الحزب الهاشمي |
|
الحزب الهاشمي نماذج من الكتابات التي تناولت هذا العمل حال ظهوره أول مرة ______________________
هذه الدراسة بقلم : خليل عبد الكريم مجلة أدب و نقد عدد أغسطس 1989 ، القاهرة
.. هي من جانب تلقي ضوءاً مبهراً على الفترة المتقدمة على ظهور النبي العربي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، والإرصاهات الأولى لنشوء دولة العرب الإسلامية بقيادته ، ومن جانب آخر فهي لا تجاري غالبية المؤرخين القدامى ( ما خلا ابن خلدون وقلة قليلة ) ، والمحدثين منهم حتى الآن ، الذين لا يرون غي التاريخ – على عمومه – إلا مسيرة غيبية لاهوتية ، تحركها إرادة الله تعالى – الذي هو في غنى عن العالمين – ولا ينظرون إلى التاريخ على أنه ظاهرة بشرية . وأكدت الدراسة على أن مؤلفها يمتلك باقتدار ، نظرة موضوعية علمية ، في معالجته لوقائع التاريخ ، ودراسته لها ، وتحليلها التحليل الصحيح ، وردها إلى الأسباب المباشرة والتي تتفق مع المنطق والتفكير السليم ، دون حاجة إلى اللجوء إلى الماورائيات والفوق منطقيات والأحاجي والألغاز .. وهذا المنهج العلمي المحض ، الموثق توثيقاً شديداً ، والاقتحام الجريء الفذ لإنارة منطقة حرص من سبقوه على أن تظل معتمة ، هما اللذان أثارا عليه رموز السلفوية الحديثة .. والدكتور القمني في نظري أحد الباحثين الجادين ، المترهبين للعلم ، والمتفرغين له ، والذين لم ينالوا ما يستحقونه من شهرة ، لأنه لا يسعى إليها ولا يعيرها التفاتاً ، في الوقت الذي نرى فيه أنصاف المتعلمين ، ممن كل بضاعتهم النصوص وترديدها .. يشغلون الصحف والمجلات ومحطات الإذاعة وقنوات التلفاز ، بمواعظهم المنبرية وأحاديثهم وخواطرهم ، وفتاواهم المستقاة من النصوص التي تجاوزها الزمن ، و تخطاها الواقع المعاش ، والتي ضلت طريقها إلى متاحف التاريخ وحفريات علماء الآثار .
*********
قضية للمناقشة بقلم : فريدة النقاش ____________________________ صحيفة الأهالي 25 يوليو 1990 القاهرة ________________________
" الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية " كتاب صغير الحجم كبير القيمة لمؤلفه الدكتور " سيد محمود القمني " هو واحد من أهم الإصدارات العربية المعاصرة على الإطلاق وأن حجبت أهميته تلك الحالة الغوغائية التي صنعها الظلاميون ومن لف لفهم ، فهؤلاء يكادون أن يستأثروا بساحة الوعي الجماهيري ويحكمون قبضتهم عليها حتى يتراجع العقل وتغيب روح النقد وتصدأ وتصبح قيادة الجماهير أساس . يعرض الكتاب ببساطة فذة للأسس الاجتماعية – الاقتصادية التي هيأت لقيام الدعوة الإسلامية وانتشارها . ويبين على أوضح نحو كيف أن منظومة الأفكار والتصورات التي تولدت في ظل صراعات ضارية على امتلاك طرق التجارة ، أي امتلاك ثروة ذلك الزمان كانت وثيقة الصلة لا فحسب بالاحتياجات الروحية للعرب حينذاك ، وإنما أيضا بنمو النزعة القومية الضرورية لتنمية الثروة وحمايتها ، أي بحاجاتهم المادية إلى وقف تعدد الأرباب والكعبات في حركة الوثنية قبل الرسالة في طريق تلبيتها أي في طريق القومية ذاتها . ويتتبع المؤلف تلك المسيرة الطويلة لعبد المطلب بن هاشم جد الرسول – صلى الله عليه وسلم – الذي تمتع بوعي سياسي وقومي عال حيث ارتبطت الوحدة القومية المنشودة لديه بالسعي لتأليف القلوب عند إله واحد وأخذ يدعو لإلغاء " التماثيل والأصنام وغيرها من الوساطات والشفاعات لأنه لا يقبل من أحد وساطة أو شفاعة إلا العمل الصالح " . وكان هذا العمل على كل المستويات سياسية وعسكرية واقتصادية هو الشغل الشاغل للرسول العربي وهو يطور أفكار جده وأعماله التي شكلت تياراً قوياً قبل ظهور الإسلام بفترة وجيزة . وذلك حين بلورت التوحيد بمعناه " الحنفي " ، مستلهمة أسسه من ديانة إبراهيم الذي يعده العرب أباً لهم ، ويبين المؤلف كيف أن حرية الاعتقاد كانت عرفاً مسنوناً ، عرفاً حتمته المصالح التجارية في مكة ، فكان المسيحي فيها يعيش إلى جوار " الحنفي " إلى جانب اليهودي مع الصابئ والزرادشتي وعبدة النجوم وعبدة الجن وعبدة الملائكة وعبدة الأسلاف وتماثيل الشفعاء دونما قهر أو فرض أو إجبار حتى أن العبد كان يظل على دين سيده . إلى أن قامت دعوة محمد بتأليب العبيد على أسيادهم من أرستقراطية قريش التي سرعان ما تخلص منها عبر سلسلة طويلة من الحرب والسياسة ، من إتقان بناء التحالفات وفضها حتى استقر أمر الدولة العربية الإسلامية الوليدة للبيت الهاشمي وتراجع نفوذ الأمويين من أبناء عمومتهم ليتأجج بعد ذلك الصراع التاريخي بينهما على أسس اقتصادية اجتماعية جديدة خاصة بعد اتساع الدولة بالفتوحات وانتشار الرسالة الجديدة وعندما سنحت الفرصة للحزب الأموي انقض على الهاشميين بضراوة واستولوا على الحكم ، وساعتها تجلت مشاعرهم تجاه بني عمومتهم في المجازر الدموية التي راح ضحيتها كل من أيد البيت الهاشمي . إن " الحزب الهاشمي " هو على حد تعبير الباحث الإسلامي خليل عبد الكريم " اقتحام جرئ وفذ لإنارة منطقة ، حرص من سبقوه أن تظل معتمة وأن هذه الإضاءة المبهرة تدعونا لقراءة لوقائع التاريخ العربي الإسلامي وللتراث المكتوب والمسكوت عنه وتجعلنا أكثر شجاعة في الدعوة للإفراج عن كتاب طه حسين " في الشعر الجاهلي " ، و" مقدمة في فقه اللغة العربية " للويس عوض " وسوسيولوجيا الفكر الإسلامي لمحمود إسماعيل فجميعها اجتهادات تحمل بطريقة أو أخرى بصمات المنهج العلمي الموضوعي الذي يرى في التاريخ ظاهرة بشرية ويفتح آفاقاً واسعة للعقل الناقد ليتعرف على الأسس الحقيقية لا الوهمية التي قام عليها صعود وانهيار الدولة العربية الإسلامية الأولى . وقد أحسنت دار النشر صنعاً حين قدمت الدراسة التي عكف عليها مؤلفها لثلاث سنوات متصلة ونشرها في أجزاء متفرقة لتضعها بين أيدي القراء والباحثين مادة خصبة موثقة تلهمنا قراءة جديدة وتسلحنا بالعلم والنقد في وجه الظلام .
********* بسم الله الرحمن الرحيم } رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا . إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا { صدق الله العظيم بقلم : اللواء عصام الدين أبو العزايم ___________________________________ مجلة الإسلام وطن ، عدد 52 – القاهرة ___________________________________
بين يدي الآن كتاب " الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية " للدكتور سيد محمود القمني أرسله إلينا الابن الأستاذ / أحمد البدوي للرد على ما جاء به من آراء وأفكار ضد الإسلام ونبي الإسلام . وبالاطلاع على الكتاب نجد أن فيه ضربات خفية وظاهرة للإسلام وكعبة الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام . وإني لا أنظر إلى الكاتب على أنه من اليساريين أم لا . ولكني أنظر إليه على أن اسمه " سيد محمود " ، وما دام هذا اسمه كان الأحرى به أن لا يضع السم في العسل ، كما سنرى في عرض كتابه – فقد جاء في ص 9 بالكتاب أن عبد المطلب بن هاشم كان من ذوى النظر الثاقب والفكر المنهجي المخطط استطاع أن يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة وأن يخرج من قراءته برؤية واضحة هي إمكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة ، تكون نواتها ومركزها " مكة " تحديداً برغم واقع الجزيرة المتشرذم آنذاك ويؤيد ذلك بقوله عبد المطلب " إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء " وهو يشير إلى أبنائه وحفدته و يقصد الكاتب أن عبد المطلب كان يسعى لإنشاء دولة هاشمية يكون هو ملكها ومن بعده أولاده ، وإذا رجعنا إلى تاريخ العرب نجد أن العرب لا تقبل النظام الملكي وسيطرة الملك على القبائل العربية لأن ذلك يجعل من عشيرة الملك سيادة على بقية العشائر وهو ما تأباه أنفة الكبرياء القبلي وتنفر منه . وقد ذكر الكاتب هذا المعنى في ص 10 من كتابه فإذا كانت هذه صفات العرب . فكيف يحلم عبد المطلب بتأسيس دولة هو ملك لها يتوارث الملكية أولاده وأحفاده ؟ فهذا الكلام مناقض بعضه لبعض . فعبد المطلب الذي وصفه الكاتب بما سبق أن أوضحناه من ذوى النظر الثاقب لا يجوز له أن يحلم حلماً أو يطلب طلباً يعلم أنه فيه استحالة التنفيذ وإلا كان وصفه غير ما وصفه الكاتب أي أنه رجل ذو أحلام وذو آمال لا تتفق مع الواقع القبلي العربي وبهذا لا يوصف بالذكاء ولا الفطنة . ولقد وصف الدكتور / طه حسين " عبد المطلب " في كتابه " على هامش السيرة بأنه كان " سمح الطبع رضي النفس سخي اليد حلو العشرة عذب الحديث قوي الإيمان تملك قلبه وتسيطر على نفسه نزعة دينية حادة عنيفة ، إلى أن قال أنه كان يتميز من بقية فتيان قريش في ذكائهم وفطنتهم وفي إبائهم وعزتهم ولكنه فيه دعة لم تكن مألوفة عندهم ، وفيه شدة في الدين قلما كانوا يرضونها أو يبسمون لها . هذا قول الدكتور طه حسين في وصف عبد المطلب . ولك أيها القارئ الحكم في ما كتبه الكاتب وما كتبه الدكتور طه حسين – والغريب أن الكاتب يسرد آمال اليهود وأحلامهم من انتظارهم ملك داود عليه السلام مرة أخرى إليهم ويربط أحلام اليهود بأحلام العرب بقوله : " أن هذا الحلم داعب خيال سراة العرب وأشرافهم حتى بدا لكل منهم طيف زعامته للدولة الموحدة مشرقاً في الخيال . ثم يوضح أن إزاء كل العوائق الواضحة والمحبطات السافرة للحلم وللأمل وللتوقع لم يجد الآخرون سوى الاهتداء إلى أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبياً مثل داود ، وعندما وصلوا إلى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب حتى اشتد الإرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة وأمكن هؤلاء بذلك وأخذوا يسعون للتوطئة للعظيم الآتي إلى أن قال لكن العجيب فعلاً أن لا يمضي من السنين غير قليل حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة قادرة مقتدرة تطوي تحت جناحيها وفي زمن قياسي ملك الروم والعجم بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أنه النبي المنتظر . يا للعجب لهذا الكاتب الذي يجعل من الرسالة الإلهية رسالة بشر ويجعل من الإيمان بالله الواحد الأحد الإيمان بزعامة وملك ، إنه بذلك لا يؤمن بالرسالة التي أرسلها الله إذ جعلها في قوله أحلاماً ومصالح ومنافع تحققت على يد حفيد عبد المطلب كما يقول ، والله إن هذا القول لم ينطق به كافر يعلن عداوته للإسلام ولنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام . ما هذا الربط الذي يربطه بين أحلام اليهود وأحلام العرب ، وما هذه الطعنات التي يطعن بها في رسالة الختم ؟
إن الرسالات كما هو معلوم تنقسم إلى ثلاث :
هذه هي الرسالات التي سبقت الإسلام وإذا نظرنا إلى الرسالة المحمدية – علي صاحبها الصلاة و السلام – نجد أنه لم يستغرقها مقصد من هذه المقاصد إذا لم تكن تكاليف الزعامة ولا الرسالة المقصورة على منفعة أمة ولا تحقيقاً لوعود منتظرة يفسرها كل واحد بما يبتغيه لأنها رسالة الإلهية قوامها أن الله حق وهدى وأن الإيمان أعلى وأقدس من كل إيمان بالحق والهدى . فلم تكن زعامة الرسول – عليه الصلاة والسلام – على قومه مناط تلك الرسالة لأنه أعلن أنه جاء بها بوصفه بشراً كسائر البشر عليه من أمانة وهداية ما على الإنسان للإنسان زعيماً كان أو غير زعيم . ولم تكن منفعة الأمة العربية مناط تلك الرسالة ، لأنها إيمان برب العالمين ، ولا فضل فيها لعربي على أعجمي ولا قرشي على حبشي إلا بالتقوى ، ولم تكن مقضاة لوعود ، لأن الإسلام لم يعد أحداً من العالمين بغير ما وعد به الناس كافة في جميع البقاع والأرضين .
ما لهذا الكاتب يكتب عن سيد الخلق – صلى الله عليه وسلم – بهذا الأسلوب الذي إن دل فإنما يدل على أنه لم يكتب كتابه هذا بأمانة التاريخ الذي بين يدي المسلم والكافر . تعال معي أيها القارئ لنقرأ أقوال غير المسلمين في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم :
ثم يتكلم الكاتب عن الكعبة بأن للعرب هواية في بناء الكعبات و تقديس الأحجار كأنه يقول أن الكعبة المشرفة هي من صنع العرب لأنها صنعت كعبات أخرى كثيرة ذكرها في كتابه وأن العرب يضعون حجراً أسود ضمن الكعبة الخاصة بهم ، كذلك الكعبة بها حجر أسود . ويجب أن نرد عليه بما ذكره " برثون " في رحلته للحجاز بأنه قال : " ولا يزال الصائبة اليوم كما كانوا قبل الإسلام يحسبونها " أي الكعبة " من البيوت السبعة التي تناظر الكواكب السبعة ويقولون أنها بيت أشرفها دارا وهو زحل وستبقى في الأرض ما بقى زحل في السماء " . والمشهور عن الصائبة أنهم يوقرون الكعبة في مكة وأنهم يعتقدون أنها من بناء هرمس أو إدريس عليه السلام ، والصابئة هم قوم لا يجاوز عددهم عشرة الآلاف وهم يقيمون في الأقاليم الجنوبية في العراق حيث قام الخليل – عليه السلام كما في رواية العهد القديم و يقول العلامة Wright صاحب كتاب المطالعة العربية أن حروفهم الأبجدية تشبه الحروف النبطية وأن لغتهم تشبه لغة التلمود ، وأنهم يقولون أن لغتهم الأولى سريانية وأنهم كانوا بمصر على عهد الفراعنة الأول ، وتلقوا ديانتهم الأولى عن أحبارهم ثم هجروها حين تحول أهلها عن الدين القويم والمعروف لدينا وللعالم أجمع أن الصابئة قوم قبل الإسلام بآلاف السنين وأنهم يعرفون الكعبة قبل أن يهبط على أرضها أحد من البشر من سلالة إسماعيل عليه السلام ، وهذا يدل على قدم الكعبة قبل العرب وأنها ليست من صنع العرب . والمعروف تاريخياً أن الدول الكبرى حاولت أن تستغني عن مكة بتحويل الطريق منها أو هدم كعبتها فلم تفلح وبقيت لها مكانتها وقداستها كما كانت من أقدم عهودها ، وهي سابقة لكتابة أسفار العهد القديم في التوراة ، فإنها هي " ميشة " المشار إليها في سفر التكوين ، وهي ميشه التي يقول الرحالة بيرتون : " إنها كانت بيتاً مقصوداً لعبادة أناس من أبناء الهند و يقول الرحالون الشرقيون أنها كانت كذلك بيتاً مقصوداً للصابئين الذين أقاموا في جنوب العراق قبل الميلاد بأكثر من عشرة قرون كما سبق أن ذكرنا . ويخبرنا التاريخ أن أبرهة بني " القليس " في صنعاء ، وهو معبد له فلما تم بناؤها أمر بتحويل الحج إليها وكتب إلى النجاشي أنه سيصرف العرب أجمعين إليها ، فذهب إليها بعض العرب وهي الكعبة الجديدة ليدنسونها ، وأن سيداً من سادات تميم فعل ذلك ، فكان من جراء ذلك هجوم أبرهة على مكة في عام الفيل المشهور وهناك محاولات أخرى لهدم الكعبة أخبرنا بها التاريخ ولكنها لم تهدم رغم كره من ذوي السلطان لها في الجنوب ، والفرس والروم في الشمال ومما هو جدير بالذكر ومما يعتبر ضربة قاضية لكل منكر للكعبة وللحجر الأسود هو أنه شغل الباحثين و العلماء والمستشرقين من مئات السنين كنه الحجر الأسعد ؛ هل هو من السماء أم الأرض وبعد البحث والتحليل لجزء من الحجر الأسعد أثبتت الدراسة العلمية أن الحجر الأسعد من أصل سماوي – نيزكي – وليس من أحجار الأرض ، وبذلك أنهى الجدل السائد بين بعض المستشرقين ، وكان بعضهم يقول إن الحجر الأسود من أصل بركاني ، وكانت هذه النتيجة بعد تحليل قطعة صغيرة من الحجر الأسود أخذها العلامة ريتشاد بيرتون بعد أن ادعى أنه مسلم ، وهذا البحث كتب بمجلة آخر ساعة ، وهنا سؤال : هل لو بنى العرب أو غيرهم كعبات أخرى للعبادة هل هذا ينقص من كعبة المسلمين شيئاً ، .. الحقيقة لا لأن العبادات كلها التي وضعها الحق سبحانه وتعالى على الناس جميعا منذ آدم – عليه السلام – بها صلاة قيام وركوع وسجود ) وأخذ الفراعنة رسماً من هذه الصلاة ، وأخذت البوذية صورة من هذه الصلاة فهل نقول أن الصلاة ما دامت قد أخذ من صورتها أناس غير مؤمنين تكون هذه الصلاة – وهي صلاة المؤمنين – صلاة غير معمول بها ، وكذلك بقية العبادات من صيام وغيره – ومن رعاية جوار البيت حلف الفضول الذي تعاهد فيه عظماء قريش لنصر كل مظلوم ورد الحق إلى كل مغصوب ، وأن يكونوا يداً واحدة في قتال كل غاصب . ويعلق الأستاذ العقاد – رحمه الله – على هذا بقوله في كتاب ( مطلع النور ) : " وما من مقدمة للدعوة المحمدية كانت الزم ولا أكرم من هذه المقدمة تيسيراً لاجتماع الكلمة على الخير ، وتوحيد أبناء الجزيرة في دعوة واحدة ليست لذي سلطان من ملوك اليمن أو خليج فارس أو مشارق الشام الذين يدينون بالولاء للأكاسرة وللقياصرة وللنجاشيين بل هي دعوة الله تلقاها أصحاب التيجان والعروش كما تلقاها عامة الخلق من العباد " .
وقد جاء بصفحة 79 من الكتاب عندما يتكلم الكاتب عن زواج النبي – عليه الصلاة والسلام – بالسيدة خديجة ما نصه : " فخديجة الغنية بمالها قد فارقت عهد الشباب الأول وكانت لها تجربة إدارة أموالها ، كانت أقدر على حياة زوجية هادئة وزينة هيأت لمحمد أن يتخفف من أعباء الحياة لأفكاره الذاتية " . وسواء كانت هذه العبارة من كلمات الكاتب أو من كلمات ينسبها للدكتور أحمد الشريف في كتابه " مكة و المدينة " ، سواء كان ذلك أو هذا ، فأحب أن أقول أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – ليست له أفكار ذاتية يفكر فيها لذاته ولو أن الكاتب أو غيره خرج من تعصبه الفكري وزال على قلبه و فتح العقل السليم الناضج وقرأ تاريخ النبي – صلى الله عليه وسلم – لخرج بما خرج به العلماء الذين ذكرناهم في صدر المقال من أوصاف النبي – عليه الصلاة والسلام – وهم غير مسلمين ولكنهم دققوا فيما كتبوا فكانوا أمناء فيما وصفوا . ويقول الأستاذ العقاد – رحمه الله – في كتابه ( مطلع النور ) واصفاً الرسول – عليه الصلاة والسلام – بأنه سيد المرسلين : " سيد المرسلين بحق من جاء بالرسالة المنزهة المثلى وهذه هي رسالة محمد بشهادة العقل حين يقابل بين القرائن والأمثال قبل شهادة المتدين لدينه والمتعصب لعصبته والمقلد لما يمليه التقليد عليه " . ومما أدهشني أن الكاتب يفسر الآية الكريمة : } ووجدك عائلاً فأغنى { أن هذه الآية نزلت في فضل السيدة خديجة على النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلى المسلمين لأنها أغنته بمالها ، وإذا عرضنا هذه الآية على منطق العقل البسيط هل الله سبحانه وتعالى عندما يتكلم مع الرسول – عليه الصلاة والسلام – فيقول له } ألم يجدك يتيماً فأوى { وهو خطاب منه سبحانه له هل يفهم من ذلك أن الذي أواه جده عبد المطلب أو عمه أبو طالب أم الذي أواه هو الله } ووجدك ضالاً فهدي { أي أن الله هدى به الناس أو ما يقصده الكاتب بأن هداه أحد آخر . } ووجدك عائلاً فأغنى { ألا يكون هذا على سياق الآيات السابقة أن الذي أغناه هو الله أيضاً ، ومعنى هذه الآية ليس كما قال الكاتب ولكن معناها أن الله أغناه أي جعل دعاءه مستجاباً . يقول الكاتب في ص 80 : " وبعدها أخذ محمد صلى الله عليه وسلم يتابع خطوات جده عبد المطلب إلى غار حراء مما حول هذا الكهف إلى مكان مقدس ودخل التاريخ دون ملايين مثله " .
يا للعجب ، هل النبي – عليه الصلاة والسلام – عندما ذهب إلى غار حراء ليتعبد فيه ، ألم يكن ذلك من تلقاء عقيدته وبما أوحى الله به عليه ، الحقيقة نعم – أما ما ذكره الكاتب من أنه تابع خطوات جده عبد المطلب إلى غار حراء فمن أين جاء الكاتب بهذا ؟ والله إنه افتراء لا أساس له من الصحة ، لأن التاريخ لم يذكر لنا أن سيدنا عبد المطلب ذهب إلى غار حراء أو أنه يتعبد في هذا الغار والكهف لم يتحول كما قال إلى مكان مقدس بدليل أن كثيراً من الحجاج والمعتمرين لا يذهبون إليه كمكان مقدس . ولكنهم يذهبون إليه للتبرك بمكان تعبد فيه – الرسول صلى الله عليه وسلم – ولولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخله ما دخل التاريخ . ويتجرأ الكاتب على القرآن أيضا بأنه نزل يسب الوليد بن المغيرة والأخنس بن شريق عندما قالا : " أمفتون محمد أم مجنون " فنزلت آيات القرآن } بأيكم المفنون .. هماز مشاء بنميم . مناع للخير معتد أثيم . عتل بعد ذلك زنيم { 6-13 القلم . و يشرح الزنيم بأنه ابن الزانية اجتراء ليس بعده اجتراء ألا يعلم الكاتب أن الزنيم هو الذي لا أصل له معروف ، وقيل هو الدعي الملحق بقوم وليس منهم وقيل هو المعروف باللئيم وقيل هو الذي له علامة في الشر يعرف بها ، وإذا ذكر الشر سبق هو إلى الذهن ، وهذا يدل على أن المعنى ليس كما قال الكاتب لأنه ابن الزانية .. ويذكر الكاتب ص 83 من كتابه أن الرسول – عليه الصلاة والسلام – قام يؤلب العبيد على أسيادهم لندائه : " اتبعوني أجعلكم أنسابا والذي نفسي بيده لتملكن كنوز كسري وقيصر " . . ويعلل الكاتب أن دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – ستجعل للعبيد أنساباً ، وأنها تمثلت في عبده زيد بن حارثة وأنه أعطاه اشرف النسب بتبنيه إياه .. إلخ ما جاء من أقواله ولست أدري لم نسب الكاتب هذا الحديث بأنه أختص بالعبيد ولم لم يكن هذا الحديث خاصاً بالعرب جميعاً ما هذا قصور في الفكر أو طعن في السيرة ، أما عتق النبي – صلى الله عليه وسلم – لزيد بن حارثة ، فقد كان قبل الإسلام وقبل التكليف بالرسالة فلا ارتباط بينها وبين ذكره الكاتب ، ولولا ضيق المقال لأوضحنا الكثير حتى يفهم الكاتب وغيره أنهم لا يعرفون شيئا عن التاريخ الإسلامي . ويقول الكاتب أن الرسول – صلى الله عليه و سلم – نزع عن قريش الإيمان رغم أنهم أهل الله وناداهم } قل يا أيها الكافرون ... لكم دينكم و لي دين { ثم يأتي الكاتب بقلمه .. ويقول : " نعم ما زالت الآيات تبرز التسامح الديني – لكم دينكم ولي ديني – ولكن تنعت أهل مكة بأنهم الكافرون ، رغم تأكيدها من قبل أنهم قوم يؤمنون بالله خالق السموات والأرض ويعلل ذلك بالآية الكريمة : } ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأني يؤفكون { 61 العنكبوت .. وغيرها من آيات الله في هذا المجال . وكأنه يريد أن يضرب الآيات بعضها ببعض ولكن لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله . أحب أن أوضح للكاتب وغيره أن الآيات التي في سورة العنكبوت والمؤمنون والزخرف التي تشير إلى هذه الأسئلة هي للإعجاز البشري وإظهار قدرة الله سبحانه وتعالى الذي لا ينكره مسلم أو كافر – فالاعتراف بها بأن الخلق كلهم لله ليس دليلاً على إيمان من اعترف بذلك ما دام يعبد سواه فالاعتراف شئ والعبادة شئ آخر ، فالإيمان لا يكون إلا بالاعتراف أي العقيدة والعبادة .
يقول ديكارت في كتاب ( ديكارت – مبادئ الفلسفية ) : " على أي معنى يمكن القول بأن من جهل الله فلن يستطيع أن يعرف شيئا آخر معرفة يقينية ومعنى ذلك أنه لم يصل إلى علم يقيني من لا يعرف خالقه ويقول أيضاً : " في إمكان إثبات وجود الله من أن ضرورة الكينونة أو الوجود متضمنة في تصورنا له ، بمعنى أن من تصور الوجود الضروري الأبدي متضمناً في فكرته عن الوجود الكامل إطلاقاً لزم أن يستنتج أن هذا الوجود الكامل بإطلاق موجود حقاً . ويقول أيضاً : " في أن آجالنا في حياتنا كافية وحدها لإثبات وجود الله " ولقد قال ديكارت الكثير والكثير في صفات الله واعترافه بأنه واحد لا شريك له قادر ومع هذا الاعتراف من هذا الفيلسوف إلا أنه لا يعد من المؤمنين ويعد من غيرهم لأنه لابد من الارتباط بين العقيدة والعبادة كما سبق أن ذكرنا . ويقول الكاتب أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال وهو يطوف بالكعبة عندما غمز أشراف قريش من قناته بعد أن التفت إليهم : " أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح " وأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – بر بقسمه في بدر الكبرى ، ويعني الكاتب بقوله أن النبي – عليه الصلاة والسلام – قد توعد القوم بالذبح ونفذ هذه الرغبة في غزوة بدر الكبرى – إلي أيها القارئ بآي عقل نتقبل هذا الكلام حديثاً يقال في مكة في أول البعثة للتهديد والانتقام من رسول الإنسانية ونبي الرحمة ينفذه في غزوة بدر ، أي بعد أكثر من 10 سنوات وأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – مصر على الانتقام – إن هذا الكلام يتنافى مع ما حدث ببدر ، فلا عجب أيها القارئ حينما تعلم أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – على ما كان من تحريضه أصحابه وما كان يرجو من استئصال عدو الله قد طلب إلى المسلمين منذ اللحظة الأولى من المعركة ألا يقتلوا من أحسن إلى المسلمين في مكة ، فهذا المعروف الذي قد قدم به هؤلاء وأولئك اعتبره الرسول – صلى الله عليه وسلم – حسنة يجزئ من قدمها بمثلها بل يجزئ بعشرة أمثالها ، لذلك كان شفيعا لهؤلاء وأولئك عند المسلمين ساعة القتال ، فأين هذه الرحمة والعدالة والحق الذي أمر به الرسول – صلى الله عليه وسلم – من عدم قتل من أحسن إلى المسلمين من أين فهم الكاتب بأنه توعد بالذبح وأين هذا الذبح ؟ لو كان حدث كما قال لهلك المشركون في غزوة بدر جميعاً ، ولكن هذا لم يحدث فقد كان هناك من أسر ولم يقتل ، وكان كثيراً فلم الافتراء على نبي الإسلام ؟ ألم يقرأ الكاتب ما حدث بين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – في مصير الأسرى ، وكان رأى أبي بكر العفو عنهم ورأى عمر قتلهم ، وقد أيد الرسول – صلى الله عليه وسلم – رأى أبي بكر . ولضيق المقال اكتفيت بهذه الردود مع أن بقية ما جاء بالكتاب ليست لها قيمة حتى نرد عليه . ويقول العالم الإنجليزي كار ليل في كتابه ( كتاب الأبطال ) لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى من نطق من أن دين الإسلام كذب وأن محمداً خداع مزور ، وأن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة . فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة أثنى عشر قرناً لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا ، خلقهم الله الذي خلقنا ، أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء كذبة ؟ أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبداً ولو أن هذا الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج ويصادفان منهم ذلك التصديق والقبول فما الناس إلا بله ومجانين ، وما الحياة إلا سخف وعبث كان الأولى بها ألا تخلق . فوا أسفاه ما أسوأ مثل هذا الزعم وما أضعف أهله وأحقهم بالرثاء والمرحمة . وبعد فعلى من أراد أن يبلغ منزلة في عيون الكائنات ألا يصدق شيئا البتة من أقوال هؤلاء السفهاء ، فإنها نتائج جيل كفر وعصر جحود وإلحاد . وهو دليل على خبث القلوب وفساد الضمائر وموت الأرواح في حياة الأبدان .
وقد جاء في كتاب : Burns edwared wastern civliagtion W .W – morton Scompany inc . New York 1973 . ما نصه " أن عظمة الحضارة الإسلامية وأهميتها لا ترجع إلى أنها فقط بدين جديد آمن به الملايين من الناس في أماكن متعددة ومتفرقة – وإنما فيما أحدثته أيضاً من تغيرات اجتماعية وسياسية كثيرة ، نتج عنها ثراء فكري وتراث حضاري لم يسبق له مثيل . وقد تضمنت الحضارة الإسلامية الآداب والخلاق والفلسفة والمنطق كما كانت ذات تأثير خاص في الحياة السياسية والاجتماعية والعلاقات الدولية " وهذا قليل من كثير للرد على الكاتب . فإن لم يكن هناك رد لمن يسب الإسلام فيكفينا رد غير المسلمين عليه وخاصة " كارليل " .
قد يلاحظ القارئ أنني لم أستشهد بأية من آيات الله ولا حديث وأن استشهاداتي كلها من أقوال غير المسلمين ، لأن هذا هو الذي يقتنع به الكاتب و من كان معه في الرأي ولعلك أيها القاري تنصفني في ذلك . ونختتم مقالنا هذا بما قاله الأستاذ عباس العقاد –رحمه الله – في كتاب ( مطلع النور ) " وحيث ينهض رجل واحد بما يأباه معهم أقوام زمانه فليست هي إرادة إنسان ، ولكنها إرادة الله وما هي بقدرة أحد أو أحاد ، ولكنها قدرة الخالق فيما يوليها من يشاء وحيث يشاء " .
ولقد صدق الله العظيم : } يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون { 32 التوبة . *********
التعدد لا التعدي
بقلم : فهمي هويدي ___________________ الأهرام – 23 مارس 1989 م القاهرة ____________________________
نريد أن نستثمر الإجماع على رفض الرواية الشيطانية لسلمان رشدي ، في حوار آخر أهم وأجدى حول نهج " المدرسة الرشدية " المعاصرة . وهي المدرسة التي تعمد إلى النيل من العقائد والشرائع السماوية ومقدسات الناس ، بحجة البحث أو الاجتهاد . لقد كان المنطق الذي التقى عليه الإجماع في رفض الرواية الشيطانية يقوم على فكرة أن حرية الرأي ينبغي أن تكفل للجميع حقاً ، شريطة ألا تنتهك العقائد والمقدسات ، أو تجرحها . وأحسب أن الذين أيدوا هذه المقولة لم يكونوا متعصبين ولا متطرفين ، بل إن بعضهم كانوا من غير المسلمين ، ومن غير المتدينين أصلاً ! .. عندما قرأت رواية سلمان رشدي ، كان أول على بالي هو أن لدينا كتابات عربية ، من ذات القبيل تختلف عنها في الدرجة وليس في النوع ، أعنى أنها تهتك المقدسات وتجرحها أيضاً ، لكنها لا تستخدم ألفاظه البذيئة والوقحة تهدم في هدوء وبغير ألم ، و تتحدى ركائز عقيدة الأمة بمنتهى الأدب !
وقتذاك قلت أن هذه الكتابات أسوأ وأخطر .. لأن رواية سلمان رشدي تسب وتجرح على المكشوف ، وقارئها يلحظ ذلك في الصفحات العشر الأولى من مؤلفه ، أما الكتابات العربية التي أعنيها ، فبعضها يبث الألغام في أساس العقيدة والشريعة ، بأسلوب لا يصدم القارئ غير المتخصص ، ولكنه يتسرب إلى عقله ووجدانه ، ويحدث مفعوله في هدوء . قلت أيضاً أنه أولى بنا وأجدر أن نوقف هذا العدوان الذي يأتينا من الداخل في شكل غارات منتظمة وبأساليب ملتوية ، قبل أن نصد رياح السموم التي تهب علينا من الخارج . وأنه إذا كانت همة أهل الغيرة والحس السليم قد استثيرت ، فهبوا رافضين ومنددين بأسلوب ومقاصد الرواية الشيطانية ، فلماذا لا ندعوهم إلى وقفة مماثلة – شريفة ومنصفة – إزاء تلك الكتابات الشيطانية التي يروج لها في ديارنا ؟ لما كتبت في موضوع رواية سلمان رشدي ، في 28 الماضي ، لم أشأ أن أتعرض لهذه النقطة ، لأن حجم الانفعال الذي كان سائداً آنذاك لم يكن يسمح بتوسيع نطاق المواجهة ، إضافة إلى أني أن أعرض القضية بعد أن يعود الهدوء إلى النفوس ، ويصبح الجميع في وضع يسمح بإجراء حوار غير متشنج ، حول ضوابط التعامل مع العقائد والمقدسات ، وأرجو أن يصح ظني في أن ذلك قد تحقق الآن نسبياً .
كتابات شيطانية
لسنا هنا في صدد توجيه الاتهام . أو المحاكمة ، فليس هذا ما نستهدفه فضلاً عن أننا لا نملكه ، لأن هدفنا في نهاية الأمر – نكرر – هو أن نتفق على ضوابط للتعامل مع العقائد والمقدسات المستقرة في ضمائر جميع المؤمنين . وأن نتوصل إلى صيغة وأسلوب تتحقق بهما كفالة احترام حرية الرأي واحترام تلك العقائد والمقدسات ، وهي الإشكالية الأساسية التي أثارتها رواية سلمان رشدي . ولكي نثبت الحالة ، حتى يستيقن الجميع من أننا نتحدث عن حقيقة قائمة ، ولا نطلق ادعاء بغير دليل ، فإننا نستشهد بنصين من نوع الكتابات الشيطانية العربية التي نريد أن نلفت النظر إليها ، النص الأول منشور في مصر لباحث يحمل درجة الدكتوراه في الفلسفة ، أستأذن في أن أشير إليه بالحرفين الأولين من اسمه س . ق وهو تلميذ لأحد كبار أساتذة الفلسفة المقيمين خارج مصر ، ممن كرسوا جهدهم في السنوات الخيرة لنقد الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية ، وعنوان النص أو البحث الذي نقصده هو : دور الحزب الهاشمي و العقيدة الحنفية في التمهيد لقيام دولة العرب الإسلامية .
النص الثاني لباحث جزائري يقوم بالتدريس في جامعة السوربون بفرنسا ، هو الدكتور محمد أركون ، وهو كتاب صدر في بيروت منذ عامين ، بعنوان " تاريخية الفكر العربي الإسلامي " خلاصة البحث الأول الذي يقع في عشرين صفحة ، ونشرته مجلة كانت تباع في القاهرة هي : أن عبد المطلب بن هاشم ، جد النبي – عليه الصلاة والسلام – كان يحلم بإقامة وحدة سياسية بين عرب الجزيرة ، تحت زعامة قبيلته وهو يفكر ويخطط لطموحه ذاك ، فإنه تأثر باليهود من جيرانه ، الذين كان لهم كتاب " سماوي المظهر " وتاريخ شهد قيام دولة قديمة أنشأها " الملك النبي " داود وإزاء فقد هداه التفكير هو ومن حوله ، إلى " أنه حل سوى أن يكون منشئ دولتهم نبياً مثل داود " – هذا هو نص عبارة الباحث – ومنذ ذلك الحين بدأ الهاشميون ينفذون مخططهم ، الذي انتهى بأن أعلن حفيد عبد المطلب أنه النبي المنتظر ، وهو ما عرض له الدكتور في جزء من البحث كان عنوانه : بنو هاشم من التكتيك إلى الأيديولوجيا . اعتبر الباحث أن زواج " النبي محمد بن عبد الله حفيد عبد المطلب من خديجة بنت خويلد الأسدي التكتيك الهاشمي ، وأنه من ثمار تحالف عبد المطلب بن هاشم مع أبيها خويلد الأسدي وذكر أن إلغاء التماثيل والأصنام والدعوة إلى عبادة الإله الواحد ، هي أيضاً من قبيل التكتيك الهاشمي الذكي ، عن زواج النبي من السيدة خديجة التي يطلق عليها الباحث وصف " الأرملة الثرية " .. - قال صاحبنا في موضع آخر ما نصه ، " أن الزواج وفر له الوقت الكافي والاطمئنان النفسي للانصراف من السعي وراء الرزق إلى التفكير في شئون قومه السياسية والدينية ( ؟ ) – من ثم أخذ يتابع خطوات جده عبد المطلب إلى غار حراء .. وبالحنيفية أمن ولم يكد يبلغ الأربعين من عمره حتى حسم الأمر ، بإعلانه أنه نبي الأمة بعد أن أوحى إليه إله إبراهيم أن أتبع ملة إبراهيم حنيفاً ، ولإثبات فكرته القائلة بأن الأمر لم يتجاوز مخططات وطموحات بني هاشم استشهد بإعلان النبي عليه الصلاة والسلام ، أنا النبي لا أكذب أنا ابن عبد المطلب ، وعقب على العبارة قائلاً : كأني به ينادي طيف جده : أي جدي ها أنذا أحقق حلمك ، في النهاية ختم الكاتب بحثه الشعر المنسوب إلى يزيد بن معاوية ، الذي يقول فيه : لعبت بن هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل .
النص الثاني – كتاب الدكتور محمد أركون – يثير قضايا عديدة بينها دعوة إلى ما يسميه الباحث الجزائري " بتفكيك التراث " ، وتتدرج هذه الدعوة حتى تنصب على القرآن الكريم ، الذي يصفه صاحبنا بأنه " أسطوري البنية " . ويحثنا على أن نعيد قراءته " قراءة تاريخية نقدية " . ومنهجه في بلوغ هذا الهدف يرتكز على نقطتين محوريتين هما :
أولاً : نزع " حالة القداسة " عن القرآن ، المستمدة من تمسك المسلمين بأصله الإلهي ، والزعم بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. وزوال تلك " الهالة يعني التعامل مع القرآن بحسبانه خطاباً عربياً ، وليس وحياً أو نصاً إلهياً .
ثانياً : إعادة كتابة النص القرآني من جديد .. " وهذا يتطلب منا الرجوع إلى كل الوثائق التاريخية التي أتيح لها أن تصل إلينا ، سواء كانت ذات أصل شيعي أم خارجي أم سني . هكذا نتجنب كل حذف ثيولوجي لطرف ضد آخر ( ؟! ) المهم عندئذ هو التأكد من صحة الوثائق المستخدمة بعدها نواجه ، ليس فقط مسألة إعادة قراءة هذه الوثائق ، وإنما أيضاً محاولة البحث عن وثائق أخرى ممكنة الوجود ، كوثائق البحر الميت التي اكتشفت مؤخراً (ص 29 ) واعتبار القرآن تراثاً ، أو كتابا تاريخياً أحيط بهالة من القداسة غير مبررة ، ثم الدعوة إلى " تفكيك " هذا التراث وإعادة صياغته من جديد هو دعوة مباشرة إلى تفكيك العقيدة ذاتها ، تسترت وراء القراءة العلمية والنظرة النقدية . الرسالة هنا واضحة أيضاً ، تنطلق من ذات المنطق وتصب في ذات الاتجاه ، الذي يهدم أساس العقيدة ، ويكاد يردد المقولة التي تبناها صاحبنا الأول ، واستشهد فيها بأنه : لا خبر جاء ، ولا وحي نزل !!
هذه هي المقدسات أزعم أن هذا المستوى من الكتابات التي تطعن في أصل الدين أو تشكك في القرآن يشكل استثناء وشذوذاً غير مألوفين في حياتنا الثقافية ، بقدر ما أن رواية سلمان رشدي بتوجهاتها الطاعنة في عقائد الإسلام ورموزه تشكل استثناء أيضاً على لغة الرواية الغربية . وقد أوردنا النموذجين فقط لكي نثبت أن ثمة كتابات شيطانية أخطر من رواية سلمان رشدي ، تباع في مكتباتنا وعلى أرصفة مختلف العواصم العربية غير أن ثمة مستوى آخر من الكتابات يقف على ذات الأرضية ، وإن لم يبلغ مدى هدم الدين أو زعزعة الثقة في خطابه الأول الذي هو القرآن .. بعضها يزدرى الشريعة ، ويطعن في أحكامها ويسفه نصوصها القطعية ، وبعضها يسخر من الأحاديث النبوية الصحيحة .. وبعضها يحط من شأن الصحابة وهذه الكتابات لم يتوقف سيلها طوال السنوات الأخيرة بوجه أخص ، حيث خرجت علينا في أثواب متعددة وحلقات متتالية . في كتب وأبحاث ومقالات صحفية بغير حصر ، وقد سبق أن تعرضت – في حدود ما أتيح – لبعض تلك الكتابات ، مبيناً ما لها من خطر ، وما فيها من أفك وادعاء . ولست أحسب أننا بحاجة إلى أن نستعيد تلك الكتابات ، لأن شواهدها وأدلتها بين أيدي الجميع ، فضلاً عن أنني عرضت لها من قبل ، وبعض ما نشر لي هذا الموضوع صدر في كتاب بعنوان " تزييف الوعي " لن نزيد أو نفصل في هذه النقطة ، لأن علاج الموقف ومحاولة تصحيحه هو قضيتنا الأساسية ، وفي هذا الصدد أحسب أنه لا بديل عن اتفاق المثقفين والدعاة بمختلف اتجاهاتهم على ضرورة احترام العقائد و المقدسات على إطلاقها ..
وربما كان مفيداً هنا أن نحدد المقصود بالمقدسات ، حتى لا تضفي القداسة على ما لا قدسية له ، وحتى لا تتخذ الدعوة ذريعة إلى مصادرة الحوار فيما هو اجتهادي يثريه تعدد الآراء حوله ، واختلافها أحياناً . القدسي عندنا هو كل ما يتعلق بالعقائد وبالشرائع القطعية الثابتة بالكتاب والسنة ، وما تعلق بذات الله وصفاته وبعامة الرسل والأنبياء ، وبأماكن العبادة .
وربما ألحقنا بهذه الدائرة الثقة في مجموع الصحابة ، لا بأشخاصهم ، الذين حملوا الأمانة مع النبي ومن بعده . والقدسية هنا لا تصادر الحوار ، لكنها تفرض قدراً واجباً من التوقير والاحترام وترفض الطعن والتجريح والازدراء ، بالتصريح أو بالغمز والتلميح وإذا كانت هناك حاجة لمثل ذلك الحوار ، فليكن بين أهل العلم والخاصة ، لأن جدل عامة الناس في شأن العقائد مثير للفتن . والذاكرة الإسلامية ما زالت تعي قصة ما جرى في ظل الخلافة العباسية عندما انتقل الجدل حول قضية خلق القرآن ، التي أثارها المعتزلة ، من الخاصة إلى العامة فسالت دماء وخربت ديار ، وترسبت مرارات وضغائن ظلت عبئاً على الواقع الإسلامي زمناً طويلاً .
ولئن ظن أحد أن احترام المقدسات التي أشرت إليها متحقق بالفعل ، وأن أحداً لا يجترئ على المساس بها ، فإنه يكون بذلك قد أحسن الظن بأكثر مما ينبغي ، لأن الشهادات المكتوبة والمنشورة تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن ثلاثة موضوعات على سبيل الحصر كان لها النصيب الأكبر من غارات التجريح والتشهير التي تلاحقت خلال السنوات الأخيرة . وهي : الشريعة ، والسنة النبوية ، والصحابة وأزعم أن بعض الكتابات التي تناولت تلك الموضوعات تطاولت أحياناً إلى حد التنفير والتحقير .
من شاء فليكفر
إن القاعدة الإسلامية المستقرة في الموقف من العقائد والمقدسات تقوم على المبدأ القرآني القائل بأنه : من شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر .. و حساب الجميع أمام الله يوم الحساب .. لكن ثمة تفرقة ضرورية بين طبيعة الموقف الشخصي من المقدسات وبين ترجمة هذا الموقف إلى عدوان على مقدسات الآخرين . إلى جانب هذه القاعدة فهناك الموقف الإسلامي الذي يقبل تعددية الأديان السماوية ويعترف بها ، ويقبل تعددية المذاهب في داخل العقيدة الإسلامية ، ويقبل تعددية المدارس داخل المذهب الواحد . ويدعو إلى التعايش بين الجميع في إطار من البر والقسط . هنا ننبه إلى أن دعوتنا إلى احترام العقائد والمقدسات لا نقصرها على مقدسات المسلمين فقط ، ولكننا قلنا من البداية أننا نعني جميع المؤمنين ونعني بهم مختلف أتباع الديانات السماوية التي يعترف بها الإسلام ، معتبراً أن أنبياءهم هم أنبياء المسلمين أيضاً . هناك مستوى آخر من التعاليم والأحكام الشرعية ، تتوافر القداسة لنصوصه ويقبل تعدد الاجتهاد في فهم محتواه .. أي أنه يتمتع بقدسية جزئية ، وليست كلية ، فالنص القرآني أو الحديث الصحيح واجب الاحترام بكل تأكيد ، لكنه إذا لم يكن الحديث قطعياً في دلالته ومحسوم المضمون ، يسميه الشرعيون ظني الدلالة ، فإن اختلاف الآراء في شأن ذلك المضمون يظل وارداً ، وليس هناك ما يمنع من نقد تلك الآراء وتجرحيها بالأسلوب العلمي المعتبر . لكننا بحاجة إلى أن نتوقف لحظة عند كلمة الاجتهاد هذه .. لأنه بإسم فتح الباب لممارسته أصبحت الإباحة نوعاً من الاستباحة ، وسوغ كل من هب ودب لنفسه الحق في أن يلغط ويخلط في الأحكام الشرعية ، بدعوى ممارسة الاجتهاد حتى قرأنا عجباً في هذا الباب ، أهدرت من جرائه أسس مختلف العلوم الشرعية ، وفي مقدمتها علم أصول الفقه . لقد كان مثيراً للدهشة والحزن أن واحداً من الذين هبوا ودبوا وأفتوا بغير علم ، عندما وجه بدعوى إلى استطلاع رأي المتخصصين فيما تخوض فيه ، فإنه كتب رسالة نشرتها الصحف قال فيها أنه مجتهد ومتخصص ، والدليل على ذلك أنه حاصل على ليسانس الحقوق ! .. وهو ما يعني أن كليات الحقوق المصرية تخرج سنوياً خمسة آلاف مجتهد ، فضلاً عن أن هناك ألف خرجتهم تلك الكليات منذ الثلاثينيات !!
إن للاجتهاد قواعده وأهله ، وله مجالاته وساحته ، وله أدبه الذي ينبغي أن يتحلى به الباحثون والمتحاورون . وما لم تراع هذه الضوابط ، فإن الانزلاق إلى المساس بالأحكام وبجوهر التعاليم وبمجمل المقاصد الشرعية يظل وارداً وبالتالي فإن احتمال التعدي يصبح قائماً . إننا نحرص على التعدد وندعو إليه ، شريطة ألا يتخذ ذريعة لممارسة التعدي ولن نستطيع أن نتجنب محظور التعدي ما لم يستقر ذلك الاتفاق المنشود على احترام العقائد والمقدسات ، واحترام أصول العلم وضوابطه . ذلك درس مهم ، لعلنا نستخلص عبرته من تجربة سلمان رشدي !!!
********* فضائح الفكر اليساري تأسيس الدولة الإسلامية
بقلم : الدكتور محمد أحمد المسير ___________________________ صحيفة النور 29 يوليو و 5 أغسطس 1992 _________________________
نواصل مسيرة كشف فضائح اليساريين رغم مزاعمهم حول العقلانية والعلمية والمنهجية والرؤية النقدية ، وهم دخلاء على هذه المعاني ولا يفهمون منها إلا ما يخدم مذاهبهم الهدامة .. ونقف اليوم مع كتاب بعنوان " الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية لمؤلفه الدكتور سيد محمود القمني ، ويبدأ الكتاب بتقديم بقلم خليل عبد الكريم ، يحمل فيه على العلماء والمؤرخين الذين يرون التاريخ مسيرة غيبية لاهوتية تحركها إرادة الله تعالى .. ويحرص المقدم على التوقيع هكذا :
الشيخ / خليل عبد الكريم أدب ونقد / أغسطس 1989 ؟ ولست أدري ما علاقة خليل عبد الكريم بالمشيخة والأستاذية ؟ ! ثم ما علاقته بالأدب والنقد ؟! وهل يريد أن يمنح نفسه أهلية العلماء الذين يجيزون لطلابهم مقدرتهم العلمية ؟ أو أن المسألة تمويه على القارئ ليطمئن أثناء قراءته للكتاب ؟! ________________________
هذا ما وصل المؤلف مما كتب السيد الداعية المسير . إن الإنسان ليس إلهاً مصغراً في هذا الكون . وإنما تحركه إرادة الله تعالى ، وتحيط به نواميس أبدعها المولى سبحانه ، والإنسان نفسه صنعه الله جل شأنه .. والكتاب أشبه بالمقالات فهو يضع عناوين تحتها بضع صفحات من القطع الصغير ويسير على النحو التالي :
تأسيس(1)
وقد صدره المؤلف بمقولة نسبها إلى عبد المطلب جد الرسول – صلى الله عليه وسلم ، ولسنا ندري صدقها ، تقول : إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء ، وأشار إلى أبنائه وأحفاده . ثم تكلم عن الأسباب التي حالت دون خضوع مكة ويثرب للممالك المجاورة ، وأشار إلى أنهما لم تخضعا لحاكم أجنبي ، ولم تكن فيهما ممالك بالمعنى الحقيقي ولا وحدة سياسية تضم قبائل الحجاز .. ثم يزعم المؤلف أنه بدأ لأهلها أن دولتهم المرتقبة لا حل سوى أن يكون منشؤها نبياً مثل داود ، وأن هذا الحل فشا بسرعة هائلة بين العرب حتى أمنوا بالنبي المنتظر . ثم يقول المؤلف ص 13 : لكن العجب فعلاً أن لا يمضي من السنين غير قليل حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة قوية ومقتدرة تطوي تحت جناحيها – وفي زمن قياسي – ممالك الروم والعجم بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم : محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – أنه النبي المنتظر . !! وهكذا يفتري المؤلف الكذب فيرى أن فكرة النبي المنتظر اختراع عربي جاهلي لجمع الشمل ، ويرى أن حفيد عبد المطلب قد أعلن أنه النبي المنتظر بناء على هذا الوهم والاختراع ثم يضع علامة التعجب في نهاية كلامه بعد أن بدأه بالتعجب فعلاً .. والمؤلف بذلك يكون قد رفض حقيقة دينية أكدها القرآن مراراً حول النبي المنتظر في مثل قوله تعالى : } ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين { . } البقرة –89 { وقوله تعالى : } وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل أني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة و مبشرا برسول يأتي من بعدي أسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين { } الصف – 6 {
بل أن المؤلف يقطع صلة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – بالوحي الإلهي ويجعل الأمر مجرد إعلان حفيد عبد المطلب أنه النبي المنتظر ، وكأن المسألة صراع على السلطة واكتساب مواقف سياسية
تأسيس (2)
تكلم المؤلف عن أهمية التجارة البرية في المنطقة العربية نظراً لصعوبة التجارة البحرية في البحر الأحمر والخليج العربي ، وتكلم عن محاولات ملوك حمير السيطرة على الطريق البري وما شنوه من حملات حربية تجاه مكة ويثرب ويفسر كل أشكال الصراع بين العرب أنفسهم أو بين الفرس والروم بالظروف الاقتصادية والسعي للسيطرة على الشريان التجاري .. ثم افتعل صراعاً بين مكة ويثرب باعتبارهما أهم محطتين تجاريتين على الطريق البري ثم يهمز المؤلف ويغمز بأن تحالف الخزرج مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ضد قريش أثناء الهجرة كان رداً على تحالف قريش مع الأوس ضد الخزرج .. فهو يقول ص 18 : " ولم تكن قريش بريئة كل البراءة مما يحدث في يثرب ، وإنما أسفرت عن توجهها بالتحالف مع الأوس ضد الخزرج يومي معبس ومضرس ، وهو مما يلقي الضوء على المستقبل القريب ، عندما يتحالف أهل يثرب وعلى رأسهم الخزرج مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ضد قريش ، ويفسر لنا التحالف الذي سبق ذلك بين عبد المطلب بن هاشم ممثلاً لبني هاشم مع الخزرج من أهل يثرب " . إن المؤلف يصر على نغمته النشاز بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – سار على درب جده عبد المطلب من أجل الزعامة ، ويفتري الكذب بأن الهجرة كانت تحالفا مع الخزرج ضد الأوس وإحياء لتحالف قديم قام به عبد المطلب عندما تزوج منهم ، فمن بديهيات الأمور أن أنصار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانوا من الأوس والخزرج معاً وأن أخوة الإسلام جمعت بينهم وأنهم استقبلوا المهاجرين من مكة ولم يفرقوا بين هاشمي ، ولا بين قرشي وغير قرشي ، وسجل القرآن الكريم إيثارهم في قوله تعالى : } والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون عن هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون { } الحشر – 9 {
الكعبـات تكلم المؤلف عن تعدد الكعبات لدى العرب وتعظيمها بتعدد الأبطال الصالحين الراحلين ، ويرى أن البناء المكعب هو الصيغة المعمارية المفضلة لبيوت أرباب الجاهلية وأن الكعبة المكية كانت إطاراً لحجر أسود كما كانت باقي الكعبات تتسم بذات السمة فهي أطر لأحجار سود . ويقول المؤلف ص 23 : وسميت هذه الكعبات بيوت الله لأن كل بيت منها فيه حجر من بيت الله الذي في السماء ، تمييزاً له عن الأرباب التي لم تكن سوى مجرد تماثيل أو أحجار بركانية توضع في أقنية الكعبات انتفاعاً ببركات الأسلاف الصالحين وتشفعاً بهم عند إله السماء . ويقدم المؤلف بعبقريته الساذجة سر تقديس الحجر الأسود فيقول ص 21 : " و أحياناً أخرى كانت هذه الكعبات تقام تقديساً للأحجار الغريبة والنادرة ، مثل الأحجار البركانية أو النيزكية وكلاهما كان يغلب عليه اللون الأسود نتيجة عوامل الاحتراق ونظن هذا التقديس ناتجاً – إضافة لغرابة شكل الحجر – من كونه قادماً من عالم غيبي مجهول ، فالحجر البركاني مقذوف ناري من باطن الأرض وما صيغ حول من أساطير قسمته طبقات ودرجات واحتسبته عالماً لأرواح السالفين المقدسين . كذلك الحجر النيزكي وربما كان أكثر جلالاً لكونه كان يصل الأرض وسط مظاهرة احتفالية سماوية تخلب لب البدوي المبهور ، فهو يهبط بسرعة فائقة محتكاً بغلاف الأرض الغازي فيشتعل مضيئاً ومخلفاً وراءه ذيلاً هائلاً ، لذلك كان هول رؤيته في التصور الجاهلي دافعا لحسبانه ساقطاً من عرش الآلهة في السماء حاملاً معه ضياء هذا المكان النوراني ثم كان طبيعياً أن يحاط بالتكريم والتبجيل . وهكذا يطعن المؤلف في تقديس الكعبة المشرفة ويسلكها في عداد الوثنيات ويقدم تصوراً جاهلياً بعيداً كل البعد عن المفهوم الإسلامي الصحيح حول بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام للكعبة المشرفة ودعوة الناس للحج إليها . قال تعالى : } وعهدنا إلى إبراهيم أن طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع السجود {
مكة : حلم السيادة
يرى المؤلف أن مكة تهيأت لإفراز عناصر قيادية عربية ، وقدرت الأحداث أن تكون لكعبة مكة المكانة الأولى عند العرب ، والمجد الأقدس دون غيرها من الكعبات بسبب الأسواق التجارية في مكة الذي دفعهم إليه أن صعود النجم المكي واتساع السيطرة المكية أعطى للقرشيين الضوء الأخضر للقيام بالدور التاريخي الذي حتمته الظروف عليهم ، خاصة بعد أن تدهورت اليمن .. ويرى المؤلف أنه مما ساعد على ارتفاع النجم المكي هزيمة حملة الفيل ، المر الذي أدى إلى الاعتقاد الواثق برب الكعبة المكية الذي صد عن بيته الجيش الغازي .. ثم تكلم عن قصي بن كلاب ووصفه بأنه صاحب دهاء ووعي سياسي ، انتقل بمكة من القبلية إلى الحضارة بإنشاء دار الندوة ، وإيفاد الرسل إلى ممالك على أطراف الجزيرة العربية ، والاهتمام بالنشاط الاقتصادي .. ويزعم المؤلف أن ذلك كله قد تم وفق خطة مرسومة ومدروسة ومنظمة !! وإننا نلاحظ إصرار المؤلف على استخدام تعبيرات : الكعبة المكية ، ورب الكعبة المكية ، وحتمية الظروف .. وكلها مقولات من لا يؤمن بالإسلام .. كما نلاحظ إلقاءه لأحكام جزافية كقوله إن هناك خطة مرسومة ومدروسة ومنظمة ، فيا ترى من الذي نظمها ودرسها ورسمها ؟! أنه يمهد لفكرته الشيطانية بأن محمد – صلى الله عليه وسلم – هو الزعيم العربي الذي أنتجته الظروف وحولته إلى قائد عسكري ودفعت به إلى تأسيس دولة حلم بها أجداده .. !!
الصراع على السلطة بعد قصي : يرى المؤلف أنه بعد وفاة قصي بن كلاب ترك كل سلطاته ووظائفه وسنته الذكية لولده البكر عبد الدار دون أخيه عبد مناف ، وبدأ الصراع بين الإخوة وانتهى بتقاسم أبناء العمومة ألوية الشرف الموروث .. فالسقاية والرفادة والقيادة لبني عبد مناف والحجابة واللواء لبني عبد الدار ، ودار الندوة بينهم بالاشتراك . وبدأ المؤلف يغمز ويهمز فيرى أن ألوية الشرف في القيادة والسقاية والرفادة المنتزعة من بيت عبد الدار لبيت عبد مناف قد استقرت في يد هاشم بن عبد مناف بالتحديد دون بقية اخوته .. وما إن رحل أخوه عبد شمس عن الدنيا حتى ساورت ولده أمية الأطماع في أخذ ما بيد عمه من ألوية الشرف بالقوة ، وانتهى الأمر بالاحتكام إلى كاهن خزاعي ، فقضى الكاهن بنفي أمية بن عبد شمس عشر سنوات إلى منفى اختياري ، ولم يجد أمية أبداً من الرضا بحجم ارتضاه ، فشد رحاله إلى بلاد الشام .. وكانت هذه السنوات العشر التي قضاها أمية بن عبد شمس في منفاه الشامي رصيداً لبيته الأموي من بعده حتى قام معاوية بن أبي سفيان وأقام الدولة الأموية .. !! وهكذا يحاول المؤلف جاهداً أن يتوهم الصراع السياسي في المنطقة العربية ، وكأن الحياة قائمة على تسلسل اختياري وترتيب إرادي للوصول إلى هدف قيام الدولة الأموية في مواجهة الحزب الهاشمي .. وتناسى المؤلف أن أحداث التاريخ في تعاقب عصورها ليست إرادة بشرية صرفة وأن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن . وإن هدف شخص في عصر ما لا يلزم منه أن يتواصل السعي له في أحقاب متتالية ، فالمسألة برمتها أحلام أشخاص وليست أحلام أمة .. ثم متى أسلم معاوية ؟ لقد أسلم بعد عشرين عاماً من الدعوة الإسلامية .. ومتى كان حلم الدولة الأموية يراوده ؟! في جاهليته أم في إسلامه ؟! وهل كان أمية بن عبد شمس في منفاه الاختياري بالشام يرتب لقيام الدولة الإسلامية الأموية بقيادة حفيده معاوية ؟ ومهما قيل عن الملك العضوض للدولة الأموية فإننا نتساءل هل قامت الدولة الأموية على الإسلام أو تبنت عقيدة الجاهلية ووثنيتها كما تصورها عبد الدار وبنوه وأحفاده الجاهليون ؟! إن الذي لا يقبل المراء أن الدولة الأموية احتضنت الإسلام وواصلت مسيرة الفتح الإسلامي ووصل المسلمون إلى أقصى الآفاق في أسيا وأفريقيا وأوروبا وجاءت بعد ذلك الدولة العباسية لتقيم الحضارة العلمية فوق هذه البقاع الإسلامية ..
بنو هاشم من التكتيك إلى الأيديولوجيا يزعم المؤلف أن التكتيك الذي بدأه قصي وصل إلى هاشم ، وهو تكتيك قائم على اكتساب القلوب بالسخاء المالي ، ودعم حزبه العسكري برجال من بني النجار والخزرج في يثرب وببعض المصاهرات إلى بني زهرة ..
واستمر عبد المطلب بن هاشم على هذا التكتيك في العطاء والمصاهرة وتحول إلى وضع أيديولوجيا متكاملة لتحقيق أهداف حزبه السياسي ، فانطلق عبد المطلب يضع ديانة جديدة تجمع القلوب حول إله واحد .. وزعم أنه أوحى إليه بحفر زمزم ، وزعم أن العرب جميعاً وقريشاً خصوصاً بجذورهم إلى نسب واحد منهم رغم تحزبهم وتفرقهم أبناء لإسماعيل بن إبراهيم ، ومارس عبد المطلب التحنث والدعوة إلى مكارم الأخلاق .. ويتخذ المؤلف من تقول بعض الرواة عن الصفاء الفطري لدى عبد المطلب ، ليجعل ذلك ذريعة ينسج حولها خياله المريض ، فيدعى أن عبد المطلب اخترع أيديولوجيا أو عقيدة ذات مأرب سياسي .. وأن عبد المطلب أعد حفيده محمد – صلى الله عليه وسلم – للرئاسة فكان يجلسه على فراشه في ظل الكعبة ويقول : إن لإبني هذا شأناً ، أو بعبارة أخرى : دعوا إبني إنه يؤسس ملكاً . بل إن المؤلف يفسر كل مصاهرة لعبد المطلب أو لولده عبد الله بالسعي إلى الرئاسة عن طريق الملك والنبوة المنتظرة .. ويسوق روايات مفادها أنه علم من أحبار اليهود أن الملك والنبوة عن طريق المصاهرة من بني زهرة فتزوج عبد المطلب هالة بنت وهيب ، وزوج ابنه عبد الله آمنة بنت وهب أخي وهيب لهذا الغرض .. وهكذا يخرج المؤلف عن كل منطق علمي صحيح ، ويتخذ من روايات – ليس لها صحة السند ولا صدق اليقين – دلائل على وهم اخترعه وأساطير يسعى إليها .. ومتى كان الحبار والكهان يتخذ من أفواههم نواميس قيام الدول والحضارات ؟! وإذا كانت هناك إرهاصات معينة للنبوة المحمدية فيقيننا بها جاء بعد الرسالة وليس قبل أن يوحي إلى محمد – صلى الله عليه وسلم .. فهي أقاصيص وأحاديث تروي لا يعتد بها ولا يلتفت إليها ولا يترتب عليها أمر جوهري ، ولم يتنبه الناس إليها إلا بعد أن أعلن محمد – صلى الله عليه وسلم – أنه تلقى وحياً .. ولم يكن الوحي رغبة لمحمد – صلى الله عليه وسلم – ولم تكن الرسالة أملاً يراوده ، ولا حلماً يسعى إليه ، ولقد عاش أربعين عاماً قبل أن يوحي إليه كما يعيش كافة أقرانه لم يعرف عنه إلا أنه الصادق الأمين .. قال تعالى : } وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . قل لو شاء ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون { ( يونس – 15 – 16 ) ولنعلم أن الله تعالى إذا أراد أمرا يسر له أسبابه وجمع القلوب حوله .
جذور الأيديولوجية الحنيفية :
بدأ المؤلف بربط الحنيفية بالقرن الأول قبل الميلاد ، حيث كان بعض أهل اليمن يعبدون إله السماء ويدعونه رحمن اليمن .. ثم يفترض أن حنفاء مكة وعلى رأسهم عبد المطلب بن هاشم أحيوا حنيفية رحمن اليمن بعد سبعة قرون ، وبعد أن ساق المؤلف جانباً من حديث الحنفاء مثل بن ساعدة ، وسويد بن عامر ، وزيد بن عمرو بن نفيل وغيرهم – أخذ يؤكد المنطلق الذي اخترعه وهو أن الحنفاء كانوا ينتظرون نبياً تقع على يده حركة الإصلاح المنشود في جمع العرب ويزعم أن العرب كانوا على استعداد لدخول اليهودية أو النصرانية لولا أنهم بدأوا النهضة القومية بالإسلام ، تلك الديانة الخاصة التي أعتبرها رمزاً لقومية العرب ومعبرة عن عروبتهم وأن الحنيفية أعلنت عن نفسها تحت اسم الإسلام عندما تنبأ محمد – صلى الله عليه وسلم .. وهكذا بكل الخبث والمكيدة والدس يطعن المؤلف في الإسلام ونبي الإسلام فالمسألة عنده مجرد ادعاء نبوة تلبية لجوانب نفسية لدى الحنفاء وجوانب سياسية لدى الحزب الهاشمي .. ومتى أسلم الحنفاء أنفسهم لمحمد – صلى الله عليه وسلم – لينوب عنهم في إدعاء النبوة ؟! وهل كان بينهم ميثاق شرف حتى لا ينازعوه دعوى النبوة ؟! ومتى كان العرب على استعداد لاعتناق النصرانية وقد مضى عليها سبعة قرون ولم يلتفتوا إليها ، أو اعتناق اليهودية وقد تقادم عهدها ؟! وهل الإسلام دعوة قومية ؟!
ألا فلتخرس تلك الألسنة التي تفتري الكذب .. فالإسلام منذ يومه الأول و هو ينادي العالمين و يتخطى حجب الزمان و المكان ويتحدى الإنس و الجن .. } و ما هو إلا ذكر للعالمين { . ( القلم – 52 ) } إن هو إلا ذكر للعالمين { ( التكوير – 27 ) } تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا { ( الفرقان – 1 ) } قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا { ( الأعراف – 158 ) } و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين { ( الأنبياء 107 )
ظهور النبي المنتظر يزعم المؤلف أن النبي بعدما تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد أكثر نساء العرب مالاً – اطمأن نفسياً وانصرف من السعي وراء الرزق إلى التفكير في شئون قومه السياسية والدينية . ويسوق المؤلف رواية مرفوضة تاريخياً تزعم أن السيدة خديجة تآمرت مع أخيها وسقت أباها خمراً ليذهب وعيه ولا يعترض أثناء حفل الخطبة ، ولما أفاق أنكر أن يكون زوج أبنته لمحمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – ثم يسوق عبارته التي تحمل ألف معنى ومعنى ويقول ص 80 : وبعدها أخذ محمد – صلى الله عليه وسلم – يتابع خطوات جده عبد المطلب إلى غار حراء ، مما حول هذا الكهف إلى مكان مقدس ، ودخل التاريخ دون ملايين مثله وبالحنيفية أمن ، ولم يكد يبلغ الأربعين من عمره حتى حسم الأمر بإعلانه أنه نبي الأمة بعد أن أوحى إليه إبراهيم : } أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا { .. وهكذا تتساقط دعاوى المؤلف الكاذبة حول المنهج العلمي والرؤية المنصفة والجهد الصارم والبحث الجاد ويقدم إفرازات شاذة منكرة تقوم على التهويمات والتهويلات والتجريحات – على حد تعبيره – فهل انقطع سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – عن السعي على الرزق بعد زواجه السيدة خديجة ؟ ! وهل تزوجته السيدة خديجة إلا ليتجر في مالها ؟ وهل اختارته لنفسها إلا لأنه الصادق الأمين ؟!
ثم إن الرواية المزعومة بأن أباها حضر حفل خطوبتها مخموراً ووافق على زواجها دون وعي رفضها أكثر علماء السيرة ، لأن أباها مات قبل حرب الفجار التي شهدها النبي – صلى الله عليه وسلم – وعمره أربعة عشر عاماً ، وأكد الثقات من أهل التاريخ أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها ، ذكر ذلك السهيلي والواقدي والطبري . |