|
الخلاص وسر المسحة
إن بركات الفداء لا تقتصر على مجرد غفران الخطايا، وإنما هناك مفاعيل أخرى
كثيرة، منها إعادة علاقة الإنسان مع الله، أي المصالحة مع الله على حد
تعبير معلمنا بولس الرسول، إذ قال: "إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم
لنفسه" (2كو19:5). ومن نتائج هذه المصالحة عودة الروح القدس للسكنى في
الإنسان، لهذا قال القديس بولس الرسول: "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح
الله يسكن فيكم" (1كو16:3).
ومن هنا كان للروح القدس دور أساسي في خلاص الإنسان. فدعنا نناقش بعض
الأمور الجوهرية بهذا الخصوص:
· دور الروح القدس في الخلاص.
· الروح القدس وإرادة الإنسان.
· سر المسحة المقدسة.
· سر المسحة المقدسة واللحظة.
1- دور الروح القدس في الخلاص:
تتضح أهمية الروح القدس في خطة الخلاص من الدور الذي يقوم به في حياة
الناس، من ذلك:
(أ) التبكيت:
هذا ما وضحه الرب يسوع المسيح بقوله: "ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية
وعلى بر وعلى دينونة" (يو8:16).
(ب) التجديد:
كما يقول معلمنا بولس الرسول: "لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى
رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تي5:3) فالروح القدس
من خلال المعمودية يقوم بعملية تجديد طبيعة المؤمن.
(ج) التبني:
إذ يقول معلمنا بولس الرسول: "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف، بل
أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا آبا الآب. الروح نفسه أيضاً يشهد
لأرواحنا أننا أولاد الله" (رو15:8-16).
(د) التقديس:
حيث يقول القديس بولس: "إن الله اختاركم من البدء للخلاص بتقديس الروح"
(2تس13:2).
(هـ) الشركة:
أي شركة الروح القدس التي قال عنها بولس الرسول: "نعمة ربنا يسوع المسيح
ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم أمين" (2كو14:13).
(و) القيادة:
التي كتب عنها القديس بولس قائلاً: "لأن كل الذين ينقادون بروح الله،
فأولئك هم أبناء الله" (رو14:8).
(ز) القوة:
كما يتضح من قول الرسول: "لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة
بروحه في الإنسان الباطني" (أف16:3).
(ح) الفضائل:
التي وضحها معلمنا بولس الرسول بقوله: "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام
طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف" (غلا22:5-23).
وعن أهمية الروح القدس في الخلاص قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{ما هي عطية الروح القدس؟ وهل هي لازمة في حياتنا للخلاص؟ وما أهميتها؟ وهل
يمكن أن نخلص بدونها؟}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي - قداسة البابا شنوده الثالث - ص48)
ويجيب قداسته على هذا التساؤلات التي طرحها بقوله:
{لا يمكن إطلاقاً أن نخلص بدونها لأن حياتنا الروحية كلها هي عبارة عن
استجابة إرادتنا لعمل الروح القدس فينا. وإن لم نأخذ عطية الروح القدس
فباطلة وهالكة هي كل حياتنا}
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي - قداسة البابا شنوده الثالث - ص48)
وأوضح قداسته قائلاً:
{العمل الذي يشترك فيه معنا روح الله، لا يجوز لإنسان أن يحتقره، أو يتجاهل
قيمته في موضوع الخلاص}
(بدعة الخلاص في لحظة - قداسة البابا شنوده الثالث – ص57)
2- الروح القدس وإرادة الإنسان:
رغم أن الروح القدس يقوم بدور كبير في حياة المؤمن كما رأينا، إلاَّ أنه لا
يلغي إرادة الإنسان، ولا يجرده من حريته. فالمؤمن بكامل حريته وإرادته
يختار إما أن يخضع للروح القدس وقيادته. وإما أنه يقاوم الروح (أع51:7)، أو
يحزنه (أف30:4)، أو يطفؤه (1تس19:5).
ويوضح معلمنا بولس الرسول أن الإنسان بعد أن يصبح شريكاً للروح القدس، يمكن
أن يسقط باختياره وإرادته الحرة فيقول: " لأن الذين استنيروا مرة وذاقوا
الموهبة السماوية، وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله الصالحة
وقوات الدهر الآتي وسقطوا، لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة هم يصلبون لأنفسهم
ابن الله ثانية ويشهرونه" (عب4:6-6).
معنى هذا أن الروح القدس رغم سكناه في المؤمنين فإنه لا يجبرهم علي فعل
الخير، ولا يرغمهم علي تجنب الخطية ولكنه يقوم بعملية التنبيه والتحذير
والتبكيت والإرشاد والمعونة، متى استجابوا لنداءات الروح.
وقد أوضح ذلك قداسة البابا شنوده الثالث بقوله:
{الروح القدس الذي فينا، لا يرغمنا علي الخير،لا يمنعنا من ارتكاب الخطية
إجباراً بالقوة إنما يرشدنا ويقوينا علي خطية. ونبقى كما نحن أحراراً ويمكن
أن نسقط في الخطية، إذا انحرفت إرادتنا الحرة}
(بدعة الخلاص في لحظة - قداسة البابا شنوده الثالث – ص79).
3- سر المسحة المقدسة:
بعد أن عرفنا أهمية الروح القدس في الخلاص، ودوره في حياة المؤمن، يلزمنا
أن نعرف وسيلة سكناه في المؤمنين. والواقع إن الروح القدس كان في بداية
العصر الرسولي يحل بواسطة أيدي الرسل، كما يتضح من مواضع عديدة في سفر
الأعمال، منها: "حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس" (أع17:8)
وكذلك: "لما وضع بولس يديه حل الروح القدس عليهم" (أع6:19).
ولكن لم ينقض العصر الرسولي حتى أتخذ وضع الأيدي صورة أخرى، دامت في
الكنيسة إلى يومنا هذا، وهي المسحة المقدسة. كما يتضح من قول معلمنا يوحنا
الرسول: "وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء" (1يو20:2) وقوله:
"وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن
يعلّمكم أحد، بل كما تعلّمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق وليست
كذباً" (1يو27:2).
وعن ذلك قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{وكان الروح القدس يُمنح في بداية العصر الرسولي بوضع يد الرسل، ثم صار
يُمنح بالمسحة المقدسة، كما شرح القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى:
"وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس..." (1يو20:2)، "وأما أنتم فالمسحة التي
أخذتموها منه ثابتة فيكم..." (1يو27:2)}
(بدعة الخلاص في لحظة - قداسة البابا شنوده الثالث – ص111).
وأضاف قداسته قائلاً:
{كذلك نحن في سر الميرون، سر المسحة المقدس (1يو20:2،27) يسكن فينا الروح
القدس ونصير هياكل للروح القدس وروح الله يسكن فينا (1كو16:3)}
(بدعة الخلاص في لحظة - قداسة البابا شنوده الثالث – ص79).
4- سر المسحة المقدسة واللحظة:
لقد اتضح أمامنا لزوم وأهمية الروح القدس ودوره في الخلاص كما اتضح لنا
الوسيلة المقدسة التي بواسطتها يتم سكن الروح القدس في القلب، وهي سر
المسحة المقدسة الذي يتم عقب المعمودية، كما يتضح من سفر أعمال الرسل عندما
يتكلم عن معمودية أهل السامرة على يد القديس فيلبس، ثم حضور القديسين بطرس
ويوحنا الرسولين الذين وضعا الأيدي عليهم فقبلوا الروح القدس "لأن لم يكن
قد حل بعد على أحد منهم غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع حينئذ وضعا
الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس" (أع16:8،17).
من هذا يتضح أن إتمام هذا السر يحتاج إلى وقت لإجراء طقس السر المقدس، ولا
يمكن أن يتم في لحظة زمنية خاطفة بمجرد الإيمان.
وفي هذا قال قداسة البابا شنوده الثالث:
{إن الروح القدس لا يناله المؤمن بمجرد إيمانه، بل يناله كخطوة تالية
لإيمانه، وقد يكون بينهما فترة طويلة}
(بدعة الخلاص في لحظة - قداسة البابا شنوده الثالث – ص110).
وأضاف قداسته قائلاً:
{إنه عطية من الله ينالها المؤمن بعد الإيمان وبعد المعمودية أيضاً ولهذا
قال القديس بطرس لليهود بعد إيمانهم يوم الخمسين: "توبوا وليعتمد كل واحد
منكم على اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس"
(أع8:3)}
(بدعة الخلاص في لحظة - قداسة البابا شنوده الثالث – ص111).
|
|