الفصـل الرابع تـأديبات الارتداد
هل تظن أيها العزيز انك إذا ارتديت تنجو من تأديبات الله ؟ كلا فعصا محبة
الله لن تفارقك حتى ترجع وتتوب "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه" (أم12:3).
ويوضح لنا الكتاب معاملات الله مع المرتدين فإليك بعضها:-
(1) الفضيحـة :
تأمل ما حدث لداود النبى بعد أن أخطأ في الخفاء مع بتشبع امرأة أوريا
الحثي، فأرسل الرب له ناثان النبى قائلا: هاأنذا أقيم عليك الشر من بيتك
وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك فيضجع مع نسائك في عين هذه الشمس،
لأنك أنت فعلت بالسر وأنا أفعل هذا الأمر قدام جميع إسرائيل وقدام
الشمس".(2صم11:12،12).
فعندما أراد الرب أن يؤدب داود على ارتداده كان ذلك عن طريق فضح أمره،
وقد تم ذلك فعلاً إذ قام أبشالوم ابنه بالثورة ضد أبيه وطرده من عرشه ثم
"نصب خيمة على السطح ودخل إلى سرارى أبيه أمام جميع إسرائيل."
(2صم21:16،22).
وتأمل أيضا تأديب الرب لشمشون. فقد ذهب إلى بيت دليله وتمرغ في الخطية
هناك وإذا بعصي الرب تهوى على رأسه وتفقأ عينيه وتنزع كرامته فيصير هزءة
أمام الجميع. (قض16).
تحذر يا أخي من الارتداد المستتر لئلا يفضح الرب أمرك ويكشف للجميع سرك
"لأنه ليس مكتوم لن يستعلن ولا خفي لن يعرف." (مت26:10).
وإن كان الرب لم يكشف أمرك إلى الآن ويفضحه فلا تتمادى في شرك لأن طول
أناة الله عليك إنما هي من معاملاته اللطيفة نحوك تاركا الفرصة لك لكي
تعود وترجع إليه وإلا أدبك بمعاملاته المخيفة!!
" أم تشتهين بغني لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله يقتادك
إلى التوبة ". (رو4:2).
(2) المـرض:
والمرض الذي يسمح به الله للمؤمن المرتد هو وسيله من وسائل التأديب ليضع
شكائم في فكيه ليرجعه إلى حياة النعمة ثانية.
هذا ما حدث مع أيوب الصابر الذي شهد له الرب أنه : "رجل كامل ومستقيم
يتقى الله ويحيد عن الشر." (أى8:1).
ولكن أيوب هذا كان به عيب خطير أو قل عامل من عوامل الارتداد وهو (الذات)
أو الشعور ببره الذاتـي. يتضح ذلك من قوله: "يا ليتني كما في الشهور
السالفة … إذ غسلت خطواتـي، باللبن والصخر سكب لي جداول زيت … كنت أخرج
إلى الباب في القرية وأهيئ في الساحة مجلسي. رآنـي الغلمان فاختبأوا
والأشياخ قاموا ووقفوا. العظماء أمسكوا عن الكلام ووضعوا أيديهم على
أفواههم… لأن الأذن سمعت فطوبتنى والعين رأت فشهدت لي. لأني أنقذت
المسكين المستغيث واليتيم ولا معين له، لبست البر فكساني كجبة وعمامة كان
عدلي. كنت عيونا للعمي وأرجلا للعرج. أب أنا للفقراء ودعوى لم أعرفها
فحصت عنها … كرامتي بقيت حديثة عندي … لي سمعوا وانتظروا ونصتوا عند
مشورتي … كنت أجلس رأسا وأسكن كملك في جيش." (أى1:29ـ25).
ويقول الكتاب تعليقا على هذا الكلام "فكف هؤلاء الرجال الثلاثة (وهم
أصحابه) عن مجاوبة أيوب لكونه بارا في عيني نفسه." (أى1:32). ومن أجل هذا
سمح الرب بالمرض لأيوب ليؤدبه وقد أوضح هذه الحقيقة أحد أصدقاء أيوب إذ
قال له "أيضا يؤدب بالوجع على مضجعه." (أى19:33).
وارميا النبى يقول في مراثيه "أبلى لحمى وجلدي. كسر عظامي ... إنه من
احسانات الرب أننا لم نفن لأن مراحمه لا تزول... جيد أن ينتظر الإنسان
ويتوقع بسكوت خلاص الرب ... لماذا يشتكى الإنسان ... من قصاص خطاياه.
لنفحص طرقنا ونمتحنها ونرجع إلى الرب." (مراثي ارميا4:3،22،26،39،40).
أخي المرتد ألا تعلم أن المرض الذي أصابك إنما هو عصا تأديب من الرب؟ ألا
تمتحن نفسك وترجع إليه فيرحمك؟ ليتك تقول مع هوشع النبى "هلم نرجع إلى
الرب لأنه هو افترس فيشفينا. ضرب فيجبرنا." (هو1:6).
(3) الضيـق :
وهذه وسيلة أخرى من وسائل معاملات الرب للمرتدين. يتضح ذلك من معاملاته
مع بنى إسرائيل الذين أصعدهم من أرض مصر وأتى بهم إلى أرض كنعان. فعندما
كانوا يرتدون عنه كان يدفعهم إلى أيدي أعدائهم ليضايقونهم حتى يرجعوا إلى
الرب إلههم. فقد ظهر ملاك الرب لهم في بوكيم وقال "قد أصعدتكم من مصر
وأتيت بكم إلى الأرض التي أقسمت لآبائكم وقلت لا أنكث عهدي معكم إلى
الأبد. وأنتم فلا تقطعوا عهدا مع سكان هذه الأرض. اهدموا مذابحهم. ولم
تسمعوا لصوتي. فماذا عملتم ؟ فقلت أيضا لا أطردهم من أمامكم بل يكونون
لكم مضايقين وتكون آلهتهم لكم شركا … فرفعوا صوتهم وبكوا … هناك للرب."
(قض1:2ـ5).
فهذه سياسة إلهية حكيمة إذ يبقى الرب على الشعوب الأممية حتى يكونوا عصا
تأديب لبنى إسرائيل إذا ما ارتدوا.
وتتضح هذه الحقيقة من قول الكتاب "وفعل بنو إسرائيل الشر في عينـي الرب …
وتركوا الرب إله آبائهم … وأغاظوا الرب … فحمى غضب الرب على إسرائيل
فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم. وباعهم بيد أعدائهم … فضاق بهم الأمر جدا.
وأقام الرب قضاة فخلصوهم من يد ناهبيهم … وعند موت القاضي كانوا يرجعون
ويفسدون أكثر من آبائهم فحمى غضب الرب على إسرائيل وقال … لا أعود أطرد
إنسانا من أمامهم من الأمم … لكي امتحن بهم إسرائيل." (قض11:2ـ23).
هذه معاملات الله مع بنى إسرائيل فعندما كانوا يرتدون عنه كان يدفعهم
لأيدي أعدائهم فيضايقونهم حتى يرجعوا عن ضلالهم.
وهكذا الأمر أيضا مع المؤمنين إذا ما ارتدوا فإن الله يدفعهم إلى أيدي
أعدائهم (الشياطين) لتأديبهم ومضايقتهم. هذا هو ما وضحه معلمنا بولس
الرسول لأهل كورنثوس بالنسبة لذلك المؤمن الذي ارتد وتزوج بامرأة أبيه
فيقول لهم "قد حكمت ... في الذي فعل هذا هكذا باسم ربنا يسوع المسيح ...
أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكلى تخلص الروح في يوم الرب يسوع."
(1كو5:5).
وقد بلغ الأمر في معاملات الله لبنى إسرائيل عندما عصوا وارتدوا أن سمح
بأن يسبوا إلى بابل حيث أذلهم هناك ... وهاك صورة يرسمها أرميا النبى
الباكي لأحوالهم في ذلك الوقت. فيقول :
"كيف جلست وحدها المدينة الكثيرة الشعب؟
كيف صارت كأرملة، العظيمة بين الأمم؟
تبكى في الليل بكاء ودموعها على خديها!
ليس لها معزى من كل محبيها!
قد سبيت يهوذا من المذلة ومن كثرة العبودية!
كهنتها يتنهدون. عذاراها مذللة وهى في مرارة لأن الرب قد أذلها لأجل
كثرة ذنوبها" (مراثي أرميا1:1ـ5).
وتأمل قوله "لأن الرب قد أذلها لأجل كثرة ذنوبها" فالرب يسمح بالمذلة
تأديبا على كثرة الذنوب حتى يرجع الخاطئ إلى نفسه ثم إلى إلهه.
ولهذا قال داود النبى "قبل أن أذلل أنا ضللت ... خير لي انك أذللتني.
(مز67:119،71).
وهذه هي السياسة التي أتبعها الرب مع ملك إسرائيل الشرير منسى الذي "أكثر
عمل الشر في عيـني الرب لإغاظته" (2أخ6:33). وقد كلمه الرب بلطف فلم يصغ،
فجلب الرب عليه جنود ملك أشور فأخذوه بخزامة وقيدوه بسلاسل وذهبوا به إلى
بابل. وهناك يقول الكتاب "لما تضايق طلب وجه الرب إلهه وتواضع جدا. وصلى
إليه فاستجاب له وسمع تضرعه ورده إلى أورشليم إلى مملكته فعلم منسى أن
الرب هو الله." (2أخ12:33،13).
هل تشعر يا أخي أن الرب قد أذلك وترك الأعداء يضايقونك؟ لابد وأنك قد
انحرفت وارتديت لهذا سمح الله بتأديبك حتى يرد الرب سبى نفسك ويعيدك إلى
رتبتك الأولى.
|