دراســات كتابية |
|
وحي الكتاب المقدس
الكتاب المقدس، كتابٌ موحى به من الله، وهو ليس مجرد كتابٌ كتبه رجال الله على مر العصور، لكن الله هو الذي اختار هؤلاء الرجال وأوحى إليهم بالروح القدس ما أراد أن يكتبوه، تاركاً لكل واحد أسلوبه الخاص الذي يعبر به عما أوحى به الله إليه. والكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، هو القانون الوحيد المعصوم من الخطأ، والذي من خلاله يُعلن الله عن نفسه، وعن مقاصده من جهة البشر، ويعتبر الكتاب المقدس سجلاً عن إعلانات الله المتكررة التي يعلن فيها عن نفسه للإنسان على مدى العصور والأجيال. كما أن الطابع الإلهي للكتاب المقدس يمكن إدراكه من اوجه كثيرة متعددة ويكفى أن نقارن على سبيل المثال بين تعاليمه وأية تعاليم اخرى، فما أوسع الفارق بين آداب الشرق القديم وبين الكتاب المقدس. مصطلحات هامة لكي نفهم المعنى المقصود من كلمة "الوحي" لابد من التعرض لمعرفة بعض المصطلحات التي لها صلة بهذا الموضوع ،ومن هذه المصطلحات:
الوحي هو تسجيل إعلان الله بطريقة خاصة، وتحت تأثير الروح القدس حتى يتطابق إعلان الله عن نفسه، بصورة كاملة وواضحة يستطيع الإنسان من خلالها التعرف على الله وإقامة علاقة صحيحة معه، والكتاب المقدس هو تسجيل خاص للإعلان عن شخص الله، كتبه أناس الله الذين اختارهم هو لهـذه المهمة، لكنهم لم يكونوا ليكتبوا شيئاً من عندياتهم بل ما أمرهم به الله كتبوه. آراء خاطئة ! على مدى التاريخ ظهرت مفاهيم ونظريات كثيرة عن الوحي، كان لها صدى واضح في تشكيل بعض الآراء، لذلك رأينا أن نقوم بعرض هذه الآراء ومناقشتها، لإدراك المفهوم الصحيح عن الوحي:
تعتبر هذه الفكرة من أخطر الأفكار إذ يقول أصحاب هذه النظرية، أن الكتاب المقدس ما هو إلا كتابٌ بشري، وهم ينادون بالتفرقة بين ما هو كلمة الله، والكلمة المكتوبة، ويزعمون بأن الكتاب المقدس يحتوى على حق الله، وهم بذلك يعتبرون بأن الكتاب المقدس كتاب بشري، كتبه البشر، لكنه في نفس الوقت يحتوى على رسالة هذه الرسالة هي كلمة الله، فخلف الكلمات البشرية المسجلة في الكتاب المقدس تكمن رسالة إلهية هي رسالة الله وكلمته. وهكذا فإن هذه لا تفصل بين كلمة الله، والكلمة المكتوبة، فإذا لم تكن كلمة الله المنطوقة مساوية لكلمات الكتاب المقدس المكتوبة، فمن هو الذي يُحدد لنا كلمة الله الموجودة في الكتاب المقدس؟، كما أن أصحاب هذه النظرية وهم يؤمنون بأن الكتاب يحتوي على كلمة الله، فإنهم حين يدافعون عن القضايا الدينية فإنهم يسرعون للاقتباس من الكتاب المقدس، فكيف وهم لا يؤمنون بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله، ينادون بما لا يؤمنون؟. الوحي من منظور كتابي ! إذن ما هو المقصود "بوحي الكتاب المقدس"؟، وبماذا يتكلم الكتاب نفسه عن هذا الأمر؟. يكتب الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس قائلاً "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح " (2تيموثاوس 3 : 16). وكان الرسول بولس يوصي تلميذه تيموثاوس قبل هذه الآية مؤكداً على حقيقة هامة وهى انه يجب عليه أن يتمسك بالكتب المقدسة القادرة على أن تحكمه للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع، ثم يردف قائلاً أن كل الكتاب هو موحى به من الله، وهذه العبارة الأخيرة "موحى به من الله" تأتي في اللغة اليونانية الأصلية "ثيوبينستوس qeopenstoV"، وفي اللغة الإنجليزية " Theopneustos"، وهي كلمة مركبة من "Theo"بمعنى الله، "pneustos" بمعنى نفخ، وتركيب الكلمة في الأصل اليوناني يأتي في المبني للمجهول، وعليه تكون ترجمة "موحى به من الله" أي "نُفِخت من الله"، بمعنى أن الكتب المقدسة صيغت بروح الله. إن الدراسة المتأنية لكلمات العهد القديم نجد أن كتبة الوحي المقدس يستخدمون عبارات "هكذا تكلم الرب" أو ما يناظرها مثل "وقال الرب" وكانت كلمة الرب إليَّ"، أكثر من 3800 مرة، بالإضافة لما يقوله الكتاب نفسه أن هذه الكلمات هي كلمات الله بذاته، "وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به" (تثنية 18: 18)، أو "ومد الرب يده ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك" (أرميا 1: 9). والسبب الرئيسي لاستخدام كتبة الأٍفكار المقدسة لمثل هذه العبارات"، إنما لتدل على أن الكلام الذي يتكلم به النبي ليس إلا كلام قد أوحى به الله إليه ليعلنه للبشر. لذلك فحينما يستخدم الرسول بولس التعبير الذي يصف الكتاب المقدس بأنه نفخة من الله، فهو تعبير قويٌ يريد أن يُفِهم تلميذه تيموثاوس أن الكتاب المقدس هو كتابٌ جديرٌ بالثقة، وهو الذي يستطيع أن يقوده لطريق الخلاص الأكيد فهو الكتاب المقدس، الذي جاء إلى الوجود بنفخة الله، وهو يستمد أصوله من الله، الواحد الحي. ويستخدم الرسول بطرس ذات الفكرة للدلالة على أن الكتاب المقدس لم يأت بجهد بشراً حاولوا أن يصيغوا تعاليمه، أو مفهومه عن الله، بل أن هؤلاء البشر الذين استخدمهم الله في كتابة الكتاب المقدس كانوا مسوقين بالروح القدس، فيقول "لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بطرس1 : 21). ومعنى مسوقين من الروح القدس، محمولين بالروح القدس، فقد كان الله هو المصدر والينبوع الحقيقي والوحيد لما كتبه كًتَّاب الوحي جميعاً، ومع أن بولس يوضح أن الكتاب المقدس هو نفخة الله، إلا أن بطرس يُظهر الطريقة التي جاء بها هذا الكتاب للوجود، فلقد استخدم الله مجموعة من الناس ليسجلوا جميعاً ما أراد أن يقوله للإنسانية، مع قدرته في أن يحفظهم من خلال الروح القدس في أن يكتبوا ما يقوله هو لهم، وقد استخدم الله ما في هؤلاء من وزنات أو ملكات خاصة، ليأتي الكتاب المقدس في صورته الرائعة، ليجمع في أسلوب كتابته بين النثر والشعر، والقصة والأمثال، والتاريخ وغيرها، كذلك نجد أسلوباً راقياً كأسلوب بولس وسليمان، وأسلوباً بسيطاً كعاموس، وبطرس. وهكذا نرى إن الكتاب المقدس مصدره الله وليس الإنسان، وأن الروح القدس هو الذي نفخ به وأخرجه، لذلك نجد أن السيد المسيح حينما جاءه المجرب ليجربه، وبخه بكلمة الله، قائلاً "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (متى 4 : 4)، و من الجهة الأخرى فإن الله حين عبَّر عن كلمته استخدم بشراً أحياء، لهم شخصياتهم، وأسلوبهم الخاص المتميز كلٌ عن غيره، فهو لم يستخدم أدوات جامدة لا حِراك فيها، ومع ذلك كانوا مسوقين من الروح القدس ليسجلوا ما أراده الروح القدس أن يسجلوا فجاء الكتاب المقدس كلمة الله، ورسالة محبته للعالم أجمع. ومع أن الله هو الذي أوحى بالكتاب المقدس وحياً كاملاً ومطلقاً، إلا أن "الوحي الكامل المطلق" لا يستلزم أن تكون كل عبارة أو فقرة في الكتاب المقدس هي تعبيراً عن الحق أو تمثل الحق الكامل، فمثلاً الكلام الذي تكلَّم به الشيطان إلى حواء قد سجله الوحي المقدس، لكنه ليس هو الحق (تكوين 3: 4،5)؛ كذلك ما اقترحه بطرس على السيد المسيح في (متى 16: 22)؛ أو ما فعله داود حين قتل أوريا الحثي وما فعله مع زوجته بثشبع لاحقاً (2 صموئيل 11: 2 – 27)؛ أو الأفكار الخاطئة لأصحاب أيوب (أيوب 7:42-9)؛ أو أكاذيب بطرس عند إنكاره للمسيح (مرقس66:14-72). فرغم أن كل هذا وغيره مسجل في الكتاب المقدس فهي مُسجلة بالوحي، وتسجيلها في الكتاب المقدس تم بوحي من الروح القدس، إلا أن هذا لا يعبر عن كون هذه الأحداث أو الأفعال حق يجب اتباعه، بل سُجلِت لكي تكون عبره لنحذر منها ولنتعرف على فكر الله من جهتها. كما أن الاعتراف بأن الكتاب موحى به وبكلماته "لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2 بطرس1: 21)، فليس معنى ذلك أن الوحي الحرفي كان مجرد إملاء أو عملية ميكانيكية. وعندما نقول بالوحي الحرفي فإن المقصود هو أن الروح القدس سيطر على استخدام الكاتب للكلمات التي كتب بها الأسفار المقدسة. وطبيعة الوحي لا يمكن إدراك دقائقها، فهي بمثابة سر من أسرار الله. معجزة الوحي تأتي معجزة الوحي في الكتاب المقدس من الصورة المذهلة التي تحققت من خلالها النبوات التي سبق وتنبأ بها وكتبها رجال الله، في حين أنهم لم يعرفوا على وجه الدقة المعنى الدقيق والمقصود من هذه النبوات، فمثلاً نجد في العهد القديم نحو 300 نبوة عن شخص السيد المسيح، كُتِبت قبل ميلاده بآلاف السنين وتحققت حرفياً وكاملة فيه، فمثلاً وعلى سبيل المثال ليس الحصر: تكلم بلعام بن بعور بهذه النبوة التي لم يفهمها حين نطق بها فقال "وحي الذي يسمع أقوال الله ويعرف معرفة العلي الذي يرى رؤيا القدير ساقطاً وهو مكشوف العينين أراه ولكن ليس ألان أبصره ولكن ليس قريباً يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم طرفي موآب ويهلك كل بني الوغى ويكون أدوم ميراثاً ويكون سعير أعداؤه ميراثاً .." (العدد 24: 16 - 19). ومن المعروف أن هذه النبوة كان المقصود بها شخص الرب يسوع المسيح.كذلك جاءت نبوات توضح أن المسيح المخلص سوف يأتي:
شهادة المسيح والرسل للوحي تكلم السيد المسيح كثيراً عن وحي الكتاب المقدس، وشهد أن كل الكتاب هو موحى به من الله، وقد تناول عدة أمور ليشهد بها أن:
اقتبس السيد المسيح كثيراً من الكتب المقدسة، والأنبياء، من هذه الاقتباسات،"أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل أنا اله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ليس الله إله أموات بل إله أحياء" (متى 22: 31، 32، مرقس 12: 26، 27)؛ وغير ذلك الكثير مما اقتبسه المسيح من الأسفار المقدسة. وعلى منوال السيد سار التلاميذ والرسل فشهدوا أن الكتب المقدسة موحى بها من الله، ولم تأتِ نبوة قط من إنسان، بل ما كتبوه هم أيضاَ لم يكن من عندياتهم، لكنهم كتبوا ما أراد الله أن يكتبوه. اقتباسات من العهد القديم كثيرة هي الاقتباسات التي استخدمها الرسل وكتبه العهد الجديد ليؤكد وحي وصدق ما كتبه الأنبياء في العهد القديم، من هذه الاقتباسات "فان هذا هو الذي كتب عنه ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك" (متى 11 : 10 – قارن ملاخي 3: 1)، "و هذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل* 23 هوذا العذراء تحبل و تلد ابنا و يدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (متى 1: 22،23 قارن إشعياء 7: 14)؛ وغير ذلك الكثير.
نجد الكثير من شهادات الرسل وكتبة العهد الجديد لبعضهم البعض إنما ليؤكد أن جميعهم كتب بوحي من الله وليس هناك مجال للشك في وحي ما كتبه كتبة العهد الجديد فيقول الرسول بطرس عن كتابات بولس الرسول "واحسبوا أناة ربنا خلاصاً كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له" (2بطرس 3: 15). كتب البشير يوحنا "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا و نعلم أن شهادته حق" (يوحنا 21: 24)؛ وشهد يوحنا الحبيب عن يوحنا المعمدان قائلاً "يوحنا شهد له ونادى قائلا هذا هو الذي قلت عنه أن الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي" (يوحنا 1 : 15)؛ وأخيراً يؤكد الروح القدس أن ما كتبه يوحنا الرائي هو شهادة حق فيقول "الذي شهد بكلمة الله وبشهادة يسوع المسيح بكل ما رآه" (رؤيا 1: 2). شهادة آباء الكنيسة للوحي على مر العصور والتاريخ الكنسي تأتي شهادات المؤرخين وآباء الكنيسة لتشهد لصدق الوحي ولتؤكد إيمان الكنيسة في الكتاب المقدس ووحيه الإلهي، من هذه الكتابات:
الاسئلــة
ما هو المقصود بأن الكتاب المقدس موحى به من الله ؟ وماذا يعنى الوحي في المسيحية؟ |