حــياة التــكريس
" ها أنت جميلة يا حبيبتي .. ها أنت جميلة عيناك حمامتان من تحت نقابك ..
شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد .. " (نش 4 : 1)
نأتى إلى الصفة الثانية فى العروس التى يتغزل فيها العريس السماوى ..
فبعد أن تكلمنا عن عينى العروس اللتين كالحمامتين ، نعود لنرى العريس فى
نفس العدد الأول من هذا الإصحاح الرابع ، نراه يتحدث عن شعر العروس فيقول
: " شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد .. "
والمنظرُ جميلٌ .. فالجبل عالٍ ، وحين يربض الماعز الإسود اللون عليه
يصير المنظر كشعرٍ أسود يعلو رأس العروس ويتدلى على كتفيها ... هكذا عروس
المسيح كالجبل العالى ، وشعرها كالماعز الرابضة على قمته والنازلة إلى
سفحه ...
ونحن نلتقى مع هذا الشعر فى سفر العدد الإصحاح السادس حين يتكلم الوحى
المقدس عن شريعة النذير فيقول :
" إذا انفرز رجل أو إمرأة لينذر نذر النذير لينتذر للرب [ أى ليصبح ملكا
للرب بالكامل ] .. فعن الخمر والمسكر يفترز [ أى يبتعد ] ولا يشرب خل
الخمر ولا خل المسكر ولا يشرب من نقيع العنب [ أى الأباركة ، فنحن لا
نشرب الأبـاركة فى التناول ، بل نتناول جسد الرب ودمه ] ولا يأكل عنباً
رطباً ولا يابساً [ أى لا يشرب حتى النبيذ ] .. كل أيام نذره لا يأكل من
كل ما يُعمل من جفنة الخمر من العجم حتى القشر .. كل أيام نذر إفترازه لا
يمر موسى على رأسه إلى كمال الأيام التي إنتذر فيها للرب يكون مقدساً
ويُربي خصل شعر رأسه [ فتكون العروس التى تربى خصل شعر راسها نذيرة للرب
] .. إنه كل أيام إنتذاره مقدسٌ للرب .. ويحلق النذير لدى باب خيمة
الإجتماع رأس إنتذاره ويأخذ شعر رأس إنتذاره ويجعله على النار التي تحت
ذبيحة السلامة .. " (عدد 6 : 2 ـ 18) ، فتأتى العروس بشعرها الذى هو تاج
جمال لرأسها .. تأتى به إلى الذبيح الحبيب الرب يسوع المسيح ، فيكون
علامة تكريسها وتخصيصها للرب يسوع وحده كعريس حقيقى لقلبها ..
والواقع أن هذا الموضوع ، أى موضوع التكريس ، ليس هو قاصر على القلة
الذين فضلوا حياة البتولية أو الرهبنة على الزواج ، أو قرروا ترك وظائفهم
ليخصصوا كل وقتهم فى الخدمة ... لكن الواقع أن حياة التكريس هى الحياة
التى يطلبها الرب فى عروسه المحبوبة النفس البشرية التى اشتراها بدمه
لتكون له وحده وليس لسواه ... فقد تكون أنت أعزباً أو متزوجاً ... موظفاً
أو متفرغاً ... لكن السؤال المهم هو : هل لك القلب المكرس المخصص للرب
وحده ولا سواه .. أم أن هناك شريكاً للرب فى القلب .. علاقات ؟ ممتلكات ؟
ذكريات ؟ ملاهى وملذات ؟ إلخ فإما أن تكون نذيراً للشيطان أو أن تكون
نذيراً للمسيح ... إن المؤمن فى العهد الجديد هو شخص مكرس ومخصص لله ،
والكتاب يلزمنا بالتكريس للمسيح وحده فيقول : " فأطلب إليكم أيها الإخوة
برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم
العقلية .. " (رو 12 : 1)
وسنركز الحديث فى حياة التكريس حول ثلاث كلمات :
o أعــظم نصــيب .
o ســلامٌ عجــيب .
o مـرعى خصــيب .
أولاً : أعــــظم نصــــيب
يقول العريس : " شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد " ما أعظم هذه الثروة
التى لا تعوضها كنوز الأرض وما فيها ... فعندما يأخذ الإنسان المسيح
نصيبه ، فيتحقق فيه ما قاله الرب لمريم : " اختارت مريم النصيب الصالح
الذي لن يُنزع منها "(لو 10 : 42) فيجد فى المسيح:
1) كنــزٌ وحيد :
كثيرون يرفضون الحياة مع المسيح ظانين أنه سيحرمهم من مباهج الحياة ،
فمعه سيخسرون ملذات العالم وتصير حياتهم صفقة خاسرة ...
يا للعجب .. إن إبليس إله هذا الدهر يبدل الحقائق مع أمثال هؤلاء ، فيرون
فى الكنز الوحيد خسارة ، وفى اللؤلؤة الفريدة ضياع .. والكتاب يخبرنا عن
التاجر الذى كان يطلب لألى حسنة، ولما وجد لؤلؤة واحـدة كثيرة الثمن مضى
وباع كل ما كان له واشتراها (مت 13 : 46)
ألم يترك القديس العظيم الأنبا أنطونيوس 300 فدان من أجود أراضى الصعيد
ليقتنى اللؤلؤة ...
لذا ، فما أسعد النفس التى تجد فى المسيح كنزها الوحيد ، فتكرس له شَعر
جمالها لتقتنى العريس السماوى أعظم نصيب للشعوب ..
2) ثبات شديد :
إن النفس التى تختار المسيح نصيبها وتخصص حياتها وحبها له، فتتمتع بثبات
شديد حتى حين يتزعزع الآخرون ... فتراه جبل جلعاد الذى لا يتزعزع ..
هل تذكر معى يعقوب أبو الآباء وهو هارب من لابان ، فلحقه لابان فى جبـل
جلعاد .. لكن الله مصدر الثبات والأمان تراءىَ للابان فى حلم وحذره من أن
يؤذى يعقوب .. ويسجل ذلك لابان بقوله : " في قدرة يدي أن أصنع بكم شراً ،
ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلاً احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر
.. " (تك 31 : 29) .. نعم ، فى قدرة يد الشيطان أن يصنع بنا الشر كل الشر
، لكن حين نكرس حياتنا للمسيح فسنتمتع بالأمان والطمان فى أحضان العريس
السماوى ، فلا يلاقينا شر ولا تدنو ضربة من خيمتنا ...
3) شفاءٌ أكيد :
قديماً كانت تشتهر جلعاد بنوع فريد من النباتات أسمه البلسان .. مشهور
برائحته الطيبة ، كما أنه معروف بقدرته على علاج العديد من الأمراض
والجروح .. لذا تساءل إرميا قائلاً : " أليس بلسانٌ في جلعاد أم ليس هناك
طبيب فلماذا لم تُعصب بنت شعبي " (إر 8 : 22) ، فحين تُجرح شجرة البلسان
بفاس فيخرج العصير من قشرتها ، ويتلقاها المرضى فى أنية خزفية مُعدة لذلك
...
وهكذا ، لقد جُرِحَ المسيح على عود الصليب بالحربة فى جنبه فسال منه دماً
وماء لتطهير خطايانا ولشفاء الجراح التى جرحتنا بها الخطية .. لذا
فالمسيح هو الطبيب الحقيقى الذى لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا ..
أخى الحبيب ، هل وجدت فى المسيح نصيباً فريداً ؟ هل تأتى إليه معى كآنية
خزفية يتجمع فيها بلسان الحبيب الغالى شفاءاً لجراحات الماضى وعلاجاً
لضعفات الحاضر وضماناً لمخاوف المستقبل .. فنقول مع الأب الكاهن فى
القسمة المقدسة :
[ صعد إلى الصليب عرياناً ليكسونا بثوب بر .. وفُتِحَ جنبه بالحربة لكى
ندخل إليه ونسكن فى عرش نعمته ولكى يسيل الدم من جسده لنغتسل من آثامنا
.. وأخيراً مات ليقيمنا من موت الخطية ويحينا حياة أبدية .. ]
ثانياً : ســـلامٌ عجــــيب
يقول العريس عن النفس التى تتكرس له بالكلية : " شعرك كقطيع ماعز رابضٌ
على جبل جلعاد .. " .. أى مستلقى ومستريح .. لقد كانت تسأل العريس قائلة
: " أين ترعى أين تربض عند الظهيرة .. " لذا فإن الراحة الحقيقية والسلام
القلبى العميق لا يمكن أن يتحققا فى كنوز الدنيا الفانية ولا فى ملذات
الشهوة الردية ولا فى آمال الشهرة العالمية .. بل فى ذاك العريس الذى قال
عن نفسه : " تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم
" (مت 11 : 28)
هل تذكر بطرس الرسول حين كان محروساً فى السجن بأربع أرابع من العسكر ،
وكان هيرودس ينوى قتله كما فعل يعقوب قبلاً ، لكنه كان فى سلام عجيب يرقد
نائماً فى قلب هذه الزنزانة .. حتى أن الملاك الذى أرسله الرب لينقذه
اضطر أن يضربه فى جنبه ليوقظه .. إنه السلام الذى قال عنه المؤمن الذى
ذاق الراحة والإطمئنان فى المسيح : "بسلامة أضطجع بل أيضاً أنام لأنك أنت
يا رب منفرداً في طمأنينة تسكنني " (مز 4 : 8) .. لقد كان بنيامين يتمتع
بهذا السلام إذ قال عنه الكتاب: " لبنيامين قال حبيب الرب يسكن لديه آمنا
يستره طول النهار وبين منكبيه يسكن " (تث 33 : 12) ...
لذا فسلام المؤمن لا يُبنى على ممتلكات أو علاقات بل على إله لا يتغير
كجبل جلعاد بل حتى وإن زالت الجبال أو تزعزعت الآكام ، فهو يبقى قلعة
الراحة والأمان وسط المخاوف والأحزان ..
أخى الحبيب .. ونحن فى عصر الحروب والمجاعات والزلازل والأوبئة وغيرها
مما يسبب الهلع والإضطراب وأمراض العصر كالسكر والضغط والقلب .. إلخ ،
أين تجد راحتك وما هو منبع سلامك ؟ هل وجدته فى العريس الحبيب ؟ فبرغم
البرية القاحلة ، إلا أن الغنم رابضة مستريحة مستندة على مصدر السلام
العجيب ...
** قصة : فى مسابقة للفنون فى أحدى البلاد ، أعلن الملك موضوع المسابقة
وهو عن : السلام .. وتبارى الفنانون فى رسم لوحاتهم .. وفى يوم المسابقة
جاء الملك ليرى اللوحات التى رسمها الفنانون عن السلام .. فوجد الكثير من
الأفكار التقليدية عن السلام .. لكن لفرط دهشته وجد لوحة ممتلئة بالعواصف
والزوابع والرياح والأشجار التى كادت تقلعها الرياح العاتية .. فسأل
الفنان الذى رسم اللوحة عن السلام فى وسط هذه اللوحة المليئة بغضب
الطبيعة .. فأجاب الفنان بكل ثقة قائلاً : سيدى الملك إن السلام الحقيقى
يبدو واضحاً فى هذا العصفور المغرد الذى يقف على الغصن ثابتاً مهللاً لا
يخشى من الرياح ولا يعبأ بالعواصف بل يستند على رئيس السلام الذى يهب
سلامه العجيب لمن يتكل عليه مهما تقلبت ظروف الحياة ...
ثالثاً : مرعـــى خصـــيب
يقول العريس لعروسه : " شعرك كقطيع ماعز رابض على جبل جلعاد .. " وهذا
الجبل معروف بوفرة العشب .. فيرمز لحياة الشبع مع المسيح .. فالعريس هنا
يجد أن محبوبته قد وجدت شبعها فيه وحده ولا سواه ..
لذا قال الرب وهو يعد شعبه بالراحة والشبع فيه : " أرد إسرائيل إلى مسكنه
.. فيرعى كرمل وباشان وفي جبل افرايم وجلعاد تشبع نفسه .. " (إر 50 : 19)
فحين تجوع فى رحلة الحياة ، لا تجد مثله مرعى خصيب قال عنه داود فى
مزموره : " في مراعٍ خضرٍ يربضني إلى مياه الراحة يوردني " (مز 23 : 2)
فلا يمكن أن يشبعك العالم ولا الشهوة والبحث عن الذات .. فالحكيم يقول :
" العين لا تشبع من النظر والأذن لا تمتلئ من السمع "(جا 1 : 8) فحين
يكون لك 100 جنيه تريدهم 1000 والـ 1000 تريدهم مليون .. ومن له أبن يريد
الثانى .. ومن بنى الدور الثانى يريد الثالث .. ومن يتسلسل بالمسلسلات
التليفزيونية يريد المزيد .. وحين سقط الإتحاد السوفيتى وصارت امريكا
القوة الوحيدة فى العالم لم يكفيها الوصول إلى القمر ، بل سعت للوصول إلى
المريخ ... وهكذا قال القديس اغسطينوس للرب فى اعترافاته :
[ أرواحنا خرجت منك ولن تستريح إلا فيك .. ]
لكن ما أروع النفس التى تتكرس للحبيب الغالى فتستظل بظله وتستريح فى
خضرته وترعى فى مرعاه الخصيب وتشبع من دسم بيته فتنعم بالسلام ..
أخى الحبيب .. إنها فرصة أن تأخذ قراراً بأن تتكرس عيناك للمسيح فلا
يغريهما مباهج العالم .. وأن تتكرس أذناك فلا تطرب لأغانى الشر المفسدة ،
وفمك فلا ينطق إلا بتسابيح السماء لا بالكذب أو الحلفان أو الشتيمة
والنميمة ، ويداك لا تمتد للحرام ، بل ترفعهما كذبيحة مسائية للعريس
الغالى ، وأقدامك لا تجرى إلا خلفه بحثاً عن الضال والشارد من قطيعه حتى
تجده .. بل يتكرس القلب بالكلية له وحده فأنت نذيره .. فهل تتوجه ملكاً
تتبعه اليوم وكل الأيام ... فتقول له :
سيدى الرب يسوع المسيح عريس نفسى الغالى .. اشكرك لأنك أعظم نصيب يمكن أن
أختاره ..
أشكرك لأنك تريدنى مكرساً ومخصصاً لك ..
ها حبى وقلبى وحياتى .. ماضىّ وحاضرى ومستقبلى .. تنازل اقبلهم ذبيحة حبٍ
على مذبح التكريس والتخصيص لك كل الأيام ..
اسمح أقبل منى ما أعطيتنى فأنا لك ولغيرك لن أكون .. آمين
** ترنيمة :
قرار : أكرس نفسى لك سـيدى أخصـــص حبى لكَ ملكى2
فقدس حياتى فكرى ومقصـدى لأحيا لشخصك وحدك لا سواك
1) لك نظرى لك سـمعى لك قلـــبى ورغباتى2
لك لمسى لك همسى لك ميلى وإرادتـــى2
2) أقدم عمرى أسلم أمرى أقدم حاضرى ومستقبلى
كل ما أملك وما يدى تمسك الكلُ لديك أيها العلى
3) أرفع صوتى أضع عهدى أقدم وعدى أن أحيا لكَ
فامتلكنى بجملتى . وباركنى فى خدمتى . واستخدمنى سيدى فى كرمك
دراسة تطبيقية :
حــــياة التـــــكريس
** أولاً : ما هى الصفات التى تراها فى العريس السماوى التى جعلت العروس
تختاره نصيباً صالحاً لها ؟
1) -----------------------------------------
2) -----------------------------------------
3) -----------------------------------------
4) -----------------------------------------
** ثانياً : ما هو المعنى الروحـى لقول العريس : " قطيع ماعز رابض " ؟
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
** ثالثاً : ما هى أوجه الشبه بين جبل جلعاد ، وبين العريس السماوى ؟
1) -----------------------------------------
2) -----------------------------------------
3) -----------------------------------------
4) -----------------------------------------
** رابعاً : ما هى الأمور التى تريد أن تكرسها فى حياتك لتكون نذيراً لله
كل أيام حياتك ؟
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
** التدريب الروحى للأسبوع :
1) حفظ آية :
لو 10 : 42
" ولكن الحاجة إلى واحد ..
فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها "
لو 10 : 42
2) المواظبة على الخلوة اليومية .
3) الذهاب للكنيسة ، وممارسة الاعتراف والتناول .
___________ التتميم الروحى الأسبوعى __________
الكنيسة
|
محاسبة
النفس
|
ممارسة
التدريب
|
الصوم
|
مراجعة
آيات
|
صلاة
ارتجالية
|
الأجبية
|
الكتاب
المقدس
|
التاريخ
|
م
|
خ
|
ج
|
ت
|
ع
|
ق
|
|
|
|
|
م
|
ص
|
م
|
ص
|
م
|
ص
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
2
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
3
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
4
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
5
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
6
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
7
|
ق = حضور القداس ، ع = اعتراف ، ت = تناول ،
ج = حضور اجتماعات ، خ = خدمة
|