الفصل الأول
الإيمان:
با لحقيقة أؤمـن.
الله الآب: بإله واحـد, الله
الآب, ضابط الكـلّ.
الخـلق: خـالق
السماء والأرض, ما يرى وما لا يرى,
يسوع
المسيح: وبرب واحد يسوع
المسيح, ابن الله الوحيد, المولود من الآب قـبل كل الدهور, نور
من نور,
إله حق من إله حق, مولود غـير مخلوق, واحـد مع الآب فى الجوهـر, الذى به كان كل
شئ, الذى
من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من
السماء,
التجسد: وتجسّد
من الروح القـدس ومن مريم العـذراء, وتأنّس,
الفـداء:
وصُلِب عـنّا عـلى
عهد بيلاطس البنطى, وتألّم, وقُـبر, وقام من بين الأموات فى اليوم الثالث كما فى
الكتب, وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب,
الدينونة:
وأيضًا يأتى فى مجده
ليدين الأحياء والأموات, الذى ليس لملكه إنقضاء,
الروح
القدس: نعم أؤمن بالروح
القدس, الرب المحيى, المنبثق من الآب قبل كل الدهور,
الثالوث
القدوس: نسجد له ونمجده مع
الآب والابن, الناطق فى الأنبياء,
ا لكنيسة:
وبكنيسة واحدة,
مقدسة, جامعة, رسولية,
المعمودية:
واعترف بمعمودية
واحدة لمغفرة الخطايا
القيامة:
وأنتظر قيامة الأموات
وحياة الدهر الآتى.
هـذا الدستور ( القانون ) للإيمان وُضع عـلى مراحـل حسب ظهـور الهرطقات واضطـرار
الكنيسة للدفاع عـن إيمانها...
وقـد سُمّى بالنيقاوى القسطنطينى لأن قسمـًا منه
وُضع فى المجمـع المسكونى الأول الذى انعـقد السنة الـ 325 فى نيقـية...
ثم اُكمـل فى المجمـع المسكونى الثانى الذى انعـقد
السنة الـ 381 فى القسطنطينية...
منذ العـهد الرسولى تضمنت العبادة المسيحية
الاعتراف العـلنى ببعـض عـناصر مقـومات الإيمان وخاصة عـند الاستعـداد لسرّ
المعـمودية وإقامته...
وفى شرقنا المسيحى دخـل دستور الإيمان النيقاوى
القسطنطينى خـدمة القـداس الإلهـى كجـزء رئيسى منه فى القـرن الرابع, وتصـدّر
الكـلام الجـوهـرى...
يُستهـل دستور الإيمان بكلمـة " أؤمن" وليس " نؤمن"
ليظهـر للشعب المسيحى قيمـة الالتزام الشخصى لكـل عـضو فى الكنيسة...
لذلك يجب أن لا نتلو دستور الإيمان تلاوة هامشية أو
أن نوكـل ذلك إلى أى كان دون اشتراكنا الفعـلى بذلك إذ المطلوب من كل مؤمن قبل
اشتراكه فى تناول القدسات أن يتبنّى إيمان الكنيسة وأن يلتزمه شخصـيًا...
" أؤمن" هذا يعنى أنّى أنا فـلان الحاضر فى هذه
الكنيسة أؤمن أى أتبنى لا بشفتى فقط ولكن بكـل كيانى هـذه الكلمات التى وضعـها آباء
الكنيسة وسكبوا فيها الحقيقة المعـلن عـنها, جاعـلينها بعـملهم هذا فى متناول كل
عـقل مستنير بالإيمان بيسوع...
ولقـد قال المطـران " فيلاريتوس", مطـران موسكو فى
القـرن الماضى, فى هـذا الصدد:
" ما
دام إيمانكم محفـوظـًا فى الكتاب المقـدس وفى دستور الإيمان فهـو مِلْكٌ لله
وأنبيائه ورسله وآباء الكنيسة, إنه ليس لكم ولن تبدؤوا فى اكتسابه إلا عـندما يتملك
عـلى أفكاركم وذاكـرتكم ..."...
ومن أجـل الوصـول إلى حـالة كهـذه عـلينا أن نسعى
جهـدنا لفهـم الحقـائـق المُعـبّر عـنها فى دستور الإيمان ونسمح لها بالتغـلغـل
فينـا فتـؤثر الكلمـات التى نرددها ونسمعها فى القـداس الإلهى فينـا عـميقـًا
وتحـولنا إلى أعـضاء راشدين واعـين لكنيسة المسيح...
وهـذا ما هـدفنا إليه فى الكتاب الذى بين
أيديـكم...
ولكن لا بـدّ قبل الغـوص فى ثنايـا الكتاب من
إبـداء بعـض الملاحظـات التى نعـتبرها هامة لفهـم صحيح للعـقائد المسيحية ولدستور
الإيمان:
أولاً: تلاوة دستور الإيمان جزء لا يتجزأ من القداس الإلهى:
إن تلاوة دستور الإيمان جـزء لا يتجـزأ من القداس
الإلهـى...
هى تعـبير عـن قـبول الجماعـة للكلمة الإلهية
وإعـلان إيمانها بهـذه الكلمـة التى سمعـوها عـبر الرسالة والإنجيل فى القسم الأول
من القـداس ( قـداس الموعـوظين )...
وهى كذلك تأكـيد لإرادة الجماعـة فى أن تصبح جسدًا
واحـدًا بتناولها الكلمـة الإلهية فى سرّ الشكر...
إذن, فتلاوة قانون الإيمان عـمـل ليتورجى, نشيد من
أناشيد التسبيح فى الحـياة الطـقسية...
العقـدة والتسبيح مشدودان إلى بعضهما بعُـرى لا
تنفـصم:
" من
يصـلى فهـو لاهـوتى, واللاهـوتى هـو الذى يصـلّى" قال الآباء قـديمـًا...
إذًا لا يمكننا أن نتعـرّف عـلى الحقـيقة الكامنة
فى عـقيدة ما بالتحليل العـقلانى الصـرف ـ فالعـقـل لا يمكنه أن يحصـر الألوهـة
وأسرارها...
ولكن يمكننا ذلك بالتسبيح والتـأمّـل...
بالرجـاء الكـلّى فى رحمة الله وهـو يكشف لنـا
حينـئذ ذاتـه ويساعـدنا عـلى فهـم سرّ محـبّته...
يقـول أحـد الآباء:
" ليس
المهـم أن نتكـلّم عـن الله أو عـن حقـيقـة الله, بلّ المهـم الأهـم هـو أن نـدع
ذواتنا تتطهّـر بالله فتمتلئ منه ومن حقـيقـته"...
اللاهـوتى الحق, فى المفهـوم الشرقى, هـو القـديس,
لأن القـديس قد حقـق شركته مع الله...
السعى إلى الله أساس الدين المسيحى...
ودراسة دستور الإيمان ليست دراسة ميـتافـيزيقـية,
بل هى سعى صامت محـبّ ودؤوب يعـبق بالتسبيح...
سعى إلى الحقـيقـة المعـلنة من الله والمُعَـبّر
عـنها بالمسيح يسوع ابنه والمحـيية لنا فى الكنيسة بروحـه القـدوس...
دستور الإيمـان يؤكـّد أن وحـدة الكنيسة هى, فى
الأساس, وحـدة فى الإيمـان...
والجماعـة التى يشدّها إيمان واحـد إنما تعـبّر عـن
إيمانها جماعـيًا مما يؤدى إلى صـون وحـدتها وإعـلانها للمـلء...
وهنا تجـدر الإشارة إلى أن المؤمنين فى القـرون
الثلاثة الأولى لم يكونوا فى حـاجة إلى التعـبير عـن إيمانهم بواسطة دساتـير
للإيمان...
ولكـن دفعـهم إلى ذلك ظهـور الهـرطـقات...
يقـول هيلاريوس فى القـرن الرابع:
" إن
شر الهـراطـقة والمجـدّفين يدفعـنا إلى القـول بالمحـرّمات, كأن نتسلّـق القمم التى
لا تُـطال ونتكـلّم فى أمـور لا يُنـطـق بها ونلجـا إلى تفاسير ممنـوعـة. كان
عـلينا الاكتفـاء بأن نتمم بالإيمان وحـده ما أمـرنا به السيد: أن نسجد للآب ونكـرم
الابن معـه وأن نمتلئ من الروح القـدس. ويا للأسف فنحـن الآن مضطرون لوصف الأسرار
الفائقـة الوصف. أن خطـيئة الآخـرين تسقـطـنا نحن فى هـذه الخطـيئة: أن نُعَـرّض
الأسرار إلى متناقضات " قصـور" لغـة البشر, بينما هـى وجـدت لنخـدمها فى سكون
قلوبنا"...
هـذا يعنى أن تشويه الهـراطـقة للحقيقة المسلّمة
إلى الرسل فـرض عـلى الكنيسة وضع معـتقـداتها فى قـوالب بشرية مع إدراكها تمام
الإدراك أن الكلمات عاجـزة كل العـجـز عـن إحـتواء الحقيقة كلها والتعـبير عـنها
كليـًا...
هـذا الوضـع جـعـل العـقائد المسيحية تحـوى ـ حسب
الظاهـر ـ تناقضات لا حـصرلها...
فمثـلاً نقـول بأن الله واحـد وإنه فى الوقت ذاته
مثلث الأقانيم...
ونعـترف بأن الله لا يُـدنى منه وندعـو فى الآن
ذاته إلى حـياة الشركة مع الله...
ونٌقـرّ بأن المسيح إله وإنسان فى آن...
ونقـول عـن الكنيسة أنها منظـورة وغـير منظـورة
كذلك إلخ...
كل هـذه التناقضات ـ ظاهـريًا ـ تعـبّر مجتمعـة عـن
الحقيقة...
لكن الجمع بينها لا يتم عـلى المستوى العـقلى بلّ
عـلى مستوى الخـبرة الروحـية...
وهـذا هـو معنى السر فى المسيحية...
إنه ليس نظـرية صعـبة الفهم والادراك, ولكنه حـياة
نحن مدعـوون لاختبارها فى جماعـة المؤمنين الواحـدة, أعنى بها الكنيسة...
وكلما ازداد اختبارنا لحـياة الكنيسة وجـدناها
أكـثر وأعـمـق...
وحـدتنا فى الإيمان ملتصقـة بالمحـبة وملازمة
لهـا...
وهـذه الوحـدة تؤهـلنا للوصـول إلى وحـدة الحـياة
الحقـة فى اشتراكنا بالمسيح فى سرّ الشكر...
وهـذا واضح فى القـداس الإلهى إذ ياتى دستور
الإيمان مباشرة بعـد دعـوة الكاهن جميع المؤمنين لممارسة المحبة قائلاً:
" لنحب بعضنا بعضًا, لكى بقلب واحـد, نعترف مقرين
بآب وابن وروح قدس ثالوثًا متساوى الجوهـر وغـير منفصل"...
وهـذا يعنى أن جماعـة المسيحيين المتحـدة بالمحـبّة
عـلى صورة الثالوث القـدوس هـى وحـدها مؤهـلة ومدعـوة لإعـلان الإيمان الواحـد...
المحبة الحقيقية توأمان لا ينفصـلان...
لا حقيقة معـاشة دون المحـبّة وخارجها...
ولا محـبّه حقـة خارج الحقيقة...
أخـيرًا, يذكـرنا الالتزام الشخصى المنوه عـنه فى
كلمة " أؤمن" بدعـوة دستور الإيمان لنا إلى الالتصـاق بهـذا التـدبير الإلهى الذى
يسرد أحـداثه وإلى تغـيير ذواتنا لكى نصبح سفـراء للمسيح وشهـودًا له فى هـذا
العالم...
وبذلك تصبح الكنيسة الجامعـة خـادمة للعالم الحـاضر
كما كان سيدها...
وهـذا جـلىّ فى تسلسل القـداس الإلهى:
v وحـدتنا فى المحـبة تؤهـلنا لأن نعـبّر عـن إيماننا الواحـد..
v تعـبيرنا عـن إيماننا الواحتد يؤهلنا للاشتراك فى الكـأس
الواحـدة...
v اشتراكنا فى الكـأس الواحـدة وسكنى المسيح فى قـلوبنا يؤهـلنا
للتفتيش عـن المسيح وخـدمته فى كل مواضه سكنه, أى أيضًا فى الإنسان الآخـر وفى
العـالم, مؤكـدين بذلك أن سرّ الشكر لا يكتمـل فـعـله فينا إلا إذا أوصـلنا إلى
المنـاولة فى " سرّ القـريب" كما يقـول القديس بوحنا ذهبى الفم...
|