تمموا خلاصكم

مقدمة
الباب الأول: إمكانية الارتــداد الروحي
الفصل الأول: خطـر الارتداد
الفصل الثاني: المؤمن والارتداد
الفصل الثالث: أسباب الارتداد
الفصل الرابع: تأديبات الارتداد
الفصل الخامس: علاج الارتداد
الباب الثاني: حتمية الجهاد الروحي
الفصل الأول: ضرورة الجهاد
الفصل الثاني: مفهوم الجهاد
الفصل الثالث: عناصر الجهاد
الفصل الرابع: ميـدان الجهاد
الباب الثالث: ضرورة التدريب الروحي
أولاً: ضرورة التدريبات
ثانياً: مفهـوم التدريبات
ثالثاً: ممارسة التدريبات
رابعاً: مجـال التدريبات
الخاتمة
حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

رابعاً:- مجال التدريبات



قد يرتبك الأخ المبتدئ من جهة الإلمام بالتدريبات التي ينبغي أن يمارسها، وكأنه يسبح في محيط لا يعرف قراره أو مداه. هذا الارتباك عينه يدعوه إلى الملل والسأم ويقوده إلى الضجر واليأس.

ولكن كما سبق ووضحنا أن التدريبات هي عملية ممارسة وإنماء لثمار الروح، لذلك يمكن أن نحصر مجال التدريبات في هذه الدائرة أي في ثمار الروح التسع التي ذكرها بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطيه: أما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف."(غل22:5ـ23). فتكون هذه الثمرات هي "الفضائل الأمهات" أو "الفضائل الجامعة" أو الأصول التي تتفرع منها التدريبات الفرعية.

وفيما يلي إيضاح أدق لهذه الفكرة:-



( 1 ) المحـبة:

فهي أولى ثمار الروح قد اكتسبناها بسكيب النعمة كـما وضح بولس الرسول قائلا "إن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا."(رو5:5). ويمكن تنميتها وإضرامها عن طريق الممارسة العملية، فالرسول نفسه يوضح إمكانية ازدياد المحبة بالتدريب على ذلك بقوله "ومحبة كل واحد منكم جميعا بعضكم لبعض تزداد"(2تس3:1).



ومن أمثلة تدريبات المحبة:

* تدريب الصلاة الدائمة: فالصلاة تلهب روح المحبة إذ هي وسيلة الاتصال بحبيب الروح. والمؤمن يلهب روح المحبة لله بدوام الانشغال به في الطريق والعمل والسفر وهذه الصلاة قد لا تكون كلاما بل ربما كانت اتجاها من القلب في حركة خفية لتعبر عن حب مكنون وتكشف عن أشواق قلب ملتهب.

* تدريب خدمـة الناس: فإذ يمتلئ قلب المؤمن بمحبة الله يتثـقل بأمر اخوته (اخبر باسمك أخوتي) ويندفع بعوامل الحب ليجتذبهم إلى الحبيب ليتشاركوا معه في المجد. وهذا الحب ينموا ويزداد بدوام الخدمة وربح النفوس.

* تدريب عـدم الإدانـة، عدم الانتقاد، عدم تحليل الشخصيات، عدم مسك السيرة، عدم الاشمئزاز من الغير ، عدم احتقار الغير…… الخ.

كل هذه تدريبات من شأنها تنمية وإشعال روح المحبة المنسكب في القلب.


( 2 ) الفـــرح:

الفرح هو ثمر من ثمار الروح (غل22:5) تزرع بذرتها بالنعمة في قلب المؤمن وبالممارسة والتدريب تزداد وتنمو فالرسول يوضح أن الفرح عمل بشرى أيضا فيضعه في صيغة الأمر قائلا: "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا (أي انموا فيه)."(فى4:4).


ومن أمثلة تدريبات الفرح:

* تدريب الاتكال على المسيح في كل شئ وعدم الاهتمام بشيء مما يدعو إلى القلق وفقدان روح الفرح "لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر.(في4: 6).

* تدريب عدم التفكير في المستقبل ومشاكله " لا تهتموا للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه يكفى اليوم شره."(مت 34:6).

* تدريب عدم الاهتمام بالمأكل والمشرب والملبس "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون."(مت25:6).

* تدريب التأمل في عظم صنيع الرب لك "رنموا (والترنيم علامة الفرح) للرب لأنه قد صنع مفتخرا."(أش 5:12).

"والمرنم يقول باركي يا نفس الرب ولا تنسى كل حسناته. الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفى كل أمراضك. الذي يفدى من الحفرة حياتك. الذي يكللك بالرحمة والرأفة. الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك."(مز1:103ـ5).

* تدريب التطلع إلى شخص يسـوع الموجود في وسط حياتك "اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا."(مت23:1). "

اهتـفي يا ساكنة صهيون لأن قدوس إسرائيل عظيم في وسطك."(أش6:12).

* جذب النفوس للمسيح لتتوب وتـقبل إلى الحياة. هذا العمل نفسـه يفرح السـماء "يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب."(لو7:15).

ويفرح أيضا ملائكة الله "يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب"(لو10:15).

وهذا العمل أيضا يفرح جماعة المؤمنين فنقرأ في سفر أعمال الرسل أن بولس وبرنابا وآخرين "اجتازوا في فينيقية والسامرة يخبرونهم برجوع الأمم وكانوا يسببون سـروراً عظيما لجميع الاخوة."(أع3:15).

فإذ تجذب النفوس للتوبة تجد الفرح يغمر قلبك.

( 3 ) الســلام:

تزرع بذاره أيضا بعمل الروح القدس، وينمو ويزداد في المؤمن بالممارسة في الحياة العملية.

ومن أمثلة تدريبات السلام:

* تداريب للتمتع بالسلام مع الله : تنفيذ إرادة الله وعمل مشيئته. فالعداوة بين الإنسان والله ناشئة عن فعل الإنسان للخطية ومخالفتة لمشيئته. وهذا التدريب يحتاج إلى مداومة وإخضاع النفس لمشيئة الله في كل شئ وتحطيم إرادة الذات.

* تداريب للتمتع بالسلام مع الناس: تجنب المجادلات والمباحثات الغبية "لأنها تولد خصومات – وليس سلاما"(2تى23:2).

حتمية تصفية الأمور مع من تغتاظ منهم "لا تغرب الشمس على غيظكم."

(أف4: 26).

* تداريب للتمتع بالسلام مع النفس: التلذذ بكلمة الرب "سلامة جزيلة (أي سلام عظيم) لمحبي شريعتك."(مز165:119).

* عدم الاهتمام برغبات الجسد وتنفيذ رغبات الروح "اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام."(رو6:8).



( 4 ) طـول الأنـاة:

وهو وإن كان من فعل الروح القدس فينا إلا إنه يظهر أمام الناس خلال تصرفاتنا التي يجب أن نراعيها في معاملتنا للغير، فبولس الرسول يقول: "تأنوا على الجميع"(1تس14:5).

ومن تداريب طول الأناة:

* عدم الغضب بسرعة. "لا تسرع بروحك إلى الغضب" (جا9:7). "مبـطئا في الغضـب" (يع19:1).

* عدم التسرع في التكلم "مبـطئا في التكــلم" (يع19:1).

· الإصغاء إلى المتحدث وعدم مقاطعته "ليكن كل إنسان مسرعا في الاستماع".(يع19:1).

وهناك أيضاً تدريبات أخرى مثل:

* عدم التذمر وحدة الطبع _ احتمال أخطاء الآخرين _ الصبر على احتمال المشقات.



( 5 ) اللطــف:

هو الترفق والإشـفاق وهو ككل ثمار الروح يظهر ويزداد بالممارسة.



ومن أمثلة تدريب اللطف:

*الترفق بالخطاة ومعاملتهم بلطف لتربحهم فإن كان الله بلطفه "ينعم على غير الشاكرين والأشرار"(لو35:6). وأيضا "يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين"(مت45:5). وذلك لكي يقتادهم للتوبة فبولس الرسول يقول: هل تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتاد إلى التوبة؟"(رو4:2). ويقول أيضا "حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه … خلصنا"(تى4:3). فحري بالخادم أن يترفق بنفوس المخدومين ليربحهم للمسيح.

*الترفق بالمبتدئين في الحياة مع الله: فلا نحملهم أثقالا منذ أول الطريق ولا نفترض فيهم الكمال الروحي ونعاملهم بالشدة على ما يبدر منهم من أخطاء. وما أجمل يوحنا الحبيب كمثل للطف في معاملته للمؤمنين الأحداث "يا أولادي اكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار … "(1يو1:2).

*الترفق في معاملة أهل منزلك: يعيب الكثيرين أنهم يهتمون بمظهرهم أمام الناس خارج المنزل أما في بيوتهم فيستبيحون لأنفسهم كسر الوصايا. فلا يعاملون ذويهم باللطف ولا يسلكون بالكمال ولكن ما أروع قول داود النبي "أسلك في كمال قلبي في وسط بيتي"(مز2:101).

* الترفق بالناس عامة _ عدم التجريح _ عدم الانتهار أو الشخط - عدم المقاومة – البشاشة - والطيبة … الخ.



( 6 ) الصـلاح:

هو الكرم والبـذل فقد وضح ذلك بولس الرسـول بقوله لتيموثاوس "اوصي الأغنياء … أن يصنعوا صلاحا … أسخياء في العطاء كرماء في التوزيع" (1تى17:6ـ18).

ومن تداريب الصـلاح:

*افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقاتهم. (يع27:1).

*القيام بخدمة المحتاجين مثل طابيثا التي قال عنها الكتاب "هذه كانت ممتلئة أعمالا صالحة وإحسانات كانت تعملها." (أع36:9).



( 7 ) الإيمــان:

هذا الإيمان هو من ثمار الروح نراه قابلا للنمو كما يذكر بولس الرسول "لان إيمانكم ينمو كثيرا" (2تس3:1).

على أن بعض ترجمات الكتاب المقدس أوضحت أن المقصود من الكلمة الأصلية المترجمة "إيمان" هو "الأمانة" Faithfulness وليس Faith. فتكون الأمانة كثمرة من ثمار الروح فضيلة يتحلى بها المؤمن تظهر في حياته وتنمو بالممارسة العملية لها.



ومن أمثلة تدريب الأمانة:

*الأمانة في المواعيد، والكلام، والعمل، والعشور.

*والخدمة "مثل الوزنات : نعما أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينا في القليل فأقيمك على الكثير ادخل إلى فرح سيدك." (مت21:25).

*والحياة الروحية: الصلوات _ قراءة الكتاب.



( 8 ) الوداعــة:

وهي في الأصل اليوناني "الحقارة" ويقصد بها هدوء النفس في معاملة الناس بناء على كونه "حقير في عيني نفسه" وقد جمع السيد المسيح بين نقطتي "التواضع" "والوداعة" بقوله "لأني وديع ومتواضع القلب" (مت29:11) فالتواضع هو شعور الإنسان بحقارته أمام الله والوداعة شعوره بالحقارة أمام الناس. ويوضح بطرس الرسول ارتباط الوداعة بالهدوء في قوله : "الروح الوديع الهادئ." (1بط4:3).

على كل حال فالوداعة كثمرة من ثمار الروح قابلة للنمو بالممارسة والتدريب.



ومن أمثلة تدريب الوداعة:

*الهدوء أثناء المناقشات "مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم … بوداعة" (1بط15:3). *الهدوء في معالجة الأمور "أصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة" (غل1:6).

* عدم مقابلة الإساءة بالإساءة "الذي إذ شتم لم يكن يشتم عوضا" (1بط23:2).

* "لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن حول له الآخر أيضا" (مت39:5).

* عدم الإصرار على حقوقنا "من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا" (مت40:5).

* عدم إغضاب أحد أو مضايقته أو احتقاره.

* الصوت المنخفض الهادئ _ الطاعة والخضوع ... إلخ.



( 9 ) التـعـفـف:

ويقصد به "ضبط النفس" وهى وإن كانت ثمرة من ثمار الروح فهي تظهر وتنمو في حياة المؤمن بالممارسة أيضا فبولس الرسول يقول: أقمع جسدي واستعبده" (1كو27:9).



ومن أمثلة تدريب التعفف:

* ضبط الحواس : فإذا ضبطت أبواب المدينة سلمت من الأعداء، فالمؤمن في مسـيس الحاجة لضبط حواسه.

* النظر : "عهدا قطعت لعيني ألا أتطلع في عذراء …… " (أى1:31).

* الأكل : ضبط شهوة الطعام. وهكذا مع بقية الحواس.

* ضبط الفكر : فإذا ضبطت أبواب الفكر (أي الحواس) سهل ضبط الفكر نفسه وذلك بتدريب تركيزه في المسيح وشغله بالترانيم والألحان والتأملات ……