الخضوع ومشيئة الله

تمهيد

الفصل الأول: تعريف الخضوع

الفصل الثاني: مجالات الخضوع

الفصل الثالث: حتمية الخضوع

الفصل الرابع: دوافع الخضوع

الفصل الخامس: أسلوب الخضوع

الفصل السادس: حدود الخضوع

الفصل السابع: تأمين الخضوع

الفصل الثامن: ثمار الخضوع

الفصل التاسع: خطورة عدم الخضوع

الفصل العاشر: اعتراضات والرد عليها

خاتمة

حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الفصـل الرابع دوافع الخضوع



ما هي الدوافع الداخلية التي تدفع المؤمن للخضوع؟ 

هل يخضع عن إكراه وإجبار؟ أو عن خنوع واستسلام؟ 

من المؤكد أن دوافع الخضوع المقبول أمام الله لا بد وأن تكون دوافع سليمة وليست من منطلق الانغلاب على الأمر أو الاستسلام المريض.

وهذه هي بعض الدوافع التي من منطلقها يكون الخضوع سليماً:



1ـ الثـقة في الرب: 

لا يستطيع أحد أن يمارس الخضوع إلا إذا كانت له ثقة في الرب بأنه ضابط الكل، الإله القادر على كل شئ. (رؤ8:4) فلا شئ في الوجود يحدث ويفرض وجوده على الرب، بل كل شئ يعلمه الرب ويضبطه لأنه قادر على كل شئ، لذلك يقول أرميا النبي. "من ذا الذي يقول فيكون والرب لم يأمر" (مراثي أرميا 37:3)



لا أحد في الوجود ولا الملوك يخرجون من يد الرب، فقد قال سليمان الحكيم النبي والملك. "قلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يميله" (أم1:21) 

وبهذه الثقة يستطيع المؤمن أن يخضع مطمئنا واثقاً أن الله لابد وأن ينفذ مشيئته بطريقته الخاصة بدون صراع بشرى كقول حبقوق النبي. "لأن الرؤيا بعد إلي الميعاد وفي النهاية تتكلم ولا تكذب. إن توانت فانتظرها لأنها ستأتـي إتيانا ولا تتأخر" (حب3:2) 

فالثقة في الرب وفي قدرته وحكمته وسلطانه دافع قوى للخضوع.



2ـ إنكار الذات: 

قال الرب يسوع المسيح "إن أراد أحد أن يأتـي ورائـي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني" (لو23:9) وبهذا وضح أن أول الخطوات للسير وراء الرب هي إنكار الذات. وما هو إنكار الذات؟ إنه قطع مشيئة الذات، وإلغاء إرادة النفس، والتنازل عن الرغبات الشخصية، والتخلي عن الأهواء الخاصة.

إنكار الذات هو منطق سليم للخضوع والاستعداد لتنفيذ مشيئة الآخرين.



3-الضمير الصالح: 

عندما أوصى الكتاب بالخضوع لصاحب السلطة الذي هو "خادم الله المنتقم للغضب من الذي يفعل الشر" (رو4:13) قال "لذلك يلزم أن يخضع له ليس بسبب الغضب فقط بل أيضا بسب الضمير" (رو5:13).



معنى ذلك أنه ينبغي الخضوع لمن هو في سلطة ليس بدافع الخوف من غضبه بل بدافع مقدس وهو مراعاة القيم الروحية التي تربى عليها ضميرنا أمام الله، فضميرنا يراعي مبادئ الله في كل تعاملاتنا مع الآخرين، فمن المبادئ الإلهية ضرورة الخضوع لمن هم في سلطة لأنهم يمثلون سلطة الله نفسه. إذن فلابد من مراعاة ضميرنا في الخضوع للسلطات المتنوعة ليس للطفاء فقط بل وللعنفاء أيضا. وهذا ما يؤيده معلمنا بطرس الرسول في صدر حديثه للخدام عن خضوعهم للسادة العنفاء أيضا أكمل قائلاً "لأن هذا فضل إن كان أحد من أجل ضمير نحو الله يحتمل أحزانا متألماً بالظلم" (1بط18:2ـ19) فيضيف هنا بطرس الرسول أنه حتى ولو أتت علينا أحزان أو آلام بسبب ظلم أصحاب السلطان فلابد أن نخضع لهم من أجل ضميرنا أمام الله.



فحرص المؤمن على أن يكون له ضمير صالح من نحو الله والناس. (أع16:24) يدفعه على أن يسلك في طاعة وخضوع للسلطات المقامة من الله.



4- إرضاء الله:

يوضح معلمنا بولس الرسول دافعا آخر من دوافع الخضوع للسلطة وهو إرضاء الله في قوله "أيها العبيد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة مشيئة الله من القلب خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس" (أف5:6ـ7) 



ويفسر هذا الكلام بقوله "أيها العبيد أطيعوا في كل شئ سادتكم حسب الجسد لا بخدمة العين كما يرضى الناس بل ببساطة القلب خائفين الرب. وكل ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس. (كو22:3ـ23) 



فالإنسان الخاضع مدفوع بدافع من القلب لإرضاء الرب بعمل مشيئته، ليس لمجرد إرضاء الناس أو الخوف منهم. 



5- المحبة: 

وهي من أسمى دوافع الخضوع، ولقد وضع معلمنا بولس الرسول هذا الدافع بقوله "ثم نسألكم أيها الاخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم وأن تعتبروهم كثيراً جداً في المحبة من اجل عملهم. سالموا بعضكم بعضاً"(1تس12:5ـ13).

وبولس الرسول في قوله "الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم" يقصد أصحاب السلطة في الكنيسة. فيوصى باحترامهم واحترام سلطتهم إذ يقول: "من اجل عملهم" ويوضح الدافع قائلا: "في المحبة" فهي أقوى رباط وأقدس دافع. 




من أقوال الآباء القديسين

عن دوافع الخضوع



1ـ يقول القديس سمعان اللاهوتي: [إذا أمرك أبوك الروحي أن تريح جسدك قليلاً (من الصوم) أطعه، ناكراً إرادتك الشخصية. وإذا راعيت هذا فسوف تظل دائماً في كل شئ كراهب يصوم ويزهد وينكر إرادته كلية. فضلاً عن ذلك سوف تحتفظ بالنار المتأججة داخل قلبك، التي تدفعك إلي احتقار كل شئ].

(كتابات من الفيلوكاليا عن صلاة القلب ص112).



2ـ وأيضا يقول القديس سمعان اللاهوتي: [أي إنسان يكتسب إيمانا فعالاً في أبيه الروحي عندما يراه يظن أنه يرى المسيح نفسه. ولكونه في حضرته أو في تبعيته، فانه يؤمن إيمانا راسخا أنه مع المسيح ويتبع المسيح. مثل هذا الإنسان لن يرغب مطلقاً في أن يتحدث مع أي إنسان آخر، ولن يفضل الأمور الدنيوية علي محبة الله وذكر اسمه. تري أي شخص أفضل واكثر نفعاً في الحياة الحاضرة والمستقبلية من أن يكون مع المسيح؟ وأي شئ أحلي وأجمل من التأمل فيه؟ وإذا منح الإنسان أن يتحدث معه، حينئذ لابد أن يصف الحياة الأبدية من هناك]. 

(كتابات من الفيلوكاليا عن صلاة القلب ص114) 

3ـ وأيضا للقديس سمعان اللاهوتي [هؤلاء الذين مع الخوف والرعدة وضعوا الأساس السليم للإيمان والرجاء في ساحة البر، والذين ثبتوا أقدامهم علي صخرة الطاعة لآبائهم الروحانيين، يصغون إلي تعليمهم كما لو كانت صادرة من شفتي الرب. وعلي أساس هذه الطاعة الثابتة غير المترددة يمارسون ما يتعلمونه في اتضاع، يصلون بسرعة إلي النجاح. وأول عمل عظيم يقومون به في أنفسهم هو إنكار ذواتهم، لأن إطاعة مشيئة الغير بدلاً من مشيئتهم لا تقوِّم فقط إنكارهم أنفسهم، بل تجعل العالم كله ميتا بالنسبة لهم.

(كتابات من الفيلوكاليا عن الصلاة القلب ص121)