمر الثالث
5- عن الأمر الرابع
6- القانون ونص الحكم  

الصفحة الرئيسية