الخضوع ومشيئة الله

تمهيد

الفصل الأول: تعريف الخضوع

الفصل الثاني: مجالات الخضوع

الفصل الثالث: حتمية الخضوع

الفصل الرابع: دوافع الخضوع

الفصل الخامس: أسلوب الخضوع

الفصل السادس: حدود الخضوع

الفصل السابع: تأمين الخضوع

الفصل الثامن: ثمار الخضوع

الفصل التاسع: خطورة عدم الخضوع

الفصل العاشر: اعتراضات والرد عليها

خاتمة

حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الفصـل الثانـي مجالات الخضوع



(السلطات الخمس)


لقد أمر الرب في الكتاب المقدس بأن يخضع المؤمن لسلطات أقامها الله بحسب ترتيبه شخصياً وفوضها لتنفيذ خطته، وحذر من مقاومتها إذ قال معلمنا بولس الرسول "لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله، حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة" (رو1:13ـ2) وهذه السلطات هي: 



1- الوالدان. 2- الزوج. 3- الدولة.

4- العمل أو المدرسة. 5- الكنيسة. 



أولاً: سلطة الوالدين


لقد أمر الرب الأبناء أن يخضعوا لوالديهم في كل شئ، وهذه بعض الآيات الكتابية عن ذلك: 

1- يقول معلمنا بولس الرسول "أيها الأولاد أطيعوا والديكم في كل شئ لأن هذا مرضى في الرب" (كو20:3) هنا يوضح خضوع الأولاد للآباء في كل شيء.



2- ويقول أيضا "أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق".(أف1:6) وهنا يوضح أن الطاعة هي في الرب أي عندما يضع الابن أمام عينيه الرب نفسه فيسهل عليه الطاعة.

3- ويقول سليمان الحكيم "يا ابني احفظ وصايا أبيك ولا تترك شريعة أمك اربطها علي قلبك دائماً، قلد بها عنقك ، إذا ذهبت تهديك. إذا نمت تحرسك. وإذا استيقظت فهي تحدثك" (أم20:6ـ22) موضحا أهمية خضوع الأبناء للآباء.



4- ويقول سليمان الحكيم أيضا "الأحمق يستهين بتأديب أبيه. أما مراعي التوبيخ فيذكى" (أم5:15) موضحا أن عدم الخضوع للوالدين هو حماقة.



5- ويحذر سليمان الحكيم أيضا من خطورة عدم طاعة الوالدين قائلا "العين المستهزئة بأبيها والمحتقرة إطاعة أمها تقورها غربان الوادي وتآكلها فراخ النسر" (أم17:3) ومعنى تقورها غربان الوادي كناية عن موته أشنع ميتة فلا يعرف موضع جثته حتى تأكلها الغربان والنسور !!!



من كل ما تقدم نستطيع أن ندرك مدي اهتمام الله وتشديده علي حتمية خضوع الأبناء لسلطة الآباء.

قد يتساءل البعض عن موقف آيات أخرى، من هذا الكلام مثل:-

1- "إن كان أحد يأتي إلى ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده واخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً" (لو26:14) 

2- "فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنة ضد حماتها وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أبا أو أما أكثر منى فلا يستحقني" (مت10:35ـ35) وسوف نناقش هذه الأمور عند الحديث عن حدود الخضوع فيما بعد.



ثانياً: سلطة الزوج



وتوضح كلمة الله مبدأ خضوع الزوجة لزوجها كسلطة مفوضة من الله لقيادتها. وإليك بعض الآيات الكتابية التي توضح ذلك:



1ـ يقول معلمنا بولس ارسول "أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة". (أف22:5ـ23) فهذا نص صريح يوصي الزوجة بالخضوع لزوجها.



2ـ ويقول أيضا "ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شئ". (أف5:24) فهو هنا يعطي المثل الواضح لهذا الخضوع فهو يشبه خضوع الكنيسة عروس المسيح لعريسها.



3ـ "وأما المرأة فلتهب رجلها". (أف33:5) {تهب أي تحترم رجلها}.



4ـ ويقول أيضا "أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما يليق في الرب". (كو18:3) يضيف هنا أن الرجل يمثل في سلطته الرب نفسه، فيقول للزوجة أن تخضع له كما يليق بالخضوع للرب.

5ـ ويضيف معلمنا بولس الرسول قائلا "كذلكن أيتها النساء كن خاضعات لرجالكن حتى إن كان البعض لا يطيعون الكلمة يربحون بسيرة النساء بدون كلمة". (1بط1:3) موضحا أنه حتى لو كان الزوج لا يطيع كلمة الرب فهذا ليس مبررا لها لعدم خضوعها له.



6-ويقول معلمنا بطرس الرسول "فإنه هكذا كانت قديما النساء القديسات أيضا المتوكلات على الله يزين أنفسهن خاضعات لرجالـهن". (1بط5:3) موضحا أن تواضع المرأة في خضوعها هو الزينة الرائعة التي تحلي صورتها.



من هذا يتضح ترتيب الله الحكيم بخصوص السلطة، أن تخضع الزوجة لسلطة الرجل. وليس هذا معناه أن الرجل أفضل من المرأة أو أعظم منها. كلا فالرب يقول "غير أن الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في الرب" (1كو11: 11) 



الواقع أن السلطة في المسيحية مبنية على المحبة، فإن توفرت المحبة خضعت المرأة بلا مرارة للرجل، وتعامل الرجل بتواضع مع امرأته.



ثالثا: سلطة الدولة


من السلطات التي فوضها الرب في العالم سلطة الدولة، رغم أن الدولة التي كانت لها السيادة في زمان كتابة العهد الجديد كانت الدولة الرومانية، وهى دولة وثنية، فلم يكن ذلك مبرراً للدعوى إلى التمرد عليها، بل على العكس أمر الله بالخضوع لسلطتها، كما يتضح من الآيات الآتية وغيرها. 

1- قال معلمنا بولس الرسول "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأن ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة. فإن الحكام ليسوا خوفاً للأعمال الصالحة. بل للشريرة. أفتريد أن تخاف السلطان افعل الصلاح فيكون لك مدح منه لأنه خادم الله للصلاح. ولكن إن فعلت الشر فخف لأنه لا يحمل السيف عبثا و إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر. لذلك يلزم أن يخضع له. ليس بسبب الغضب فقط بل أيضا بسبب الضمير. فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضا إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه. فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، والخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام". (رو1:13ـ7) 



الواقع أن هذه المقطوعة التي كتبها بولس الرسول هي دستور المسيحي المؤمن الروحاني للتعامل مع السلطة. 



2- وقد قال أيضا معلمنا بطرس الرسول "فاخضعوا لكل ترتيب بشرى من أجل الرب إن كان للملك فكمن هو فوق الكل أو للولاة فكمرسلين منه للانتقام من فاعلي الشر وللمدح لفاعلي الخير". (1بط13:2ـ14)



3- وقال أيضا "اكرموا الجميع. احبوا الاخوة. خافوا الله. اكرموا الملك". (1بط17:2) 



4- وسليمان الحكيم قال "لا تسب الملك ولا في فكرك". (جا20:10)

هذا بخصوص السلطة المفوضة من الله للحكام وضرورة الخضوع لهم. أما بخصوص الأسئلة التي قد تـنـشـأ عن حدود الخضوع فسوف يأتي الحديث عنها فيما بعد.



رابعاً: سلطة السادة وأصحاب العمل



إن وصايا الكتاب بخصوص سلطة أصحاب العمل والرؤساء تتمثل في الوصايا التي وجهت إلى العبيد المؤمنين بخصوص الخضوع لسلطة سادتهم سواء كان هؤلاء السادة مؤمنين أم غير مؤمنين. 

وهذه بعض تلك الوصايا:

1- قال معلمنا بولس الرسول "أيها العبيد أطيعوا في كل شئ سادتكم حسب الجسد لا بخدمة العين كمن يرضى الناس بل ببساطة القلب خائفين الرب. وكل ما فعلتم فافعلوا من القلب لأنكم تخدمون الرب المسيح". (كو22:3ـ24)



2- وقال أيضا "أيها العبيد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح. لا بخدمة العين كمن يرضى الناس بل كعبيد المسيح عاملين مشيئة الله من القلب خادمين بنية صالحة كما للرب. ليس للناس. عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبداً كان أم حراً". (أف5:6ـ8)



3- وقال أيضا "جميع الذين هم عبيد تحت نير فليحسبوا سادتـهم مستحقين كل إكرام لئلا يفترى على اسم الله وتعليمه. والذين لهم سادة مؤمنون لا يستهينون بهم لأنهم أخوة بل ليخدموهم أكثر لأن الذين يتشاركون في الفائدة هم مؤمنون ومحبوبون". (1تى1:6ـ3) 



4- وكذلك معلمنا بطرس قال "أيها الخدام كونوا خاضعين بكل هيبة للسادة ليس للصالحين المترفقين فقط بل للعنفاء أيضا لأن هذا فضل إن كان أحد من أجل ضمير نحو الله يحتمل أحزانا متألماً بالظلم. لأنه أي مجد هو إن كنتم تلطمون مخطئين فتصبرون بل إن كنتم تتألمون عاملين الخير فتصبرون فهذا فضل عند الله. لأنكم لهذا دعيتم. فإن المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركا لنا مثالا لكي تـتبعوا خطواته. الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر. الذي إذ شتم لم يكن يشتم عوضاً. وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضى بعدل". (1بط18:2ـ23)



5- "كذلك عظ … العبيد أن يخضعوا لسادتـهم ويرضوهم في كل شئ غير مناقضين. غير مختلسين. بل مقدمين كل أمانة صالحة لكي يزينوا تعليم مخلصنا الله في كل شئ". (تى6:2ـ10) 



وما يقال للعبيد بخصوص الخضوع لسادتهم ينطبق تماما على الموظفين وخضوعهم لرؤسائهم في العمل حتى ولو بلغ ظلمهم حد الاستعباد.



ويبقى أيضا مناقشة موضوع: إلى أي مدى يمكن الخضوع لهؤلاء السادة؟ وهذا ما سوف نناقشه كما سبق أن قلت في باب حدود الخضوع للسلطة.


خامساً: سلطة الكنيسة


الكنيسة كوحدة تجمُّع للمؤمنين لا يعقل أن تكون بلا سلطة تعلن مشيئة الله لشعبها. فإن كان البيت المكون من زوج وزوجة كأصغر وحدة تجمُّع أعطى الله فيها السلطة للزوج وأمر الزوجة بالخضوع له. وكذلك بالنسبة للأسرة المكونة من والدين وأبناء كوحدة أكبر أعطى الله فيها السلطة للوالدين وأمر الأبناء بالخضوع لهما. وهكذا الحال بالنسبة لوحدة العمل ووحدة الدولة الأكبر، فكم بالحري للوحدة التي تجمع المؤمنين معاً أي الكنيسة، لذلك نرى أن الله يفوض السلطة لأناس معينين فيها ويأمر بقية الأعضاء بالخضوع لهم.



وهذه بعض الآيات توضح تفويض السلطة للكنيسة على المؤمنين:



1- قال السيد المسيح "كأنما إنسان مسافر ترك بيته وأعطي عبيده السلطان ولكل واحد عمله..." (مر34:13) نلاحظ أن هذه المبادئ التي وضعها السيد المسيح للسلطة قد صارت في القرن العشرين هي أساس علم الإدارة. فهنا نرى تحديد المسئولين (عبيده) وتفويض السلطة (أعطاهم السلطان). ثم توصيف العمل Job description (ولكل واحد عمله).



2- ومعلمنا بولس الرسول يقول أيضا "أكتب بهذا وأنا غائب لكي لا أستعمل جزماً وأنا حاضر حسب السلطان الذي أعطاني إياه الرب للبنيان لا للهدم) (2كو2:13ـ10) ويلاحظ أنه بالرغم من أنه يقول أن السلطة المعطاه له هي للبنيان لا للهدم ، نراه يقول "إذا جئت أيضاً لا أشفق" . مما يؤكد أنه سلطان مفوض لإحكام الانضباط في كنيسة الله.

وهذا تؤيده الآيات الآتية التي كثيراً ما أسئ فهمها وقامت ضدها محاولات لتنحيتها عن أن تكون تفويضاً بالسلطة لأناس معينين في الكنيسة، وليس هنا المجال للرد على تلك الاعتراضات. واليك الآيات التي تشهد بتفويض السلطة.



3- "فقال لهم يسوع أيضاً سلام لكم كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ وقال اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت". (يو21:20ـ23) هنا تفويض السلطة بالحل والربط.



4- وقال أيضا "… وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة وإن لم يسمع للكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار. الحق أقول لكم كل ما تربطونه علي الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحلونه علي الأرض يكون محلولاً في السماء" (مت17:18ـ18) في هذا تأكيد للتفويض.



5- وذات الشيء الذي أعطاه لقادة الكنيسة عامة، أعطاه أيضا لكل فرد من هؤلاء القادة بالتخصيص إذ قال "وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه علي الأرض يكون مربوطاً في السموات وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السموات" (مت19:16)



6- ومعلمنا بطرس الرسول يقول " أطلب إلي الشيوخ الذين بينكم أنا الشيخ رفيقهم والشاهد لآلام المسيح وشريك المجد العتيد أن يعلن. ارعوا رعية الله التي بينكم نظاراً لاعن اضطرار بل بالاختيار" (بط1:5ـ2) وواضح هنا تفويض السلطة للرعاة أن يكونوا نظاراً.



7- وفي سفر أعمال الرسل يسجل قرار أول مجمع لهم "وإذ كانوا يجتازون في المدن كانوا يسلمونهم القضايا التي حكم بها الرسل والمشايخ الذين في أورشليم ليحفظونها ) (أع4:16) 

ويتضح من هذا أن السلطة الكنسية مفوَّضة لتصدر أحكاماً فيلتزم بها المؤمنون. 



هذه بعض الآيات التي توضح تفويض السلطة لأناس في الكنيسة يستخدمها الله لتحقيق أهدافه. وإليك آيات أخرى توضح وجوب الخضوع لهذه السلطة:



1- يقول معلمنا بولس الرسول " أطيعوا مرشديكم واخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حساباً لكي يفعلوا ذلك لا آنيين لأن هذا غير نافع لكم" (عب17:13) واضح بكل جلاء حتمية الخضوع لسلطة المرشدين الروحيين.



2- ويقول أيضا معلمنا بولس الرسول "ثم نسألكم أيها الاخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم وأن تعتبروهم كثيراً جداً في المحبة من أجل عملهم" (1تس5: 12ـ13). 



فالأمر بالطاعة والخضوع واضح جداً من خلال هذه الآيات مع توضيح الدافع لهذا الخضوع وهو المحبة، وأسلوب الخضوع وهو الاحترام ( أن تعتبروهم كثيراً جداً).