في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين

ملحق قرار النيابة في قضية كتاب (في الشعر الجاهلي)

القانون ونص الحكم

عن القانون

        نصت المادة 12 من الأمر الملكي رقم 42 لسنة 1923م بوضع نظام دستوري للدولة المصرية على أن حرية الاعتقاد مطلقة .

        ونصت المادة 14 منه على أن حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون فله أن يعرب عن اعتقاده وفكره بالقول أو بالكتابة بشرط ألا يتجاوز حدود القانون .

        وقد نصت المادة 139 من قانون العقوبات الأهلي على عقاب كل تعد يقع بإحدى الطرق العلانية المنصوص عنها في المادتين 148 و 150 ، على أحد الأديان التي تؤدى شعائرها علنا- كما أشرنا في البداية - وهي جريمة .

        وجريمة التعدي على الأديان في البداية - وهي جريمة الماقب عليها بمقتضى المادة المذكورة تتكون بتوفر أربعة أركان :

التعدي ، ووقوع التعدي بإحدى طرق العلنية المبينة في المادتين 148 و 150 عقوبات ، ووقوع التعدي على أحد الأديان التي تؤدى شعائرها علنا ، وأخيرا القصد الجنائي .

عن الركن الأول

        لم يذكر القانون بشأن هذا الركن في المادة إلا لفظ (تعد) وهذا اللفظ عام يمكن فهم المراد منه بالرجوع إلى نص المادة باللغة الفرنسية وقد عبر فيه عن التعدي بلفظ Outtaga والقانون قد استعمل لفظ Outtaga هذا في المواد 155 و 159 و 160عقوبات أيضا ولما ذكر معناها في النص العربي للمواد المذكورة عبر في المادة 155 بقوله (كل من انتهك حرمة) وفي المادتين 159 و 160 تضاف : بإهانة . فيتضح من هذا - أن مراده بالتعدي في المادة 139 كل مساس بكرامة الدين أو انتهاك حرمته أو الحط من قدره أو الازدراء به لأن الإهانة تشمل كل هذه المعاني بلا شك .

        وحيث إنه بالرجوع إلى الوقائع التي ذكرها الدكتور طه حسين والتي تكلمنا عنها تفصيلا وتطبيقا على القانون يتضح أن كلامه الذي بحثناه تحت عنوان (الأمر الأول) فيه تعد على الدين الإسلامي لأنه انتهك حرمة هذا الدين بأن نسب إلى الإسلام أنه استغل قصة ملفقة هي قصة هجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة وبناء إبراهيم وإسماعيل للكعبة واعتبار هذه القصة أسطورة وأنها من تلفيق اليهود وأنها حديثة العهد ظهرت قبيل الإسلام إلى آخر ما ذكرناه تفصيلا عند الكلام عن الوقائع وهو بكلامه هذا يرمي الدين الإسلامي بأنه مضلل في أمور هي عقائد في القرآن باعتبار أنها حقائق لا مرية فيها كما أن كلامه الذي بحثناه تحت عنوان (الأمر الرابع) قد أورده على صورة تشعر بأنه يريد به إتمام فكرته بشأن ما ذكر- أما كلامه بشأن نسب النبي صلى الله عليه وسلم فهو إن لم يكن فيه طعن ظاهر إلا أنه أورده بعبارة تهكمية تشف عن الحط من قدره - وأما ما ذكر بشأن القراءات مما تكلمنا عنه في الأمر الثاني فإنه بحث بريء من الوجهة العلمية والدينية أيضا ولا شيء فيه يستوجب المؤاخذة لا من الوجهة الأدبية ولا من الوجهة القانونية .

عن الركن الثاني

        لا كلام في هذا الركن لأن الطعن السابق بيانه قد رفع بطريق العلنية إذ أنه ورد في كتاب (في الشعر الجاهلي) الذي طبع  ونشر وبيع في المحلات .

عن الركن الثالث

        لا نزاع في هذا الركن أيضا لأن التعدي وقع على الدين الإسلامي الذي تؤدى شعائره علنا وهو الدين الرسمي للدولة .

عن الركن الرابع

        هذا الركن هو الركن الأدبي الذي يجب أن يتوفر في كل جريمة  . فيجب إذن لمعاقبة المؤلف أن يقوم الدليل على توفر القصد الجنائي لديه . بعبارة أوضح يجب أن يثبت أنه إنما أراد بما كتبه أن يتعدى على الدين الإسلامي فإذا لم يثبت هذا الركن فلا عقاب .

        أنكر المؤلف في التحقيقات أنه يريد الطعن على الدين الإسلامي وقال أنه ذكر ما ذكر في سبيل البحث العلمي وخدمة العلم لا غير ، غير مقيد بشيء ، وقد أشار في كتابه تفصيلا إلى الطريق الذي رسمه للبحث ولابد هنا من أن نشير إلى ما قرره المؤلف في التحقيق  من أنه  كمسلم لا يرتاب في وجود إبراهيم وإسماعيل وما يتصل بهما مما جاء في القرآن ولكنه كعالم مضطر إلى أن يذعن لمناهج البحث فلا يسلم بالوجود العلمي التاريخي لإبراهيم وإسماعيل فهو يجرد من نفسه شخصيتين وقد وجدنا المؤلف قد شرح نظريته هذه شرحا مستفيضا في مقال نشره بجريدة السياسة الأسبوعية بالعدد 19 الصادر في 17 يوليو سنة 1926 ص5 تحت عنوان (العلم والدين) وقد ذكر فيه بالنص : "فكل امرئ منا يستطيع إذا فكر قليلا أن يجد في نفسه شخصيتين متمايزتين إحداهما عاقلة تبحث وتنقد وتحلل وتغير اليوم ما ذهبت إليه أمس وتهدم اليوم ما بنته أمس ، الأخرى شاعرة تلذ وتألم وتفرح وتحزن وترضى وتغضب وترغب وترهب في غير نقد ولا بحث ولا تحليل وكلتا الشخصيتين متصلة بمزاجنا وتكويننا لا نستطيع أن نخلص من إحداهما فما الذي يمنع لأن تكون الشخصية الأولى عالمة باحثة ناقدة وأن تكون الشخصية الثانية مؤمنة مطمئنة طامحة إلى المثل الأعلى" .

        ولسنا نعترض على هذه النظرية بأكثر مما اعترض به هو على نفسه في مقاله حيث ذكر بعد ذلك : "سنقول وكيف يمكن أن تجمع المتناقضين ولست أحاول جوابا لهذا السؤال وإنما أحولك على نفسك .." إلخ . ولا شك في أن عدم محاولة الإجابة عن هذا الاعتراض إنما هو عجزه عن الجواب ، والمفهوم أنه قد أورد هذا الاعتراض لأنه يتوقعه حتى لا يوجه إليه .

        الحقيقة أنه لا يمكن الجمع بين النقيضين في شخص واحد في وقت واحد بل لا بد من أن تتجلى إحدى الحالتين للأخرى وقد أشار المؤلف نفسه إلى هذا في المقال نفسه في سياق كلامه على الخلاف بين العلم والدين حيث قال بشأنهما : ليسا متفقين ولا سبيل إلى أن يتفقا إلا أن ينزل أحدهما لصاحبه عن شخصيته كلها .

        أما توزيع الاختصاص الذي أجراه الدكتور بجعله العلم من اختصاص القوة العاقلة ، والدين من اختصاص القوة الشاعرة فلسنا ندركه والذي نفهمه أن العقل هو الأساس في العلم والدين معا وإذا ما وجدنا العلم والدين يتنازعان فسبب ذلك أنه ليس لدينا القدر الكافي من كل منهما - إننا نقرر هذا بناء على ما نعرفه في أنفسنا ، أما الدكتور فقد تكون لديه القدرة على ما يقول وليس ذلك على الله بعسير .

        نحن في موقع البحث عن حقيقة نية المؤلف ، فسواء لدينا إن صحت نظرية تجريد شخصيتين عالمة ومتدينة أو لم تصح فإننا على الفرضين نرى أنه كتب ما كتب على اعتقاد تام . ولما قرأنا ما كتبه بإمعان وجدناه منساقا في كتاباته بعامل قوي متسلط على نفسه وقد بينا حين بحثنا الوقائع كيف قاده بحثه إلى ما كتب وهو إن كان قد أخطأ فيما كتب إلا أن الخطأ المصحوب باعتقاد الصواب شيء وتعمد الخطأ المصحوب بنية التعدي شيء آخر .

        وحيث إنه مع ملاحظة أن أغلب ما كتبه المؤلف مما يمس موضوع الشكوى وهو ما قصرنا بحثنا عليه إنما هو تخيلات وافتراضات واستنتاجات لا تستند إلى دليل علمي صحيح فإنه كان يجب عليه أن يكون حريصا في جرأته على ما أقدم عليه مما يمس الدين الإسلامي الذي هو دينه ودين الدولة التي هو من رجالها المسؤولين عن نوع من العمل فيها وأن يلاحظ مركزه الخاص في الوسط الذي يعمل فيه - صحيح أنه كتب ما كتب عن اعتقاد بأنه بحثه العلمي يقتضيه ولكنه مع هذا كان مقدرا لمركزه تماما وهذا الشعور ظاهر من عبارات كثيرة في كتابه منها قوله : وأكاد أثق بأن فريقا منهم سليقونه ساخطين عليه وبأن فريقا سيزورون عنه ازورارا ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث .

        إن للمؤلف فضلا لا ينكر في سلوكه طريقا جديدا للبحث حذا فيه خذو العلماء من الغربيين ولكنه لشدة تأثير نفسه مما أخذ عنهم قد تورط في بحثه حتى تخيل حقا ما ليس بحق أو ما لا يزال بحاجة إلى إثبات أنه حق ، إنه قد سلك طريقا مظلما فكان يجب عليه أن يسير على مهل أو أن يحتاط في سيره حتى لا يضل ولكن أقدم بغير احتياط فكانت النتيجة غير محمودة .

        وحيث إنه مما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدي على الدين بل إن العبارات الماسة بالدين التي أوردها في بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها في سبيل البحث العلمي مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها .

        وحيث إنه من ذلك يكون القصد الجنائي غير متوفر (فلذلك) تحفظ الأوراق إداريا ...

محمد نور
رئيس نيابة مصر
القاهرة في 30 مارس سنة 1927م
نشر هذا النص للمرة الأولى في كتاب (محاكمة طه حسين) لخيري شبلي

الصفحة الرئيسية

 الإهداء

    الكتاب الأول :
1- تمهيد
2- منهج البحث
3- مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن لا في الشعر الجاهلي
4- الشعر الجاهلي واللغة
5- الشعر الجاهلي واللهجات

    الكتاب الثاني :
   أسباب انتحال الشعر
1- ليس الانتحال مقصورا على العرب
2- السياسة وانتحال الشعر
3- الدين وانتحال الشعر
4- القصص وانتحال الشعر
5- الشعوبية وانتحال الشعر
6- الرواة وانتحال الشعر

    الكتاب الثالث :
      الشعر والشعراء
1- قصص وتاريخ
2- امرؤ القيس . عبيد . علقمة
3- عمرو بن قميئة . مهلهل . جليلة
4- عمرو بن كلثوم . الحارث بن حلزة
5- طرفة بن العبد . المتلمس

   ملحق :
     نص قرار النيابة
1- نص بيان الاتهام
2- عن الأمر الأول
3- عن الأمر الثاني
4- عن الأمر الثالث
5- عن الأمر الرابع
6- القانون ونص الحكم  

الصفحة الرئيسية