الحزب الهاشمي |
|
دور الحزب الهاشميوالعقيدة الحنفية في التمهيد لقيام دولةالعرب الإسلامية
القسم الثاني
تـأسيس (1)
" إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء " – قالها عبد المطلب بن هاشم ، وهو يشير إلى أبنائه وحفدته ، فبرغم التفكك القبلي في بيئة البداوة ، التي عاشتها جزيرة العرب ، فإن هناك من استطاع أن يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة بوجه خاص ، وأن يخرج من قراءته برؤية واضحة : هي إمكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة ، تكون نواتها ومركزها ( مكة ) تحديداً ، برغم واقع الجزيرة آنذاك . وكان هناك من هو لرأى عبد المطلب من ذوى النظر الثاقب ، والفكر المنهجي المخطط الذين استطاعوا أن يصلوا إلى النتيجة نفسها ؛ بعد قراءة واعية للخريطة السياسية ، والظروف الاجتماعية والاقتصادية ، لكن الكثرة الغالبة لم تكن مع هذه الرؤى ؛ حتى اليهود الذين كانوا يعيشون بين ظهراني العرب – كعرب – ما خطر لهم هذا التوقيع قط ، وإنما كانوا يترفعون على سائر العرب ، ويفاخرون بأن لهم من الأنبياء عدداً وعدة ، ومن الأسفار المقدسة كتاب سماوي المصدر ؛ ومن ثم أجاز الأستاذ العقاد لنفسه – وهو رجل متزن ومتوزان – أن يجزم قاطعاً : " بأن شأن اليهودية في توضيح هذه الحقائق كان أعظم من كل شأن لها في جزيرة العرب " ( 1 ) ، وهذه الحقائق التي يعنيها الأستاذ العقاد هي أنه برغم عدم قراءتهم الصحيحة لإفرازات الواقع على الأقل بالنسبة لمكة ؛ فإن حكاياتهم عن مغامرات أنبيائهم القدامى ، وعن دولتهم الغابرة التي أنشأها الملك النبي داود ، وما لحقها من تهويلات ومبالغات ، كانت وراء الحلم الذي داعب خيال سراة العرب وأشرافهم ؛ حتى بدا لكل منهم طيف زعامته للدولة الموحدة ، مشرقاً في الخيال ، تدعمه ما بدأت تشهده الجزيرة في مناطق متعددة من محاولات لتوحيد القبائل سياسياً ؛ سواء عن طريق التحالفات الجانبية التي شكلت نويات مرجوة لوحدة أكبر ، أو عن طريق إخضاع قبيلة لأخرى ، أو التحالفات التي تتفق ومنطق البداوة ، والتي كانت تتم بين القبائل المنتمية إلى سلف واحد ، مما يجعل انتظامها تحت إمرة زعيم واحد أمرا أيسر ، خاصة عند حدوث جلل طارئ أو خطر مشترك ، ولا ننسى المحاولات الأخرى المباشرة التي اتخذت صيغة الملك وصبغته ؛ كمحاولة ( زهير الجنابي ) زعيم قضاعة تمليك نفسه على بكر وتغلب ( 2 ) ، أو الممالك التي قامت فعلاً من زمن سابق لكن في ظروف مختلفة على حدود الإمبراطوريات الكبرى – مثل مملكة الحيرة ، ومملكة الغساسنة . لكن بقية الناس – حتى داخل مكة – ممن كانوا يعتبرون أنفسهم عقلاء لم يكونوا مع هذا التفاؤل ، ولا مع هذا الجموح في الآمال ، فهذا الأسود بن عبد العزي يقدم الاعتراض البدهي والواضح والمباشر : قائلاً : " ألا إن مكة لقاح لا تدين لملك " ( 3 ) ، وهو اعتراض يستند إلى قراءة أخرى ؛ فالعرب – أياً كان الظرف الاجتماعي – لا تقبل بفرد يملك عليهم ويسود ؛ لأن معنى ذلك سيادة عشيرة على بقية العشائر ، وقبيلة على بقية القبائل ، وهو ما تأباه أنفة الكبرياء القبلي وتنفر منه ، ولعل هذه القراءة تجد حجتها البالغة في تجربة رجل مثل النعمان بن المنذر ، الذي ورث المـُلك أباً عن جد في مملكة الحيرة ، ومع ذلك وقف يلقى خطابه أمام كسري الفرس ، وفي حضرة وفود دول عدة ، مدافعاً عن عروبته بقوله : " فليست أمة من الأمم إلا وجهلت آباءها ، وأصولها ، وكثيراً من أوائلها ، حتى إن أحدهم ليسأل عمن وراء أبيه ديناً ، فلا ينسبه ولا يعرفه ، وليس أحد من العرب إلا يسمى آباءه أباً فأباً ، حاطوا بذلك أحسابهم ، وحفظوا به أنسابهم ، فلا يدخل رجل في غير قومه ، ولا ينسب إلى غير نسبه ، ولا يدعى لغير أبيه .. وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضاً ، وتركهم الانقياد إلى رجل يسوسهم ويجمعهم ، فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم ، إذا أنست من نفسها ضعفاً ، وتخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف ، وإنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد ، يعرف فضلهم على سائر غيرهم ، فيلقون إليهم أمورهم ، وينقادون لهم بأزمتهم ، وأما العرب فإن ذلك كثير فيهم ، حتى لقد حالوا أن يكونوا ملوكا أجمعين " ( 4 ) . والخطاب هنا – سواء صحت نسبته للنعمان بن المنذر أو لم تصح – لصاحب رؤية سياسية فذة ؛ حاول أن يوضح – بإيجاز الظرف الاجتماعي العربي ؛ الذي حال حتى هذا الوقت دون قيام وحدة سياسية كبرى لعرب الجزيرة ؛ ذلك الظرف المتمثل في نظام قبلي ، و عصبية عشائرية ، كانت من لزوم ما يلزم عن شكل المجتمع البدوي غير المستقر ، للإبقاء على دوام وجود القبيلة ؛ باعتبارها وحدة عسكرية مقاتلة يلزمها التماسك اللزج دوماً ، والذي كانت مادته اللاصقة : رابطة الدم التي اكتسبت قدسية مفرطة ، وهو ما يفسر الشكل الديموقراطي البدائي التي تمتعت به القبيلة ؛ بحيث وقف جميع الأفراد داخلها على قدم وساق ، بمساواة تامة ، وبمعيار الانتساب لأب واحد ، وذلك وحده كان كفيلاً بإلغاء أي تمايز ، إضافة لظرف آخر دعم هذه المساواة ، وهو مواجهتهم جميعاً لذات المصير دوماً ، كمقاتلين . والخطاب يوضح أيضاً – بشكل وضاء – الأسباب التي لم تؤد بالنظام البدوي إلى إفراز مؤسسات سياسية ( ملكية ) متوارثة ؛ لأن القبيلة وحدة عسكرية طارئة ، وزعامتها بدورها أمر طارئ متغير لمقتضيات الصراع الناشئ وظروفه ؛ تلك المقتضيات التي تحدد سمات الزعيم المطلوب أنيا ، وعليه فالزعامة كانت تمنح منحا لصاحب القدرات التي تناسب الظرف ومقتضياته ، وهي صفات مكتسبة لا تنتقل بالوراثة ؛ على حين ينضوي الجميع في الظروف الاعتيادية تحت لواء الأحكم ، الأكبر ، الأكثر دراية والأكثر قدرة على المنح والعطاء ، وفي كلتا الحالين تظل المساواة حاضرة ؛ مما جعل البدوي واعياً تماماً لفرديته ، مصراً على الاعتداد بنفسه ؛ بإسراف تمثله دواوين العرب في الحماسة ، والفخر ، والاعتزاز بالفرد أو بالقبيلة أو بالنسب . وفي خطاب ( النعمان ) دعم آخر لوجهة نظر ( الأسود بن عبد العزي ) ؛ فهو يؤكد أن الأمم إنما تقبل الخضوع لملك فرد في وحدة سياسية ، إذا " تخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف " . وقد أثبت الحجاز – ومكة بالذات – أنه بعيد المنال ، ولا يتخوف نهوض عدوه إليه ، فبينما كانت الممالك العربية قد وقعت تحت الاحتلال أو النفوذ الأجنبي – ففقدت اليمن استقلالها منذ الربع الأول من القرن السادس الميلادي ، وسقطت تحت حكم الأحباش ثم الفرس ، وفقدت مملكة الحيرة استقلالها وتحولت إلى إمارة يحكمها أمير فارسي ، واضطربت أحوال المملكة الغسانية بعد أن قلب لها الرومان ظهر المجن – فإن منطقة الحجاز بمدينتيها الرائدتين ( مكة ويثرب ) ، كانت تتمتع باستقلال نقي ، هيأها له وضعها الجغرافي ، ووعورة الطريق إليها ؛ فكانت هي البيئة العربية الخالصة ؛ البعيدة عن مجال الصراع الدولي ، وعن التأثر بالحضارات الأجنبية ؛ بدون أن تفقد التواصل معها ، ولم تخضع لحاكم أجنبي ، ومع ذلك فلم تكن فيها ممالك بالمعنى الحقيقي ، ولا وحدة سياسية كبيرة تنتظم أمر قبائل الحجاز جميعا ، وهذا كله إنما هو دعم حقيقي لرأي ( الأسود بن عبد العزي ) ! وإزاء كل هذه العوائق الواضحة ، والمحبطات السافرة للحلم ، وللأمل ، وللتوقع لم يجد الآخرون سوى الاهتداء إلى أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبياً مثل داود ، وعندما وصلوا إلى هذا ؛ فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب ؛ حتى اشتد الإرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة ، وأمن هؤلاء بذلك ، وأخذوا يسعون للتوطئة للعظيم الآتي ؛ وإن ظلت المشاعر القبلية داخل النفوس التي تهفو للوحدة ؛ وظن كل منهم أن الآتي سيكون منهم ؛ مثل ( أمية بن عبد الله الثقفي ) الذي راودته نفسه بالنبوة و الملك : فقام ينادي : ألا نبي منا فيخبرنا ما بعد غايتنا في رأس محيانا ؟
لكن العجيب فعلاً ألا يمضي من السنين غير قليل ، حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة بل دولة قوية و مقتدرة ، تطوي تحت جناحيها – وفي زمن قياسي – ممالك الروم و العجم ؛ بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم : محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه النبي المنتظر !
هوامش _______
********** الحزب الهاشمي
تأسيس ( 2 )
يقول الدكتور ( أحمد شلبي ) في كتابه ( السيرة النبوية العطرة ) : إن " أهم مصادر الثروة عند العرب ، ارتبطت بالتجارة ، وقد أشتهر العرب في الجاهلية بالتجارة شهرة واسعة ، حتى قيل إن كل عربي تاجر ، وكانت الجزيرة العربية تمثل بحراً واسعاً تخترقه قوافل في شبه مجموعات من السفن ؛ تمخر عباب البحر الفسيح ، وقد حلت هذه القوافل محل الملاحة بالبحر الأحمر الذي كانت فيه الملاحة عسيرة .. وكان هناك طريقان رئيسيان للقوافل ؛ أحدهما من الشمال إلى الجنوب ؛ وغير بعيد عن البحر الأحمر ؛ وهو في الشمال يتفرع إلى الشمال الشرقي في تجاه سوريا ، وإلى الجنوب الغربي تجاه فلسطين ؛ وهو في الجنوب يسر شوطاً مع ساحل حضرموت ، أما الطريق الثاني فهو يخترق الجزيرة العربية من البحر الأحمر إلى الخليج العربي ماراً بمكة ؛ ويتفرع في قلب الجزيرة إلى فرعين : يتجه أحدهما إلى الشمال الشرقي فيصل شط العرب ، ويتجه الآخر إلى الجنوب الشرقي ويسير مع الخليج العربي ماراً بدبي ومسقط وظفار . ولما وقعت اليمن فريسة الاستعمار الحبشي ثم الفارسي ، استطاع المستعمرون أن يسيطروا على النشاط البحري الذي انكمش انكماشاً ظاهراً ، أما النشاط البري داخل الجزيرة ، قد انتقل إلى مكة ؛ لأن نفوذ القوى الأجنبية لم يستطع قط أن يمتد إلى قلب الجزيرة " (1) . ثم أن الدكتور ( شلبي ) يعمد إلى إعادة تفصيل هذه المسألة في موضع آخر من كتابه ؛ فيقول : " إن هؤلاء البدو استطاعوا أن يلعبوا دوراً مهماً في تجارة العالم ، في تلك الأزمان السحيقة .. ولم تكن سفن ذلك العهد تستطيع استعمال البحر الأحمر المملوء بالجزر ، التي تجعل الملاحة خطراً عليها ، ومن عيوب الملاحة في البحر الأحمر أيضاً أن شواطئه قليلة الموانئ ، وأن به كثيراً من الشطوط الضحلة ، التي كان اقتراب السفن منها أمراً محفوفاً بالخطر ، ولم تكن السفن تستطيع استعمال الخليج الفارسي ؛ بسبب وجود الفرس على ساحله الشمالي . وهم أعداء لسكان حوض البحر المتوسط . وعلى هذا أصبحت المواصلات البرية هي الطريق المهم للتجارة عبر البادية ؛ بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب ، وقد حدد البدو أماكن للراحة والاستجمام طوال الطريق فكانت بمثابة محطات يتزودون منها بالماء والزاد ، وكانت أيضا بمثابة مخازن يودعون فيها بعض المتاجر ؛ لتلحق بقافلة أخرى عبر طريق آخر " ( 2 ) . ويضيف هنا الأستاذ ( أحمد أمين ) قوله : إن " طريق البحر لم يكن طريقاً مأموناً ، فالتجأ التجار إلى البر يسلكونه ، ولكن طريق البر نفسه كان طويلاً وخطراً ؛ لذلك أحاطوه بشيء من العناية ؛ كأن تخرج التجارة في قوافل ، وأن تسير القوافل في أزمنة محددة ، وطرق محددة ، ثم يشير إلى تحول هو جد خطير ؛ برغم أنه كان ناتجاً طبيعياً من تحول مكة من مجرد محطة على الطريق ، تأخذ عشورها وضريبتها ؛ إلى حاضرة تجارية تظهر فيها طبقة من التجار تحتكر الأمر لنفسها فيقول : " ثم أنحط اليمنيون .. وحل محلهم في القبض على ناصية التجارة عرب الحجاز وكان ذلك منذ بداية القرن السادس للميلاد ؛ فكان هؤلاء الحجازيون يشترون السلع من اليمينين والحبشيين ؛ ثم يبيعونها على حسابهم في أسواق الشام و مصر ، وقليلا ما كانوا يبيعونها في أسواق فارس ؛ لأن التجارة مع الفرس كانت في يد عرب الحيرة ، وجعل عرب الحجاز مكة قاعدة لتجارتهم ، و وضعوا الطريق تحت حمايتهم ،، ( 3 ) . ومصداقاً لقول الأستاذ ( أحمد أمين ) نجد الروايات الإخبارية تجمع على قيام ( تبع ) ملك اليمن في وقت مبكر بحملة لإخضاع مكة و يثرب ؛ كأهم المحطات التجارية على الطريق ، ويقول ( المسعودي ) : " وهو الملك السائر من اليمن إلى الحجاز ، وكانت له مع الأوس والخزرج حروب ، وأراد هدم الكعبة ؛ فمنعه من كان معه من أحبار يهود " ( 4 ) . كما تجمع هذه الروايات على عدد آخر من محاولات ملوك حمير التبابعة ، لتوسيع نفوذهم وسيطرتهم على الخطوط التجارية في أماكن مختلفة من الجزيرة ، ومنها قيام ( تبع بن ملكي كرب ) بتجريد حملتين : الأولى على طريق التجارة مع الفرس ، وقصدت منطقة الحيرة ، والثانية على طريق الشام ومصر ، وقصدت الحجاز ( 5 ) ؛ هذا إضافة إلى حملة الفيل المشهورة على مكة . ولعل الصراع الذي نشأ في اليمن بين الديانة اليهودية والديانة المسيحية كان ناتج سعي الرومان للحد من نفوذ اليمن وسيطرته على الشريان التجاري ، وعادة ما أتخذ مثل ذلك الصراع أشكالاً دينية ، وقد بدأ بلا جدال في تحالف الحبشة – كمنافس لليمن – مع الروم ، واعتناق المسيحية ؛ من أجل دعم سيطرتهم على الطريق التجاري ، ثم ظلت اليمن محلاً لاصطراع الروم والفرس ، أو إصطراع المسيحية المدعومة من الروم واليهودية المدعومة من الفرس ، لظروف اقتصادية بحتة : حتى الفتح الإسلامي سنة 628 م . وقد فشلت الحملات جميعاً على الحجاز ولم تحقق أغراضها . وما أن أطل القرن السادس على ربعه الأخير حتى بدأت المنافسة بين مكة ويثرب : أهم محطتين في الحجاز ، تبدو أكثر وضوحاً ، وكان ممكناً أن تصبح يثرب صاحبة شأن خطير في العصر الجاهلي ، بحسبانها محطة مرور ضرورية يمر عليها الطريق التجاري القادم من مكة شمالاً ، لولا دخولها مرحلة تمزق ، نتيجة الخلافات الداخلية التي ربما كان سببها تركيبها الهجين ، فبرغم تجانس السكان – فسكانها من الأوس والخزرج من اليمن وبطون اليهود يعودون إلى أصول يمنية – فإن العامل الديني ووجود اليهود فيها كان لا شك عاملاً مؤججاً للصراع الداخلي ؛ حتى أشرفت على هلاك كامل ؛ أدى بها إلى محاولة سبق لمكة ؛ فكادت تقوم بها مملكة على يد ( عبد الله بن أبي سلول ) قبل الهجرة النبوية إليها ( 6 ) . ولم تكن قريش بريئة كل البراءة مما يحدث في يثرب ، وإنما أسفرت عن توجهها بالتحالف مع الأوس ضد الخزرج يومي معبس ومضرس ، وهو مما يلقي الضوء على المستقبل القريب ، عندما يتحالف أهل يثرب وعلى رأسهم الخزرج مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ضد قريش ، ويفسر لنا التحالف الذي سبق ذلك بين عبد المطلب بن هاشم ممثلاً لبني هاشم ، وبين الخزرج من أهل يثرب . ومع نهاية القرن السادس الميلادي نجد مكة تقف على الطريق ؛ مالكة لمركز رئاسي لا شك فيه ، بعد أن أتاحت لها الظروف الداخلية تجميع التجارة الخارجية في يدها وأتاحت لها الظروف الخارجية أن تستغل الأوضاع العالمية لصالحها ، خاصة الصراع الدولي الهائل بين الروم والفرس في الشمال والجنوب ، وهو الأمر الذي أعانها على القيام بأمر تجارة العالم ، والنجاح فيه بكفاية ، أكسبت أهل مكة ثروة عظيمة ، فحظيت باحترام عربي عام ؛ حتى باتت مؤهلة للزعامة ، في وقت أخذ فيه العرب يتطلعون إلى منطقة عربية مستقلة ؛ تتولى زعامة النهضة العربية وتقودها ، أو كما يقول الدكتور أحمد الشريف : " أصبحت أهلا لأن تكون موضع النواة في قيام نهضة قومية عربية واطمأنت قريش إلى هذا المركز ، وعملت على دعمه ، وحرصت على دوامه " ( 7 ) .
هوامش _______
|