حارة النصارى

بدأت أدرس القرآن دراسة دقيقة وعميقة وبدأت تبدوا لي أمور ذهلت عندما وصلت إليها وتعجبت لماذا لم أدرك ذلك من قبل ؟، قمت بإعداد بحث تحت عنوان " هل القرآن كلمة الله ؟ " استغرق مني هذا البحث قرابة الستة أشهر ، في خلالها زارني الأمير في وقت مفاجئ لم أكن أتوقعه ، وكنت في دورة المياه فاستأذن من والدتي ودخل غرفتي لأنه كان معروف عند أسرتي إذ قضينا سوياً فترة الاعتقال وكانوا يرونه معي في كل زيارة ، اعتقد الأمير عندما شاهد الأوراق المكتوبة مبعثرة هنا وهناك أنني قد أنهيت جزءاً من البحث المطلوب مني وسمعته يقول : بارك الله فيك ، هكذا تكون الرجال ، إن نظرتي لا تخيب ، لقد قلت أنك الوحيد القادر على عمل ذلك ، فقلت في نفسي ‘إنك لا تدري ما تحتويه هذه الأوراق ، وخرجت لملاقاته فإذا وجهه قد تغير إلى الحمرة وبدا مضطرباً فجذبني من ياقتي قائلاً : ماذا أقرأ ؟ هل أنت كتبت ذلك ؟ مش معقول أنت . . من ضحك عليك ؟ من خدعك ؟ من أغراك لتبيع دينك ؟ قلت له : لو كانت هناك خديعة فأنت صاحبها ولو كان هناك إغراء فأنت صاحبه ، ولو ارتكبت إثماً فهو عليك ؛ لأنك أنت الذي دفعتني لذلك كله ، اعتذرت إليك ولم تقبل عذري ، كنتم تعرفون كراهيتي للمسيحية والمسيحيين وأصررتم على أن أكون أنا من يقرأ كتبهم ، أقسم لك أنني أتمنى لو أن كل ما عرفته يكون خطأ لقد عشت معك أقصى وأصعب فترات حياتنا أليس كذلك ؟ قال نعم . قلت هل كنت تلاحظ علي شيئاً ؟ قال : لا : قلت إذن فاعذرني ؛ الأمر ليس بيدي ولا مجرد معلومات لكنه يتعلق بقلبي الذي لا سلطان لي عليه ، يا ليتك تقرأ ما قرأت وتعلم ما علمت ؟ فانتفض هائجاً وأراد أن يمزق الأوراق المكتوبة ( ألوهية المسيح ، القرآن ليس كلام الله ) ، دار بيننا شجار جاءت والدتي على آثره وغادر منزلي قائلاً : نحن قد علمنا ما بك لكن لي لطلب إن كنت تريد أن تبقى حياً قلت : ما هو ؟ قال : المجموعة التي أنت أميرها عساك أن تخبرهم بشيء من السموم التي تكتبها ، وأنا سأقول إنك قد ارتديت ولن أفصح لهم عن السبب ، وأحذرك لو حدث منك شيء غير هذا فإنك أفضل من يعرف ما ينتظرك . قلت الحقيقة التي تجهلها أنت هي : أن الأوضاع تغيرت والأيام غير الأيام ، وأنت خير من يعلم ذلك ، بصراحة أنا لا أقبل تهديد لسبب واحد هو أنك لن تقدر على شيء مما تهددني به ، ولعلمك لقد دفعتني أمانتي أن أطلب ممن معي ألا يزوروني هذه الأيام لأنني خشيت أن أستمر أعلمهم شيئاً أنا أشك في صحته ولذا صرفتهم عني لأنني كنت أميناً معهم ، لكن أؤكد لك أنني أحب الله وادع لي أن يعيد الله لي صوابي إن كنت قد فقدته ، انخرطت في بكاء شديد واسترجعت الذكريات الجميلة لحياتنا معاً في السجون والمعتقلات ، وكيف كنا نتحمل الصعاب معاً والحقيقة عز علي كل ذلك لكن إن كانت تلك إرادة الله فوداعاً لكل ذكرى طيبة بعيداً عنه وأهلاً بالأشواك إلى جوار الله ، بدأت الجماعة من خلال الأمير تقطع كل صلاتها بي حتى الذين كانوا يقابلونني يومياً لا يسلمون علي فعلمت على الفور أنني قد تم تكفيري ، ولم يكتفوا بذلك بل سحبوا مني المبالغ التي كنت آخذها من بيت المال لأنفق على نفسي منها ، ولم أتأثر ، لقد تصوروا أنني سوف أضيق بتصرفهم وسأعود إليهم تائباً هم لم يفهموا ما كان بداخلي ، كنا معاً قد اشتغلنا في ما يشبه توظيف أموال ، اشتركت أنا والأمير وشخص ثالث بالأموال التي عدنا بها من الخارج وكنا نتاجر في الملابس الجاهزة ، وكنت أنا مسئول الاستلام وتوقيع الشيكات لدى التجار الذين نتعامل معهم ، ولما حدث ذلك مني لم يسددوا المبالغ المطلوبة وأصبحت أنا مطالب بسدادها ، ورفعوا عليّ قضية بالمحكمة ، وتوقعوا من كل ذلك أن اعتذر وأتوب عن كفري ، وقالوا لي صراحة في المحكمة ( الأمير فقط ) إذ اقترب من القفص وقال نقدر أن نسحب القضية إذا راجعت نفسك وتبت إلى الله وأخبرتنا من أثر عليك لتسلك هذا السلوك ، كنت لا أجاوبهم ، وحكمت المحكمة بأن أرد المبلغ على أقساط قيمة كل قسط 160 جنيه ، وكانت تلك ضربة قوية لهم إذ أنهم كانوا يهدفون لحبسي ، ومرت التجربة بسلام والحمد لله لكنني أخذت أكلم الله بحدة وبثورة وأكرر لماذا يا رب تفعل ذلك معي ؟ هل خصصت العذاب لي وحدي . منذ الصغر وأنا أقاسي وأتحمل المتاعب ،لم يعد لي صديق لأنهم كفروا بك ، فقدت مودة أهلي لأنهم لم يقبلوك ، فقدت دراستي لأنها كانت عائق بيني وبينك ، والآن لا أدري ماذا أخبئت لي في جعبتك من الآلام ، من فضلك ترفق بي هون عليّ فأنا ضعيف لا حول لي ولا قوة ، لا تتركني في هذا البحر اللجي تتخبطني الأمواج ولا أدري لأي شاطئ تقودني ، قل ليّ أين أنت ؟ هل أنت الذي تقول عنه النصارى أم أنت إله موسى أم أنت إله محمد ، وإن كنت كذلك لما سمحت لي بكل هذا القلق في حياتي ليعكر علي صورتك الشفافة ، أرجوك يا رب لا تتركني وحدي وأنا أعدك أن أتبعك أينما كنت لأنني لا أخاف سواك وأنت تعلم ذلك علم اليقين ، ولم يقطع عليّ مناجاتي هذه سوى صوت والدتي تطلب مني أن آخذ الطعام ، لأنني لم أكن آكل معها لأنه لا يجوز لي أن آكل مع مشرك وكانت والدتي كذلك .

تطرقت بعد ذلك إلى موضوع غاية في الخطورة والأهمية ألا وهو إذا كان القرآن ليس من عند الله إذن فمن يكون محمد هذا ؟ حتماً لا بد وأن يكون كاذباً في ادعائه النبوة ، لكن كيف أثبت ذلك ، وبمجرد أن حدثتني نفسي بذلك ارتعبت رعباً شديداً وقلت مش ممكن ؛ محمد ليس نبي ؛ طيب معجزاته وإمبراطوريته التي كانت مترامية الأطراف ، وكل هذا الكم من الناس الذين اتبعوه ، كنت أشعر وكأنني على وشك أن يحل عليّ انتقام الله الشديد ويحيط بي عذابه ، لكن بعد أن هدأت ثورتي هذه بدأت أشعر بشجاعة وعزيمة نحو ضرورة أن أبحث في من هو محمد ؟ وهل هو نبي أم لا ؟ كانت دلائل نبوة محمد ترتكز على عاملين أساسيين هما أنه أمي ونزل عليه القرآن ، وأنه كان قبل النبوة معصوماً ولم يرتكب منكراً قط .

الأميـــة : لم يكن في اعتقادي أن أجد ما يدل على أن محمد كان يقرأ ويكتب لأن كل الذي أعلمه وتعلمته أنه يستحيل أن يكون محمد يكتب ويقرأ ، هذا دفعني لقراءة كتب السيرة مرة ثانية والحقيقة وجدت أمور تعجبت كيف كانت تمر عليّ من قبل ولم أدرك ما فيها ، وجدت أن محمد كان يخلو في نفس المكان الذي كان يجلس فيه ورقة والنضر بن الحارث وعمرو بن نفيل وابن ساعدة القس المشهور ، وجدت أن محمد كان يتاجر بأموال خديجة الكثيرة وأنه قد أبرم عقود واتفاقيات مع تجار اليمن والشام ، وما يقال عن أنه كان يحمل خاتم يوثق به اتفاقاته غير صحيح كدليل على أميته لأنه فعلاً كان لديه هذا الختم وإنما هذا كان شيئا متعارف عليه في أمور التجارة ، أن يكتب البائع والمشتري الاتفاقية ثم يطبع عليها بالخاتم للتوثيق وهو ما يشابه ختم شعار الجمهورية الآن ، وجدت أنه بعد النبوة كتب صلح الحديبية بيده ، وجدت أنه كان في كفالة عمه أبو طالب وكان أكبر من علي وكان علي يقرأ ويكتب ومن الصعب ألا يتعلم محمد من علي أمور الكتابة حتى ولو القليل منها ، وجدت أن محمد كان يجلس عند يسار النصراني ويأخذ منه نصوص من الإنجيل ويقرأها ، وجدت أن جبريل عندما نزل عليه طلب منه أن يقرأ ولم يكن من المنطقي أن يطلب من محمد أن يقرأ وهو لا يعرف القراءة ، ولو أضفت إلى ذلك ما وجدتنه عند البحث عن صدق نبوته الذي قادني لذلك كله فيصبح محمد لا نبي ولا صديق ، ويمكن دراسة البحث المنفصل عن هذا الموضوع في كتيب أعددته تحت عنوان " محمد في التوراة والإنجيل " .

ثم نأتي إلى مسألة عصمته ، هنا حدث ولا حرج وأي كتاب من كتب السيرة مثل السيرة الحلبية والطبقات الكبرى ، وسيرة ابن هشام حتى كتب التفسير التي تكلمت عن آية سورة النحل التي فيها " ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منها سكراً لكم " هناك عدة أحاديث صحيحة تقول إن محمد كان يشرب النبيذ ، ويوصي صحابته أن إذا وجدوه شديد التركيز أن يكسروه بالماء ، وكان يأكل من الذبائح التي تذبحها قريش عند الكعبة على الأوثان ، وكان يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله ، وكان يطمع في نساء أتباعه إن استحسن منهن شيئاً كما حدث يوم خيبر عندما وقعت صفية بنت حيي بن أخطب في سهم عبد الله بن عمر فأخذها منه وتزوجها ، وكذلك زينب بنت جحش زوجة زيد ، كل ذلك أزال الصورة البراقة وهدم الهيكل المقدس الذي كنت أضع فيه الرسول ، ولا أخفي أنني كنت أتألم كلما اكتشفت شيئاً من هذا القبيل .

رغم كل ما وصلت إليه لكن للأمانة كنت تواقاً لأن أجد ولو القليل الذي يعينني على أن أبقى مسلماً لأنه الدين الذي رضعته في طفولتي ، كنت مجرد التفكير في تركه يقلب حياتي إلى جحيم وخوف ورعب ، كنت كلما وجدت شيئاً أو قرأت نصاً في الكتاب المقدس ذو معنى حسن، أزداد حقداً وحسداً وغيظاً على المسيحيين وتزداد قسوتي عليه لا أدري السبب ، وكان لي زميل يعمل معي فكلما وجدت شيئاً في الإنجيل ذهبت لأخرج كل غيظي فيه أتلف له متعلقاته الشخصية ، أدفع للآخرين فلوس لكي يكيدوا له ويشتكونه للسلطة العليا ، ومرة أحرقت له ملابسه حتى اضطر للعودة لمنزله بملابس العمل ، كنت أقف أما أحد المحلات التي يمتلكها رجلٌ مسيحي وأحذر الناس من الشراء منه قائلاً : إن بضاعته منتهية الصلاحية لا تشتروا منه إنهم مخادعون ويريدون أن يدمروا الإسلام ، إنهم كما قال القرآن :" لا إيمان لهم " حتى أن هذا الرجل المسن كان يقول لي : يا بني ماذا فعلت لك ؟ حرام عليك عندي أولاد أريد أن أربيهم " ، وتارة أخرى أحذر زملائي من السلام عليهم وأذكرهم بحديث الرسول لا تسلموا على أهل الكتاب ولا تردوا عليهم السلام وضيقوا عليهم الطرقات ، وأقول بصوت عال : هؤلاء خبثاء يتظاهرون بالحب وهم أشد عداوة لله وللمؤمنين لا تنخدعوا بما ترونه عليهم من مسكنة إن ذلك إلا تصديق لقول الله " ضربت عليهم الذلة والمسكنة "

وذات يوم حافل بمثل هذه التصرفات أحسست بهاتف داخلي يقول لي : كن صادقاً مع نفسك ، هل بعملك هذا ستقدر أن تزيل كل ما علمته من كتبهم ؟ أنت قلت أنك سوف تتبع الله أينما كان فلماذا كلما أضاء الله لك نوراً تحاول أن تطفئه بيدك ؟ كن أميناً مع نفسك حتى تستريح ؟ راجع نفسك هل تريد الله أم ماذا تريد ؟ ، الأمر ما زال في يدك ولا أحد يفرض عليك شيء ، رجعت إلى المنزل مهموماً ، حاولت أن أصلي لكن لم أقدر ، قرأت في الكتاب المقدس في إنجيل مت ووقعت عيناي على الصلاة التي علمها المسيح للتلاميذ وحفظتها ، وفجأة شعرت ببرود وهدوء غريب ينسكب عليّ أشبه بمن يسكب ماءً ليغسل من ذاكرتي شيئاً ما ، وقلت لنفسي : يا رب هل تقدر أن تجعلن على ما أرى المسيحيين عليه من هدوء وصبر وتحمل وبساطة ومحبة إن أنا صليت كما هو مكتوب في الإنجيل ؟ وشعرت بسعادة بالغة وكأني سمعت الرد يقول لي : نعم ، تهلل وجهي فرحاً وأخذت أنتظم في الصلاة الربانية ، أقوم في الفجر في مواعيد الصلاة التقليدية التي تعودت عليها وأتوضأ وأبسط السجادة وأقف وأقول : أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض ، خبزنا كفافنا أعطنا اليوم واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير " وفي النهاية أقول : السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله " استمريت على ذلك كثيراً لكن لم أجد تغير إذ ما زلت عدوانياً مع أسرتي ومع المسيحيين مما جعلني أقرر أن أترك كل الأديان فلا الإسلام نافع ولا المسيحية نافع ومن يدري فلعلي بعد أن أقتنع بالمسيحية لفترة ما يحدث أن أقرأ في كتاب ما فأجد ديناً آخر أفضل وأبقى طوال حياتي متنقلاً بين الأديان ، الأفضل في مثل حالتي هذه أن أعيش مثل ما يعيش الناس العاديين لماذا أشغل تفكيري بالدين عندما أموت يفعل الله بي ما يريد ، لكن هذا لم يكن حلاً وفجأة طرأت في بالي فكرة قلت إن سبب كل هذه المشاكل هذا الكتاب أي التوراة والإنجيل فلأمزقه وأسترح ، وهممت بذلك وإذا رعشة خفيفة تسري ببدني وهاتف يقول اتركه فقد تحتاجه ، ولماذا هذا بالذات ، لقد سبب لك القرآن أكثر من ذلك فلماذا لم تقطعه ؟ كنت إذا ركبت سيارة أقول : يا رب تنقلب السيارة وينجو الجميع إلا أنا ، ويا ليت البيت ينهار فوقي أنا وحدي يا رب إن كنت لا تريد لي الهداية فخذ نفسي أرحم مما أنا فيه ، وفي خضم هذه الأفكار والصراعات والهموم ، وكان ذلك في منتصف النهار أي الساعة الرابعة عصراً في يوم من أيام شهر يونيو كنت جالساً أستعيد ذكرياتي الطويلة مع الإسلام والجماعات والإرهاب وأخيراً مع الإنجيل والتوراة وما صار من الأمير تجاهي وأقول : يا رب أنك تعلم أنني في كل هذه الأحداث لم أكن أبحث إلا عنك فهل من عدلك ومحبتك أن تتركني هكذا ، حتى يا رب أن كنت تعاقبني عن جرم بدر مني فأعتقد أنك قد استوفيت حقك ، وأي جريمة تلك التي تستحق هذا العقاب ، أرجوك لا تتركني وحدي في هذا الصراع ، وفجأة وجدت باب غرفتي يفتح فاعتقدت أنها والدتي تحضر لي الغداء فإذا برجل طويل عريض المنكبين طويل الشعر كثيف اللحية وبجواره عمود من نور أبيض فاقع كالضوء المنبعث من لمبة النيون ولم أقدر أن أتتطلع آيه أو أوجه نظري نحوه وصوت يناديني قائلاً : قم اعتدل المسيح يريدك ، ولم أشعر بنفسي إلا خارج الغرفة أنادي على والدي ووالدتي وأخوتي ليروا المسيح ( سيدنا عيسى ) لأنه مكتوب في البخاري من رأى نبياً فقد رأى هدىً لأن الشياطين لا تتمثل بالأنبياء ، فعسى أن رأى أهلي المسيح أن يهتدوا ، ثم عدت لغرفتي ولم أجد شيئاً فحزنت جداً وقلت : حتى هذه المرة لم ترد أن تنصفني يا رب لماذا لم تنتظر لتبرهن لهم عن صدق حديثي ، إنهم الآن لن يقولوا أكثر من أنني جننت ، وفعلاً نزل كل اخوتي وأهلي وتوجهوا نحو غرفتي فلم يجدوا شيئاً وما توقعته حدث فقالت والدتي : يا رب لماذا كل ذلك ، لقد فرحنا بعودته وهدايتك له بالاستقرار وها أنت الآن تصيبه بالجنون وأخذت تبكي وتضمني إليها ، ويقول أخي :لا تقلق سأذهب بك لأفضل طبيب نفساني في مصر كلها ، وتقول أخواتي : كل هذا بسبب ما تكتبه طوال الليل هذه نهاية ذلك الجنون يا رب اشفيه وبعد أن انتهوا جميعاً من مراثيهم ، توجهت ناحيتهم وقلت لهم : الست أنت فلان ؟ قال نعم ،ألست أنت أمي ، وأنتي أختي وأنت أخي إني أعرقكم جميعاً ولو كنت مجنون ما عرفتكم لماذا لا تصدقوني لقد رأيته كنور عظيم وتكلم إلي ، كان رأيهم أقوى من كلامي حتى أنني قلت : ما دام الأمر كذلك لماذا لأكون كما قالوا ؟ صحيح إن هذا الكلام الذي أقوله كلام مجانين فعلاً أنا مجنون وعلي أن أستمع وأخضع لهم في كل ما يقولون وبدأت استسلم لكوني مجنون فرقدت في سريري لا أكلم أحد ، ويتوافد علي اخوتي يعزونني وأنا لا أنطق بحرف ، وفي الصباح اصطحبني أخي بالسيارة وذهبنا لأكبر طبيب نفساني في مصر ، ودخلت للطبيب بعد أن نادى عليّ وجلست أمامه وسألني ماذا بك ؟ قلت لا أدري أخي جاء بي إلى هنا ، قال إن أخيك يقول إنك تقول أنك رأيت سيدنا عيسى ؟ قلت نعم رأيته ، قال هل تقدر أن تصفه لي ؟ قلت وهل رأيته أنت من قبل ؟ قال : لا قلت وكيف ستعرف ما إذا كان الذي سأصفه لك هو أم لا ؟ قال إن حالتك صعبة وطلب أخي وأخبره أنني مصاب بحالة اكتئاب حاد ويلزمني جلسات كهرباء بسرعة تبدأ بست جلسات وتتدرج إلى اثنتين ، وطلب منه أن يحضرني للمستشفي مرتين في الأسبوع فقال أخي إننا بعيدين عن القاهرة بحوالي ساعتين ونصف سفر ومن الصعب أن نأتي كما يقول ، لكن من فضلك حدد لنا كيفية ‘جرائها ونبحث عن طبيب يمكنه القيام بذلك بالقرب من مدينتنا ، وافق الطبيب ووافقت أنا أيضاً قائلاً إنني لا أخاف من جلسات الكهربا فقد أخذتها كنوع من التعذيب بالمعتقل من قبل وبالتأكيد فهي للعلاج ستكون أخف ، ولماذا أرفض فلو كنت مجنوناً فسأستريح مما يدور بفكري وإن كان غير ذلك فإني أضيفها مع سابقتها من ألوان العذاب التي تحملتها في بحثي عن الله عسى الله أن يرحمني ، انتهيت من الجلسات والعلاج الذي قرره الطبيب وتوقعت أن أنسى كل ما كنت أفكر فيه من قبل إن كان ذلك وليد جنون أو توتر نفسي لكن بعد أن أنهيت العلاج وجدت نفسي كما كنت بل مدفوعاً أكثر لقراءة الكتاب المقدس ، ولم أكن أهدأ أو أقدر أن أنام إلا بعد قراءة شيء من الكتاب ، لكن أخذت على نفسي ألا أحدث أحد بأي شيء فيما بعد ، قررت أن أعيش كمسيحي لأرى عمل الله إن كان هذا هو طريقه فبالتأكيد لا بد وأن أرى ثمار ذلك وأري تأييده لي وإلا عدت كما كنت ، كما قلت من قبل كنت أواظب على الصلاة بطريقتي وهي خمس مرات كل يوم الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، لم أكن أقرأ شيء مما كنت أقرأه في صلاتي السابقة بل فقط أبانا الذي ، لكن احترت كيف أصلي كيف أزكي ما هي الطقوس المطلوبة مني حتى أتي بها كاملة لأكون مستحقاً أن يعمل الله في ، لا بد لي أن أذهب للكنيسة لأتعلم كيف أعبد الله ؟ لم يلقى هذا الرأي قبولاً لدي إذ كيف أذهب للكنيسة بهيئتي هذه أو كيف أذهب للكبيسة مذلولاً خاضعاً وأنا الذي كنت كذا وكذا لا . . لا . . نؤجل الكنيسة الآن ، ويمكنني أن أسأل بعض الأشخاص معي بالعمل لكن من منهم يوافق على مقابلتي بعد كل ما صنعته بهم ؟ وفعلاً رفضوا جميعاً الالتقاء بي لأنهم ظنوا فيّ إما أن أقتلهم أو أرغمهم على الإسلام ، لكن واحداً منهم وافق لكن بعد شهر ، كان ذلك طويلاً علي ففكرت أن أقرأ المزيد عن الأفكار التي يفكر فيها المسيحيين ماذا يقولون وهل هناك كتب لهم كما للمسلمين ،أولاً : قررت أن أقص لحيتي حتى لا تلفت الانتباه إلي ، وأن استعير قميص وبنطلون لأرتديهما بدلاً من الجلباب الذي كنت ارتديه طوال حياتي ، وذهبت للمكتبة التي اشترينا منها الكتاب المقدس من قبل ، ولم يعجبني كتاب فيها فذهبت لمكتبة أخرى بشارع الترعة البولاقية وأخذت أتفرج على المعروض من الكتب ، وأردت أن أدخل المكتبة لكن ترددت وشعرت أنني أرتعش إذ كيف أدخل مكتبة المسيحيين وأنا كنت لا أطيق مجرد النظر إليها ، وربما يطلبون مني بطاقتي ويستدعون الأمن فأذهب للمباحث وبالإطلاع على ملفي هناك أكون قد ألقيت بنفسي إلى التهلكة ، وبعد تردد شديد دخلت المكتبة ولفت نظري بعض الكتب ، لم أكن أعرف ماذا أريد أن أقرأ ، بل كل كتاب يستهويني عنوانه أشتريه ، فأخذت كتاب برهان يتطلب قرار ، وإيماني ، وكفارة المسيح ، وكنت كلما أنهيت قراءة كتاب أحرقه ، وعندما انتهيت من الكتب كلها ذهبت للمكتبة ثانية لأبحث عن كتب أخرى فوجدت كتاب أسمه التوحيد والتثليث ، علم اللاهوت الكتابي ، وعندما قرأت الأسعار ووجدت أن ما معي من نقود لم تكن كافية حاولت إرجاع الكتب إلى أماكنها ثاني ؛ فإذا برجل مسن يأتي إلي ويقول : لماذا أرجعت الكتب ؟ قلت لا أريدها قال ؟ لو أنك كنت لا تريدها لما أخذتها من مكانها ؟ قلت وما دخلك أنت ؟ هل تحقق معي لا أريدها فوضع يده على كتفي وابتسم وهو يربت على كتفي ويقول : يا بني خذ هذه الكتب وسأدفع ثمنها وسأريك عنواني إن أعجبتك فيمكنك إرجاع ثمنها إلي وإن لم تعجبك فيمكنك أن تمزقها أو تتخلص منها كما تحب ولن تخسر شيئاً . فقلت له من أدراك أنني لا أملك ثمن هذه الكتب ؟ قال الروح القدس ، قلت في نفسي ما عسى أن يكون الروح القدس هذا ، وأخذت أفكر كثيراً في ذلك ، ذهبت معه إلى منزله وجلسنا بضع دقائق وكنت أخشى أن يطلب مني بطاقتي فيعرف شخصيتي فيعتقد أنني أريد شيئاً ما لكن الله سلم ولم يسألني حتى عن أسمي ، كنت أقرأ هذه الكتب وغيرها من الكتب إما بالبيت أو أستأجر غرفة في فندق وأجلس طوال الوقت أقرأ ؛ كنت لا أريد أن أضيع دقيقة حتى في الأكل أريد أن ألتهم كل كلمة تتكلم عن المسيح أو تؤدي بي ولو خطوة واحدة نحو المسار الجديد للحياة الجديدة التي بدأت تقتحم عزلتي ، وكثيراً ما كنت أجلس في مقهى في شارع الترعة البولاقية كل رواده من المسيحيين ، أقرأ ما اشتريته من كتب ، أحببت تعاليم أو بمعنى أصح أحببت أن أكون كما هو مكتوب بالإنجيل من صفات وخلق لو عشتها بأمانة لأصبحت ملاكاً يسير على الأرض ، كان كل تفكيري منصب حول تسائل يخطر ببالي دائماً وهو : هل من الممكن يا رب لو أنني قبلتك وعملت حسب إنجيلك أن تجعلني على صورة أفضل من تلك التي أنا عليها الآن ، هل من الممكن أن تخلق فيّ قلباً محباً بدل ذاك القلب المملوء عداوة وكراهية ؟ هل من الممكن أن يكون لي أصدقاء حتى ولو لم يؤمنوا بما أنا عليه ؟ هل من الممكن أن أحب أمي وأبي وأخوتي حتى ولو لم يقبلوا ما أنا عليه ؟ هل من الممكن أن يكون لي أصدقاء أحبهم ويحبونني حتى ولو لم يصدقوا ما أقوله ؟ هل تقدر أن تفعل بي ذلك يا رب ؟هل من الممكن أن أحب بلدي وأشعر بالانتماء لها كما أرى كل الناس يا ليت هذا يحدث ؟ لقد كانت أولى الخطوات التي نتبعها في تلمذة كل من ينتمي إلى الجماعة هي أن ننزع عنه أي انتماء سواء للبلد الذي هو منها أو أسرته بمن فيها ولا يكون له انتماء إلى لله ولا ولاء إلى للأمير ، لذا لم أكن أصدق أنني يمكن أن أتغير ، أو أحب ، لقد تركت رؤيتي السابقة للنور والشخص الذي قال لي : قم المسيح يريدك انطباعاً محيراً إنني أعلم أن رؤية أحد من الأنبياء هي دلالة على الهدي لكن أي هدى ذلك في تلك المرحلة هل هو هدى الإيمان المسيحي أم هو هدى الإسلام الذي كنت عليه من قبل ؟ كانت تلك الأفكار تزاحم تفكيري حتى أنني لم أكن أشعر بنفسي وأنا أسير في الشارع ألتفت حولي وكأن أحد يطاردني كانت تسبقني خطوات ولا أعرف إلى أين أذهب ، حقاً كانت مرحلة غاية في الصعوبة ، حتى قررت أن أذهب لأحد الكنائس إن كنت أريد أن أحيا كما يريد الله وكان لسان حالي يقول لقد سمعت الصوت وعليك أتباعه ، أنت قد عشت في الإسلام زماناً هذا قدره ؛ لكنك لم تعش يوماً بالإيمان المسيحي لتعرف أيهما أفضل وأقرب إلى الله ، ذهبت فعلاً ليس إلى كنيسة واحدة بل إلى عدة كنائس ، ولم يكن ذلك بالشيء السهل عليّ ، إذ كنت أصارع إبليس كلما قررت دخول كنيسة من الكنائس فيقول لي : أهكذا تدنت حالتك يا . . تذهب للكنيسة شتان الفارق بين ذهابك اليوم مذلولاً وذهابك من قبل لتعلي كلمة الله ، هل نسيت ما فعلته بالكنيسة من قبل ؟ هل نسيت هتافك الذي كان يدوي في كل أرجاء الكنيسة يوم حرقتها أنت وإخوانك ، إن كنت نسيت أذكرك ، كنت تقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ، أين هو الحق الذي عرضت نفسك من أجله للموت ؟ ، لم يعد أمامك إلا الكنيسة ، وكر الكفر والشرك ، هل ستشرك بالله بعد تلك الرحلة الطويلة من الوفاء والإخلاص لله ؟ قم من نومك يا . . . استغفر الله وتب إليه واشهد ثانية بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، قم اغتسل وأرفع عنك تلك الأفكار الشريرة واستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، وبعد فترة أجد نفسي منقاد بلا وعي للكنيسة وكنت أجد صعوبة حتى أنني كنت أشعر أن هناك من يجذبني من الخلف ليمنع ذهابي للكنيسة حتى أنني صرخت بصوت مسموع قائلاً : سأذهب للكنيسة سأذهب للكنيسة مهما كان الأمر ومهما كلفني . كفى ما أنا قيه الآن لم يعد لي صديق ، ولم يعد لدي إحساس بأن لي أهل مثل باقي الناس ، لم أعرف الرحمة طوال حياتي ، لقد قتلت وسرقت وها أنا اليوم بلا أهل ولا أصدقاء ولا أصحاب ولا أي شيء مما خلقه الله لنا ؛ هل من الممكن أن يكون الله راضياً عني بهذه الصورة أي إله ذاك الذي يأمر بالقتل والكراهية والعداوة والبغضاء لكل من لا يقبل ما نقول ، ارحمني يا رب أنا مسكين وضعيف أريد أن أعيش ولو لحظات كأي إنسان طبيعي أريد أن أحب بلدي وأهلي وأصدقائي لكن كيف وفي أي الاتجاهين أقدر أن أحقق هذا ؟ إذن فلأذهب للكنيسة مهما كلفني حتى ولو كلفني حياتي واندفعت مسرعاً نحو الكنيسة ، لكن لم يكن موقف القسيس مني كما كنت أتوقع بل كان صعباً ، إذ رفض الاستماع إليّ مما زاد من هجمة إبليس عليً ، لكنني وإن كنت فشلت في أن أقنعه بالاستماع لي فلا أنكر أنني خرجت وبي شيء من الراحة النفسية ، ساعدتني على تكرار المحاولة لكن للأسف لم تنجح أي محاولة للجلوس مع أي قسيس لأعرف منه ما ذا أفعل لأكون مستحقاً لخلاص المسيح إذ أن النص يقول : من آمن واعتمد خلص ، وما كان يشغلني هو كيف أؤمن ؟ ما هو المطلوب مني ؟ ، كيف أصلي ، كيف أصوم ، كيف أحج ، كيف أزكي ، وفي آخر مرة خرجت من الكنيسة مهموماً جداً أو كما يقولون أجر أذيال الخزي والعار ويقول إبليس في أذني : لقد رفضوك ، إنك تستحق ذلك وسوف يريك الله ما هو أشد من ذلك ، لكن لم يستمر ذلك كثيراً حتى سمعت وكأن أحداً يكلمني بصوت خافت ويقول : اسمع يا . . . أنت لا تعبد الناس فلا تيأس من سلوكهم نحوك ،لأنك تعبد الله والله لن يخذلك ولن يضيعك أبداً فقط اصبر وتمسك به إن كنت حقاً تبحث عنه ؟ ولن تطول أيام تعبك هذه فالله لا يرد من يطلبه ألم تقرأ قوله : تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم ،[ قلت : قرأته يا رب إن لم يكن الآن فقد كانت عيناي تطالعان هذا النص الذي كان مكتوباً على جدار أحد الكنائس وكنت أراه كل يوم طوال فترة دراستي بالكلية وأنا أركب الأوتوبيس من المدينة الجامعية حتى الكلية ، لدرجة أنني حفظت المكان فكنت كلما قرب المكان هذا أضع يداي على عيني حتى لا أراه ]، سلم حياتك لله وهو يتصرف ، قلت نعم يا رب أنا أسلم حياتي لك لكن ارحمني مما أنا فيه ، علمن طرقك أنا تائه حيران ، كثير ما يحدث لي هذا يا رب . كنت كلما مررت بتجربة مثل هذه أعود وأقرأ في الكتاب فأشعر براحة نفسية غريبة ، بعد ذلك فكرت في الاتصال بأحد المسيحيين الذين كانوا يعملون معي لكنهم جميعاً لم يرحبوا بمقابلتي خوفاً من أن أكون قد أعددت لهم كمين لإيذائهم وبعضهم رفض لأنه اعتقد أنني أريد أن أدعوهم للإسلام ، ولكن إن أراد الله شيئاً فلا يمنعه أحد ، فذات مرة كنت مع أحد المهندسين في زيارة لصديق له وفي طريق عودتنا طلب مني على سبيل السخرية والاستهزاء أن نزور صديق له مسيحي لأنه كان يعلم مدى كراهيتي للمسيحيين واعتقد أنه بهذا يريد السخرية بي ، لكنه لم يتوقع أن أقبل ذلك إذ بمجرد أن طلب مني ذلك وافقت على الفور ولكنه كان كل دقيقة يقول لي : إنه مسيحي هل تعلم ؟ أقول نعم وأنا موافق على زيارته ، فطلب مني ألا أتصرف مع المسيحي بطريقة تسيء إليه فقلت له : لا تخف سأكون عند حسن ظنك ، وذهبنا لصديقه المسيحي وكان يعلم عني كل شيء بل طالما كنت اعترض طريقه واثير المسلمين ضده ونتهجم عليه بالسباب طالبين منه أن يسلم ، بمجرد أن رآني أمام شقته ارتعد وأغلق الباب سريعاً فعاود زميلي الطرق عليه ثانية ففتح الباب وقال لزميلي : لماذا جئت بهذا إلى هنا ؟ ألم يكفك ما يفعله معنا بالمكتب ، حرام عليك إني رجل لا أسيء لأحد وبعدد مناقشات سمح لنا بالدخول وفي شقته لفت نظري كتاب مقدس على طاولة تتوسط غرفته ، فأخذته وتصفحت فيه قائلاً هل هذا هو كتابكم المقدس ؟ فأجاب بتلعثم وارتباك نعم هذا والقرآن كذلك كله من عند الله وأسرع للمكتبة وأخرج لي مصحفاً وقال : انظر هذا مصحف كله كويس القرآن والإنجيل والمسيح ومحمد كله كويس ، كان يبدوا عليه الخوف والفزع مني فأردت أن أقترب منه فإذا به يبتعد كلما اقتربت منه ابتعد هو عني حتى قطعنا الصالون ندور كل منا حول الآخر وأخيراً اقتربت منه إذ لم يجد مكاناً ينزوي فيه فقلت له : لماذا تبدوا هكذا أريد أن أتكلم معك ؟ مع العلم أن صديقه الذي كان معي قد دخل أحد غرف الشقة ليستريح فقد كانت تربطهما معاً علاقة قوية ، وانتهزت هذه الفرصة لأتحدث معه عسى أن يساعدني على بلوغ ما أريد ،لكنه لم يتجاوب معي فطلبت منه أن أزوره مرة ثانية وحدي ، فقال لا مانع لكن لن نكون وحدنا بل سيطلب بعض أصدقاءه ، قلت لا مانع لكن اكتب لي العنوان ، كتب لي العنوان وزرته في اليوم المحدد ؛ وإذا به قد جمع نصف دستة من الأصدقاء خوفاً مني ، تكلمت قليلاً معه ولا أنكر كنت أتكلم كقائد عسكري مهزوم يفاوض المنتصرين كنت أضع رأسي وأنظر أسفل قدماي من الخجل وأنا فلان الذي كان وكان ، ها هو يستجدي من المسيحي كلمات تقوده نحو ما كان يحاربه من قبل ، لكن هو سلام الله والرغبة في الخلاص اللذان دفعاني للتنازل عن كل شيء ، في سبيل الظفر بدخول ملكوت الله الذي طالما بحثت عنه قديماً وقدمت من أجله كل ما استطعت فلماذا لا أقدم الآن بعد أن اكتشفت أنني كنت ألهث نحو سراب لا وجود له إلا على صفحات الكتب ، اصبح عندي رغبة لعمل أي شيء للوصول لطريق الرب ، كان صديقي هذا قليل المعرفة بالكتاب لذلك لم يقدم لي جديداً ، وكانت لديه مشاكل عائلية حتى أنني قد سمعت من بعض الناس أنه يفكر في الإسلام ليتزوج مرة أخرى مما أزعجني واحتقرته أ وشعرت بأنه لن يقدم لي ما أحتاجه ، لكن بعد أن تقربت أليه وتكررت زيارتي له توطدت علا قتي به كثيراً وكان يهيئ لي مكان أقرأ فيه بحريتي ولم يحاول أن يفرض فكراًما علي لأنني كان لي اتجاه واحد محدد وهو الرب يسوع بعيداً عن الفرق والطوائف التي عانيت منها في الإسلام من قبل ، لكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، إذ لم تدم تلك العلاقة كثيراً ، وعلمت أن هناك شخص آخر أكثر منه فقهاً في الكتاب لكن كانت علاقتي به غاية في السوء ، فكان كلما طلب مني شيء في العمل أعطه بيانات خاطئة وأحرض الناس عليه بل أمنحهم هدايا كلما أهانوه وأضروه ، واستبعدت أن يوافق على مقابلتي ، لكنه وافق و طلب مهلة شهر ليفكر وطلب مني أن أعاود الاتصال به قبل أسبوع من مرور الشهر ،أحسست أن الدائرة بدأت تضيق حولي فلا كنيسة تريد أن تسمعني ولا أفراد يريدون مقابلتي كانت صورتي عند كل المسيحيين لا تبعث على الارتياح بل لا أكون مبالغاً إن قلت أن من كان يريد تهديد أي مسيحي يقول له سأقول لفلان . . ، كنت أشبه بالوحش الذي يخيفون به الأطفال ، وبعد انقضاء ثلاثة أسابيع من الشهر اتصلت بالرجل ذاك لأعرف هل مازال على موعده أم لا ؟ لم يكن عندي تليفون وكنت كلما خرجت خارج منزلي أخذت الأوراق التي كتبتها معي خوفاً من أن يطلع عليها أحد ويعلم ما فيها ويحدث ما لا تحمد عقباه كان لدي كما قلت أبحاث عن لا هوت المسيح ، وهل القرآن كلام الله ، النبوة ومحمد ، هل هو نبي أم لماذا ؟ كنت أحمل كل هذه الأوراق مع الكتاب المقدس في حقيبة بلاستيك ، وعندما ذهبت لأتكلم في التليفون من أمام محطة القطار السريع في مدينتي فوجئت بالحقيبة وقد سرقت بكل ما فيها الكتاب المقدس ، الأبحاث ، الحافظة ، البطاقة الشخصية ، لم يتغير وجهي ولم تبدو عليّ علامات الغضب ، إذ كنت أملك برود أعصاب اكتسبته من كثرة احتكاكي بالمباحث ورجال الأمن ، لكن كل الذي سيطر على تفكيري وشغلني أمرين الأول : ربما السارق يقرأ ما هو مكتوب ويرسله للأمن ويكون من السهل عليهم الوصول إلى كاتبه من خلال البطاقة وبذا أكون مستحقاً لأقسى العقوبة لأن ما في الأوراق هو تهجم على القرآن وعقوبته الوحيدة الإعدام ، لكن هذه النقطة لم تشغلني كثيراً فأنا على يقين أنني عندما تحين ساعتي لن أتأخر ولن أستقدم عنها فنحن ولا محالة ميتون ، لكن الذي شغلني وقلب كياني هو وسواس قوي اجتاح تفكيري وسيطر على كل كياني وهو : إن الله يحبني كثيراً وها هو يقدم لي الدليل الواضح القوي على أن سلوكي نحو المسيحية باطل وما هو إلا طريق الشيطان والدليل أن الله قد أزاح من أمامك كل تهجم على كتابه ورسوله الكريم وأذهب عنك السموم من خلال فقدان الكتاب المقدس ، لا يوجد دليل أقوى من هذا لتعرف أنك كنت تسير في الضلال ، قم الآن ولا تتأخر عن التوبة لله فإن الله غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً قم الآن اغتسل مما لحق بك من دنس نتيجة تفكيرك الشيطاني وسلوكك نحو الشرك والفسوق ، لم يكن أمامي سوى الإذعان لأفكار إبليس الشيطانية خاصة وأن صديقي الذي تعرفت عليه من قبل وكان يسمح لي بزيارته والجلوس عنده فترات طويلة للقراءة ؛ عندما علم بأنني فقدت الأوراق هذه ارتعب وملأه الخوف ، وطلب مني أن لا أتصل به أو أزوره حتى نري نتيجة ما قد يحدث بسبب فقدان هذا الورق ، كان ذلك بمثابة الخيط الأخير الذي كنت أتعلق به وها هو يقطع مثل البقية ، فشعرت أن الله لا يريد لي هذا الطريق وأنني لن أقدر على الصبر في تلك المعركة إذ أنني بكل صدق رغم ما توصلت إليه وما علمته وما لمسته من حلاوة وعذوبة في كلمات الكتاب واجتهادي ومواظبتي على الصلاة " أبانا الذي " باستمرار دون انقطاع لم يحدث في سلوكياتي أو شخصيتي الذاتية أي تغير ، إذ كنت مازلت أكن بالحقد والحسد على المسيحيين ، ولم أقدر على مسامحة أحد ولم أستطع أن أقول لوالدتي حتى مجرد صباح الخير كنت أخرج من البيت وعلامات الغضب تملأ وجهي وأتعمد إظهارها أمام والدتي وأخوتي حتى يعلموا أنهم كفار وأنني لا أحبهم ، كنت مازلت روح التمرد والعدوانية تملأ كياني حتى أنني شككت في مصداقية ما قرأته في الإنجيل ، كل هذه وما حدث من فقدان الأوراق اجتمعوا معاً علي في هجمة شرسة ربما لتعطيل عمل الله في ، أو لكسر الإرادة التي تولدت لدي نحو محبتي التي بدأت تنموا نحو الإنجيل ، ومرة ثانية انخرطت في البكاء الشديد معاتباً الله عما يحدث لي وهل هذا عدل منه أنه كلما قررت أن اخطوا نحوه وتسير الأمور على ما يرام يحدث ما يعرقل ذلك ، لماذا يا رب أنت هكذا معي ؟ ماذا فعلت ؟ إن كنت تعاقبني على ما فعلته في الماضي تجاه المسيحيين فها أنا أتوب وأطلب عفوك وصفحك الذي أنت قد عملته بموتك على الصليب أم أن صليبك هذا ليس إلا كما كنا نقرأ عنه ، من أنت حتى أتقرب إليك وماذا يرضيك لأفعله ، بئست الحياة إن كانت كما أحيا أنا ، الموت أهون علي خذ نفسي يا الله ، وما دمت لا تريد أن ترضى علي فلأنتحر ولا يضيرني أن أدخل النار بسبب ذلك لأنه إن لم ترض علي فسأدخلها ؛ فالاثنين سواء ، بكيت كثيراً وتألمت كثيراً ، ولم أجد أمامي سوى أن أقوم ودموع عيني كالأنهار تجري على وجهي حتى لفتت أنظار والدتي فأخذت تربت على كتفي وتبكي على بكائي وتسألني ماذا بك يا ولدي فأقول لا شييء اتركوني وحدي لا أريد أن أتكلم مع أحد لقد تكلمت معكم مرة فاتهمتموني بالجنون ربنا يسامحكم أسرعت إلى غرفتي ، وقمت واغتسلت لأزيل ما لحق ببدني من نجاسة نتيجة التفكير في المسيحية وما اقترفته يداي وأخذت أفكر هل سيغفر الله لي ما قلته على نبيه وما كتبته عن قرآ نه ؟ وإذا أنا أشعر وكأن شخصاً يجيب عني قائلاً : أنت لم تتهجم على أحد ولم تتكلم بالباطل فكل ما وصلت إليه ليس من عندك أنت بل هو نفسه تكلم ، ووقفت باسطاً سجادتي وأخذت أنطق بالشهادتين حتى أعود إلى الإسلام ثانية وانتصبت لأصلي فلم أقدر أن أنطق بحرف واحد من القرآن ولم أقدر أن أنحني لأركع فجلست واضعاً رأسي بين كفي يدي فترة ثم قمت ولم أنطق سوى كلمات معدودة : يا رب :إن لم يكن بك غضب علي فلا يضيرني شيء ، وإن كنت تقتص مني لذنب فعلته فأسألك الرحمة في قصاصك، وإن كنت تقف في طريق هدايتي فليس ذلك من طبعك ، يا رب لم يعد لدي قوة لأقاوم ما أنا فيه وإن لم تظهر لي ذاتك فسأضل ، إنني أحبك سلكت كما أمرت في السابق وفعلت ملا يستطع أحد أن أفعله اعتقاداً أن هذا يرضيك ، وعندما أريتني نورك وسمعت النداء أنك تريدني لم أتباطيء فإلى متى تتركني أتخبط في الظلمات، إن كان ما يحدث لي اختبار أعددته لي لتقودني إلى حظيرتك أيها الراعي الصالح فزد من ذلك لأنني بذلك أكون على موعد للقائك . في تلك الليلة نمت نوماً عميقاً لم أنم مثله ليس من أيام بل من سنوات ، وقرب الفجر تقريباً رأيت رؤيا في منامي وإذا برجل عريض المنكبين ، كثيف اللحية فارع الطول محمر الجبين سبط الشعر ملامحه أجمل ما يكون ، وإذا به يمتلكني من منكبي ويهزني بلطف قائلاً : أما زلت تشك فيّ ؟ قلت من أنت لكي أشك فيك ؟ إني لا أعرفك . قال : أنا من تبحث عنه ؟ قلت لا أدري ذكرني قٌال : اقرأ في الكتاب لماذا لم تقرأ في الكتاب ؟ قلت ألم تعلم أنني فقدت الكتاب وكل أوراقي فكيف أقرأ ؟ قال : إن الكتاب لا يضيع ، قم وافتح دولابك فستجده هناك وباقي أوراقك سوف تعود إليك خلال أسبوع ، انتفضت كمن أوقظه أحد بسوط وأسرعت بدون تفكير نحو الدولاب الصغير الذي كان بأحد أركان غرفتي وفتحته وأنا أرتجف فإذا الكتاب الذي فقد بعينه داخل الدولاب فوقفت لحظات أرتعش وتخبط نواجذي كمن كان في يوم قارس البرد ، ثم احتضنته كطفل كان غائب عن أمه زماناً ثم عاد ، وأسرعت لأدري كيف نحو والدتي لأوقظها وأقبلها بكل فرح وأعلن لها أن ما حدث اليوم لن أسمح لكم أن تقولوا عني أني جننت ، وأخذت أرتمي في أحضانها باكياً وأردد سامحيني يا أماه على كل ما بدر مني تجاهك ، كنت أحسب ذلك من الإيمان أم الآن فقد علمت ما هو الإيمان ، من فضلك دعيني أقبل قدميك لن أقبل أقل من ذلك ، قالت : ماذا حدث لك يا بني أخبرني : قلت سأقول لكي لكن أسألك بكل ما هو عزيز لديك لا تقولي جننت ، إنني يا أماه قد هداني الله ، قالت ومن قبل أين كنت ؟ قلت إن الله الذي هداني ليس هو ما كنت أسير في فلكه من قبل . قالت : هل هناك إله آخر ؟ قلت نعم ، هناك إله آخر يقول لي أن أحبك وأخضع لك ، قالت من هو هذا الإله ؟ قلت هو المسيح عيسى كما يقول القرآن ، قالت : أرجوك يا بني لا تقل ذلك أمام أخوتك فيتهموك بالجنون ، قلت حاضر سأفعل لكن هل تصدقيني أنت ؟ قالت لماذا لم أصدقك وقد رأيت الدليل أمامي إنك منذ عشرون عاماً لم تفعل معي ما فعلته اليوم أذهب والله لن يتركك لكن تكتم الأمر عن أخوتك ، قلت لو تعلمين ما بداخلي يا أماه لعذرتني في كل شيء أريد أن أقف في وسط الطريق وأعلن أن المسيح هو الله وأنه غيرني ، وفعل بي ما عجز إله محمد أن يفعله ، فوضعت يدها على فمي لتمنعني من الكلام ، ولم أنم بعد ذلك كنت أتوق لضوء النهار لأخرج للناس وكأنني قد خرجت إلى الحياة للتو ، وذهبت في الصباح الباكر أنظر حولي وإذ أنا أرى كل شيء جميل وكل الناس طيبون ، أخذت أسلم على كل من يقابلني سواء عرفته أم لا ، وذهبت نحو البقال المسيحي الذي كنت أسيء إليه فاعتقد أنني قادم إليه لأفعل ما كنت أفعله معه من قبل ؛ فأسرع نحو الدكان ليغلقه ، فناديت عليه أرجوك انتظر .لا تخف . فوقف متسمراً في مكانه ولم يتفوه بكلمة وإذا أنا أجد نفسي أقبله وأطلب منه أن يسامحني ، فلم يكن إلا أن بكى وسمعته يقول كلمات لم أدري معناها إلا بعد ذلك قال : هللويا مجداً لله فقلت ماذا تقول ؟ قال ستعرف ما قلت في حينه ، وانصرفت وكنت أرى الناس بصورة غريبة حتى أنني شككت أن يكون قد حدث لعقلي شيء ، كانت نظرات الناس تلاحقني أينما كنت ؛ مندهشين مما حدث لي ، حتى زملائي في العمل كانوا ينظرون إلي بتعجب ويضربون كفاً على كف وكأنهم يقولون : ماذا حدث لهذا الإنسان بالأمس كان يبصق علينا وها هو الآن كالحمل الوديع ، ماذا يدور في خاطره هل هي مكيدة جديدة يخطط لها ؟ كنت أرقب في أعينهم الحيرة تجاه سلوكي الذي تغير 180 درجة لكن لم يكن يشغلني ما يقولون أكثر من انشغالي بالإحسان لكل من أسأت إليه ، وكذلك الفرحة العارمة التي ملأت قلبي والوداعة المتناهية ، والهدوء ، أحياناً كنت أعتقد أنني في حلم جميل لا أريد أن أفيق منه ، لكنها هي قوة الله ، كنت متعجل الاختبارات التي تثبت أنني حقاً قد تغيرت إلى الأبد وليس وقتياً ، وكنت أتفكر في ما قاله لي الرجل الذي رأيته في المنام من أنني سأعثر على الأوراق خلال أسبوع ، ومرت الأيام وبدأ الشك يتسلل إلى وكنت أخشى من أن تفسد فرحتي إن لم أعثر على الأوراق وفي اليوم السابق لتمام الأسبوع كنت قريباً من محطة القطار وأردت أن اعمل تليفون ، ولم يكن أمامي سوى نفس التليفون الذي فقدت عنده الأوراق والكتاب من قبل فترددت وكنت أتقدم نحو التليفون وأرجع ثانية إلى الخلف حتى لاحظ صاحب التليفون ذلك ، فقال : ماذا تريد أراك متردد هل حدث شيء ؟ قلت لا لكن تليفونك هذا أتشاءم منه فقد اتصلت منه منذ أسبوع وفقدت شنطتي وأنا اليوم أريد الاتصال لكن لا أدري ماذا سأفقد ، قال هل الشنطة تلك لك ؟ قلت نعم هل لديك معلومات عنها ؟ قال : هات علامة وأنا أخبرك أين هي . فقلت أنها شنطة بلاستيك بها مجموعة أوراق وكتاب مثل المصحف وبطاقتي وجواز سفري وليس بها نقود إطلاقا قال : نعم هي كذلك غداً تعال وأنا آخذك عند من وجدها ، وفي اليوم التالي تمام الأسبوع ذهبنا إلى قرية في ضواحي القاهرة ناحية الجنوب ، وقابلنا الرجل الذي عنده الحقيبة وأعطانا إياها ، وفتحتها ولم أجد الكتاب ، فقلت للرجل إن الحقيبة ناقصة كتاب ، قال : والله ما أخذت منها شيء ولم افتحها إلى يوم أخذتها وكان بها أوراق وجواز سفر وبطاقة ومصحف ( الكتاب المقدس ) ولم أر ما فيها حتى اليوم ، فرحت جداً بما قاله الرجل وأخبرته أني صدقته ، لأن ذلك معناه أن الله قد أعاد لي الكتاب بعد أن فقدته ، كان سبب سعادتي أنني طوال أيام حياتي الإسلامية لم أعهد أن أطلب من الله أو أن أرى مثل ما حدث هذا ، حقاً لقد كان يمثل بالنسبة لي معجزة فوق كل المعجزات ، حتى أنني عدت لأحقر نفسي أمام عمل الله هذا معي ، فقلت : من أنا يا رب حتى تفعل معي هكذا ، وحالاً جاءني الجواب ؛ أنا فعلت وسأفعل أعظم من هذا للذين يحبون الله .

حمل هذا الكتاب

الصفحة الرئيسية

 الاولى
الثانية
الثالثة
الرابعة
الخامسة
السادسة
السابعة
الثامنة
التاسعة
العاشرة
الاخيرة

الصفحة الرئيسية