المعمودية
" ..و اعترف بمعمودية
واحدة لمغفرة الخطايا..."
يبـتدئ البحـث فى الأسرار من البحث عـن الإنسان
المؤمن، بعـد أن صعـد الرب إلى السماء...
نعـلم أن بولس الرسول تكـلّم عـلى أن هنـاك سرًا
إلهـيًا كان فى الله منذ الأزل، وهو سرّ محـبة الله
للبشر...
هذا السر يشكّـل حـياة الله ضمن الثـالوث القـدوس،
أى أن الآب والابن والـروح القـدس متحـدون بسرّ المحـبة:
[ اَلله
مَحَـبّة ] [ 1يوحنا 4: 8 ]...
تنطلق المحـبة من الآب وتعـود إليه فى دورة دائمة،
فى حـركة بين الأقـانيم الثـلاثة دائمـة...
هـذا السر، سرّ أن الله محـبة، كُشف فى المسيح
وحـَقـقـه المسيح...
حقـق المسيح المحـبة بالفـداء ثم عـاد المسيح إلى
أحضان الآب وأعـاد إليه هذا الجنس البشرى المـتروك الذى كان قـد
أخطـأ....
بعـودة المسيح إلى الآب، الإنسان نفسه عـاد إلى
الله...
هـذا فى الأساس...
ثم سكب الله الـروح القـدس عـلى المؤمنين لكى
يعـطـيهم كلّ ما حُقـق فى المسيح، أى لكى يمنحهم سرّ محـبته ويجعـلهم يعـيشون
معه...
حـياة الله التى تـدور ضمن الثالوث القدوس وتغـلى
ضمنه، حياة الله هـذه كان لله أن يمد البشر بها...
والـروح القـدس هو الموزّع لحـياة الله، هو
معـطيها...
إذًا، كل الهـدف من مجئ المخـلص عـلى الأرض وصعـوده
إلى السماء، هـو تـوزيع المواهـب الإلهـية عـلى الناس...
بكلمة أخـرى، يجب أن يكون هـناك قـوم يعـيشون
بحـياة الله، وهـؤلاء القـوم هـم الكنيسة...
والكنيسة تعـيش بحـياة الله، بقـوة الله، كما كانت
هـذه القـوة ظاهرة فى المسيح...
أى هى القـوة نفسها التى كانت فى المسيح أيام
بشارته، عـندما كان عـلى الأرض...
قـوة المسيح هـذه التى خـلصت وأحـبت يجـب أن
تُـنقـل بالـروح القـدس...
حـياة الكنيسة هى، إذًا، حـياة المسيح منقـولة
إلينا بالعـنصـرة، بإنعـطاف الـروح القـدس عـلى البشر وعـلى الكون بواسطة
الكنيسة...
الكنيسة هى المحـيط الذى فيه الله
فاعـل...
الله يحرّك الكنيسة، يحيـيها وينعـشها بالحـياة
نفسها التى فيها، هـذه الحـياة التى كانت مسكوبة فى
المسيح...
وتوزيع حـياة المسيح والقـوة التى فى المسيح يتممه
الـروح القـدس عـن طـريق الأسرار...
السرّ فى الكنيسة ـ كأن نقـول سرّ المعـمودية، سرّ
المـيرون أو سرّ الشكر .... ـ السر فى الكنيسة لا يعـنى شيئًا آخـر غـير السرّ
الإلهـى القـديم، الأزلى، الذى تكلّم عـنه الرسول بولس، أعـنى سرّ الحـياة
الإلهـية، سرّ المحـبة، سر محـبة
الآب والابن والروح القدس...
وبالتالى، كيف تظهـر محبة الله لنا بالأسرار؟، هـذا
هو الموضوع...
أسرار الكنيسة ماهى إلا نفس السرّ الذى ينكشف الآن،
الذى يتحـقـق الآن...
وهـذا السرّ الذى تحـدّث عـنه الرسول بولس فى
الرسالة إلى أهـل أفسس عـندما قال:
[ أَنَّهُ بِإِعْـلاَنٍ
عَـرَّفَنِي بِالسِّرِّ. كَمَا سَبَقْتُ فَكَتَبْتُ
بِالإِيجَـازِ.
الَّذِي
بِحـَسَبِهِ حِـينَمَا تَقْرَأُونَهُ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْهَـمُوا دِرَايَتِي
بِسِرِّ اَلْمَسِيحِ.
الَّذِي فِي
أَجْـيَالٍ أُخَـرَ لَمْ يُعَـرَّفْ بِهِ بَنُو اَلْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْـلِنَ
الآنَ لِرُسُـلِهِ اَلْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ
بِالـرُّوحِ:
أَنَّ اَلأُمَمَ
شُرَكَاءُ فِي اَلْمِـيرَاثِ وَاَلْجـَسَدِ وَنَوَالِ مَوْعِـدِهِ فِي اَلْمَـسِيحِ
بِالإِنْجِيلِ. ] [ أفسس 3: 3ـ 6 ]...
ثم يكمّـل:
[ وَأُنِيرَ اَلْجَـمِيعَ فِي
مَا هُـوَ شَرِكَةُ اَلسِّرِّ اَلْمَـكْتُومِ مُنْذُ اَلدُّهُورِ فِي اَللهِ
خَـالِقِ اَلْجَـمِيعِ بِيَسُوعَ اَلْمَسِيحِ ] [ أفسس 3:
9 ]...
وهـذا السر الإلهى نحـن شركاؤه، نحن شركاء هـذا
الشئ الخـفى فى أعـماق الله وهـو أن الأمم محـبوبة كاليهـود، أن البشر جميعـًا
محبـوبون ويدخـلون فى مـيراث الله...
أسرارالكنيسة، إذًا، هـذا الإخـراج لسرّ الله، هـذا
النقـل وهـذه الترجمـة لهـذه المحـبة...
ولكن لهـذه الأسرار كلها، وبالتالى، عـلاقة بحـياة
المسيح فى الجسد...
وهـذا هـو المهم جـدًا فى البحث فى
الأسرار...
هـذه الحـياة الإلهـية الأزلـية عـاشها المسيح فى
الجسد، هـنا...
والروح يعـطينا حـياة المسيح كما عـاشها
هـنا...
وبالأخـير، إذًا، عـندما نتكلّم عـن أسرار الكنيسة
السبعة فهـذه كلها تكـون إمـدادات لحـياة المسيح فى أيـام تجسده، بحـيث نعـيش نحـن
فى الجسد ما عـاشه هـو فى الجسد...
سر
المعموية ماذا يُخـرج إلينا من حـياة المسيح، ماذا يُترجم
لنا؟...
هنا يمكن القـول، أن المعمودية تترجم لنا كل حـياة
المسيح إذا كانت هذه الحياة تـلخّـص بكلمتين: مـوت
وحـياة...
حـياة المسيح فى البشرية، من الميلاد إلى تمجـيدها
عـند فجـر الفصح، كلها موت وحياة، لأن المسيح وُلـد لكى يمـوت
ويُبعـث...
طبعـًا، وضعـه فى أقمطة وهـذا المولد المتواضع
وهـذه المعـمودية التى نالها من يوحنا فى الأردن وهـذه الآلام المعـنوية التى ذاقها
من اليهود وهـذه الاضطهادات، كل هـذا، قـبل صـلبه من اليهود وبيلاطس، كان طـريقـًا
على المـوت وكان، فى وقت واحـد، إنبعـاثـًا من موت...
معـمودية يسوع فى الأردن كانت نزولاً تحـت المياه
وكانت خـروجـًا من المياه وظهـورًا للآب والـروح
عـليه...
كذلك، التجلّى عـلى الجـبل كان تمجـيدًا له، ولكنه،
فى آن واحد، حسب رواية لوقا الإنجيلى، كان حديثـًا عـن خروجه من أورشليم، أى كان
إستعـدادًا لمـوته:
[ وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي
صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً وَلِبَاسُهُ مُبْيَضّاً
لاَمِعاً.
وَإِذَا
رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا
اَللَّذَانِ
ظَهَرَا بِمَجْدٍ وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ اَلَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ
يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ.
وَأَمَّا
بُطْرُسُ وَاَللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِالنَّوْمِ. فَلَمَّا
اِسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ وَاَلرَّجُلَيْنِ اَلْوَاقِفَيْنِ
مَعَهُ.
وَفِيمَا هُمَا
يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ: يَا مُعَلِّمُ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ
هَهُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً وَلِمُوسَى وَاحِدَةً
وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً . وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ.
وَفِيمَا هُوَ
يَقُولُ ذَلِكَ كَانَتْ سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ. فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا
فِي اَلسَّحَابَةِ.
وَصَارَ صَوْتٌ
مِنَ اَلسَّحَابَةِ قَائِلاً: هَذَا
هُوَ اِبْنِي اَلْحَبِيبُ. لَهُ اِسْمَعُوا .
وَلَمَّا كَانَ
اَلصَّوْتُ وُجِدَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَأَمَّا هُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُخْبِرُوا
أَحَداً فِي تِلْكَ اَلأَيَّامِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَبْصَرُوهُ ] [ لوقا 9: 28 ـ 36
]...
كل فصـول
حـياة السيد هى إنبعـاث من موت، مرافـقـة المـوت للحـياة...
من هـذا القـبيل المعـمودية تعـطـينا كل المسيح
ولهـذا نقـول أنها المـيلاد الثـانى...
هى المـيلاد الثانى إذا قيس هـذا المـيلاد
بمـيلادنا من أمتنا...
هـذا هـو المـولود الأول فى الجسد، ولكننا نولد
الآن ليس من لحم ودم ولا من مشيئة رجـل بل من الله...
المسيح أعـطانا أن نصـير أولاد
الله:
[ وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ
قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ
الْمُؤْمِنُونَ
بِاسْمِهِ.
اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ
وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ ] [
يوحنا 1: 12، 13 ]...
الإنسان كان فى حالة الغـضب، فى حالة
اللعـنة...
واللعـنة تعـنى الإقـصـاء عـن
البركـة...
والبركـة معـناها إمـداد الإنسان بحـياة
الله...
الإنسان أُقصى عـن هـذه الـبركات
بالخـطـيئة...
هـو جعـل نفسه فى الظـلمة وجعـل نفسه فى العـزلة
عـن الله وفى التشتت وفى التفـتت، فى التجـزئة، فى التلاشى وفى
الإضمحـلال...
هـذه هى الخطـيئة عـمقـًا
وكـينونة...
فالإنسان من جـديد يولـد وكـأنه لم
يكـن...
فى الواقـع، لم نكن نحـن شيئًا قـبل المخلّـص وقـبل
أن يتنـزّل عـلينا بالمعـمودية...
ماذا
جـرى فى المعـمودية؟...
ماذا كان
يجـرى سابقـًا، قـبل المسيح، بالمعـموديات؟...
كان للنـاس فى كل الدنيا معـموديات وفى كل
الديـرة...
والوضـوء الإسلامى نـوع من معـمودية وهـو يعـنى
إغتسالاً وتهـيئة للصـلاة...
رهـبان قـمران، عـلى شواطئ البحـر الميت، قـبل مجئ
المخلّص، كانت لهم أحـواض يغـتسلون فيها كل يوم أكـثر من
مرة...
عـندنا، أيضـًا معـمودية يوحنا كتهـيئة
للتـوبة...
والدخـلاء الوثـنيون الذين كـانوا ينضمـون للدين
اليهـودى عـلى يد الفريسيين، هـولاء، أيضـًا كـانوا
يُعـمّدون...
الحضارة البشرية، قـبل المخـلّص، هـنا وهـناك، كانت
تعـتمد تشوقـًا منها إلى طهـارة كانت تتـوق إليها...
كانت تتوقـع هـذه البشرية أن تنال
طهـارة...
والبشرية أحسّت أنها، من أجـل هـذه الطهـارة
تستعـمل مـاء...
طبعـًا، أن يُقـال: هـذا أمـر طبيعـى وبديهى جـدًا
كـون المـاء يغسل الجسم...
ولكـن الفكـرة كانت أبعـد من
هـذا...
فالمـاء ملتبس المعـنى فى الحضارات القـديمة، أى ان
له معـنى مزدوجـًا وهـو لا يعـنى، دائمـًا الطهـارة...
المـاء مخيف البحـر
مريـع...
المـاء يـدل عـلى الغـرق، عـلى
المـوت...
والمـاء، فى كل الحضارات، كان محـيط الخطـيئة،
محـيط الشر...
مثـلاً، فى الفكـر العـبرى: " لوياثـان" التنين:
هـذا كان الوحش الأسطـورى الذى فى المـاء...
ولـذا، فخـواض البحـر يقـتل التنـين، وما إلى ذلك
من هـذه الصـورة الأسطورية...
المـاء مخـيف ثم المـاء
محيى...
فى التـوراة خـلق الله الدنيـا من
مـاء:
[ فِي اَلْبَدْءِ خَلَقَ
اَللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً وَعَلَى
وَجْهِ اَلْغَمْرِ ظُلْمَةٌ وَرُوحُ اَللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ
اَلْمِيَاهِ ] [ تكـوين 1: 1، 2 ]...
فى بـداية التكـوين، فى الأساطير البابلية، وأيضـًا
فى القـرآن: " وجعلنا من المـاء كل شئ حى"...
المـاء هو المحـيط الذى يخـرج منه الكـائن
الحى...
الجـنين يخـرج من
مـاء...
إذًا، المـاء مزدوج المعـنى
ملتبسه...
ولهـذا فإتخـاذ الإديـان للمـاء لم يكـن سببه فقـط،
أنـه غـاسل ولكـن سببه هـو أنـه يميت ويحيى...
وإذًا، فالغسل، هنـا، ليس شيئًا
سطحـيًا...
الغسل معـناه أننا نمـوت بشكل
مـا...
عـندما جاء المخلص لم يخـترع رمـز المـاء ولم
يخـترع المعـمودية...
وجـدها قـائمـة عـند أهـل قمـران ويوحـنا المعـمدان
والفريسيين...
ولكـن موقـفه منها كـان أنـه عـبأهـا، مـلأهـا
بمعـنى جـديد...
نعـم، نحـن نمـوت بالمـاء، ولكـن أى مـوت هـو
المقـصود؟...
ونحـيا بالمـاء، ولكـن أى حـياة هى
المقصـودة؟...
فى أواخـر إنجـيل متى:
[ فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا
جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ
] [ متى 28: 19
]...
أى إجعـلوا من جميع الأمم لكم تـلامـيذ و
عـمدوهم...
إذًا، فالمعمودية مرتبطة عـند المسيح بأن النـاس
يصـيرون بها تلامـيذ له...
أذًا، يتعـلمون الإنجـيل ويأخـذون من الإنجـيل
الإيمـان:
[
مَنْ آمَنَ وَاِعْتَمَدَ خَلَصَ
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ ] [
مرقس 16: 16 ]...
الإيمـان هـو الخـروج من أى وضع نحـن فـيه إلى
الله...
يقـول الله لإبراهـيم:
[
اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ
وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى اَلأَرْضِ اَلَّتِي
أُرِيكَ ] [ تكوين 12: 1 ]...
الإيمـان هـو، أيضًا، مجازفـة مع
الله...
هـو أن يطـرح الإنسان نفسه فى كـائن لا يعـرفه،
ويعـرفه عـلى قـدر ما يطـرح نفسه فيه...
يذوقـه بعـد أن يرمى نفسه
هـناك...
إذًا، هـناك موت بالنسبة إلى الحـياة القـديمة التى
كان فيها، هـناك إنسلاخ عـنها...
شئ منا يمـوت...
نُـغْـرَق فى المـاء...
وإذا متنا تـأتى حـياة جـديدة ليست
منـّا...
هـنا كل الحـديث عـند يسوع عـن المـاء الذى هـو
يعـطيه، فى مـا قـال للمـرأة السامـرية التى كانت تستقـى من بـئر
يعـقـوب:
[
كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ
هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً ] [
يوحـنا 4: 13 ]...
إذًا، شئ من الدنيـا القـديمة نـتركه، نـترك هـذا
العـالم القـديم، نـدخـل فى وضـع جـديد مع هـذا العـالم
الجـديد...
كـلّ هـذا ينكشف، فيما بعـد، بصـورة أوضح بعـد أن
قـام المخلّص وحـدثنا الرسول بولس عـن هـذه الحـياة التى جـاءت إلـينا بالمعـمودية
حـيث يقـول فى الرسالة إلى أهـل رومية:
[ أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا
كُلَّ مَنِ اِعْتَمَدَ لِيَسُوعَ اَلْمَسِيحِ اِعْتَمَدْنَا
لِمَوْتِهِ
فَدُفِنَّا
مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا أُقِيمَ اَلْمَسِيحُ مِنَ
اَلأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ
اَلْحَيَاةِ.
لأَنَّهُ إِنْ
كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ نَصِيرُ أَيْضاً
بِقِيَامَتِهِ.
عَالِمِينَ
هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا اَلْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ
اَلْخَطِيَّةِ كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضاً لِلْخَطِيَّةِ ] [ رومية 6: 3 ـ 6
]...
مـا أود أن ألفتـكم إليه، فقـط، الآن، هـو هـذا أن
اللفظـة التى يستعـملها الرسول باليونانية وقـد تـُرجمت : أعـتمد ، يعـتمد ،
معـمودية... إلخ...
هـذه اللفظـة هـى Vaptiso
( أعـمّد ) وهـى تعـنى ، فقط،
أغطـّس...
هـذه كلمة عـادية جـدًا صـارت، بعـدئذ، مصطلحـًا
مسيحيـًا...
من إعـتمد ليسوع ـ اللام هـنا هـى، فى اليونانية،
حـرف جـر وهـو يعـنى الحـركة، أى إنتـقـل إلى يسوع بهـذا التغـطيس ـ إنمـا إنتقـل
إلى موتـه فـدفـن مع المسيح بالمعـمودية...
مع هـنا هـى Préfixe أى هـى، فى لغـاتهم، أداة
توضـع قـبل الفعـل...
ودفنّـا معـه تصبح، بهـذا، فعـلاً واحـدًا عـندهم ،
أى تصبح لفظـة واحـدة...
وإذا قـرأ الواحـد اللفظـة ـ الفعـل هـذا الذى
ركّـبه الرسول بولس والذى ليس موجـودًا فى اليونانية بـلّ هـو من إخـتراع بولس:
دفـن مع، فهـذا بعـنى أنـه عـندما دُفـن المسيح كان معـه الذين له، أى أن الذين لـه
كانوا معـه فى القـبر...
إذًا، نحـن عـندما نعـتمد فكـأننا تخطـينا الزمـان
وأبدناه وإنتقـلنا هـذه السنين الألفـين، وكـأننا ، أيضًا، نحـن الذين مـتنا مع
المخلّص ودُفـنّـا معـه...
إذًا، ما حصـل ليسوع المسيح ربطـنا مع
المسيح...
ما حصـل له هـو، بالفـداء، حصـل لنا
أيضـًا...
إن الحـياة الإلهـية التى
كانت فى المسيح أبـادت الموت، تفجـّرت فى الموت فحـولته إلى حـياة وقـامت هذه
الحـياة من القـبر لأنه لا يمكن أن يُضـبط أساس الحـياة وخالقها فى
القـبر...
بعـد أن مات، لا يمـوت ولا
يتسلّط عـليه المـوت...
يمكننا أن نقـول، إذًا، أن
المعـمودية هـى أن تتحقق فـينا هـذه الأشياء التى صـارت، أن
تُخـرج...
فى الحقيقة، ليس هناك شئ
جـديد فى المعمودية...
المعمودية لم تبتدئ اليوم،
هى إبتدأت آنـذاك بموت السيد وقـيامته...
إن موت المسيح وقيامته هما
كحـدث واحـد من حيث الأصـل والطاقـة، لأن كل قـيامة المسيح موجودة فى موته ولكنها
تفجـرت بعـدئذ...
أى أن كل حـياة المسيح كانت
مسكوبة فيه عـندما مات...
وهذه الحـياة التى فـيه هى
مسجلة فينا نحـن منذ أن مات وقـام، أى هى مسجلة فى
المؤمنين...
ولذلك، فعـندما يُعـمّد
إنسان تـُخـرج هذه الحـياة، نؤديها، ونُعـبّر عـنها...
هى بالحـرى، خـلقة جديدة
بالماء والروح...
هى إنكشاف لحـياة المسيح
فـينا...
لذلك، نقـول : دُفِـنّـا ـ وهو فعـل ماضٍ ـ
معه للمـوت أى حتى المـوت...
نحـن نُدْفـن حتى نموت،
حتى، كما أقـيم المسيح من الأمـوات بمجـد الآب، هكـذا نسلك نحـن أيضًا فى جـدة
الحـياة، فى حـياة جـديدة...
إذًا، هـذه مشاركة كانت
موجـودة وحُـقـقـت الآن، وُزعـت عـلينا هـذه المشاركة، بالـروح القـدس، فى هـذا
السرّ...
القضـية، إذًا، ليست قضـية
محـو خطـيئة...
هى ليست أن ثمة دَيْـنـًا
مكتوبـًا عـلينا يُمْحى فنصـبح بـلا دَيْـن ـ هـذا التصوّر العـادى للمعـمودية وهـو
أننا بها نصبح بـلا دين، بلا خطـيئة جـدّية...
فى الحقيقة، إن الخطـيئة
الجـديّة لا تورّث، أى لا تنتـقـل، ولكـن الإنسان يولد مـيتـًا، يُولد معـرّضـًا
للمـوت، حامـلاً فى طـيّات نفسه وجسده قـوة المـوت...
الإنسان هـو فى حـالة مـوت
دائـم، بمعـنى أنـه مقهـور، منحـدر، مهـترئ...
هـذا وضـع
نـلاحظـه...
المـوت لم
يأتِ...
هـو لا يأتى ولا
يذهب...
هـذا ما يُلاحظ: المـوت فى
الإنسان...
هـذا
وضعـه...
هـو إنسان فى حـالة
إنحطـاط...
كلّ إنسان هـو مولود فى
الإنحطـاط، فى التقهـقـر، فى الإهـتراء، فى السقـوط، فى
الظلمـة...
إذًا، المـوت طاقـة
فـينا...
هـذا ما سمّاه فـرويد "
غـريزة المـوت"...
فعـندما ينزل المسيح إلينا
ويتحـد بنا فى المعـمودية يضـع شيئًا ليس فينا، يضـع قـوة
الحـياة...
فقـوة الحـياة التى فـيه
تصـارع قـوة المـوت التى فـينا...
فإذا قـبلنا المـوت هـو ،
نكون ، فى نفس الوقت، قـابلين إفـناء مـوتنا نحـن...
عـندما نرتضـى أن المسيح
مات، أى عـندما نسلّم إليه، إلى صـليبه، إذ ذاك نكـون غـالبين لقـوة المـوت التى
فينا...
المهم هـو أنـه يجب أن
نـدرك هـذا حـتى نـدرك كـل العـمليه وإلا تبقـى قـضـية
سطحـية...
وليس هـناك كعـمودية بدون
إدراك ذلك...
كيف
خلصـنا يسوع المسيح؟...
خلصـنا بأنـه، وهـو الذى لا
يحتمـل المـوت ولا يُحكم عـليه بالمـوت ولا يمـوت ولا يستطـيع أن يمـوت لأنـه بـار،
والبـار لا يمـوت، إرتضتى المـوت...
كل عـملية الفـداء متعـلقـة
بهـاتين الكلمـتين...
المسيح الذى لا يستطـيع أن
يمـوت أراد أن يمـوت...
فإذًا، هـو أدخـل المـوت
طـوعـًا إلى ذاتـه...
فالمـوت الذى كان ضـرورة
عـلى الجنس البشرى، إقـتبله هـو طوعًـا...
أطـاع الله
بهـذا...
لكـونه خضع بإرادتـه
للمـوت، كـان فـوق المـوت...
لكـونه أطـاع المـوت، صـار
فـوق المـوت وصـار غـالبـًا له، هـو سيد المـوت...
لكـونه أطـاع الله حـتى المـوت، مـوت الصـليب،
رفعـه الله إليه: " متوفيك ورافعـك إلىّ"...
رفعـه الله إليه وأعـطاه إسم فـوق كل
إسم...
ترجمة هـذا الكـلام فى اللغـة العـصرية تعـنى:
أعـطاه قـوة فـوق كل قـوة وحضـورًا فـوق كل حضـور، ونفـاذًا فـوق كل
نفـاذ...
وإذًا، حـياة المسيح كانت فـيه ـ وهى حـياة الله فى
المسيح فى هـذا الجسد ـ منذ ان قـبل المـوت...
بكلمة أخـرى، كـان المسيح منبعـثـًا منذ أن إرتضـى
المـوت...
قـوة الإنبعـاث كانت فـيه
آنـذاك...
هـذا يعـنى أنـه، عـندما كان المسيح عـلى الصـليب،
بعـد أن مات، لم تكـن ثمة لحظة من لحظات الزمان كان المسيح فيها مغـلوبـًا ولا يمكن
أن يُغلب...
من المهم تأكـيد أنه ليس هـناك لحظة زمنية كـان
المسيح فيها مـيتًا وعـبدًا للمـوت...
إذًا، هـذا يعـنى أنه مات وقام فى نفس
الوقت...
ليس هـذا أنه رُئى حـيًا، كـلا، لم يُرَ حـيًا ولكن
فى حقيقة الأمـر، كان حـيًا...
رُئى حـيًا بعـد ثـلاثة أيام، فى اليوم الثـالث، فى
القـيامة التى هى كشف لهـذه الحـياة التى فـيه وإذاعـة لهـا وبثـًا لها عـلى الكـون
وإشراكـًا للمؤمنين فى قـوة الفـداء...
من هـنا قـول الرسول بولس: " دُفـنّـا معـه للمـوت"
وهـذا يعـنى أنـه ربانـا فى المـوت بالمعـمودية، حـتى ، كما أقـيم، نقـوم نحـن
أيضًا فى جـدة الحـياة...
نحـن أيضًا عـندما إرتضـينا المعـمودية أو نرتضيها
بعـد أن تمت، أى نرتضيها طـيلة العـمر ـ المعـمودية تُرتضى أو تُرفض ـ فإرتضـاؤنا
لها يعـنى أننا قـبلنا هـذا المـوت...
قـبلنا مـوت المسيح وقـبلنا أن نموت عـن
الخطـيئة...
وبلغـة أخـرى، أن نميت الخطـيئة فـينا، وبهـذا
نفصـل كـياننا الحقيقى الجوهـرى عـن الخطـيئة...
عـندما يقـول الرسول بولس: " أن نمـوت عـن
الخطـيئة" ، فهـذا لأن الإنسان، فى أصـله، حـرّ من
الخطـيئة...
والرسول إعـتبر الخطـيئة جسم غـريب، دخـيل نمـوت
عـنه...
إذًا، فى اللحظـة التى نُعـمّد فيها، نمـوت ونقـوم،
نحصـل عـلى الحـياة الجـديدة بالمثـل...
وإذا كانت فـينا الحـياة الجـديدة فالخطـيئة
تـزول...
إذًا، فـزوال الخطـيئة فـينا أو زوال قـوة الخطـيئة
فـينا هـو نتيجة للحـياة الجـديدة...
الحـياة الجـديدة تأتى مثـل الطعم...
والطعم إذا أتى يحـارب
الجرثومة...
الحـياة الجـديدة التى تنسكب من المسيح عـلينا
بالـروح القـدس فى الكنيسة هى التى تطـارد قـوة
المـوت...
فإذًا، نحـن فى مطـاردة لقـوة المـوت عـن طـريق
الحـياة الجـديدة...
وهـذا ما نحـياه بوجـه عـام، فى العـمر
كـلّه...
حـياتنا هـى إفـناء للمـوت، إمـاتة المـوت، إمـاتة
الخطـيئة، إمـاتة كـل قـوة القهـر والظـلم والخـنوع والـذل وكـل ما هـو
فساد...
وهى مطـاردة الفساد بقـوة الحـياة التى إنكشفت
وتفجّـرت...
* ملحق
:
معمودية الأطفال
لللأب/ نقولا
أفاناسييف
تتوجـه البشارة المسيحية إلى الناس كافة حـتى يقـدر
كل منهم أن يؤمن بابن الله وأن يدخل فى الكنيسة إذا
تاب...
والإيمان والمعـمودية يتطـلبان ذلك الرشد الذى يضمن
العـلاقة الواعـية بسر المعـمودية عـند الداخـل إلى
الكنيسة...
والكنيسة تقـبل فقـط أولئـك الذين ادركـوا الغـاية
والمعـنى من إنضمـامهم إليهـا...
فهـل يتبع هـذا أن الأطفـال والأولاد يجب أن ،
ويقـبلوا فقـط إذا بلغـوا ذلك الرشد أو بمكن تعـميدهم وفق رغـبة
ذويهم؟...
ويبدو أن هـناك ما يجعـلنا نظـن أن مسألة
المعـمودية كانت مطـروحة فى العـصر الرسولى وكانت تثـار من وقت إلى آخـر بصـورة
ماسة...
ولكـن بلغـت حـدتها فى زمن المناظـرات
البيلاجيوسية...
وبنتيجة هـذه المناظرات ثبتت ممارسة معـمودية
الأطفـال...
ولكن المسالة لم تطـرح جانبًا بصـورة
نهائية...
وفى الأزمنة الحديثة ظهـرت ظهـرت بصـدد هـذ المسألة
تيارات متشعـبة...
ليس لدينا من العـصر الرسولى معـطيات إيجابية
تجعـلنا نؤكـد الصـورة التى حلت فيها قـضية معـمودية الأطفـال فى الكنيسة
الأولى...
أن الشهادات التى لدينا لا تخـولنا الحـق فى أن
نؤكـد أن معـمودية الأطفـال كانت تُكمّل فى العصـر الرسولى الأول أو لا
تُكمّـل...
لقـد ذكـرت فى أسفـار العـهد الجديد معـمودية بعض
العـائلات:
عـماد بطـرس لكرنيليوس [ أعمال الرسل 10]...
معـمودية ليديا وأهـل بيتها [ أعـمال 16: 15 ]...
معـمودية السجان وأهـل بيته [ أعمال الرسل 16: 33 ]...
معـمودية كريسيوس رئيس المجمع وكل أهـل بيته [
أعمال الرسل 18: 8 ]...
ومعـمودية بيت إسطـفانوس [ 1 كورونثوس 1: 16
]...
ومن العسير أن نذهب إلى أن هـذه البيوت المعـمدة
كلها كانت خالية من الصغـار...
كذلك لا نستطـيع الجـزم بأنهم كانوا
موجـودين...
فلـو كـنا عـارفـين أن الرسل عـمدوا أولادًا لقـلنا
بتأكـيد أن الصغـار، فى حال وجـودهم، عـمدوا ولكن من كون بيـوت كرنيليوس وليديا
والسجان تعـمدت لا نستطيع إطـلاقـًا أن نستنـتج أن الرسل عـمدوا أولادًا...
أمـا فى العـصر اللاحـق للعـصر الرسولى فممارسة
معـمودية الصغـار مشهـودًا لها كـثيرًا...
فإن أوريجانوس يشهـد
بأن:
" الكنيسة تقـلّدت من الرسل أن تمنح المعـمودية أيضًا
للأطفـال" [ فى الرسالة إلى الرومانيين 5: 9 ]...
ونعـلم أن الأطفـال فى القـرن الثانى عُـمّدوا
شرقـًا وغـربـًا...
بـذا يشهـد إيريناوس [ ضـد الهرطقـات 2، 33: 2 ]، وترتليانوس [ فى المعمودية ، 18 ]...
وفى القـرن الثالث، فى كنيسة روما، كانت معـمودية
الأطفـال ظاهـرة مألوفـة...
وفى " التقـليد الرسولى" إشارة إلى أنه يجب تعـميد
الأطفـال قـبل البالغـين...
وقـد كان يؤتى بالأولاد إلى المعـمودية فى سن
مبكـرة جـدًا...
ويتضح هـذا مما أشار إليه هيبوليتوس الرومانى بأن
الوالدين أو الأقـارب يستطـيعـون أن يعـطوا جوابـًا أثـناء المعـمودية [
التقليد الرسولى 21: 4 ]...
وإذا أتـاح " التقـليد الرسولى" مجـالاً للشك فى
السن التى فيها يؤتـى بالأولاد إلى المعـمودية ففى أيام كبريانوس القرطاجى كانوا
يقـولون بأنه لا يجـوز إرجاء المعـمودية إلى ما بعـد اليوم الثامن [ الرسالة الـ 64 ]...
فى القـرن الرابع لم يتغـيّر الموقف من معـمودية
الأطفـال...
وكما يتضح من شهادة يوحنا ذهبى الفم [ الموعظة 11، 17: 28 ] ، وأمبروسيوس [ فى إبراهيم 2، 81
] ، كانت معـمودية الأطفـال نظامـًا شائعـًا...
وفى القـرن الخامس ثبتت المناظـرات البلاجيوسية
نظام معـمودية الأطفـال، " إنه من الحماقـة أن نعلم أن الأولاد يستطيعـون أن يرثـوا
الحـياة الأبدية دون المعـمودية" ، هكذا قال البابا أينوكنـديوس الأول عـن نتيجة
هذه المناظرة...
وفى الغـرب ثبت رأى كبريانوس القرطاجى بمجمعه فى أن
المعـمودية يمكن ان تكمّل مباشرة بعـد الولادة...
أمّا فى الشرق ففى القـرن التاسع كانوا أيضـًا
يذهـبون إلى أنها تكمّـل فى اليوم الأربعـين...
ثم زال الفـرق بين العـرف الغربى والعـرف الشرقى
تدريجـيًا...
ولكن ثبت فـرق آخـر، ففى الشرق رافق معـمودية
الأطفـال والأولاد إتمـام سرّ مسحة المـيرون وبعـده يعـلن الطفـل مستحقـًا للإشتراك
بسر الشكـر " الفائق القداسة والكمال"...
أمّا فى الغـرب، ففى القـرون الوسطى فـصل التثبيت
عـن المعـمودية وأخـذ الأسقف يكمله عـلى الأولاد فى سن الحادية أو الثانية عشرة
وكانت المناولة الأولى تتبعـه...
ولكن فى الكنيسة الأرثوذكسية يتم قـبول الأطفـال فى
الكنيسة قـبولاً كاملاً بالمعـمودية والميرون...
وإن كانت معـمودية الأطفـال نظـامـًا شائعـًا فى
القـرن الثانى فمن الطـبيعى الظـن بأنـه لم ينشأ فى العـصر اللاحـق للرسل ولكـنه
كان تكمـيلاً النظـام العـصـر الرسولى...
فنحـن نعـود هكـذا ثانية إلى هـذا
السؤال:
هـل كان
الرسل يتممون معـمودية الأطفـال أم لا؟
وإذا
كـنا بدون أدلة تشير إلى ذلك فى أسفـار العـهد الجـديد فهـل ينبغى أن نزهـد بحـلّ
مسألة جوهـرية كهذه؟...
أن خـلاء الأدلة الواحـدة فى أسفـار العـهد الجـديد
طـبيعـى بالكـلية لأن العـدد العـديد من المتعـمدين كانوا من
البالغـين...
أن مسألة تعـميد الأولاد يمكن ان تُطـرح فقـط فى
الجـيل المسيحى الثـانى ولكن عـندما طُرحت فى ذاك الزمـن كان التقـليد الكنسى فى
هـذا الموضـوع متراكمـًا...
من خـلاء الأدلة المباشرة عـن معـمودية الأطفـال فى
العـهد الجـديد ينبغـى أن نخـرج بالتعـليم عـن المعـمودية من جهـة وبنظـام معـمودية
الدخـلاء عـند اليهـود ونظـام الخـتان من جهـة اخـرى...
وبكلمـة
أخـرى، المسألة فى هـل يتـوافـق نظـام معـمودية الأطفـال مع التعـليم عـن سرّ
المعـمودية؟...
وهـل
ينسجم مع نظـام الخـتان وقـبول الدخـلاء؟...
[ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا
بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا
إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ يَهُوداً كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ عَبِيداً أَمْ
أَحْرَاراً. وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحاً وَاحِداً ] [ 1 كورونثوس
12: 13
]...
إن الدخـول فى الكنيسة لهـو الدخـول فى جسد المسيح،
وأعضـاءه صـرنا فى المعـمودية...
هـذا الدخـول يجب أن يسبقـه الإيمـان والتـوبة أو
التوبـة والإيمـان، وعـليهما يُبنى الإخـتيار الـروحى لمن يرغـب فى الدخـول إلى
الكنيسة...
ومع هـذا لا الإيمـان وحـده ولا التـوبة وحـدها ولا
الإخـتيار الحـرّ قـادر أن يجعـل من الراغـب فى الإنضمام على الكنيسة عـضـوًا فى
جسد المسيح...
إن الكنيسة لا تسجّـل الراغـبين فى الدخـول إليها
إن وَجـَدت فيهم الإيمـان والتـوبة ولكنها تكمّـل سرّ المعـمودية عـليهم ، الإنضمام
إلى الكنيسة يكمّـله الروح القـدس الذى يرسله الله فى سرّ
المعـمودية...
الكنيسة هى مكـان فعـل الروح القدسن ولـذا تُجـرى
المعـمودية فى الكنيسة وهى التى تجـريها بالإستقـلال عن المعـتمد ولو بناء عـلى
إخـتياره الحـرّ...
المعـمودية هى جـواب الكنيسة عـن إيمان الراغـب فى
الدخـول إليها ولكن المعـمودية نفسها تقـتضى أن يتبعها إيمان المعـتمد جوابـًا منه
عـن معـموديته...
الدخـول فى الكنيسة ممكن فقـط بالإيمان بابن الله
الذى أحـب المعـمد واسلم نفسه من أجـله...
الإيمان السابق للمعـمودية يفـرض الإيمان
اللاحـق إنفـتاحـًا كامـلاً له...
الحـياة
فى الكنيسة تبتـدئ بوقـت المعـمودية بواسطة الإشتراك فى سرّ
الشكر...
بـدون
هـذا الإشتراك تظـل المعـمودية غـير ومحقـقـة...
وبدورهـا
الحـياة فى الكنيسة غـير ممكنة بدون المعـمودية...
هكـذا نصـل إلى العـبارة " الإيمان ـ المعـمودية ـ
الإيمان" وتبـدو هـذه العـبارة إلزامية إطـلاقـًا لكـلّ الداخـلين فى
الكنيسة...
إن الشطر الأول والشطر الثالث من هـذه العـبارة
يتعـلّقـان بالإنسان، امّـا الشطـر الثـانى وهـو الرئيسى فـلا يتعـلّق به، بـلّ
يكمّـله الـروح القـدس بالكنيسة...
[ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا
بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا
إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ ...]...
الإيمـان السابق يفتح إمكانية تكمـيل
المعـمودية...
أمّـا الإيمان اللاحـق فهـو الشرط لإمكـانية
الإشتراك فى الإفخـارستيا...
إن الولادة الطـبيعـية من والدين يهـوديين تعـين
إنتساب الأولاد إلى شعـب العـهد الـقـديم المخـتار إلا أن الولادة الطـبيعـية
وحـدها لم تكـن بكافـية لتجعـلهم أعضـاء فى الشعـب الذى اقـام الله معـه
عـهدًا...
فكـان خـتم الخـتان وحـده يجعـل المـولود من أبوين
يهـوديين عـضـوًا حـقـيقيـًا فى شعـب الله...
وفى اليهـودية كـان الخـتان يُنظـر إليه كـولادة
جـديدة ترافـق الولادة القـديمة...
وأن معـنى الخـتان كعـلامة إنتساب للشعـب المخـتار
ينطـلق من هـذا أن الوثنيين كانوا قـادرين أن يصبحـوا أعضاء فى شعـب الله عـن طـريق
الخـتان...
وكـان يتمّ عـليهم عـلى أساس إيمانهم وحـرية
إخـتيارهم...
[ وَأَخَذَ عَلاَمَةَ
الْخِتَانِ
خَتْماً لِبِرِّ الإِيمَانِ
الَّذِي كَانَ فِي
الْغُرْلَةِ
لِيَكُونَ أَباً لِجَمِيعِ الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي الْغُرْلَةِ كَيْ
يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضاً الْبِرُّ ] [ رومية 4: 11
]...
ولابـد هـنا ان نـلاحظ أن خـتان الأمميين كـان
يرافـق " غسل التطهـير" الذى كـان يجـرى للرجـال
والنساء...
وأثنـاء خـتن الدخـلاء كـان صبيانهم
يخـتنون...
وأمـّا " غسل التطهـير" فكـان يجـرى للبالغـين
والأولاد المولودين قـبل خـتانة الأب...
أمّـا الأولاد الدخـلاء المولودين بعـد الخـتانة
فما كانو خاضعـين لـ " غسل التطهـير"...
أن عـصر الولادة الطبيعـية لم يكـن له معـنى فى
العـصر الرسولى للدخـول إلى الكنيسة...
فكـان الأمم واليهـود يتنصـرون " بخـتم" سرّ
المعـمودية...
فكما كان الخـتان، كانت المعـمودية خـتم الإنتساب
إلى شعـب الله...
إن المقـارنة بين المعـمودية والخـتان ظـاهـرة عـند
الرسول بولس:
[ وَبِهِ أيْضاً خُتِنْتُمْ
خِتَاناً غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ،
بِخِتَانِ الْمَسِيحِ
] [ كولوسى 2: 11
]...
بقـوة هـذه المقـارنة استبدل الخـتان المصـنوع بيـد
البشر بخـتان غـير مصـنوع بيـد...
لقـد أعـوز الأمم و اليهـود " غسل التطهـير"
ليصبحـوا يفعـل الـروح القـدس أعضـاء فى جسد المسيح...
عـليهم ان يولـدوا من فـوق، من الروح القـدس
لينتسبوا للعـهد الجـديد...
إن
المعـمودية ولادة روحـية وبدونها لا حـياة فى الكنيسة...
وقـد حسم الرب يسوع سرّ المعـمودية فى مقـابلته مع
نيقـوديموس قائلاً:
[ فَقَالَ يَسُوعُ: الْحَقَّ
الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ
أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ .
قَالَ لَهُ
نِيقُودِيمُوسُ: كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟
أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً
وَيُولَدَ؟
أَجَابَ يَسُوعُ:
الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ
وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ.
اَلْمَوْلُودُ
مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ
رُوحٌ.
لاَ تَتَعَجَّبْ
أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ.
اَلرِّيحُ
تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا لَكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ
تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هَكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ
الرُّوحِ ] [ يوحنا 3: 3 ـ 8 ]...
كان لا بـد لعـنصـر الولادة الطـبيعـية أن يدخـل فى
حـيّز الوجـود فى الجـيل المسيحى الثانى فيما يتعـلّق بمعـمودية الأولاد المولودين
من أبوين مسيحيين...
إن النظـام المسيحى، آنئـذ، كان يوجهه نظـام الرسل
الأول عـندما شرعـوا يعـمدون العَـيل ( العائلات )...
إن حـالات التعـميد لعـائلات كاملة كما هى موصوفة
فى سفر الأعمال ما كانت نادرة...
إن المقـارنة بين المعـمودية والخـتان أوحت إلى
الرسل وصحبهم أن يكملوا فى آن واحد معـمودية البالغـين
والأولاد...
وإنّـا لواجـدون فى بولس الرسول ما يثبت ذلك عـندما
يقـول:
[ لأَنَّ اَلرَّجُـلَ غَـيْرَ
اَلْمُـؤْمِـنِ مُـقَدَّسٌ فِي اَلْمَـرْأَةِ وَاَلْمَـرْأَةُ غَـيْرُ
اَلْمُـؤْمِنَةِ مُـقَدَّسَةٌ فِي اَلرَّجُـلِ ـ وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ
نَجِسُونَ. وَأَمَّا اَلآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ ( Aghia ) ] [
1 كورونثوس 7: 14 ]...
فمن كـلام بولس الرسول يتضح أن لعـنصـر الولادة
الطبيعـية عـلاقـة مباشرة بالإنتساب إلى الكنيسة ولفظـة " أجـيوس" التى يضعها بولس
الرسول للأولاد من أب مؤمن أو أم مؤمنة تعـنى أنهم ينتسبون لشعـب الله. أى أنه يفتح
لهم أبواب المعـمودية : إنهم مقـدسون فإذًا قد
إعـتمدوا...
إن اللاهـوت العقـائدى يؤكـد أن معـمودية الأطفـال
تكمل يناء عـلى إيمان الوالدين :
{ أما ما يختص بالأطفال فهم غـير قادرين أن يكون
عـندهم إيمان وتـوبة ولا أن يشهـدوا لهما
قـبل المعـمودية فإنهم يتعـمدون يناء عـلى إيمان والديهم وإشبينهم الذين
يتلون عوضـًا عتنهم قأنون الإيمان وجحد الشيطان وكل أعماله متعـهدين أمام الكنيسة
بتنشئة الأولاد فى الإيمان وحسن العـبادة إذا ما بلغـوا السن
}...
إن إيمان الوادين هو حقيقة شرط إمكانية تكميل
معـمودية الأولاد...
فى العـبارة " الإيمان ـ المعـمودية ـ الإيمان
" الإيمان السابق عـند المعـتمد
يقـوم مقـامه عـند الولـد كونه إبنـًا لوالدين مؤمنين...
الكنيسة تنتمى إلى الدهـر الآتى ولكنها قـائمة فى
الدهـر الحاضـر...
والولادة الطبيعـية عـنصر طـبيعى متعـلق بالدهـر
الحاضـر ولكن من أجل العائشين فى الكنيسة فإنها عنصر
كنسى...
الولادة الطبيعـية تجـر إليها الولادة الروحـية
للدهـر الآتى...
الولادة من أبوين مسيحيين شهـادة تعـطى للكنيسة أن
نقـول أن الله يدعـو أولاد هـذين الأبوين إلى الكنيسة...
ولذلك لا نستطيع أن نقـول أن معـمودية الأطفـال
تخـرق حـرية إرادتهم لأن الإرادة الحـرة غـير موجـودة إطـلاقـًا عـندهم ونحن لا
نقـول ان الولادة الطبيعـية تخـرق الإرادة الحـرّة
عـندهم...
ومن هـنا تنبثـق نتيجـة أساسية تتعـلّق بمعـمودية
الأطفـال والأولاد...
إنها تكمل فقـط لأولاد الأشخاص القائمين فى الكنيسة
لأن قـيام الوالدين فى الكنيسة يمكن أن يقـوم مقـام إيمان الطفـل
المعـتمد...
ففى حـالة معـمودية الأطفـال المولودين لأبوين غـير
مسيحيين ليس من إيمان سابق لأن إيمان الإشبين لا يستطيع أن يمـلأ فـراغ الإيمان
عـند الأولاد
المولود
لأبـوين مسيحيين يدخـل إلى العالم والله يدعـوه إلى
الكنيسة...
بالمعـمودية المكملة
فى الكنيسة يصبح عضوًا فى شعـب الله...
إن
حـياته العاملة فى الكنيسة تتعلق بإيمانه اللاحـق...
وهـذا
هـو جـواب من تعـمد فى الطفـولة عـن نـداء الله...
وبآن واحـد هـذا الإيمان هـو جوابـه للكنيسة التى
عـمدته عـلى أساس نـداء الله إليه...
وهـذا الجـواب يمكن ان يكـون إيجابيـًا أو
سلبيـًا...
ولكـن فى هـذه الحـالة وتلك يظـل عضـوًا فى
الكنيسة...
وكما يستحـيل محـو الولادة الطبيعـية هكـذا يستحـيل
محـو الولادة الروحـية...
وبقـوة ولادته الروحـية يعـترف انه مقيم فى الدهـر
الحـاضـر وأنه ينتمى بآن واحـد إلى الدهـر الآتى...
عـلى المعـتمد نفسه أن يحقـق إنتسابه إلى الكنيسة
وان مسئولية هـذا التحقـيق ملقـاة ليس فقـط عـليه ولكن عـلى الكنيسة التى عـلى أساس
إيمان والديه كملت معـموديته، ثم تقـع هـذه المسئولية عـلى
والديه...
|