الباب التاسع
قبول المسيح والشهادة
اعتراض:
جاءني هذا التساؤل من أحد أبنائنا، أنه قرأ عن الشهادة في أحد الكتب، أنها أسلوب بروتستانتي لا يليق بالتعاليم الأرثوذكسية. وكنت لحسن الحظ قد قرأت ذلك الكتاب فقلت له: الواقع أنك إن فهمت هذا الكتاب جيدا، لوجدته يصوب اعتراضه على الأسلوب الخاطئ الذي يستعمله البروتستانت في الشهادة الاختبارية. إذ ينحرفون إلى الافتخار والكبرياء ، والتمادي في سرد الخطايا المعثرة، مما يأتي بنتائج عكسية.
(1) وعن هذا الأسلوب الخاطئ في الشهادة كتب قداسة البابا شنوده الثالث قائلا:
[إنهم يشجعون التائبين أن يحكوا اختباراتهم في الاجتماعات أمام الناس، فتسمع منهم عبارات: "أنا كنت (كذا) ... وصرت (كذا)" ... ويظل يسرد خطايا بشعة بلا خجل ... مغطيا إياها بما وصل إليه من نعمة!!
أما الأرثوذكسية فلا توافق على سرد هذه القصص، لأنها غالبا ما تحمل افتخارا بالتغير الذي وصل إليه التائب، وقد يتأذى البعض من سماع الخطايا التي يعلنها (التائب) بلا خجل ...]
(كتاب بدعة الخلاص في لحظة ص41)
ولكن كنيستنا الأرثوذكسية تشجع على الخدمة والشهادة من واقع الاختبار بلا اعتراض على الشهادة الاختبارية في حد ذاتها إذا قدمت بأسلوب حكيم متزن وفي تواضع لتمجيد اسم الله وليس بهدف لفت النظر إلى الذات. و هذه هي الأدلة على ذلك:
(2) من أقوال قداسة البابا شنوده الثالث:
[الخادم الحقيقي هو إنسان حامل الله (ثيوفورس) مثل لقب القديس إغناطيوس الأنطاكي، إنه يحمل الله معه أينما سار، وينقله إلي الناس. إنه إنسان عاش مع الله، وذاق حلاوة العشرة مع الله، وهو يقدم هذه المذاقة إلي الناس، ويقول لهم "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز34: 8)]
(كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي ص35)
(3) ومن أقوال قداسته:
[الخادم الروحي يحيا أثناء خدمته حياة التلمذة .... في كل يوم يتعلم شيئا جديدا، ويختبر شيئا جديدا، ومن واقع خبراته يكلم مخدوميه.
إنه إنسان عاش مع الله، واختبر الطريق الموصل إلي الله، وهو يحكي للناس هذا الطريق الذي اختبره وسار فيه زمانا، وعرف علاماته وحروبه ومطباته، وبركاته أيضا، ويد الله العاملة فيه ـ يحكي كل ذلك بطريقة موضوعية بعيدة عن الذات].
(كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي ص93)
+ لاحظ هنا عندما يقول "بطريقة موضوعية بعيدة عن الذات" بعكس طريقة البروتستانت التي فيها الكبرياء.
(4) وقال أيضا قداسته:
[نحن نريد أشخاصا وصلوا إلي الله، لكي يوصلوا الآخرين معهم.
نريد أشخاصا رأوه ولمسوه وذاقوه وأحبوه واختبروا حلاوة الحياة معه، لكي يقولوا للناس "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز34: 8).
أو علي الأقل تكون لهم خبرة السامرية حينما رأت المسيح وتحدثت معه، ثم قالت للناس "تعالوا وانظروا" (يو4: 29)
إن لم تأكل من المن، فكيف تستطيع أن تصف طعمه للناس؟!.
وإن كان قلبك خاليا من الله، فكيف تدعو الناس إلي محبته؟!]
(كتاب الغيرة المقدسة ص70)
(5) وقال أيضا قداسته:
[قد يحب البعض الوداعة والتواضع، ولكن للأسف الشديد ربما يرون التواضع والوداعة يتعارضان مع القوة والشجاعة!
وهذا خطأ واضح. فالفضائل المسيحية تتمثل في الشخصية المتكاملة التي لا ينقصها شئ. والسيد المسيح كان وديعا ومتواضعا، وكان أيضا قويا وشجاعا. وما أجمل قول داود النبي في غيرته المقدسة: "تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز" (مز119)]
(كتاب الغيرة المقدسة ص76)
+ لاحظ أن التواضع والوداعة لا يتعارضان مع القوة والشجاعة ليشهد الإنسان قدام الملوك.
(6) ومن أقوال قداسته:
[العجيب أن أهل العالم قد تكون لهم جرأة في إستهتارهم، بينما أولاد الله قد يخجلون من برهم. كما لو كانت الوداعة خاتما علي شفاههم!! فلا تكون لهم قوة في الدفاع عن مبادئهم وعن عقائدهم وعن سلوكهم الروحي!!] (كتاب الغيرة المقدسة ص78)
(7) ومن أقوال نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب:
[حينما نختبر الحياة الروحية، وندخل إلى شركة الروح وعشرة الرب، فيبدأ أن يرسلنا تتميما لقول الكتاب: "ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام، المبشرين بالخيرات"(رو10: 15)]
(كتاب خدمة الشباب المعاصر ص45)
(8) ومن أقوال نيافته أيضا:
[... اشهد للمسيح أمام أصدقائك: لماذا نهرب من الشهادة أمام أصدقائنا المنحرفين؟ لماذا أعتذر بمشغوليتي ... ولا أشهد للمسيح بوضوح؟
... اشهد للمسيح أمام أولاد العالم: في البداية يلزمني أن أشهد للمسيح أمام الجماعة التي
... اشهد للمسيح أمام الجميع: ... فاشهد للمسيح أمام اخوتك بحياتك المقدسة ووداعتك وحبك وخدمتك الباذلة، وبكلماتك المشحونة وداعة وهدوءا.
... اشهد للمسيح في خدمتك: وهذا مجال أخير للشهادة ... فليعطنا الرب أن نبذل أنفسنا في مجالات الشهادة المختلفة ...]
(كتاب كيف نخدم الشباب ص 156ـ160)
(9) من أقوال القديس إغريغوريوس الكبير:
[كل من يجني منفعة من التأمل ورؤية المناظر الروحانية يرتبط بضرورة التحدث بها للآخرين، لأن هذه الأمور إنما استعلنت له من أجل منفعة الآخرين أيضا.]
(10) من أقوال الأنبا كاليستوس بطريرك القسطنطينية:
[ليس حسنا أن يحتفظ الإنسان بأسرار النعم السماوية ... فكل ما يكتسبه الإنسان في تأملاته مع الله وكل ما يكتشفه من إحساناته الفائقة، عليه أن يحدث به السائرين معه في ذات الطريق، بكل دقائق الاختبارات من أجل المحبة.]
من كل ما تقدم نستطيع أن ندرك موقف كنيستنا القبطية الأرثوذكسية. فهي تعترض على
أسلوب البروتستانت في تقديم الشهادة، ولكنها تشجع على الشهادة الحقيقية من واقع
الاختبار إذا قدمت بأسلوب حكيم متزن وفي تواضع لتمجيد اسم الله وليس بهدف لفت النظر
إلى الذات، أو إثارة العثرات
|