حارة النصارى | ||||||||||||
كنت داخل الجماعة ألمس معانى المحبة الصادقة لله والرغبة الشديدة لتقديم كل نفيس وغالى قربانا …… واسمحوا لي ألان أن ولأول مرة من أن أعلن أو أستعرض قليلا من حياة الجماعة بالغوص داخلها ونقل حوائطها باخلاص وصدق وابراز ما كان يدور بداخلها وبين أعضاءها وكان مخفيا عليكم . كان "شكري مصطفى" تلميذا نجيبا للشيخ الراحل "سيد قطب" ـ الأب الروحي لجماعة "الإخوان المسلمون" ـ وكانت أفكار سيد قطب تلقى قبولا واسع النطاق داخل جماعتنا اذ كان هو الوحيد الذي لم تطله أنصال التكفير في جماعتنا . وبعد وفاة الشيخ "سيد قطب" … تدهورت أحوال "جماعة الاخوان المسلمون" من بعده وبدأوا في مرحلة جديدة عليهم متمثلة في نوع من أنواع المهادنة مع الدولة وانفصل على أثر ذلك الفعل المشين البعض من المخلصون لله عن هذه الجماعة التى تهادن في حق الله وتتساوم مع الحكومة وبدأوا يكونون ما عرف فيما بعد باسم جماعة "التكفير والهجرة" … ولكم أن تعلموا بأنا لم نطلق على أنفسنا هذا الاسم أو اللقب الذي أشيع وأطلق علينا بل كنا "الجماعة المسلمة" وكان التطفير والهجرة هذا هو المسمى الاعلامى الذي أشاعوه عنا والذى كان مشتقا مما كانوا يشعروه من جوهر أفعالنا وصلب أفكارنا . لقد قامت جماعتنا على القرآن والسنة ـ أو قل أن الجماعة بنت أفكارها على القرآن والسنة ـ ولم نكن نسمح بقبول أية فكرة أو مبدأ ما لم يكن مدعما بنص قرآنى صريح أو حديث نبوى . كان لدينا مخطوطاتنا التى تحتوى على أفكارنا وعلى كل عضو جديد أن يقرأها جيدا قبل تقديم البيعة للأمير … فان قبل هذه الافكار … قبلت منه بيعته … وكانت هذه المخطوطات تقع في جزئين : الاول : كتاب الحجيات … وهو الذي يضم كل النصوص التى نستند اليها عند الحكم بتكفير أى فرد . الثانى : الحد الادنى : وهو يبين أقل قدر من الفروض التى يجب على الفرد أن يؤديها حتى يصبح مسلما واذا انتقض منها واحدة يكون "كافرا" . وهناك بحث ثالث يبين ما هو الايمان وما هو الاسلام … وكانت هذه الكتيبات تدرس لكل أفراد الجماعة دراسة وافية باتلشرح والتحليل . والجدير بالذكر أن ذلك يعد تطورا لأفكار الجماعة حيث كانت في البدء تعتمد على أفكار سيد قطب كما ذكرت بالسابق والتى كانت تتمثل في : 1- دراسة كتاب الشيخ "سيد قطب" (معالم على الطريق) 2- حفظ ودراسة سورة الانعام من خلال تفسير (في ظلال القرآن) وقد كان كتاب سيد قطب يرسم الطريق نحو الله مبينا من هو المسلم الحقيقى ومن هو الكافر … وتحمل سورة الانعام معانى التوحيد الذي يجب أن يكون عليه كل مسلم . كانت هذه هي الافكار والمبادئ التى قامت عليها الجماعة ولكن كيف كانت علاقة الاشخاص بعضهم البعض تحت لواء الجماعة ؟ كان لدى كل فرد من أفراد الجماعة ايمان راسخ وثابت بأن بقاءه في الجماعة هو الاعلان الوحيد عن اسلامه … وأنه ان فارق الجماعة قيد شبر خسر الدنيا والاخرة … لذا كان هناك طاعة عمياء للأمراء الذين كانوا معينين من قبل الامير "شكرى" … كل فرد فينا يقوم بتطبيق الاوامر والفروض على نفسه دون الانتظار أن يبادله الاخر نفس المبدأ … لا يتأخر أحد فينا في تنفيذ وتطبيق أية فروض ايمانية . وكنا جميعا نشعر ونعلم ونتعلم أنه ان قال الرسول "لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه" فالواجب الفعلى علينا جميعا أن نحب اخوتنا كأنفسنا ولو من جانب واحد لأنه من ضروريات الايمان وكان أيضا الحب والولاء للامير من ضروريات الايمان اذ هو مرتبط بقول النبى (من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني) فطاعة الامير طاعة لله ورسوله ومعصية الامير معصية لله ورسوله . كان كل فرد من الجماعة يسارع بأن يقدم الاخر على نفسه خاصة في الاحتياجات مما كان يضفى نوعا من الالفة والتعاضد بين الافراد وفى حالات البيع والشراء مثلا … كان يتم بين الاعضاء حسب قول الرسول (البيعات بالخيار مالم يتفرقا) فمثلا اذا باع فرد من الجماعة شيئا لأخر فيمكن للمشترى الرجوع عن عملية البيع مادام جالسا مع البائع … أما اذا افترقا الاثنان ولو لمسافة متر واحد أصبح البيع نافذا ولا يجوز الرجوع فيه … ولم تكن حدود البيع والشراء هي الاسس فقط بل كانت هناك أسسا أخرى هيئت لنا مناخا اجتماعيا يسوده الود والمشاركة والاحساس بالاخر … وتمثل هذا مثلا فيما يسمى بالعطاء الذي يعطيه الاخ لأخيه وهذا "العطاء" مجانى ولا يجوز رفضه ولا يجوز استرداده مهما كانت قيمته … فاذا أعطيتك شئ ولاأريد استرداده … وجب على أن أصرح أمامك بأن هذا الشئ هو "عطية" وعندها وجب عليك تقبله ولا يجوز لي استرداده لأن الحديث يقول (ان الذي يسترد عطاءه أشبه بالكلب) وكان عادة يتم ذلك من باب التفانى في حب كل منا للآخر … ومحاولة كل فرد التغيير عن ذلك الحب بصورة ملموسة لم يكن لأى فرد منا اعتراض على أى أمر من أوامر الامير مالم يكن هذا الامر ضد الله ورسوله … فكثيرا كنا نجلس ونتشاور حول أسرنا … أباءنا وأمهاتنا واخواتنا واخواننا … فينقل كل منا صورة أسرته الدينية حتى نصدر حكما اما بكفرهم أو بصحة اسلامهم . وفى حالة صدور الحكم بكفرهم كان على كل فرد منا ضرورة معاملتهم ككفار من حيث الولاء، النصرة، الحب، فيحب أخيه في الجماعة أكثر من والده ووالدته وأخوته … الكافرين … فكانت علاقاتنا بعضنا البعض هي العلاقات البديلة التى يهبها الله لنا … ولم يكن هناك تردد في قبول ذلك لأن الجميع كانوا يحبون بل ويحرصون على طاعة الله ورسوله . ولم تقتصر أوجه التحضر في الجماعة على ذلك النوع من الحب والدفء الاجتماعى فقط … بل امتد الى ما هو أكثر من ذلك فكان لا يتم اتخاذ قرار من أى نوع من دون انعقاد مجلس للشورى … ولم يكن كذلك من حق أى فرد من أفراد الجماعة التعدى على أى من ممتلكات الاخر سوى باذن مسبق حتى ولو كان مجرد استخدام النعال … وكان لزاما في هذا أن نجلس معا ونعطى بعضنا البعض تصريحا أو اذنا مسبقا باستعمال حاجاتنا لأنه من دون ذلك نكون قد وقعنا في المصية لان ذلك يعتبر (أخذ بسيف الحياء) … كأن تطلب من أن أعطيك شيئا من حاجياتى فيأخذنى الحياء على عدم الرفض فاعطيه لك ولكن بدون رضا نفس تام وها هنا يعد هذا العطاء "حراما" مأفونا لأنه ينطبق على ما قاله الرسول في حديثه (ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام" . كانت المساجد التى قامت ببنائها الحكومة هي مساجد من وجهة نظرنا كجماعة مساجد "ضرار" قال عنها الله (لاتقم فيه أبدا) ولكن ان وجد مسجدا أو زاوية بناها الاهالى بالجهود الذاتية فعندها ندخل ونقيم صلواتنا بلا حرج . كنا كذلك نقدر جيدا قيمة الوقت للحد الذي يدفعنا للجلوس والاجتماع أسبوعيا لاسترجاع دراسة أفكار الجماعة والتدريب على قيادة حوار أو مناقشة مع عناصر من الجماعات الاخرى … والتى غالبا ما يدور الخلاف فيما بيننا حول النصوص العامة في القران … والتى غالبا ما نستند عليها في تكفير العاصى مهما كانت معصيته … فمثلا تقول النصوص : (ومن يعصى الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) "النساء:14 " . (ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا …… ) "الاحزاب:36 " . (ومن يعصى الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها أبدا) "الجن:33 " فهذه النصوص تتحدث عن عموم المعصية ـ أى معصية ـ ومن يفعل المعصية فهو في نار جهنم خالدا فيها ولا يخلد في النار الا الكافر وبذلك يصبح العاصى كافرا . كانت الزوجة تعرف وتعى ما هو معنى الخضوع للأزواج على اعتبار أن الزوجة اذا باتت وزوجها غضبان عليها أو منها "تلعنها" الملائكة حتى تصبح … لذا كانت الزوجة تخشى أن يغضب منها زوجها ودائما كانت تشعر بالاستضعاف والدونية … وان لم تطيع وتخضع لزوجها فعليها تحمل تبعات ذلك من ضرب وهجر … ولا تقدر على الهروب من ذلك وفى جميع الحالات التى كانت تعرض على الامير من مشكلات زوجية كان الحق الدائم في جانب الزوج بطبيعة الحال ولم يكن للمرأة الخروج من منزلها لأن صريح النص يقول : (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى ) "الاحزاب" كنا نعيش بحق بهدى القران والسنة فيما بيننا بصدق واخلاص شديدين وبلا حرج فان جاء مثلا أخ في زيارتى ولم أكن جاهزا لاستقباله فعلى أن أطلب منه الانصراف ـ ولو من وراء الابواب والنوافذ من دون أن يرانى ـ وعليه أن يرجع من دون حرج له أو لي !! فالنص يقول (فان قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم) "النور:28 " هذا بخلاف الكراهية الشديدة للكفار التى لم نكن نخترعها بل كان يحثنا عليها جميع النصوص التى تملاء القرآن بل والسنة أيضا . وكنا نتجنب التعامل معهم الافى الحدود التى سمح بها رسول الله واعتبرنا أن أى مشاركة منا للمجتمع الكافر أو الحكومة هي موالاة صريحة لهم ولذا كنا لا نحبذ العمل في المصالح أو الهيئات الحكومية أو حتى الدراسة في مدارسهم أو جامعاتهم … حتى تلك المسماه "جامعة الازهر" اذ كان القائمون على الحركة التعليمية فيها بالنسبة لنا على الاقل "كفارا" بل حدث ولا حرج فهم أئمة الكفر الذين يجب مقاتلتهم بناء على صريح الاية (قاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم) " …… " اذ كانوا يخدمون الدولة الكافرة ولا يقولون الحقيقة للحاكم ولا يكفرونه ويختلقون في ذلك بعض الاحاديث ويحورون مفهوم النصوص القرآنية لصالح آرائهم وذلك يعد كفرا بينا بناء على الحديث (من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده في النار) واستنادا وانطلاقا من تلك القاعدة لم نكن نقبل بتفسير النصوص التى تحدد المسلم من الكافر ونقبلها كما هي بدون تأويل أو تحريف وهذا كان أقرب الى مذهب ابن حزم الظاهرى . كانت نظرتنا فى التحاكم للدولة الكافرة وأجهزتها كفرا صريحا (يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) "النساء:60 " . ومن هذا المنطلق كنا نلجأ الى تنفيذ كل أمور الحياة بأنفسنا بدون الرجوع للدولة . · المرتد عن الجماعة يقتل بالتنفيذ الذاتى . · مراسيم الزواج والعقد بدون متطلبات معثرة … فقط كان المهر عبارة عن أيات قرآنية ، ومايعادل ¼ جنيه ان لم يكن العريس من ذوى المال الوفير . · قبول الاعتذار ممن يقترف اثما ويتوب عنه بضربه بالسوط على ظهره . · تعليم أولادنا بأنفسنا من دون اللجوء الى مدارس الحكومة الكافرة … فالقرآن والسنة يحملوا في طياتهم كل علوم الدنيا التى سنتركها في مدارسهم . · التحريض على عدم حمل البطاقات الشخصية أو العائلية اذ انها من أفعال الحكومة الكافرة وهى سمة من سمات المجتمع الكافر . لم تكن السمات الداخلية هي التى تميز الجماعة فقط بل أيضا السمات الظاهرية من ملبس وهيئة وطريقة المأكل التى ربما كان البعض يعتبرها تخلفا … فمثلا كنا نؤمن بضرورة مخالفة أهل الكتاب من اليهود والنصارى وكنا نعتبر البنطلون والقميص هو تشبه بهم فكنا نرتدى الجلباب القصير لا الطويل لأن الطويل به خيلاء والحديث يقول (من لبس ثوب خيلاء ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) … وكنا كذلك لا نأكل مع الكفار حتى ولو كانوا اخواتنا … آبائنا … أمهاتنا … ولا نسكن معهم … كنا نهجر البيوت ونبحث عن وسيلة هجرة المجتمع حيث كان العيش وسطه كفر ليس لأننا من ذوى العقول المختلفة ولكن بناء على صحيح الحديث (أنا برئ من كل من أقام بين ظهرانى المشركين) . ولما كان لم يوجد مجتمع مسلم على صحيح الاسلام نهاجر اليه فكنا نقتصر على قضاء بعض الايام في جبال الصعيد في المغارات والكهوف … وكثيرا ما كنا نجد هناك تجارا للمخدرات وعلى الفور ننسحب لمكان آخر … كان لا يشغلنا عن ايماننا لا المال ولا الترف ولا لذة العيش … كان لدينا هدف واحد فقط هو طاعة الله ورسوله … أو اننى أستطيع التحدث عن نفسى فقط بشئ أكبر من الثقة فلم يكن لدى بالفعل أى رغبة أخرى داخلية أو باطنية في كيانى أو عقلى سوى طاعة الله ورسوله والحياة في ظل الله باخلاص … للفوز بجنته … !! كنا كثيرا ما نقض أيام من دون طعام وفى بعض الحالات كنا نأكل العشب ونتدرب على أكل الضفادع والسحالى الجبلية … بحيث يكون كل فرد منا مؤهلا لتحمل كل الصعاب والازمات والالام في سبيل ارضاء الله ورسوله . كان تلك بعض من الكثير الذي كان يدور في كواليس الجماعة والذى لا يتسع المجال لذكره هنا بالكامل … ولكن باختصار قل اننا "نذرنا أنفسنا لله" . وبقدر هذه الايجابية التى كنا نتمتع بها كجماعة الا أنه كان هناك بعض من نواحى القصور في فهم وتنفيذ القيادات للأوامر فمثلا : 1- كان الامير يتلاعب بالنصوص ويحول مفاهيمها حسب مايريد فمثلا ان كان يريد أن يحكم على والدى بالكفر … فهو يقدر … وان شاء أن يحكم عليه بالاسلام فعل … !! وحيث أن ذلك لا يعد كفرا فلابد لي أن أقبله . 2- كنا في تعاملنا نع الكفار لا ندقق كثيرا في الحكم الذي سنصدره عليهم … لاننا قد خرجنا في الاصل للاستيلاء على أموالهم … فكان أى خطأ بسيط يعتبر بينة على كفره … كأن يكون مثلا "واضعا لصورة والده المتوفى" فما يكون منا الا أن نسأله : هل تعلم أن الصور حرام ؟ فيرد : نعم فنقول له : لماذا لا تبعدها أو تنزلها ألان ؟ فيرد : لا أقدر انها لأبى المتوفى !! . وعندئذ يكون رفض أمرا من الدين بالضرورة فيكون كافرا ويكون حلالا لنا دمه وماله … !! 3- كانت هناك مبالغة في تنفيذ بعض الامور التى لا تدخل في نطاق العقيدة مثل الاكل … فكنا في المطاعم العامة وبعد الانتهاء من الطعام نقوم بلعق الاناء والاصابع في ظل عيون كل من في المحل وهى في حالة رصد مشمئز مع أن عدم فعل ذلك لا يخل بالعقيدة . 4- كان من حق الامير أن يسطو على كثير من الاشياء المملوكة للغير بدون اذن مسبق تحت ما يعرف (الضرورات تبيح المحظورات) . 5- عند الدخول في مناقشة أفكار الجماعات الاخرى … لم نكن نصغى باهتمام الى أفكارهم … فكنا نعرج بالحوار للانتصار لأفكارنا وكانت فترة استماعنا لرأيه هي مسألة شكلية ليس الا ومسألة وقت فقط نعطيه له حتى ينتهى من حديثه . 6- كان هناك تعرض غير منطقى للنصوص … فكنا نبيح أن ينكح الرجل زوجته من دبرها اعمالا للنص (نساءكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم) "البقرة:233 " مع أن هناك بالمقابل حديثا ونصا يخالف ذلك. (ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا يشمون ريحها … ناكح المرأة من دبرها …… ) والنص القرآنى (فان تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله) لم يكن من حق أى فرد مراجعة الامير في أى تصرف أو قرار أو سلوك أو أمر الا اذا كان كفرا وحتى لو كان كفرا فانه يرى نفسه مخولا من قبل الاه لتجاوز الحدود عند الضرورة وغير مباح للأخرين بالطبيعة … فعلى الجميع السمع والطاعة … خوفا من الوقوع في الكفر … أو الحكم بالارتداد والقتل . تلك كانت بعض من السلبيات التى كانت بين الجماعة التى لا يعرفها الا من عاش بداخلها وربما ليس لكل فرد الاطلاع على كل هذا … ورغم كل هذه السلبيات ولكنى أعتقد أن جماعة "شكرى مصطفى" كانت من أصدق وأقوى الجماعات التى ظهرت في مطلع السبعينات وحتى حادث اغتيال الرئيس الراحل "محمد أنور السادات" ومن قبله "الشيخ/ محمد حسين الذهبى" . لقد عجزت أجهزة الدولة عن التصدى لهذه الجماعة بالفكر والحوار … لأن ذلك سيقود الدولة بالتالى الى تكذيب النصوص القرآنية الصريحة … !! وفى كثير من المرات وآخرها وقت محاكمة "كارم الاناضولى" في عملية الفنية العسكرية و"شكرى مصطفى" في عملية مقتل الشيخ الذهبى … طلبت قيادات الجماعة مناقشة علماء الازهر … في معنى قوله تعالى : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) "المائدة:44" (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الطاغون) "المائدة:45" (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) "المائدة :47" وكان هذا الطلب يقابل بالرفض الدائم على اعتبار أن الجماعة هي امتداد لفكر الخوارج … !! ولكن نجحت الدولة وأجهزة الحكومة في اضعاف أو تقليب واثارة الشعب على جماعة "شكرى مصطفى" بأن غرست بعض من أعضاء المباحث داخل صفوف الجماعة وعاشوا سنوات يقدمون فروض الولاء والطاعة للأمير ولفكر الجماعة وكذلك التقارير لمباحث أمن الدولة … كانت جهات الامن تعلن عنهم كل فترة على أنهم من التائبين … المفرج عنهم !! وهم بالحقيقة رجالهم . وتكررت الحوارات التليفزيونية مع هؤلاء التائبين فيقوم المذيع بالقاء أسئلة محددة ومعروفة ومعروف أيضا اجابتها والغالب أنهم هم الذين يكتيونها باجاباتها . فكانوا مثلا يدعون بأننا نبيح زواج المرأة من رجلين … ورغم أن هذا حرام وممنوع من القرآن والسنة … وكانوا يقولون ويدعون بأننا نحرم أشياء لم يحرمها الله واننا امتداد للخوارج لاننا نكفر … وكان الهدف من وراء ذلك هو تشويه صورة وأفكار الجماعة لدى عامة الشعب الذين ـ لا يعرفون عنا مثلما يعرف هؤلاء التائبين المزعزمين … !! ـ كانوا بالطبيعى يتجاوبون معنا في وقت كان ظلم الحكومة واستبدادها على أشده … حتى أن الحكومة أجبرت الشيخ "محمد متولى الشعرواى" على تحليل (عدم تحريم) تعامل الدولة بالربا بعدما رأوا الناس وقد عزفت عن وضع مدخراتهم في البنوك … وكانت خطة تشويه صورة الجماعة مخطط جيدا ومدروس بعناية فائقة واحكام شديد . وكان آخر ما فعلته الحكومة معنا هو ذلك الكتاب الذي خطه (محمد حسين الذهبى) 1977 والذى قال فيه: "أننا خوارج القرن العشرين" وعندها أرسلنا كقيادة للجماعة الى كاتب الكتاب والذى كان وقتها يشغل منصب شيخ الازهر برسالة نحذره فيها من الانسياق وراء مخططات الحكومة … وكفاه كفرا هو الاخر الى هنا … على أنه الن أصبح بوقا شرعيا لهم … يستخدمونه لأفكارهم … وطلبنا منه عدم التعرض للجماعة ولا لفكرها الذي لا يعلم عنه شئ … وأرفقنا له في رسالة لاحقة مرة أخرى بسؤال لتفسير قول الله تعالى : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) "المائدة:44" وكان السؤال "هل حاكم مصر يحكم بما أنزل الله أم لا ؟ ……………… . كان مخطط الدولة هو تأليب كل الشعب ضد جماعة المسلمين أو التكفير والهجرة كما يسموننا … اذ كنا في زيادة مضطردة تهدد أمن واستقرار أى حكومة شمولية في العالم … حتى بلغنا آلاف في جميع أنحاء البلاد من شمالها وحتى جنوبها . وكان الذهبى أداة من الادوات التى حاولت الدولة استخدامها ضدنا خاصة بعد فشل حملتهم الاعلامية وعدم اقتناع وتصديق عامة الناس بما يقال عن أناس وهبوا حياتهم لله وهو الامر الذي لم يكن متوقعا لدى الحكومة اذ كان اختيارهم للذهبى مبنى على قدرته على الحوار المضاد علاوة على استغلال شعبيته وشرعية كرسييه في التصدى لنا بالافكار المضادة بداخل طوائف الشعب بأسرها . ولم يكن علينا بالعسير لأن نعرف هذا الفشل أو رصده … فكنا نسمح لبعض الافراد من جماعتنا بحلق لحاهم والتخفى في زى عادى ويذهبون للتخالط مع عامة الشعب ومجالستهم ونقل كل ما يقال عنا … وكانت كل التقارير التى كانوا يقدمونها تشير الى ارتفاع نسبة التعاطف معنا ومع القضية الدينينة التى نتبناها يصل نحو السبعون بالمائة ويتعاطف معنا ضد الدولة . ولما لم تنجح الرسائل مع الشيخ الذهبى في اسكات صوته الكاذب … قررنا اعتقاله … وذهبت مجموعة منا الى مسكنه بالمعادى … وطلبوا منه الحضور الى القسم … فقد كان بيننا ضابط شرطة مفصول وكان يحتفظ بزيه العسكرى … ونجحت الخطة … وأعلنا الخبر لوكالة أنباء الشرق الاوسط التى تطايرته وأعلنته على العالم كله … وقد كانت مطالبنا تتلخص في الافراج عن بعض القادة المعتقلين في قضية الفنية العسكرية والتوقف عن الدعاية الكاذبة ضد الجماعة … ولكن الدولة ماطلتنا وكانت تخطط لاقتحام مكان اعتقاله وقد فطنا الى ذلك … فكنا ننقله في أكثر من مكان حتى استقر في مكانه الاخير بعزبة النخل الذي صار في غضون أيام مثواه الاخير … !! تم القبض على معظم قيادات الجماعة وحكم على البعض منهم بالاعدام وآخر بالاشغال المؤبدة … والباقى بفترات تترواح من سنة الى عشر سنوات وكنت أنا ممن حكم عليهم بثلاث سنوات . وبعد انقضاء فترة الحبس غادرنا البلاد لانها لم تعد مناسبة لبقاءنا فمعظم القيادات اختفت بدرجة لا تسمح بالاستمرار بنفس القوة السابقة حتى أن البعض بمجرد خروجنا بدأ يتصارع مع البعض الاخر من أجل قيادات الجماعة ومناصبها القيادية !! وهنا انقسمت الجماعة جماعتان : الاولى : سارت على ما كان عليه (شكرى) . الثانية : مالت الى فكر الجهاد في عدم تكفير العاصى وجواز الشفاعة لمرتكب الكبيرة … الخ . وكل جماعة اختارت لها أمير والغريب أن الاميران كانا خارج البلاد وأما أنا ومن معى فقد توجهنا الى بلد قريب مجاورا لمصر … وهناك وجدنا كا دعم وتأييد من سكان البلد الاصليين … ثم تزايد عدد الجماعة مرة أخرى وبدأنا نعيد ترتيب الامور … واعادة كتابة فكر الجماعة … وتدريسه للأخوة الجدد من البلد المضيف الذي نزلناه ورغم قسوة المناخ في بلد المهجر … وظروف حياتها الصعبة بما فيها من حرب عرقية والتى كانت لا تزال مشتعلة في أحد مناطقها الا أننا صمدنا أمام كل الصعاب من أجل الانتصار لدين الله واعلاء كلمتة … ثم أن قررنا الانتقال من العاصمة الى مكان آخر قريب من حدود بلدنا … وهناك بنينا معسكرا … يتسع لأكثر من مائة وخمسوزن أسرة بالاطفال والشيوخ والشباب … وأخذنا في البدء لحياتنا مكتفين ذاتيا وتمكنا من خلال مساعدات أهل البلد الاصليين من شراء كمية من الاسلحة التى تدربنا عليها جميعا بشكل كاف يضمن لنا براعة استخدامها وبتنا في انتظار ساعة الصفر التى سننطلق فيها لاقامة دولة الاسلام في الوطن المهجور تلك كانت أمنيات كل الاخوة في أن يعودوا من مهجرهم الى ديارهم فاتحين … ولكن في الحقيقة لم تكن أمنيتى فقط … بل كانت أحلامى وأمنية الامانى هي العودة الى حارة النصارى لأقتل كل مقاتليهم الشبان وأسبى ذراريهم من النساء … وأستولى على أموالهم غنيمة لله ورسوله … وكنت كلما تذكرت لحظة العودة لأرض الوطن منتصرا ظافرا … أعض على أطرافى من الترقب والغيظ ولا أدرى ما هو السر وراء انشغالى بهاجسى الشخصى "حارة النصارى" الذي كان يطاردنى حتى أحلامى وأنا في بلاد أخرى … !! لربما كان هذا الاشتعال الداخلى لأن تنشئتى الاضطهادية كانت هناك ولربما … ولربما … كانت حارة النصارى تأتينى أطياف … تارة بالحنين لمراحل الطفولة … حيث مجدى … هذا الشخص الذي استطع أن يحصل على مقعده بداخل سرائرى جميعها … بكفره … وشركه بارادتى أحيانا وبغير وعى الارادة أحيانا أخرى . وتارة أخرى أجد نفسى مدفوعا للاستغفار على حنينى الداخلى لأحد المشركين … اذ لابد وأن تكون ذكراهم مصدر حزن لا مصدر فرح واغتباط … وفيما الغبطة اذن ألا لأنهم مازالوا على شركهم وسط المسلمين … !! …………………… وبعد أن انتهينا جميعا من التدريب على السلاح باستخدامه وحمله بما فينا النساء أيضا … بدأنا في ارسال خلايا فدائية لتتسلل عبر الحدود … لتنفيذ عمليات ضد أئمة الكفر الذين أمرنا الله بقتالهم كما جاء في سورة التوبة والاية 12 (وقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون) وقد كانت تلك العمليات تتم بنجاح رغم أن الدولة كانت تطلق عليها مسميات مختلفة وتنسبها بدوافعها لأغراض مشوهة الصورة في حين كنا عقب كل عملية نهتف ونكبر الله أكبر … الله أكبر … وكنا نعزى دائما الانتصار فيها لله . ونردد في داخلنا بألسنة جهارية في بعض المواقف والاوقات قول الله تعالى في سورة النساء آية 104 (أن تونوا تألمون فانهم يألمون … كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) … حقا كنا نتألم من جميع النواحى وفى كل الظروف لكننا كنا نشعر بسعادة عندما نقرأ هذه الاية التى كانت تهبط علي مسامعنا بردا وسلاما فتزداد حميتنا ويقوى عزمنا على مواصلة مشوار النضال والجهاد فنحن وان قاتلنا المشركين فانها احدى اثنتين … النصر أو الشهادة ولا بديل آخر لدى أى منا ولا نرى سوى هذين الامرين … وفى كلتا الحالتين فهو خيرا لنا … !! وبالحقيقة لم نكن نعتمد فقط على الحلول العسكرية بل كنا نستخدم كامل طاقتنا وأفكارنا على اختلافها وتباينها ونجرب كل الطرق … الى أن جاء اليوم الذي قررنا أن نرسل مجموعة من الافراد الى منطقة كان معظم سكانها من أهل الكتاب (يهودونصارى) لدعوتهم الى الاسلام وكانت تلك المجموعة تضم ستة أفراد وكنت قائدهم وسافرنا مسيرة ثلاث أيام … حتى وصلنا البلد المنشود … وهناك طفت بذكريات ـ "الحلم الذي من كثرة الاخفاق في النجاح به … أصبح الآن … الحلم الغير شرعى للجهاد الوطنى ببلدى مصر " ـ (حارة النصارى) أو طافت هي بى على مسرح أحداثى الجديد ثانية … ولأول وهلة عندما شاهدت الصليب منقوشا على رسغ أول مسيحى قابلته عيني … فرحت جدا وكأننى أسد جائع يبحث عن فريسة … وقلت في نفسى الحمد لله الذي رزقنى بحارة نصارى أخرى ها هنا … !! وقررت أن أبدأ من حيث انتهيت بالحارة السابقة … ولكننى فجأة توقف تفكيرى وتذكرت أننى قائد مجموعة … وان أنا انجرفت في هذا الحس فلسوف يفعلون مثلى … وبالتأكيد سنضل الهدف الذي جئنا لأجله … اذ اننى وحدى الذي يعلم ما قد ىلت اليه حارة النصارى في أيامها الاخيرة قبل تركى اياها … وطلبت من الله أن يقوينى ويعطينى صبرا على رؤية النصارى من دون تعرض مباشر وواضح ينهى على الحوار من قبل اقامته . وجلسنا نفكر سويا في كيفية التعامل معهم ونحن مأمورون في الوقت ذاته بعدم التعامل بالود مع هؤلاء النصارى !! وللحق كانت النصوص مرنة في هذه الجزئية فهناك أية تسمح لنا بالتجاوز عن الممنوع في حالة الضرورة … وبناء عليه يمكننا استخدامها في أى حالة اضطرار … (انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم) "البقرة: 173" . وعليه فبدأنا نقيم علاقاتنا من خلال أفراد حلقوا لحاهم وارتدوا ملابس "متفرنجة" حتى لا يثيروا شكوك من يتعامل معهم . وكانت حارة النصارى الجديدة هذه ـ ويشهد على قلبى الله ـ مأساة بمعنى الكلمة … اذ كانوا يقبلوا بأى شئ مقابل "لقمة العيش" وعندما وعندما قدمناتقريرنا بذلك الى قيادات الجماعة الام … أمدونا بمبالغ كبيرة لانفاقها على اضافة المسيحيين الذين نخطط لايقاعهم في الفخ الاسلامى !! هكذا يبدو ألان .أمضينا هناك ما يقرب من تسعة أشهر نجحنا خلالها في اقناع ثلاثة أفراد فقط … وقبلوا منا الاسلام وأعطونا بيعتهم … وبدأنا نجلس معهم أوقات طويلة من أجل تعليمهم صحيح الدين الاسلامى والاستفادة منهم أيضا في استبيان مواطن الضعف التى يرونها في عقيدتهم والتى من خلالها نقدر على اختراق عقولهم وعقول غيرهم … كانت لغتهم الغير عربية مبعث للضيق في نفوسنا … ولكن كان بيننا اناس من بلادهم لهم نفس اللغة علاوة على العربية فكانوا يقومون بما يشبه الترجمة . وكانت الطامة الكبرى بالنسبة لي قيام شبه حركة تمرد بين أفراد الجماعة مع بدايات الثمانينات … قادها رجل من أهل المهجر … واتهمنا بأننا نحملهم من الاعباء أكثر من الذين آتوا معنا من مختلف البلدان الاخرى وقاسوا ذلك على انها تفرقة بين جنس وآخر على أساس الحالة الاجتماعية واللون وربطوا بين ذلك وبين سورة (عيسى) لكن بذلنا جهودا مضنية لاحتواء هذا التمرد وقلنا لهم ان الحمل الزائد عليكم من الجهد ليس مبنيا على أساس جنس أو لون أو غنى . بل لأنكم أهل الديار وعليه فأنتم أعلم بشعبها ودروبها من أى منا … فليس من المنطقى ياأخوة أن تذهب مجموعة من الغرباء الى أقصى الشمال بدون دليل منكم على سبيل المثال ثم بررنا لهم تصرفنا بأننا جميعا أخوة وذكرناهم بحديث الرسول الذي يقول (لافرق بين عربى وأعجمى ولا أبيض واسم الابالتقوى) ولم يكن يهدأ هذا التمرد حتى نشب تمرد جديد . بدأ المسلمون من أصل نصرانى يعانوا من اضطهاد بعض الاخوة واتهموهم بأنهم يشابهون "المؤلفة قلوبهم " ـ وهم اناس كانوا قد دخلوا الاسلام مقابل الانفاق عليهم أيام عصر الرسول محمد ـ وانتهى هذا التمرد الثانى على خير … ولكنه قد أفرز بقاع سوداء في قلوب بعض الاخوة علاوة على بعض فيروسات التحزب والانشقاق التى كانت بمثابة السوس الذي يأكل هياكل الخشب حتى يسقط البناء كاملا … !!وقد حدث ذلك تماما … فقد اتضح لنا فيما بعد أنه كان يتواجد بيننا عميل للمخابرات والذى كان يعمل طبيبا وكنا نسمح له بالخروج من معسكر الجماعة كل يوم للعمل … للكسب المادى الذي كان الجميع يساهم فيه … ولكنا عرفنا أنه لم يكن يذهب للعيادة التى زعم أنه يعمل بها … بل كان يذهب للسفارة في العاصمة وابلاغها بكل ما يدور … واستمر هذا الوضع سنوات دون أن نكتشف أمره … وذات مرة واجهنا مضايقات في مكان اقامتنا واجتمعنا كمجلس شورى واتفقنا على تغيير محل اقامتنا الى آخر نائيا جدا … لكى يكون من الصعب الوصول اليه … هنا شعر العميل أنه لو انتقل معنا فسيصعب عليه القيام بدوره "اليهوذى القذر" لذا كان يقدم أعذارا كثيرة لنسمح له بالبقاء حتى أنه وعدنا أن يعمل أكثر ويرسل لنا بمبالغ طائلة من المال … لكننا وباحساسنا الامنى الذي تدرب من كثرة احتكاكنا مع جهات الامن ساورنا الشك في أمره فذكرناه بالاية التى تقول : (والذين آمنوا أو لم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر) "الانفال:72". أبلغناه انه ان لم يخرج معنا فليس منا وأعطيناه مهلة ثلاثة أيام … ولكنه قبل انقضاء الثلاثة أيام وجدناه وقد هرب وبالتأكيد معه كل معلوماتنا حتى مكان توجهنا … فلقد كان على علم بكل شئ ولم يكن لدينا وقت للبحث عن مكان آخر غير الذي عرفه صاحبنا ولم يكن أمامنا حلا سوى الهرب في مجموعات … وتفرقنا في بلد المهجر مجموعات … وتعرضنا لظروف قاسية … كان من الصعب علينا منها استقبال الاموال التى كانت تصلنا من اخوتنا في بلاد المهجر المختلفة التى كانوا يرسلونها اما كصدقة لبيت المال أو كزكاة … وعندها فكرنا في العودة للوطن دون أن نحمل معنا أحلامنا وكان عودا مخزيا … اذ سرنا على الاقدام ثلاثة أيام اقتصادا للنفقات … وكانت رؤسنا منكسة كالاعلام وقت النكسات … أما أنا فقلت في نفسى ان أحلامى لم تذهب بعد … بل على العكس سأعود لأكمل الحلم الجديد في الحارة العتيقة (حارة النصارى) ومع بداية التسعينات من القرن الماضى كانت عودتنا بعد غيبة 12 عاما … تغيرت فيها كل ملامح الناس وتبدلت أو قل تبلدت مشاعرهم وفقدوا أى حس دينى فما كنا نلقاه من حفاوة ورعب منا "كتكفير وهجرة" في السبعينات انقلبت ألان الى لا مبالاة وتجاهل … !! وعليه فقررنا أن نتغير نحن أيضا كما تغير الناس … تغيرنا في كل شئ … فبدأنا نلبس البنطلون والقميص … بدلا من الجلباب … تغيرت استراتيجيتنا تغيرا كاملا … حتى نستطيع مجابهة ما حدث في المجتمع المصرى طوال اثنى عشر عاما … بدأنا نعود الى أسرنا ونعرض عليهم المعاملة الحسنى … وبدأنا نعيد أحبال الوصل الممزقة قديما … في محاولة اصلاح ما يمكن اصلاحه وبدأ كل منا يبحث عن عمل حتى ولو كان مع الحكومة التى كنا نقاطعها ولا نعمل في أى من مصالحها لأنها تمثل النظام الكافر الذي يجب أن نتبرأ منه . في الحقيقة كانت العودة بالنسبة لنا مهزلة وهوان … عودة جئنا فيها نجر أذيال الخيبة والخزى والانكسار … حتى المادة … بعضنا لم يكن معه نظير أجرة مواصلات الى منزله … الذي وجدنا أنفسنا مضطرين ومجبرين على العودة اليه … اذ لا مأوى ألان ولم يعد بيت المال بالقوة كما كان أيام "شكرى مصطفى" عاد كل واحد منا وقلبه كسير مجروح … حتى أن أولياء أمور الذين أهناهم كثيرا أخذوا يمنعوا فينا النظر وكأنهم يقولون (لاتبصق في البئر فقد تحتاج يوما الى الشرب منه) … |
|