|
الخلاص والضمان الأبدي
إن مناقشة موضوع الخلاص والضمان الأبدي لخلاص المؤمن، أو بتعبير آخر: "قضية
ضمان عدم هلاك المؤمن" ، تحتاج إلى التمييز بين أمور كثيرة متداخلة
ومختلطة، وتوضيح الفرق بين:
· الثقة في الله، والثقة في النفس.
· المؤمن، والمختار.
· الوعود، وشروط تحقيق الوعود.
1- الثقة في الله، والثقة في النفس:
ينبغي أن نفرق بين ثقة المؤمن في الله، التي يجب أن تكون ثقة كاملة، وبين
ثقة المؤمن نفسه، التي يجب أن يكون على حذر شديد منها، كما وضَّح معلمنا
بولس الرسول بقوله: "إذاً من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط" (1كو12:10).
الأمر الذي جعل القديس بولس الرسول يقول عن نفسه: "بل أقمع جسدي واستعبده
حتى بعدما كرزت لآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً" (1كو27:9).
وفي هذا الصدد قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{إن سألك أحد "هل أنت واثق؟" فبماذا تجيب؟ نعم، أنا واثق بدم المسيح، ثقة
لا حدود لها. ولكني لا أثق بنفسي}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – قداسة البابا شنوده الثالث- طبعة أولى –
ص106).
وعدم الثقة في النفس ينبني على:
(I) عدم الاعتماد على البر الذاتي: فإذا وثق الإنسان بنفسه، فمعنى هذا أنه
يعتمد على بره الذاتي. ولعل مثل الفريسي والعشار هو أبلغ ما يدحض هذه
الفكرة، إذ وضَّح معلمنا لوقا البشير السر الذي دفع الرب أن يضرب هذا المثل
بقوله: "وقال لقوم واثقين بأنفسهم أنهم أبرار..." (لو9:18).
يضاف إلى ذلك قول الرب يسوع المسيح لملاك كنيسة اللادوكيين: "لأنك تقول أني
أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء، ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس
وفقير وأعمى وعريان" (رؤ17:3).
وعن ذلك قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{هل يفقد الإنسان الرجاء؟ كلا، فهذا تطرف وقع فيه قايين –أول خاطئ من بني
آدم-حينما قال: "ذنبي أعظم من أن يُحتمل" (تك13:4). وف قطع الرجاء وقع
يهوذا أيضاً، إذ مضى وخنق نفسه (مت5:27)، وكما يخطئ الإنسان إذا فقد
الرجاء، يخطئ أيضاً إذا اعتمد على رجاء كاذب مبني على بره الذاتي. ويخطئ
كذلك إذا كان في اعتماده على دم المسيح، ينسى اجتهاده واحتراسه ولا يفعل ما
يجعله مستحقاً لفاعلية دم المسيح}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – قداسة البابا شنوده الثالث- طبعة أولى –
ص106).
(ب) عدم الثقة بحرية الإرادة: الواقع أن الإيمان لا يسلب الإنسان حرية
إرادته. ولهذا قال القديس بولس الرسول: "فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعد ما
أخذنا معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا. بل قبول دينونة مخيف وغيرة
نار عتيدة أن تأكل المضادين" (عب26:10-27).
ويستطرد الرسول في إيضاح دينونة من يخطئون باختيارهم وإرادتهم فيقول: "من
خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقاباً أشر
تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدّس به دنساً
وازدرى بروح النعمة فإننا نعرف الذي قال لي الانتقام أنا أجازي يقول الرب
وأيضا الرب يدين شعبه. مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عب28:10-31).
وعن عدم الثقة في حرية الإرادة قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{أنا واثق بدم المسيح، ثقة لا حدود لها. ولكني لا أثق بنفسي. لا أثق بحرية
إرادتي التي ربما تميل إلى الشر. وبعدما بدأت بالروح، ربما أكمل بالجسد
(غل3:3)}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – قداسة البابا شنوده الثالث- طبعة أولى –
ص106).
واستطرد قداسته قائلاً:
{ولذلك فإن الذين يفقدون الخلاص، يفقدونه ليس بسبب أن الله عاجز عن أن
يخلصهم، وإنما بسبب إرادتهم الحرة التي انحرفت نحو الشر}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – قداسة البابا شنوده الثالث- طبعة أولى –
ص106).
(ج) تعرض النفس للخداع: إن من دواعي عدم الثقة بالنفس تعرضها فلانخداع،
الأمر الذي جعل معلمنا بولس الرسول يخاف على المؤمنين فقال: "ولكنني أخاف
أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم" (2كو3:11).
ومعلمنا يعقوب الرسول يوضح أيضاً تعرض النفس للانخداع بالشهوة كما يوضح
النهاية الحتمية لذلك فيقول: "ولكن كل واحد يجرّب إذا انجذب وانخدع من
شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتا"
(يع14:1-15).
ويؤكد القديس بطرس الرسول هذه الحقيقة بقوله: "لأنه إذا كانوا بعدما هربوا
من نجاسات العالم بمعرفة الرب والمخلّص يسوع المسيح، يرتبكون أيضاً فيها
فينغلبون فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل. لأنه كان خيراً لهم لو لم
يعرفوا طريق البر من أنهم بعدما عرفوا، يرتدّون عن الوصية المقدسة المسلمة
لهم. قد أصابهم ما في المثل الصادق كلب قد عاد إلى قيئه وخنزيره مغتسلة إلى
مراغة الحمأة" (2بط20:2-22).
وعن عدم ثقة الإنسان في نفسه، رغم ثقته في دم المسيح، وتعرضه للخطية
والانخداع بها والسقوط فيها، قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{إننا نقف بدم المسيح، ونثق بكفاية كفارته وفدائه، ولكنن – في داخل أنفسنا
– نعترف بأنه ما أسهل أن تضيعنا خطيئتنا}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – قداسة البابا شنوده الثالث- طبعة أولى –
ص106،107).
2- المؤمن والمختار:
الواقع أن هناك فرقاً بين المؤمن والمختار. فليس من الضروري أن يكون كل
مؤمن مختاراً، إذ يوجد مؤمنون يؤمنون إلى وقت معين ثم يرتدون عن الإيمان
كما وضَّح السيد المسيح نفسه في مثل الزارع عندما قال: "والذين على الصخر
هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح. وهؤلاء ليس لهم أصل فيؤمنون إلى
حين وفي وقت التجربة يرتدون." (لو13:8).
ومعلمنا بولس الرسول يؤكد نفس الحقيقة بقوله: "ولكن الروح يقول صريحاً أنه
في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم
شياطين" (1تي1:4) كما أنه يورد أمثلة لمؤمنين مرتدين قال عنهم إن نهايتهم
الهلاك "لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً، والآن أذكرهم أيضاً
باكياً وهم أعداء صليب المسيح الذين نهايتهم الهلاك" (في18:3-19).
أما المختارون فهم هؤلاء الفئة من المؤمنين، الذين قال عنهم الكتاب: "الذين
سبق فعرفهم، سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه..." (رو29:8) هؤلاء
المختارون لا تستطيع قوات الظلمة أن تضلهم، بحسب قول الرب يسوع نفسه: "...
حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً" (مت24:24). بل من أجلهم تُقصَّر أيام
الضيق الأخيرة كقول الرب: "ولكن لأجل المختارين تقصر تلك الأيام"
(مت22:24).
والمختارون هم المؤمنون الذين تمسكوا بمواعيد الرب متممين شروط تحقيق هذه
الوعود، كما سنوضح بعد ذلك.
وعن أهمية التفرقة بين المؤمنين والمختارين قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{والاعتقاد بأن المؤمن لا يهلك، هو خلط بين كلمة "مؤمنين" وكلمة "مختارين"
كما لو كانت كلمة واحدة}
(بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص168).
واستطرد قداسته قائلاً:
{ونحن نقول إن كان كل المختارين مؤمنين ولكن ليس كل المؤمنين مختارين، لأنه
يجوز أن يرتد المؤمن ويهلك}
(بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص168).
وكان قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث قد تعرض في كتابه "الخلاص في
المفهوم الأرثوذكسي لهذه النقطة بالذات فقال:
{لا شك أن المختارين لا يمكن أن يهلكوا، ولكن من قال أن المؤمنين هم
المختارون؟}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – قداسة البابا شنوده الثالث - ص34).
وساق قداسته بعد البراهين على ذلك منها:
{إن الكتاب المقدس أعطانا معاني كثيرة لكلمة الإيمان فذكر مرة: أن الشياطين
يؤمنون ويقشعرون (يع19:2) والمقصود بذلك مجرد الإيمان النظري الذي هو بدون
أعمال ميت... وقد شرح لنا الكتاب أن هناك نوعاً من الإيمان الميت. ومع أنه
ميت إلا أن الرسول سماه إيماناً... بل إن الرب أطلق لقب المؤمنين على الذين
يشبهون البذار التي سقطت على الصخر. ولما نبتت جفت. فقال: "والذين على
الصخر هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح وهؤلاء ليس لهم أصل فيؤمنون
إلى حين، وفي وقت التجربة يرتدون" (لو6:8،13). وطبعاً هؤلاء المرتدون لا
يمكن أن نسميهم مختارين مع أن السيد المسيح له المجد لقبهم بأنهم كانوا
مؤمنين إلى حين}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – قداسة البابا شنوده الثالث - ص34،35).
3- الوعود الإلهية والشروط البشرية لتحقيقها:
ينبغي أن نميز بين الوعود الإلهية التي تنبع من قلب محبة الله، لكي يشجع
بها المؤمنين في مسيرتهم معه، وبين ما يجب أن يقوم به المؤمنون من جانبهم،
حتى تتحقق لهم هذه المواعيد الإلهية.
والوعود الإلهية في الكتاب المقدس كثيرة، منها قول الرب يسوع المسيح: "لا
تخف أيها القطيع الصغير لن أباكم قد سُرَّ بأن يعطيكم الملكوت" (لو32:12).
ومن تلك الوعود أيضاً قول معلمنا بولس الرسول: "وأما هبة الله فهي حياة
أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (رو23:6) وقوله أيضاً: "لأنني عالم بمن آمنت
وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم" (2تي21:1).
هذا حق من جانب الله، ولكن من الجانب الآخر أي الجانب البشري، لابد من
استيفاء شروط واجبة، لكي يتمتع الإنسان بهذه الوعود. من هذه الشروط نذكر
على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
(أ) الثبات في الرب:
يجب على المؤمن الذي يريد أن يتمتع بوعود الله المجيدة ان يحرص على أن يكون
ثابتاً في الرب، وإلا عرض حياته للطرح في النار، كما قال الرب يسوع المسيح
نفسه: "إن كان أحد لا يثبت فيّ يطرح خارجاً كالغصن فيجف، ويجمعونه ويطرحونه
في النار فيحتر" (يو6:15).
ولقد وضَّح الوحي الإلهي هذه الحقيقة أيضاً على لسان القديس بولس الرسول
عندما قال: "لأنه إن كان الله لم يشفق على الأغصان الطبيعية فلعله لا يشفق
عليك أيضاً، فهوذا لطف الله وصرامته، أما الصرامة فعلى الذين سقطوا، وأما
اللطف فلك إن ثبت في اللطف وإلا فأنت أيضاً ستقطع" (رو21:11-22). ويقول
أيضاً معلمنا بولس الرسول: "لأننا قد صرنا شركاء المسيح إن تمسكنا ببداءة
الثقة ثابتة إلى النهاية" (عب14:3).
وللثبات في الرب وسائله المتعددة منها، حفظ الوصية كما يقول القديس يوحنا
الرسول: "من يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه. وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من
الروح الذي أعطانا" (1يو24:3). ووسيلة جوهرية أخرى للثبات وهي التناول من
جسد الرب ودمه في سر الأفخارستيا كقول الرب: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت
فيَّ وأنا فيه" (يو56:6). ومن خلال ممارسة المحبة يثبت أيضاً الإنسان في
الله، كما وضح معلمنا يوحنا الرسول بقوله: "الله محبة ومن يثبت في المحبة
يثبت في الله، والله فيه" (1يو16:4).
وعن شرط الثبات هذا قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{لا يكفي أن تبدأ، إنما يجب أن تثبت وتستمر. فالرسول يقول: "وأما اللطف
فلك، إن ثبتَّ في اللطف، وإلا فأنت أيضاً ستُقطع" (رو22:11) وهذا الثبات
الذي يطلبه الرسول، لا تحكم عليه لحظة، إنما هو قصة الحياة كلها}
(بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص90).
وأكمل قداسته قائلاً:
{أنت تبت في لحظة "فرضاً"؟! هذا حسن جداً ولكنك لن تخلص، إلا إذا ثبتَّ في
التوبة والزمن يحكم على هذا الثبات}
(بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص90).
(ب) السلوك المقدس:
السلوك المقدس من جانب المؤمن هو شرط واجب لكي يحصل على تحقيق الوعد الإلهي
بالحياة الأبدية. وهو دلالة واضحة للثبات في الرب الذي أسلفنا الحديث عنه.
يتضح ذلك من قول القديس يوحنا الرسول: "من قال أنه ثابت فيه، ينبغي أنه كما
سلك ذاك يسلك هو أيضاً" (1يو6:2). وقد ذكر أهمية السلوك المقدس في حياة
المؤمن بقوله: "إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل
الحق" (1يو6:1).
وقد أكد معلمنا بطرس الرسول أهمية السلوك المقدس بقوله: "سيروا زمان غربتكم
بخوف" (1بط17:1) وزمان الغربة هو مدة وجود الإنسان على الأرض، والسير بخوف
هو السلوك المقدس.
كما أن القديس بولس الرسول ربط بين قبول السيد المسيح وبين السلوك فيه
بقوله: "فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيع" (كو6:2).
ويتجلى الربط بين الخلاص والمصير الأبدي، وبين السلوك المقدس بحسب الروح لا
بحسب الجسد في قول القديس بولس الرسول:"إذاً لا شيء من الدينونة الآن على
الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح ... لأنه إن
عشتم حسب الجسد فستموتون. ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون.
لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (رو1:8،13،14).
وقد علق قداسة البابا علي ذلك موضحاً أهمية السلوك قائلاً:
{إنك بالمسيح يسوع تنجو من الدينونة، ولكن بشرط ... بشرط أن يكون سلوكك
روحياً.}
(قداسة البابا شنوده الثالث – الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – ص81).
وأكمل قداسته قائلاً:
{ونلاحظ هنا أن عبارة القديس بولس الرسول تمثل الناحيتين السلبية
والإيجابية. فمن جهة ينبغي أن يبتعد المؤمن عن الشر، فلا يسلك حسب الجسد.
ومن الجهة الأخرى ينبغي أن يثمر في الفضيلة، فيكون سالكاً حسب الروح}
(قداسة البابا شنوده الثالث – الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – ص82).
فالسلوك المقدس الذي بحسب الروح، هو بالفعل شرط حتمي لتمتع المؤمن بالميراث
الأبدي بحسب الوعد الإلهي.
(ج) الصبر في الجهاد:
من الشروط الواجبة علي المؤمن أيضاً للتمتع بالوعد الإلهي والحياة الأبدية،
الصبر في الجهاد. إذ يقول الرب يسوع المسيح: "الذي يصبر إلي المنتهى فهذا
يخلص" (مت13:24). ويقول القديس بولس الرسول: "ولنحاضر بالصبر في الجهاد
الموضوع أمامنا" (عب1:12) وقال أيضاً "لكننا نشتهي أن كل واحد منكم يظهر
هذا الإجتهاد عينه ليقين الرجاء إلي النهاية" (عب11:6).
ولقد علق قداسة البابا شنوده الثالث علي هذه الآية بقوله:
{إذاً فيقين الرجاء يحتاج إلي اجتهاد يظهره الإنسان حتى النهاية}
(قداسة البابا شنوده الثالث – الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – ص127).
وأضاف قداسته قائلاً:
{وإلى ماذا أيضاً؟ يتابع الرسول كلامه فيقول: "لكي لا تكونوا متباطئين، بل
متمثلين بالذين بالإيمان والأناة يرثون المواعيد" (عب12:6). وهنا نرى أن
بولس قد أضاف إلى الإيمان شيئاً آخر، وهو الأناة أي الصبر، وقال إن بهما
ننال المواعيد}
(قداسة البابا شنوده الثالث – الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – ص127).
هذا وقد أجمل قداسته شروط الثقة في عبارة مختصرة قائلاً:
{إذاً فالثقة ... لها شروط. ومن شروطها، أن يحفظ الإنسان وصايا الله، ويعمل
كل حين ما يرضيه حتى يرتاح بذلك ضميره، ولا يلومه قلبه علي شئ. ومن شروطها
الثبات في المسيح بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى. ومن شروطها الوصول إلى
المحبة الكاملة من نحو الله، حتى تستطيع المحبة أن تطرح الخوف إلى خارج}
(قداسة البابا شنوده الثالث – الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – ص119).
وبعد أن استعرضنا الفرق بين الثقة في الله وبين الثقة في النفس .. وكذلك
الفرق بين المؤمن وبين المختار، وأيضاً الفرق بين الوعود الإلهية، وبين
شروط تحقيق هذه الوعود، نستطيع أن ندرك أبعاد قضية الخلاص والضمان الأبدي،
فمن جهة الله هو أمين إلى الأبد وعطاياه بلا ندامة أما من جهة الإنسان
فعليه أن يستوفى الشروط الواجبة.
|
|