الخلاص وبدعة الحصول عليه في لحظة

مقدمة
الخلاص والصليب
الخلاص والإيمان
الخلاص والمعمودية
الخلاص وسر التوبة
الخلاص وسر المسحة
الخلاص وسر التناول
الخلاص والكنيسة والكهنوت
الخلاص والجهاد
الخلاص والأعمال
الخلاص واللحظة
الخلاص والمراحل
الخلاص والضمان الأبدي
الخاتمة
حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الخلاص والجهاد


الجهاد الروحي أمر حتمي ولازم للخلاص، فلا خلاص بلا جهاد قانوني، لذلك قال معلمنا بولس الرسول: "إن كان أحد يجاهد لا يكلل إن لم يجاهد قانونياً" (2تي5:2).

وتتضح أهمية الجهاد الروحي للخلاص بالنظر إلى عدة اعتبارات هامة منها:

· الحروب الروحية.
· التعرض للارتداد.
· إتمام الخلاص.
· الصبر إلى المنتهى.
· الجهاد واللحظة.


1- الحروب الروحية:

ما من شك أن حياة المؤمن هي حرب دائمة. من أجل هذا قال معلمنا بولس الرسول: "البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس، فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل رؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف11:6-12).

إذاً فحياة المؤمن هي جهاد روحي مستمر ضد الشيطان، والخطية، والجسد، والكبرياء، واليأس، كما يتضح لنا مما يلي:

(أ) ضد الشيطان:
فالشيطان يشن على الدوام هجمات شرسة ضد المؤمن طوال المسيرة الروحية، لهذا يلزمه أن يسهر ويقاوم إبليس، كما قال معلمنا بطرس الرسول: "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط8:5-9).


(II) ضد الخطية:
والمؤمن أيضاً يجب أن يجاهد ضد الخطية كل أيام حياته حتى الموت، ولهذا يقول معلمنا بولس الرسول: "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية" (عب4:12).

(V) ضد الجسد:
وهذا مجال آخر ينبغي على المؤمن أن يجاهد ضد شهواته لأن "الجسد يشتهي ضد الروح" (غلا17:5) وذلك بأن يقاوم جسده ويخضعه، كما قال معلمنا بولس الرسول: "أقمع جسدي واستعبده حتى بعدما كرزت لآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً" (1كو27:9) وأيضاً "إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو13:8).


(VIII) ضد الكبرياء:
يتحتم على المؤمن في مسيرته الروحية أن يجاهد أيضاً ضد الذات والكبرياء لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "لا تستكبر بل خف لأنه إن كان الله لم يشفق على الأغصان الطبيعية فلعله لا يشفق عليك أيضاً" (رو20:11-21).

(هـ) ضد اليأس:

وهناك جهاد ضد حروب اليأس التي تحاول أن تقضي على من يصيبه العدو بسهام الخطية ليقطع رجاءه، لذلك قال ميخا النبي: "لا تشمتي بي يا عدوتي إذا سقطت أقوم إذا جلست في الظلمة فالرب نور لي" (مي8:7).

ولقد أوضح قداسة البابا شنوده الثالث في كتابه حروب الشياطين أبعاد متعددة للحروب الروحية، نقتبس منها العبارة التالية: {الحروب الروحية حروب دائمة. قد تتنوع ولكن لا تنتهي. طالما أنت في الجسد فأنت معرض لهذه الحروب التي تظل معك حتى الموت} (حروب الشياطين - قداسة البابا شنوده الثالث - ص10).

وأكد قداسته هذا المفهوم بقوله: {ما دامت الحروب الروحية التي تهدد خلاصنا هي طوال الحياة كلها إذاً فهذا الخلاص هو قصة الحياة كلها} 

(بدعة الخلاص في لحظة-قداسة البابا شنوده الثالث-ص83).


2- التعرض للارتداد:
إن من دواعي الجهاد الروحي في حياة المؤمن هو تعرضه للارتداد. يتضح ذلك مما يلي:

(أ) الارتداد عن الإيمان:

يوضح الرب على لسان القديس بولس الرسول إمكانية ارتداد المؤمن عن الإيمان بقوله: "أما البار فبالإيمان يحيا، وإن ارتد لا تُسر به نفسي" (عب38:10).

(ب) الارتداد بسبب التجربة:

يقول الرب يسوع المسيح نفسه عن إمكانية ارتداد المؤمنين عن الإيمان بسبب التجربة في صدد حديثه عن مثل الزارع: "والذين على الصخر هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح وهؤلاء ليس لهم أصل فيؤمنون إلى حين وفي وقت التجربة يرتدون" (لو13:8).

(ج) الارتداد وإتباع الشياطين:

يوضح معلمنا بولس الرسول أن التعرض للارتداد عن الإيمان وإتباع الشياطين والأرواح المضلة أمر ممكن أن يحدث، بل سيحدث بالفعل في الأزمنة الأخيرة، إذ يقول: "في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شيطانية" (1تي1:4).

(د) الارتداد والهلاك:

أكد معلمنا بولس الرسول إمكانية ارتداد الكثيرين وعداوتهم للصليب لتكون نهايتهم الهلاك بقوله: "لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً والآن ًذكرهم أيضاً باكياً وهم أعداء صليب المسيح الذين نهايتهم الهلاك" (في17:3-18).

من أجل كل هذا يتحتم على المؤمن أن يجاهد حتى لا يرتد عن الإيمان بسبب التجربة، ولا يتبع أرواحاً مضلة وتعاليم شيطانية، ويعادي صليب ربنا يسوع المسيح حتى لا تكون نهايته الهلاك.

وفي هذا الصدد قال قداسة البابا شنوده الثالث:

{قصص الارتداد عن الإيمان كثيرة في الكتاب. وقد شرحنا هذه النقاط بالتفصيل في كتابنا [الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي] فلا داعي للاستفاضة فيها هنا. إنما نقول: ما دام هناك خوف من الارتداد، إذاً فسيروا زمان غربتكم بخوف كما قال الرسول (1بط17:1)} 

(بدعة الخلاص في لحظة – كتاب البابا شنوده الثالث – ص86).

3- إتمام الخلاص:
الواقع أنه بسبب الحروب الروحية المتنوعة وخشية الارتداد والهلاك، يتحتم على المؤمن أن يجاهد لإتمام خلاصه طيلة أيام العمر لذلك قال معلمنا بولس الرسول: "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" (في12:2).

ويوضح الكتاب المقدس أن الجهاد الروحي لإتمام الخلاص يستلزم من المؤمن أموراً عديدة منها: الخوف، والسهر، والثبات.

(أ) الخوف:

يتضح من قول معلمنا بولس الرسول السابق "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" (في12:2) أهمية الخوف في الجهاد الروحي لإتمام الخلاص. وليس الخوف المذكور هنا هو ذلك المرض النفسي غير السوي. وإنما يقصد به الخوف المقدس الذي يدفع المؤمن إلى الحذر والحرص، الذي قال عنه معلمنا بطرس الرسول: "سيروا زمان غربتكم بخوف" (1بط17:1).

فالخوف من السقوط في التجربة، والخوف من الانحراف في أتباع أرواح مضلة وتعاليم شيطانية والخوف من الارتداد والهلاك، كل هذا يدفع المؤمن لأن يتحذر ويحترس حتى يتمم خلاصه. وفي هذا يقول قداسة البابا شنوده الثالث: {إن عوائق كثيرة تعمل على الإحاطة بنا. لذلك ينبغي أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة} 

(بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص85).

واستطرد قداسته قائلاً:

{تخاف لأنك لا تزال في الجسد، ولأن حروباً كثيرة تحيط بك لإسقاطك، ولأنك مهدد بأنك ستُقطع إن لم تثبت، وتخاف لسبب طبيعتك وقوة أعدائك. كما أن الخوف يجلي لك الحرص والتدقيق والإتضاع ويُلصقك بالصلاة بالأكثر لتنال معونة من فوق} 

(بدعة الخلاص في لحظة – كتاب البابا شنوده الثالث – ص85).

(ب) السهر:

والسهر له أيضاً أهمية عظيمة في الجهاد الروحي لإتمام الخلاص، فالسيد المسيح يقول: "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (مت41:26) ويقول أيضاً: "اسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت" (مر33:13).

وإذ قد تسلم الآباء الرسل من السيد المسيح هذا المبدأ الروحي الهام، نرى معلمنا بطرس الرسول يقول: "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم يجول كأسد زائر ملتمساً من يبتلعه هو" (1بط8:5) ومعلمنا بولس الرسول يقول: "اسهروا. اثبتوا في الإيمان. كونوا رجالاً. تقوّوا" (1كو13:16).

والسهر الروحي يشتمل على معان كثيرة منها: السهر الجسدي أي عبادة الله في الليالي، كقول المرنم: "هوذا باركوا الرب يا جميع عبيد الرب الواقفين في بيت الرب بالليالي" (مز1:134)، و كما جاء في كتاب الأجبية: "في الليالي ارفعوا أيديكم أيها القديسون وباركوا الرب".

وهناك السهر الروحي بكل معانيه من حرص ويقظة، واستعداد للحروب الروحية، وللحياة الأبدية...

وقد أفاض قداسة البابا شنوده الثالث في الحديث عن السهر الروحي في كتابه (السهر الروحي) الذي نقتبس منه العبارة التالية:

{الإنسان الساهر يجاهد بكل قوته ليقاوم كل قوى الشر، كما قال بطرس الرسول: "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم يجول كأسد زائر... فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط8:5،9).

هذه المقاومة للشيطان، تمثل الجهاد الروحي، الذي هو عنصر أساسي من عناصر السهر الروحي. وهذا الجهاد ليس سلبياً، إنما له إيجابيته بالعمل الصالح} 

(السهر الروحي- قداسة البابا شنوده الثالث – ص44).

(ج) الثبـات:

والثبات له أهمية كبرى في جهاد المؤمن لإتمام خلاصه، فقد قال الرب يسوع المسيح: "إن كان أحد لا يثبت فيَّ، يُطرح خارجاً كالغصن، فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق" (يو6:15).

فمن هذا يتضح جلياً أنه إن لم يثبت الإنسان حتى النهاية يُطرح في النار.

ويقول معلمنا بولس الرسول عن أهمية الثبات: "فهوذا لطف الله وصرامته. أما الصرامة فعلى الذين سقطوا. وأما اللطف فلك إن ثبت في اللطف وإلا فأنت أيضاً ستُقطع" (رو22:11).

ومن أقوال معلمنا يوحنا الرسول عن أهمية الثبات حتى النهاية: "والآن أيها الأولاد، اثبتوا فيه، حتى إذا أظهر يكون لنا ثقة، ولا نخجل منه في مجيئه" (1يو28:2).

والثبات في الرب يتحقق بوسائل عديدة منها: حفظ الوصايا، كما قال القديس يوحنا الرسول: "من يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه" (1يو24:3). وأيضاً بالتناول من جسد الرب ودمه، إذ قال رب المجد يسوع المسيح: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو56:6).


وعن أهمية الثبات قال قداسة البابا شنوده الثالث:

{رب المجد نفسه يشرح لنا أهمية الثبات فيه فيقول: "إن كان أحد لا يثبت فيّ يُطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق" (يو6:15)}

(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي - قداسة البابا شنوده الثالث – ص117).

واستطرد قداسته قائلاً:

{أتريد إذاً أن تثبت فيه كالغصن وتسري فيك عصارة الكرمة فلا تجف ولا تُلقى في النار فتحترق، اسمع الرب يقول: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو56:6) وماذا أيضاً يارب؟ يقول: "ويحيا إلى الأبد" (يو58:6)} 

(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي - قداسة البابا شنوده الثالث – ص117).

4- الصبر إلى المنتهى:
تحدثنا عن الحروب الروحية، والتعرض للارتداد، وإتمام الخلاص، لتوضيح أهمية الجهاد الروحي، الذي يشتمل أيضاً على الصبر إلى المنتهى كما يقول رب المجد يسوع: "الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" (مت22:10).

ولهذا قال معلمنا بولس الرسول: "ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع" (عب1:12-2).

ويضع القديس بولس أيضاً الصبر كشرط أساسي للخلاص النهائي، إذ يقول: "إن كنا نصبر فسنملك أيضاً معه. إن كنا ننكره فهو أيضاً سينكرنا" (2تي12:2).

من أجل هذا قال رب المجد يسوع: "بصبركم اقتنوا أنفسكم" (لو19:21).

وعن أهمية الصبر في الجهاد الروحي كتب قداسة البابا شنوده الثالث قائلاً:

{مادام موضوع الخلاص هو قصة العمر كله، إذاً علينا أن نجاهد باستمرار ونصبر على حروب العدو وهجماته} 

(بدعة الخلاص في لحظة – ص89).

ثم يطرح قداسته تساؤلاً هاماً ويجيب عليه فيقول:

{وما هي حدود هذا الصبر؟ يقول السيد الرب: "من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلُص" (مت22:10)} 
(بدعة الخلاص في لحظة – ص89).

5- الجهاد واللحظة:
مما لا شك فيه أن الجهاد الروحي يستغرق العمر كله في حياة المؤمن. أي إلى المنتهى كما قال رب المجد يسوع: "من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلُص" (مت22:10).

وبناء على ذلك فالجهاد الروحي لا يتم في لحظة على الإطلاق، بل يستمر في لحظات العمر حتى المنتهى.

وفي هذا الصدد قال قداسة البابا شنوده الثالث:

{عبارة الصبر إلى المنتهى لكي يخلص الإنسان، تعني أن الخلاص لا يتم في لحظة}
(بدعة الخلاص في لحظة – ص89).

واستطرد قائلاً:
{وتعني أن الصبر ليس له مدى محدود وإنما إلى المنتهى أي إلى "نهاية سيرتهم" لأنه يحدث أحياناً أن تبرد محبة الكثيرين (مت12:24)، ولا نستطيع أن نحصي عدد الذين يتركون محبتهم الأولى (رؤ4:2) ويحتاجون إلى توبة} 
(بدعة الخلاص في لحظة – ص89).