|
الخلاص والأعمال
للخلاص شقان كما سبق أن أوضحنا، شق إلهي، وشق بشري.
v الشق الإلهي:
الشق الإلهي هو ما قام به الرب من جانبه. والرب قد تمم الخلاص من جانبه على
الصليب إذ قال: "قد أكمل" (يو30:19). وفي هذا المجال قال قداسة البابا
شنوده الثالث:
{إن عمل المسيح في الخلاص قد تم على الصليب}
(بدعة الخلاص في لحظة – ص95).
v الشق البشري:
الشق البشري هو دور الإنسان لكي ينال نعمة الخلاص. فهذه النعمة الموهوبة من
الله مجاناً لا يمكن أن يتمتع بها أحد، إن لم يستوف متطلبات قبولها.
واستيفاء هذه المتطلبات يعني الأعمال التي ينبغي أن يقوم بها الإنسان لينال
النعمة.
وفي هذا قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{إذاً هناك عمل بشري يجب أن يعمله الإنسان، عمل يعمله لكي ينال الخلاص الذي
تم، ولكي يثبت في هذا الخلاص الذي ناله، ...مع أن هذا الجانب البشري في نفس
الوقت ليس بشرياً بحتاً إنما عمل الله أيضاً واضح فيه}
(بدعة الخلاص في لحظة – ص96،97).
هذا وينبغي أيضاً أن يقوم المؤمن بأعمال تبرهن على أنه يحيا في حياة
الإيمان المثمر "العامل بالمحبة" (غل6:5).
فالأعمال إذاً لها أهميتها ومركزها وخطورتها. وسوف نناقش فيما يلي:
¨ الأعمال ودورها في نيل الخلاص.
¨ الأعمال الصالحة حتمية ودلالة.
¨ الأعمال الشريرة وخطورتها.
1- الأعمال ودورها في نيل الخلاص:
يوضح الكتاب المقدس الدور الذي يجب أن يقوم به الإنسان للحصول على الخلاص.
ويشتمل هذا الدور على: الإيمان، التوبة، المعمودية، الجهاد الروحي، انتظار
الرب في مجيئه الثاني.
(أ) الإيمان:
إن إيمان الإنسان هو عمل يقوم به ولازم للخلاص إذ يقول الرب يسوع المسيح:
"من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن" (مر16:16).
عن هذا قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{إذاً فكيف ننال الخلاص الذي دبره الله وحده؟ أنناله بالإيمان؟ الإيمان
نفسه عمل…}
(بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص59).
(ب) التوبة:
والتوبة أيضاً لازمة لنيل الخلاص، وهي عمل يقوم به الإنسان، فقد قال الرب
يسوع المسيح: "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو3:13).
(ج) المعمودية:
ولا خلاص إلا بأن يتقدم الإنسان ليعتمد، يتضح هذا من قول رب المجد: "من آمن
واعتمد خلص" (مر16:16) وآيات أخرى عديدة.
والإقبال إلى المعمودية والنزول في الماء عمل يقوم به الإنسان.
وعن التوبة والمعمودية كعملين لابد أن يقوم بهما الإنسان قال قداسة البابا
شنوده الثالث:
{... أننال هذا الخلاص بالمعمودية والتوبة؟ إنهما أيضاً عملان}
(بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص59).
(د) الجهاد الروحي:
كما سبق أن أوضحنا فإن الجهاد الروحي لازم للخلاص كقول معلمنا بولس الرسول
لتلميذه تيموثاوس: "جاهد جهاد الإيمان الحسن وامسك بالحياة الأبدية التي
إليها دعيت" (1تي12:6).
والجهاد هو عمل يقوم به الإنسان بمؤازرة الروح القدس.
(هـ) السهر وانتظار مجيء الرب:
والسهر الروحي وانتظار مجيء الرب الثاني أمر في غاية الأهمية لكي يكون
للإنسان نصيب في الخلاص المستعد أن يُستعلن في الزمان الأخير.
ولهذا كان أمر الرب قائلاً: "اسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت"
(مر33:13). والسهر الروحي هو عمل أيضاً ينبغي أن يقوم به الإنسان من جانبه.
من هنا نستطيع أن نتحقق من أهمية الأعمال ودور الإنسان في القيام بها لكي
يحصل على الخلاص الذي صنعه الرب يسوع المسيح على الصليب.
كما أن للأعمال أيضاً أهمية أخرى في حياة المؤمن إذ أن الأعمال الصالحة
لازمة كدلالة على الإيمان الحي العامل بالمحبة، كما سنرى فيما يلي:
2- الأعمال الصالحة حتمية ودلالة:
إن قيام المؤمن بأعمال صالحة، أمر حتمي، وله أكثر من دلالة، فهي:
(أ) دليل على صدق التوبة:
كما يقول الكتاب: "اصنعوا أثماراً تليق بالتوبة" (لو8:3).
(ب) ودليل الإيمان الحي:
إذ يقول معلمنا يعقوب الرسول: "هكذا الإيمان أيضاً إن لم يكن له أعمال ميت
في ذاته. لكن يقول قائل أنت لك إيمان وأنا لي أعمال. أرني إيمانك بدون
أعمالك وأنا أريك بأعمالي إيماني" (يع17:2-18).
(ج) دليل الولادة من الله:
كما يقول معلمنا يوحنا الرسول: "إن علمتم أنه بار هو فاعلموا أن كل من يصنع
البر مولود منه" (1يو29:2).
(د) دليل الشركة مع الله:
كما يقول القديس يوحنا الرسول: "إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة
نكذب ولسنا نعمل الحق. ولكن إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة
بعضنا مع بعض..." (1يو6:1-7).
(هـ) دليل السلوك بالروح:
إذ يقول معلمنا بولس الرسول: "وإنما أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة
الجسد … وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة
تعفف" (غل16:5،22).
وعن أهمية الأعمال كثمار للإيمان قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{الأعمال ثمار للإيمان. الإيمان الحي لابد أن يثمر، وهو يثمر أعمالاً
صالحة. هذه الأعمال دليل على وجود الإيمان وحيويته. وهي أيضاً ثمار لعمل
الروح القدس فينا، وثمار لازمة لحياة التوبة التي نحياها}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – قداسة البابا شنوده الثالث – ص75).
وأضاف قداسته:
{فهل يطلب الله هذه الأعمال؟ أو يطلب هذه الثمار؟ نعم يطلبها، ويشدد في
ذلك}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – قداسة البابا شنوده الثالث – ص75).
هذا كان عن الأعمال الصالحة كحتمية ودلالة على الإيمان الحي العامل
بالمحبة. مما يثبت أهمية قيام الإنسان بأعمال حسنة في حياته.
بقي أن نتكلم عن الأعمال من جانب سلب لنوضح خطورة الأعمال الشريرة التي
يحذر منها الوحي الإلهي حتى لا يتردى فيها الإنسان، بل يتجنبها ويبتعد عنها
لكي لا يتعرض للدينونة، وغضب الله والهلاك كما سنرى فيما يلي:
3- الأعمال الشريرة وخطورتها:
لقد رأينا ما للأعمال الصالحة من أهمية في حياة المؤمن، وعلى النقيض من ذلك
سوف نرى خطورة الأعمال الشريرة، إذ أنها تؤدي إلى:
(أ) الدينونة:
إن المؤمن الذي يهوي إلى حضيض الأعمال الشريرة يتعرض بالفعل إلى قبول
الدينونة، كما يؤكد معلمنا بولس الرسول: "فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعد ما
أخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف
وغيرة نار عتيدة أن تأكل المعاندين... فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحسب
مستحقاً من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدّس به دنساً وازدرى بروح
النعمة" (عب26:10-29).
(ب) غضب الله:
يحدث معلمنا بولس الرسول المؤمنين الذين في كولوسي محذراً بقوله: "فأميتوا
أعضاءكم التي على الأرض الزنى، النجاسة، الهوى، الشهوة الرديّة، الطمع الذي
هو عبادة الأوثان، الأمور التي من أجلها يأتي غضب الله على أبناء المعصية"
(كو5:3-6).
(ج) الحرمان من الملكوت:
كما يحذر معلمنا بولس الرسول المؤمنين الذين في غلاطية قائلاً: "وأعمال
الجسد ظاهرة التي هي زنى، عهارة، نجاسة، دعارة،... حسد، قتل، سُكر، بطر
وأمثال هذه التي أسبق فأقول لكم عنها، كما سبقت فقلت أيضاً إن الذين يفعلون
مثل هذه لا يرثون ملكوت الله" (غل19:5-21).
(د) الهلاك:
يذكر معلمنا بولس الرسول باكياً على مؤمنين كان يذكرهم قبلاً، ولكنهم
ارتدوا وصارت نهايتهم الهلاك بقوله: "لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم
مراراً والآن أذكرهم أيضاً باكياً وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم
الهلاك، الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات"
(في18:3-19).
وواضح من هذا الكلام أن الأعمال الشريرة التي ارتكبها هؤلاء هي السر في
هلاكهم.
وعن خطورة الأعمال الشريرة قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{الأعمال الشريرة تؤدي إلى الهلاك. وهذا أمر طبيعي. لأن الله كما أنه كامل
في رحمته كذلك هو أيضاً كامل في عدله. وما دامت "أجرة الخطية هي موت"
(رو23:6) فلابد أن ينال الخاطئ عقوبة خطيئته. حقيقي أن المسيح قد مات عنا.
ولكن لا يتمتع باستحقاق موت المسيح سوى التائبين. وإلا كان هذا الخلاص
المجاني باباً مفتوحاً للاستهتار والفساد، وتصريح بارتكاب الخطية دون خوف
من عقوبتها، اعتماداً على دم المسيح وعلى كفارته التي وفت كل شيء}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي – قداسة البابا شنوده الثالث – ص60).
من كل ما تقدم نستطيع أن ندرك أهمية الأعمال ومركزها في نيل الخلاص.
|
|