مدخـل إلى العقيدة المسيحية

مقدمة

الفصل الأول فى دستور الإيمان.
  دستور الإيمان النيقاوى القسطنطينى
أولاً تلاوة دستور الإيمان جزء لا يتجزأ من القداس الإلهى
ثانيًا دستور الإيمان يؤكد وحـدة الكنيسة
ثالثًا وحدتنا فى الإيمان ملتصقة بالمحبة
رابعًا الالتزام الشخصى " أؤمن"

الفصل الثانى الإيمان بالله الخالق.
1ـ فى الإيمان
تحـديد الإيمان
الإيمان يختلف عـن المعـرفة العـقلية البحتة
أ ـ لأن الله لا يحـويه العـقـل
ب ـ لأن حقيقة الله لا تفـرض ذاتها عـلى الإنسان
ج ـ لأن الإيمان اعـتراف بالوجـود الشخصى لله
الله يكشف ذاته لنا فيجعـل الإيمان ممكنًا
أسئلة
2 ـ الله يكشف نفسه لنا
الله يكشف ذاته لنا من خـلال الخليقة
أ ـ إرتباط كل ما فى الكون بأسباب
ب ـ نظـام الكـون
الجسم الإنسانى
غـرائز الحيوانات
ج ـ عطش الإنسان المطلق
الله يكشف ذاته لنا بالوحى الإلهى
أسئلة
ملحـق (1)
ملحـق(2)
3 ـ الإيمان والحياة
الإستعـدادات الضـرورية لإقتبال كشف الله
الإيمان لا يكتمل إلا بالحياة
أسئلة
4 ـ الإيمان والعـلم
هـل من تناقض بين الإيمان والعـلم؟
أ ـ لأن العلم والإيمان يعـملان عـلى صعـيدين مختلفين
ب ـ لأن معظم بناة العـلم الحـديث كانوا مؤمنين
ج ـ لأن الاختراعـات الحديثة لا تنفى سلطة الله
أسئلة
ملحـق (1)
  ملحـق (2)


الفصل الثالث الخلق والسقوط.
‏1ـ الخـلق والتطـوّر
‏ رواية الخـلق فى سفـر التكـوين ونظـرية التطـوّر‏
مراحـل التطـوّر‏
أ ـ تطـوّر المـادة‏
ب ـ قـفـزة الحـياة‏
ج ـ تطـوّر الحـياة‏
د ـ قـفـزة الفـكر‏
التطـوّر فى تعـليله الأخـير ومعـناه‏
أ ـ التطـوّر لا يعـلّل بمجـرّد الصـدفة‏
ب ـ التطـوّر لا يُعـلّل بفـعـل " الطبيعـة"‏
ج ـ نظـرة إيمانية إلى التطـوّر
أسئلة‏
  ملحـق
2 ـ خـلـق الإنسان
إرتـباط الإنسان بالطبيـعـة المـادية ‏
  الإنسان عـلى صـورة الله ومثـاله‏
تصميم الله فى اتحـاد الرجـل والمـرأة
أ ـ الجنسان متعـادلان ومكـملان أحـدهما للآخـر‏
ب ـ إتحـاد الجنسين يتم بالزواج الذى هـو صـلة عـميقـة وإرتبـاط نهـائى‏
أسئلة‏
3 ـ مقـاصد الله نحـو الإنسان
غـاية خـلق الإنسان‏
  تصميم الله الخـاص بالإنسان‏
أ ـ التنعم بتمام القـوى النفسية‏
ب ـ الخـلود‏
ج ـ السيادة عـلى الطبيعـة‏
د ـ الإنسان كاهـن الكـون‏
دور حـرية الإنسان‏
ملحـق
4 ـ السقـوط
أسئلة
5 ـ نتـائج السقـوط
أ ـ تصـدعـت وحـدة الإنسان مع ذاته‏
ب ـ تصـدعـت الوحـدة بين الإنسان والغـير
ج ـ تصـدعـت الوحـدة بين الإنسان والطبيعـة
أسئلة
‏‏6 ـ صـورة الله فى الإنسان بعـد الخطـيئة‏
أسئلة


الفصل الرابع ألوهـة الابن.
1ـ ألوهـة الابن
أسئلة
2 ـ شهادات من الكتاب المقدّس على ألوهة الابن
أ ـ فقد أطلق الكتاب المقدس على يسوع المسيح الأسماء الإلهية نفسها التى يطلقها على ‏الله‏
ب ـ وقد نسب الكتاب المقدس لابن الله الجوهر الإلهى نفسه‏
ج ـ وقد نسب له أيضًا الوحدة التامة مع الآب‏
د ـ أخـيرًا نسب الكتاب المقدس للابن الصفات والأعمال الإلهية
1 ـ الأزلية
‏2 ـ السلطة التشريعـية
‏3 ـ السلطة عـلى غفران الخطايا‏
‏4 ـ السلطة الإلهية عـلى الحـياة والموت‏
أسئلة‏
ملحق


الفصل الخامس التجسد.
أولاً غـاية التجسد‏
ثانيًا تهيئة التجسد‏
الناموس
الحوادث التاريخية
الأنبياء
ثالثًا التجسّد فى كتابات القديس كيرلس الكبير‏
1 ـ مفهوم كلمة " صار" فى عبارة " والكلمة صار جسدًا"
2ـ ما معنى كلمة" المسيح"؟
3 ـ كيف يجب أن نفهم " عمانوئيل"؟
4 ـ من هو يسوع؟
5 ـ لماذا دعى كلمة الله إنسانًا؟
6 ـ كيف قيل أن الكلمة أخلى أو أفرغ ذاته؟
7 ـ كيف يكون المسيح واحـدًا؟
8 ـ كيف يكون عمانوئيل واحـدًا؟
9 ـ ما هو هذا الاتحاد؟
أمثلة كتابية عن كيفية الاتحاد
أ ـ الجمرة
ب ـ سوسنة الأودية
ج ـ تابوت العـهد
10 ـ الله الكلمة واحد من اثنين لاهوت كامل وناسوت كامل
براهـين كتابية عـلى أن كلمة الله وإن كان قـد صـار إنسانًا إلا أنه ظل إله‏
‏11 ـ المسيح ليس الله لبس جسدًا, وليس كلمة الله الذى حلّ فى ‏إنسان, بل الله الذى تجسّد فعلاً حسب شهادة الكتب
رابعًا دور العـذراء مريم فى التجسد
 

الفصل السادس الفـداء.
1ـ الصلب
‏*بالصليب حطم المسيح حواجز أنانيتنا
‏* بالصليب أخذ المسيح عـلى ذاته خطيئتنا
‏* بالصليب انتصر المسيح عـلى الألم والموت بدخوله فيهما
‏* ملحق‏
2 ـ القـيامة‏
‏* القيامة فيض الحياة الإلهية فى إنسانية يسوع المنفتحة إلى الله بعطاء كامل
‏* القيامة تفجير لمملكة الموت بدخول سيد الحياة فيها‏
‏* ملحق‏
‏3 ـ إشتراكنا فى صليب الرب وقيامته
‏* تمسك الإنسان بأنانيته مخافة من الموت‏
‏* الكلمة المتجسّد الوحـيد الذى استطاع أن يتخـلى عـن تملك ذاته‏
‏* المسيح نائب عـن البشر أجمعـين‏
‏* إرادة الإنسان والخـلاص‏
* التوبة والأعـمال‏
1ـ محبة المسيح لنا‏
2 ـ ثقتنا بانتصار المسيح عـلى الموت‏
‏* الرب يعـين ضعـفنا‏
‏* إقـتبال الأسرار الإلهية‏
‏* التوبة المستمرة‏
4 ـ الفداء ومحبة القريب‏
‏* محبة الفادى لنا تلهم محبتنا للناس‏
‏* إن محبة الفادى لنا تعين نوعية محبيتنا للناس‏
أ ـ مبنية عـلى بذل الذات‏
ب تتجلّى بالمشاركة‏
ج ـ توجه الإرادة والعمل‏
د ـ مجانية, غـير مشروطة
هـ ـ موجهة بصورة خاصة إلى المتألمين‏
‏* من قيامة المسيح نستمد المقدرة عـلى محبة القريب‏
‏* ملحق
5 ـ الصعـود‏
‏*الصعود تتويج لعملية الفداء‏
‏* تلك هى السماء التى صعد إليها يسوع‏
‏* لكن يسوع صعد إلى السماء ليصعد البشرية معه‏
‏* لقد فتح لنا يسوع بصعوده طريق السماء
‏*الصعود لا يعنى إذًا هـروبًا من الأرض وواجباتها‏
‏* ولكن المسيحى يعلم أن تحوّله هو وتحوّل الكون لم يكتملا إلا عند المجئ الثانى فى نهاية الأزمنة
‏*‏ ولكننا ندخل هـذا الكـون المتجـدد منذ الآن‏‏


الفصل السابع الثالوث القـدوس
*ليس الثالوث فلسفة
‏*ما يُنسب للإنسان لا يُنسب لله
‏*الثالوث يتعدى العدد ‏
‏*موقف روحى صوفى ‏
‏*من هو إله المسيحيين؟ ‏
‏*الابن مولود من الآب والروح القدس منبثق من الآب ‏
‏*المعنى الأخير للثالوث ‏
‏*الثالوث متجلى الله ‏


الفصل الثامن الكنيسة.
‏* الروح القدس يحقق الكنيسة جسد المسيح ‏
‏* الكنيسة شركة المؤمنين فى مواهب الروح ‏
‏* الإكليريكى والعلمانى وعضوية شعب الله ‏
‏* مواهب الروح ومعية الكنيسة ‏
‏* شركة المواهب وشركة المائدة ‏
‏* القداسة هى الهدف ‏
‏*معية القديسين‏
‏* شفاعة القديسين ‏
‏* يسوع المسيح الشفيع الوحيد ‏


الفصل التاسع المعـمودية.
* الأسرار فى الكنيسة
* سر المعمودية
1 ـ المعمودية موت وحياة
2 ـ المعمودية فى الديانات
3 ـ المعنى المسيحى للمعمودية
* ملحق معمودية الأطفال
1ـ المسألة
2 ـ معـمودية الأطـفال فى العـصر الرسولى
3 ـ معـمودية الأطـفال فى العـصور الأولى
4 ـ الأساس التاريخى واللاهـوتى لمعـمودية الأطـفال
5 ـ الولادة الطبيعـية من أبوين مسيحـيين دعـوة إلى العـماد

الفصل العاشر المجئ الثانى والحياة الأبدية.
تمهـيد
1 ـ المجئ الثانى للمسيح
أ ـ يسوع نفسه ‏
ب ـ الأحداث التى تشير إلى المجئ الثانى‏
ج ـ اليقظة والسهر‏
د ـ صـلاة يسوع‏
2 ـ نهاية العالم" الأرض الجديدة"‏
أ ـ فى العـهد القـديم‏
ب ـ فى العـهد الجديد‏
ج ـ الأرض الجديدة‏
3 ـ الموت‏
أ ـ فى المزامير وعند الأنبياء‏
ب ـ موت الأبرار فى سفر الحكمة
ج ـ الحياة الأبدية فى العهد الجديد‏
د ـ ماذا عـن الذين لم يعرفوا يسوع أو لم يقبلوه؟‏
هـ ـ صـلاة‏
4 ـ قيامة الموتى والحياة الأبدية
أ ـ فى العهد القديم ‏
ب ـ فى العهد الجديد
5 ـ تجلى الجسد
أ ـ الحوار مع موتوفيلوف
ب ـ مغزى الحادثة
ج ـ الجسد واسطة لتمجيد الله‏
د ـ مجد القـيامة الأخـير
هـ ـ بدء جـيل المستقبل‏
و ـ تجلى العالم
6 ـ الدينونة
أ ـ عدل الله وحكمه‏
ب ـ المسيح هو الديان
ج ـ شرط الدينونة
7 ـ الصلاة من أجل الموتى
‏ صلاة البار وشركة القديسين

حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الفصل العاشر

اَلْمَجِئ اَلثَانِى وَالْحَيَاةُ اَلأبَدِيَّة

" ..وأيضًا يأتى فى مجده ليدين الأحياء والأموات... الذى ليس لملكه إنقضاء...وننتظـر قـيامة الأموات وحياة الدهـر الآتى . آمين..."

 

تمهـيد

عندما يفكّـر المـرء بآخـر الأزمنة، تراوده فـورًا مشكلة مصـيره الشخصى، ويطـرح عـلى نفسه السؤال:

ماذا سيحدث بى بعـد المـوت؟...

هـذا التساؤل ناتج عـن جعـل الإنسان نفسه محـورًا للعـالم...

غـير أن الإعـلان الإلهـى والتقـليد الكنسى يعـلّمـان أن " الأنـا" ليست محـور العـالم، وأن محـور العـالم هـو ذاك الذى قـال :

" أنـا الألف والياء، البداية والنهاية"...

لذلك فالسؤال الصحيح الذى يجب أن يُطـرح هـو:

ماذا سيحدث عـند مجئ المسيح الثانى؟...

 

الكنيسة تعـيش عـلى إنتظـار هـذا المجئ، إذ حيـنئذ فقـط يصـير المسيح " الكـلّ فى الكـلّ" وتتم عـملية الخـلاص وإفـتقـاد الله للبشر...

 

فى هـذا الفصـل سنبحث كل جوانب هـذا السر محاولين، قـدر المستطاع بنعمة الرب يسوع، الولوج فى أعـماقـه...

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ المجئ الثانى للمسيح

 

 

أ ـ يسوع نفسه :

أثـناء بشرته عـلى الأرض، أعـلن عـن مجـيئه الثـانى فقال:

[ وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا ] [ متى 24: 30، 31 ]...

و [ وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ  فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ اَلأَرْبَعِ اَلرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ اَلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ اَلسَّمَاءِ  ] [ مرقس 13: 26، 27 ]...

و [ وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ ] [ لوقـا 21: 27 ]...

 

وقـد ذكّـرنا الرسول بولس بأقـوال السيد هـذه فى أول رسالة كتبها من كورونثوس إلى أهـل تسالونيكى:

[ فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ.  لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً ] [ 1 تسالونيكى 4: 15، 16 ]...

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ب ـ الأحداث التى تشير إلى المجئ الثانى:

لم يُعـلن يسوع موعـد مجـيئه الثانى، لا بل أكّـد عـلى أن ذلك الموعـد لا يعـرفه أحـد سوى الله، ولكـنه أشار إلى أحـداث تسبق ذلك الموعـد...

1ـ دمار الهيكل ومدينة أورشليم:

[  فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ هَهُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ! ] [ متى 24 : 2 ]...

و [ وَمَتَى رَأَيْتُمْ أُورُشَلِيمَ مُحَاطَةً بِجُيُوشٍ فَحِينَئِذٍ اعْلَمُوا أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ خَرَابُهَا. حِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ وَالَّذِينَ فِي وَسَطِهَا فَلْيَفِرُّوا خَارِجاً وَالَّذِينَ فِي الْكُوَرِ فَلاَ يَدْخُلُوهَا لأَنَّ هَذِهِ أَيَّامُ انْتِقَامٍ لِيَتِمَّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ. وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لأَنَّهُ يَكُونُ ضِيقٌ عَظِيمٌ عَلَى الأَرْضِ وَسُخْطٌ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ. وَيَقَعُونَ بِالسَّيْفِ وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ ] [ لوقـا 21: 20 ـ 24 ]...

 

2 ـ ظهـور الأنبياء الكـذبة:

[ فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ... وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ] [ متى 24: 5 ، 11]...

و [ فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ. وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ ] [ مرقس 13: 6 ]...

و [ اُنْظُرُوا! لاَ تَضِلُّوا. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ وَالزَّمَانُ قَدْ قَرُبَ. فَلاَ تَذْهَبُوا وَرَاءَهُمْ ] [ لوقـا 21: 8 ]...

 

3 ـ الحروب والمجاعـات والكوارث الطـبيعـية:

[ وسَوَفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبِ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلٌّهَا. وَلَكِنْ لَيْسً اَلْمُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةً عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٍ عَلَى مَمْلَكَةٍ وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٍ وَزَلازِلُ فِى أَمَاكِنَ. وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ ] [ متى 24: 6 ـ 8 ]...

و [  فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلاَ تَرْتَاعُوا لأَنَّهَا لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ وَلَكِنْ لَيْسَ اَلْمُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاِضْطِرَابَاتٌ. هَذِهِ مُبْتَدَأُ اَلأَوْجَاعِ  ] [ مرقس 13: 7، 8 ]...

و [  فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَقَلاَقِلٍ فَلاَ تَجْزَعُوا لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَوَّلاً وَلَكِنْ لاَ يَكُونُ الْمُنْتَهَى سَرِيعاً }. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: { تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ  وَتَكُونُ زَلاَزِلُ عَظِيمَةٌ فِي أَمَاكِنَ وَمَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ. وَتَكُونُ مَخَاوِفُ وَعَلاَمَاتٌ عَظِيمَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ] [ لوقـا 21: 9 ـ 11 ]...

 

4 ـ إضطهـاد المسيحيين من أجـل المسيح:

[ حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيقٍ وَيَقْتُلُونَكُمْ وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي. وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ] [ متى 24: 9، 10 ]...

و [ فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً ] [ مرقس 13: 9 ]...

و [ فَضَعُوا فِي قُلُوبِكُمْ أَنْ لاَ تَهْتَمُّوا مِنْ قَبْلُ لِكَيْ تَحْتَجُّوا لأَنِّي أَنَا أُعْطِيكُمْ فَماً وَحِكْمَةً لاَ يَقْدِرُ جَمِيعُ مُعَانِدِيكُمْ أَنْ يُقَاوِمُوهَا أَوْ يُنَاقِضُوهَا. وَسَوْفَ تُسَلَّمُونَ مِنَ الْوَالِدِينَ وَالإِخْوَةِ وَالأَقْرِبَاءِ وَالأَصْدِقَاءِ وَيَقْتُلُونَ مِنْكُمْ. وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلَكِنَّ شَعْرَةً مِنْ رُؤُوسِكُمْ لاَ تَهْلِكُ. بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ  ] [ لوقـا 21: 14 ـ 19 ]...

 

5 ـ فقـدان المحـبة والإيمان وطغـيان الإثم:

[ وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ ] [ متى 24: 12 ]...

[ وَسَيُسْلِمُ اَلأَخُ أَخَاهُ إِلَى اَلْمَوْتِ وَاَلأَبُ وَلَدَهُ وَيَقُومُ اَلأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ ] [ مرقس 13: 12 ]...

و [  وَلَكِنِ اِعْلَمْ هَذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ اَلنَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضىً، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي اَلنَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ لِلَّهِ، لَهُمْ صُورَةُ اَلتَّقْوَى وَلَكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هَؤُلاَءِ ] [ 2 تيموثاوس 3: 1 ـ 5 ]...

 

6 ـ إنتشار الإنجـيل فى كـلّ العـالم:

[ وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هَذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى  ] [ متى 24: 14 ]...

و [ فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ ] [ متى 28: 19، 20 ]...

و [ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ اَلأُمَمِ ] [ مرقس 13: 10 ]...

 

7 ـ ظهـور المسيح الدجـال:

[ فَمَتَى نَظَرْتُمْ ( رِجْسَةَ الْخَرَابِ ) الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ ـ لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ ـ فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ ] [ متى 24: 15، 16 ]...

و [ فَمَتَى نَظَرْتُمْ ( رِجْسَةَ اَلْخَرَابِ) اَلَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ اَلنَّبِيُّ قَائِمَةً حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي ـ لِيَفْهَمِ اَلْقَارِئُ ـ فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ اَلَّذِينَ فِي اَلْيَهُودِيَّةِ إِلَى اَلْجِبَالِ. وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلَكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ قَصَّرَ اَلأَيَّامَ  ] [ مرقس 13: 14، 20 ]...

و [ وَلَكِنَّ اَلرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحاً: إِنَّهُ فِي اَلأَزْمِنَةِ اَلأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ اَلإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحاً مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ، فِي رِيَاءِ أَقْوَالٍ كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ  ] [ 1 تيموثاوس 4: 1، 2 ]...

و [  لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الاِرْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنَ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ، الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلَهاً أَوْ مَعْبُوداً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلَهٍ مُظْهِراً نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلَهٌ. أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هَذَا؟ وَالآنَ تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى يُسْتَعْلَنَ فِي وَقْتِهِ. لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي يَحْجِزُ الآنَ، وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ الأَثِيمُ، الَّذِي الرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ. الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا ] [ 2 تسالونيكى 2: 3 ـ 10 ]...

و [ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اعْلَمُوا أَنَّنَا نَعِيشُ الآنَ فِي الزَّمَنِ الأَخِيرِ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَوْفَ يَأْتِي أَخِيراً «مَسِيحٌ دَجَّالٌ»، فَقَدْ ظَهَرَ حَتَّى الآنَ كَثِيرُونَ مِنَ الدَّجَّالِينَ الْمُقَاوِمِينَ لِلْمَسِيحِ. مِنْ هُنَا نَتَأَكَّدُ أَنَّنَا نَعِيشُ فِي الزَّمَنِ الأَخِيرِ ... وَكُلُّ مَنْ يُنْكِرُ الابْنَ، لاَ يَكُونُ الآبُ أَيْضاً مِنْ نَصِيبِهِ. وَمَنْ يَعْتَرِفُ بِالابْنِ، فَلَهُ الآبُ أَيْضاً ] [ 1 يوحنا 2: 18، 22]...

و [ وَإِنْ كَانَ يُنْكِرُ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، بَلْ مِنْ عِنْدِ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَوْفَ يَأْتِي، وَهُوَ الآنَ مَوْجُودٌ فِي الْعَالَمِ ]

[ 1 يوحنا 4: 3 ]...

و [ لأَنَّهُ قَدْ دَخَـلَ إِلَـى اَلْعَـالَمِ مُضِـلُّونَ كَـثِيرُونَ، لاَ يَعْـتَرِفُونَ بِيَسُوعَ اَلْمـَسِيحِ آتِياً فِـي اَلْجَـسَدِ. هَـذَا هُـوَ اَلْمُـضِـلُّ، وَاَلضِّـدُّ لِلْمَـسِيحِ  ]

[ 2 يوحنا 7 ]...

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ج ـ اليقظة والسهر:

العـديد من الأحـداث التى ذكـرناها حصـل بالفعـل، ومنها ما يحصـل الآن...

وهـذا ما يحـدو بالمؤمن أن يأخـذ القـضية بكـثير من الجـدية وأن يعـتبر ما حصـل ويحصـل إشارات لإقـتراب موعـد الملكوت، وأن يستعـد لذلك...

كيف يستعـد؟...

بالسهـر والصـلاة...

هكـذا أراد يسوع:

[ لِذَلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مُسْتَعِدِّينَ لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ. فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟ ] [ متى 24: 44، 45 ]...

و [ وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اَللَّيْلِ، يَوْمُ اَلرَّبِّ، اَلَّذِي فِيهِ تَزُولُ اَلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ اَلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ اَلأَرْضُ وَاَلْمَصْنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطرس 3: 10 ]...

 

وما مثـل العـذارى العاقـلات [ متى 25: 1 ـ 13 ] إلا ليعـلمنا يسوع بكـل وضوح ضـرورة السهـر المستمـر واليقظـة الدائمـة فى كل حـياة روحـية تَـنْـهدُ إلى الأصـالة...

وأكّـد عـلى ذلك فى مثـل الخـادم الأمين الذى عـاد سيده فوجـده ساهـرًا...

كلّ منّـا مدعـو لأن يكـون إحـدى العـذارى العاقلات أو ذلك الخادم الأمين...

فبـدون حـياة روحـية واعـية تفـتش عـن المسيح فى كـلّ مواضـع سُكْـناه وتسعـى إلى العـيش باستمرار فى ذكـرى الله، وتعـى أننـا موجـودون دومـًا فى حضـرة الله تعـالى، لا توجـد أية حـياة مسيحية حقـيقـية...

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د ـ صـلاة يسوع:

يقـول الرسول بولس:

[  صَـلُّوا بِلاَ اِنْقِطَـاعٍ ] [ 1 تسالونيكى 5: 17 ]...

وكـأنه بذلك يدلّـنا عـلى الطـريق لإستجـابة طـلب السيد: " إسهـروا"...

والتقـليد الأرثوذكسى يربـط بين اليقـظـة والصـلاة المستديمة...

هـذا التقـليد، الذى لا يـزال حـيًا فى عـالمنا اليوم، يدعـو على تـلاوة مستمرة لما يُسمّى بـ " صـلاة يسوع" فى شكلها التالى:

[ يا يسوع ابن الله الحـى إرحمنى أنـا الخاطئ ]

 

هـذه الصـلاة يمكن أن يمارسها المؤمن فى كـل مكـان...

وبإشراف أب روحى ذى خـبرة تنقـلب الصـلاة من حـركات الشفـاه إلى صـلاة قـلبية يرددها القـلب دون إنقطـاع وأثنـاء أى عـمل يقـوم به الإنسان...

 

ونرى فى كتاب " سائح روسى عـلى دروب الرب" كيف أن أبسط النـاس يمكنهم التدرّب عـلى هـذه الصـلاة والدخـول فى حضـرة الله فيزداد شوقهم إلى لقـياه ويترقـبون بفـرح مجـيئه الثـانى:

[ آمـِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا اَلرَّبُّ يَسُوعُ ] [ رؤيا 22: 20 ]...

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2 ـ نهاية العالم" الأرض الجديدة"

يعـلمنا الكتاب المقـدس، فى عـهديه القـديم والجـديد، أن للعـالم بداية ونهاية...

وها هى بعض النصـوص الأكـثر أهمية المتعـلقة بذلك:

 

 

أ ـ فى العـهد القـديم:

[ مـِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ اَلأَرْضَ وَاَلسَّمَاوَاتُ هِـيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِـيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى ‏وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى كَرِدَاءٍ تُغَـيِّرُهُنَّ فَتَتَغَـيَّرُ. وَأَنْتَ هُـوَ وَسِنُوكَ لَـنْ تَنْتَهِيَ. أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ وَذُرِّيَّتُهُـمْ تُثَبَّتُ أَمَـامَكَ ] [ مزمور 102: 25 ـ 28 ]...

 

[ اِرْفَعُوا إِلَى اَلسَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ وَاُنْظُرُوا إِلَى اَلأَرْضِ مِنْ تَحْتٍ. فَإِنَّ ‏اَلسَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ وَاَلأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى وَسُكَّانَهَا ‏كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى اَلأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ ] [ أشعـياء 51: 6 ]...

 

[ اِنْسَحَقَتِ اَلأَرْضُ اِنْسِحَاقاً. تَشَقَّقَتِ اَلأَرْضُ تَشَقُّقاً. تَزَعْزَعَتِ ‏اَلأَرْضُ تَزَعْزُعاً. تَرَنَّحَتِ اَلأَرْضُ تَرَنُّحاً كَالسَّكْرَانِ وَتَدَلْدَلَتْ ‏كَالْعِرْزَالِ وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ. وَيَكُونُ فِي ‏ذَلِكَ اَلْيَوْمِ أَنَّ اَلرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ اَلْعَلاَءِ فِي اَلْعَلاَءِ وَمُلُوكَ اَلأَرْضِ ‏عَلَى اَلأَرْضِ. وَيُجْمَعُونَ جَمْعاً كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ وَيُغْلَقُ عَلَيْهِمْ ‏فِي حَبْسٍ. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ. وَيَخْجَلُ اَلْقَمَرُ وَتُخْزَى ‏اَلشَّمْسُ لأَنَّ رَبَّ اَلْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. ‏وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ ] [ أشعـياء 24: 19 ـ 23 ]...

 

[ قُدَّامَهُ تَرْتَعِـدُ اَلأَرْضُ وَتَرْجُـفُ اَلسَّمَـاءُ. اََلشَّمْسُ وَاَلْقَمَـرُ يُظْـلِمَانِ وَاَلنُّجُـومُ تَحْجِـزُ لَمَعَـانَهَا ] [ يوئيل 2: 10، 3: 15 ]...

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ب ـ فى العـهد الجديد:

[ وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ ] [ متى 24: 29 ]...

[ وَأَمَّا فِي تِلْكَ اَلأَيَّامِ بَعْدَ ذَلِكَ اَلضّـِيقِ فَالشَّمْسُ تُظْـلِمُ وَاَلْقَمَـرُ لاَ يُعْـطِـي ضَـوْءَهُ  وَنُجُـومُ اَلسَّمَـاءِ تَتَسَاقَطُ وَاَلْقُوَّاتُ اَلَّتِي فِي اَلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ.  وَحِـينَئِذٍ يُبْصِـرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَـابٍ بِقُوَّةٍ كَـثِيرَةٍ وَمَجْـدٍ فَيُرْسِلُ حِـينَئِذٍ مَـلاَئِكَـتَهُ وَيَجـْمَعُ مُخْـتَارِيهِ مِـنَ اَلأَرْبَعِ اَلرِّيَاحِ مِـنْ أَقْصَـاءِ اَلأَرْضِ إِلَـى أَقْصَـاءِ اَلسَّمَـاءِ  ] [ مرقس 13: 24 ـ 27 ]...

 

[ وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَعَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بِحَيْرَةٍ. اَلْبَحْرُ وَالأَمْوَاجُ تَضِجُّ وَالنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ لأَنَّ قُوَّاتِ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. وَمَتَى ابْتَدَأَتْ هَذِهِ تَكُونُ فَانْتَصِبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لأَنَّ نَجَاتَكُمْ تَقْتَرِبُ   ] [ لوقـا 21: 25 ـ 28 ]...

 

[ وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ فَهِـيَ مَخْـزُونَةٌ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَـيْنِهَا، مَحْـفُوظَـةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَـلاَكِ النَّاسِ الْفُجَّـارِ... اَلّـَذِي فِيهِ تَزُولُ اَلسَّمـَاوَاتُ بِضَـجِيجٍ، وَتَنْحَـلُّ اَلْعَـنَاصِـرُ مُحـْتَرِقَةً، وَتَحْـتَرِقُ اَلأَرْضُ وَاَلْمَصْـنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطـرس 3: 7، 10 ]...

 

[ ثُمَّ رَأَيْتُ عَـرْشاً عَـظِيماً أَبْيَضَ، وَالْجَـالِسَ عَـلَيْهِ الَّذِي مِـنْ وَجْـهِـهِ هَـرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَـاءُ ، وَلَمْ يُوجَـدْ لَهُـمَا مَـوْضِعٌ!... ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَـاءً جَـدِيدَةً وَأَرْضـاً جَـدِيدَةً، لأَنَّ اَلسَّمَـاءَ الأُولَـى وَالأَرْضَ الأُولَـى مَضَـتَا، وَاَلْبَحْـرُ لاَ يُوجَـدُ فِـي مَـا بَعْدُ ] [ رؤيا 20: 11 ، 21: 1 ]...

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ج ـ الأرض الجديدة:

كل النصـوص التى ذكـرناها تعـطـينا صـورة رهـيبة لنهـاية العـالم...

وأمّـا الحـروب والكـوارث الطـبيعـية، وإمكانات التـدمـير الحـديثة، من أسلحـة نوويـة على أسلحـة كيماوية وبيـولوجـية، فبإمكانها تقـريب الصـورة عـن تلك النهـاية وجعـل تصـوّرها سهـلاً عـلينا...

 

ولكـن عـلينا أن ننظـر إلى الحـدث بعـينى الإيمـان لا بالعـين المجـرّدة، لا سيما وأنه لا بـدّ من زوال العـالم القـديم ليحـلّ عـالم جـديد دشنه المسيح فى مجيئه الأول وسيكمله فى مجـيئه الثانى...

 

إن يوم نهـاية العـالم سيكون رهـيبًا للأشرار:

[ فَبِمَا أَنَّ هَـذِهِ كُلَّهَا تَنْحَـلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِـبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِـرِينَ وَطَـالِبِينَ سُرْعَـةَ مَجِـيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَـلُّ السَّمَـاوَاتُ مُلْتَهِـبَةً، وَاَلْعَـنَاصِـرُ مُحْـتَرِقَةً تَذُوبُ ] [ 2بطرس 3: 11، 12 ]...

ولكـنه للمـؤمنين يوم مجـد...

هـذا اليوم هـو المنتظـر لأن فيه:

[ وَبَعْدَ ذَلِكَ النِّهَايَةُ مَـتَى سَلَّمَ الْمُـلْكَ لِلَّهِ الآبِ مَتَى أَبْطَـلَ كُـلَّ رِيَاسَةٍ وَكُـلَّ سُلْطَـانٍ وَكُـلَّ قُوَّةٍ ] [ 1 كورونثوس 15: 24 ]...

وفـيه يتحقـق العـالم الجـديد الذى تنبّـأ عـنه أشعـياء، إذ قـال:

[ لأَنِّي هَئَنَذَا خَـالِقٌ سَمَـاوَاتٍ جَـدِيدَةً وَأَرْضـاً جَـدِيدَةً فَلاَ تُذْكَرـُ الأُولـَى وَلاَ ‏تَخْطُـرُ عَـلَـى بَالٍ ] [ أشعـياء 65: 17 ]...

ويقـول لنـا بطـرس الرسول بشأن هـذا اليوم فى رسالته الثانية:

[ وَلَكِنَّنَا بِحَـسَبِ وَعْـدِهِ نَنْتَظِـرُ سَمَـاوَاتٍ جَـدِيدَةً وَأَرْضـاً جَـدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا اَلْبِرُّ ] [ 2بطـرس 3 : 13 ]...

وأمّـا يوحنا فيذكـر فى رؤيـاه " ثم رأيت سماء جـديدة وأرض جـديدة" ، ويروى لنـا قـول السيد:

[  وَقَالَ اَلْجَـالِسُ عَـلَى اَلْعَـرْشِ: هَـا أَنَا أَصْـنَعُ كُـلَّ شَـيْءٍ جَـدِيداً ] [ رؤيا 21: 5 ]...

 

إذًا، آخـر الأزمنة ليس مدعـاة للخـوف، فهـو النهـار الذى يلى الظلمـة...

ونحـن بالمعـمودية دخلنـا العـالم الجـديد الآتى:

[  إِذاً إِنْ كَانَ أَحَـدٌ فِي اَلْمَسِيحِ فَهُـوَ خَـلِيقَةٌ جَـدِيدَةٌ. اَلأَشْـيَاءُ اَلْعَـتِيقَةُ قَدْ مَضَـتْ. هُـوَذَا اَلْكُلُّ قَدْ صَـارَ جَدِيداً ] [ 2 كورونثوس 5: 17 ]...

وولـدنا ثـانية لله وأصبحـنا خلـيقة جـديدة...

وكما يقـول الرسول بولس:

[ لأَنَّكُمْ قَدْ مـُتُّمْ وَحَـيَاتُكُمْ مُـسْتَتِرَةٌ مَـعَ اَلْمَـسِيحِ فِي اَللهِ. مَـتَى اُظْـهِرَ اَلْمَـسِيحُ حَـيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي اَلْمَجْدِ ] [ كولوسى 3 : 3، 4]...

 

وكما سنرى فيما بعـد، عـند مجئ يسوع المسيح الثـانى، يقـوم المـوتى بأجسادهم للحـياة الأبـدية...

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3 ـ الموت

ما هـو الموت ، وبالتالى من هم الأمـوات؟...

هـذا السؤال أساسى جـدًا فىحـياتنا ولا بـدّ من طـرحه الآن...

الجـواب المـباشر يعـطينا إيّـاه النبى داود:

[ تَحْـجُـبُ وَجـْهَـكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحـَهَـا فَتَمُـوتُ وَإِلَـى تُرَابِهَا تَعُـودُ. تُرْسِلُ ‏رُوحَـكَ فَتُخْـلـَقُ. وَتُجَـدِّدُ وَجْـهَ اَلأَرْضِ‏ ] [ المزمور104: 29، 30 ]...

 

الحـياة هـبة من الله...

وكما رأينا فى الفصـل الثالث الخاص بخـلق الإنسان وسقوطه، فالمـوت ضـد الطـبيعـة الإنسانية الأصـلية:

[  فَإِنَّ الله خَـلـَقَ اَلإِنْسَانَ خَـالِـدًا وَ صَـنَعَـهُ عَـلَى صُـورَةِ ذَاتِهِ ] [ حكمة 2: 23 ]...

وكـذلك:

[ إِذْ لَيْسَ اَلمَـوْتَ مِـنْ صُـنْعِ الله وَ لا هَـلاكُ اَلأحْـيَاء يَسُرَّه ] [ حكمة 1: 13 ]...

 

فالمـوت، إذًا، نتيجـة الخطـيئة:

[ لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اَللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا... مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اِجْتَازَ اَلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ اَلنَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ اَلْجَمِيعُ ] [ رومية 6: 23 و 5: 12 ]...

دخـل العالم بواسطة الإنسان يوم لبَّى دعـوة الشيطان الذى لديه قـدرة المـوت [ عـبرانيين 2: 14 ] ، من أجـل الإبتعـاد عـن مصـدر الحـياة...

 

والآن حـرىّ بنا أن نطـرح سؤالاً ثانيـًا:

ما هـو مصـيرنا بعـد المـوت ودفـن الجسد عـلى رجـاء القـيامة العـامة؟...

 

لنمعـن النظـر جـيدًا بالنصـوص الكتابية لعـلنا نلقـى بعـض النـور عـلى هـذه المشكلة...

 

 

أ ـ فى المزامير وعند الأنبياء:

المـوت، فى المزامـير وعـند الأنبـياء، يوصف بأنـه " أرض سكـوت" ، " عـدم ذكـر الله" ، " أرض النسيان" ، " التـراب" ، " الحـفـرة" ، " الجـب" وكذلك " الهاوية"... 

[ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي اَلْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي اَلْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟  ] [ مزمور 6: 5 ]...

[ مَا اَلْفَائِدَةُ مِنْ دَمِي إِذَا نَزَلْتُ إِلَى اَلْحُفْرَةِ؟ هَلْ يَحْمَدُكَ اَلتُّرَابُ؟ هَلْ يُخْبِرُ بِحَقِّكَ؟ ] [ مزمور 30: 9 ]...

[ أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ أَمِ اَلأَخِيلَةُ تَقُومُ تُمَجِّدُكَ؟ سِلاَهْ. هَلْ ‏يُحَدَّثُ فِي اَلْقَبْرِ بِرَحْمَتِكَ أَوْ بِحَقِّكَ فِي اَلْهَلاَكِ؟ هَلْ تُعْرَفُ فِي اَلظُّلْمَةِ ‏عَجَائِبُكَ وَبِرُّكَ فِي أَرْضِ اَلنِّسْيَانِ؟‏ ] [ مزمور 88: 10 ـ 12 ]...

[ لَيْسَ اَلأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ اَلرَّبَّ وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ اَلسُّكُوتِ ] [ مزمور 115 : 17 ]...

[ لأَنَّ اَلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. اَلْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو اَلْهَابِطُونَ إِلَى ‏اَلْجُبِّ أَمَانَتَكَ  ] [ أشعـياء 38: 18 ]...

 

معـظم النصـوص تُظهـر المـوت وكـأنه مكان الهـلاك، مكان السكوت والنسيان، وبالتالى، وكأن الأمـوات " ينـامون"...

بيـد أن بعـض النصـوص تلقـى عـلى هـذا النـوم بصيصـًا من الأمـل كالمزمور الذى استشهد به بطـرس الرسول فى سفـر الأعـمال:

[ لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي أَيْضاً سَيَسْكُنُ عَلَى ‏رَجَاءٍ. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى ‏فَسَاداً. عَرَّفْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ وَسَتَمْلأُنِي سُرُوراً مَعَ وَجْهِكَ‏ ] [ أعمل الرسل 2: 26 ـ 28 ]...

ونجـد ذلك أيضًا فى سفـر أشعـياء:

[ تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ اَلْجُثَثُ. اِسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ اَلتُّرَابِ. ‏لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَاَلأَرْضُ تُسْقِطُ اَلأَخْيِلَةَ ] [ أشعياء 26: 19 ]...

و سفـر أيوب:

[ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ يَقُومُ . وبَعْدَ ‏أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ  ] [ أيوب 19: 25، 26 ]...

وبصـورة خاصة فى سفـر حزقـيال:

[ فَقَالَ لِي: تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ, تَنَبَّأْ يَا اِبْنَ آدَمَ, وَقُلْ لِلرُّوحِ: هَكذَا قَالَ ‏اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَتْلَى ‏لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني, فَدَخَلَ فِيهِمِ اَلرُّوحُ, فَحَيُوا وَقَامُوا ‏عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً. ثُمَّ قَالَ لِي:  يَا اِبْنَ آدَمَ, ‏هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ ‏عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: ‏هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ وأُصْعِدُكُمْ مِنْ ‏قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ‏اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِـنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَـلُ رُوحِـي فِيكُمْ فتَحْـيُونَ, وَأَجْعَـلُكُمْ فِي أَرْضِـكُمْ, فَتَعْـلَمُونَ ‏أَنِّي أنَا اَلرـَّبُّ تَكَـلَّمْتُ وَأَفْعَـلُ, يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حزقـيال 37: 9 ـ 14 ]...

وفى سفـر دانيال:

[ وَكَثِيرُونَ مِنَ اَلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ اَلأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ هَؤُلاَءِ إِلَى ‏اَلْحَيَاةِ اَلأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى اَلْعَارِ لِلاِزْدِرَاءِ اَلأَبَدِيِّ ] [ دانيال 12: 2 ]...

حيث يبـرز نـوع من المقـارنة بين " نـوم" المـوت و " صحـو" القيامة المرتقـبة...

 

 

ب ـ موت الأبرار فى سفر الحكمة:

فى أسفـار العـهد القـديم المتأخرة التى كـتبت باليونانية فى مصـر خـلال الـ 150 سنة السابقـة لمـيلاد المسيح، خاصـة فى سفـرى الحكمة والمكابيين الثـانى، يُـبرز مظهـر جـديد لمـا سيحـدث بعـد المـوت...

فيدخـل سفـر الحكمة فى التفاصـيل إذ يبـدأ مرحـلة التفـريق بين نـوعـين من الأمـوات، ويؤكّـد أن الأبـرار منهم لا يمـوتون إلا " ظـاهـريـًا"...

ولأن حـياتهم هـى فـى يـدّ الله فإنهم يعـيشون إلى الأبـد...

 

[ أمََّا اَلْصِدَّيقُ فَإِنَّه وَ إنْ تَعَجَّلَهُ اَلمَوْتَ يَسْتَقِرَّ فِي اَلرَاحَةِ ] [ حكمة 4: 7 ]...

 

[ أَمَّا نُفُوسَ اَلصِدِّيقِين فَهِي بِيَدِ الله فَلا يَمُسّّهَا اَلْعَذَاب.  و فِي ظَنْ اَلجُهَّالِ أَنَّهُمْ مَاتُوا وَ قَدْ حُسِبَ خُرُوجُهُمْ شَقَاءً.  وَ ذِهَابُهم عَـنـَّا عـَطَبًا أمَّا هُمْ فَفِي اَلْسَلامِ. وَ مَعَ أنَّهُم قَدْ عُـوقِـبُوا فِي عُـيُونِ اَلْنَاسِ فَرَجَاؤُهُم مَمْلُوءٌ خُـلُودًا.  وَ بَعْـد تَأدِيبٍ يَسِيرٍ لَهُمْ ثَـوَابٌ عَـظِيمٌ لأنَّ الله إِمْتَحَنَهُمْ فَوَجَدَهُم أَهْـلاً لَهُ.  مَحَّصّهُم كّالذّهَبِ فِي البّوْتَقَةِ وَ قَـبِلَهُم كَذَبِيحَةٍ مُحْرَقَةٍ. فَهُمْ فِي وَقْتِ اِفْتِقَادِهِم يَتَلألأون وَ يَسْعُـون سَعْيَ اَلشَرَارِ بَيْنَ اَلقَـصَبِ. وَ يَدِينُونَ اَلأمَمِّ وَ يَتَسَلَّطُون عَـلَى اَلشِعُـوبِ وَ يَمْلُك رَبُّهُم إِلَى اَلأبَدِ. اَلمُتَوَكّلُون عَـلَيْهِ سَيَفْهَمُون اَلحَقّ وَ الأُمَنَاءِ فِي اَلمَحَبّةِ سَيُلازِمُونَه لأنَّ اَلنِعْمَة وَ اَلرَحْمَةَ لِمُخْتَارِيه ] [ حكمة 3: 1 ـ 9 ]...

ويضيف:

[ لأنَّ رَجَاء اّلمُنَافِق كَغُـَبارِ تَذْهَبْ بِهِ اَلرِيحُ وَكَزَبَدِ رَقِـيقٍ تُطَارِدَه اَلزَوْبَعَة وَ كَدُخَّانٍ تُبَدِّدَهُ اَلرِيحُ وَكَذِكَرٍ ضَيْفٍ نَـزَلَ يَوْمًا ثُمّ إِرْتَحَلَ. أمّا اَلصِدّيقُـون فَسَيَحْيُون إلَى الأبَدِ وَعِـْنَد اَلَربِّ ثَـوَابُهُم وَ لَهُم عِـنَايَة مِنْ لُدُنِ اَلعَـلِيّ ] [ حكمة 5: 15، 16 ]...

 

 

ج ـ الحياة الأبدية فى العهد الجديد:

هـذا الرجـاء بالحـياة الأبـدية، الذى بـدأ بالظهـور فى العـهد القـديم، توطـد وغـدا أكـيدًا عـند مجـئ السيد المسيح الذى هـو أيضًا حـياة العـالم...

فى إنجـيل [ يوحـنا10: 27، 28 ] ، يقـول يسوع مستخدمـًا عـبارة " يـد الله" الكتابية:

[ خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي ] ....

ويؤكـد قـيامة المؤمنين حـين يقـول:

[ لأَنَّ هَـذِهِ هِـيَ مَشِيئَةُ اَلّـَذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَـنْ يَرَى الاِبْنَ وَيُؤْمِـنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَـيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي اَلْيَوْمِ الأَخِيرِ ] [ يوحـنا 6: 40 ]...

و [ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ] [ يوحـنا 6: 47 ]...

و [ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كلاَمِي فَلَنْ يَرَى اَلْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ ] [ يوحـنا 8: 51 ]...

ويلفـتنا بشكل خـاص قـوله:

[ قَالَ لَهَـا يَسُوعُ: أَنَا هُـوَ اَلْقِيَامَةُ وَالْحَـيَاةُ. مَـنْ آمَـنَ بِي وَلَوْ مَـاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَـنْ كَانَ حَـيّاً وَآمَـنَ بِي فَلَنْ يَمُـوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ ] [ يوحـنا 11: 25، 26 ]...

 

هـذه النصـوص كلّهـا تؤكـد ما يلى:

ـ أن حـياة الإنسان تستمر بعـد المـوت بقـدر ما هى مرتبطـة بالله. لذلك يقـول لنـا السيد فى الإنجـيل:

[ وَلاَ تَخَافُوا مِنَ اَلَّذِينَ يَقْتُلُونَ اَلْجَسَدَ وَلَكِنَّ اَلنَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ اَلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ اَلنَّفْسَ وَاَلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. ] [ متى 10: 28 ]...

 

ـ المـوت يحـدث من جـرّاء غـياب الله. وحـيث يوجـد الله لا يوجـد المـوت. لذلك، فالنفس العـطشى إلى الله تسعـى دائمـًا إلى العـيش فى حضـرته لا تمـوت لأن توْقـها إلى الله يحفظها حـية...

 

ـ الذى يعـيش عـلى هـذه الأرض فى المسيح يستمر عـلى هـذه الحـياة بعـد مـوته. هـذا ما يؤكـّده بقـوة الرسول بولس إذ يقـول:

[ لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اّلْلَّهِ، بَيْتٌ غَـيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ. فَإِنَّنَا فِي هَذِهِ أَيْضاً نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا اَلَّذِي مِـنَ السَّمَاءِ. وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَـدُ عُرَاةً. فَإِنَّنَا نَحْـنُ اَلَّذِينَ فِي اَلْخَـيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَـهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ اَلْمَائِتُ مِـنَ اَلْحَيَاةِ. وَلَكِنَّ اَلَّذِي صَنَعَنَا لِهَذَا عَيْنِهِ هُوَ اَلْلَّهُ، اَلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً عَـرْبُونَ الرُّوحِ. فَإِذاً نَحْـنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِـينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ فِي اَلْجـَسَدِ فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ اَلرَّبِّ. لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعَـيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ اَلْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِـنَ عِـنْدَ اَلـرَّبِّ ] [ 2 كورونثوس 5: 1 ـ 8 ]...

 

وجـاء أيضًا قـوله:

[ حَسَبَ اِنْتِظَارِي وَرَجَائِي أَنِّي لاَ أُخْـزَى فِي شَيْءٍ، بَلْ بِكُلِّ مُجَاهَـرَةٍ كَمَا فِي كُلِّ حِـينٍ، كَذَلِكَ اَلآنَ، يَتَعَـظَّمُ اَلْمَسِيحُ فِي جَـسَدِي، سَوَاءٌ كَانَ بِحَـيَاةٍ أَمْ بِمَوْتٍ. لأَنَّ لِيَ اَلْحَـيَاةَ هِـيَ اَلْمَسِيحُ وَاَلْمَـوْتُ هُـوَ رِبْحٌ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَتِ اَلْحَيَاةُ فِي اَلْجَسَدِ هِـيَ لِي ثَمَرُ عَمَـلِي، فَمَاذَا أَخْتَارُ؟ لَسْتُ أَدْرِي! فَإِنِّي مَحـْصُورٌ مِنْ اَلاِثْنَيْنِ: لـِيَ اِشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَـلِقَ وَأَكُـونَ مَعَ اَلْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِـدّاً ] [ فيليبى 1: 20 ـ 23 ]...

 

ـ المسيح هـو الحـياة وواهـبها. فالـذى يعـيش فـى المسيح و [ حَـيَاتُكُـمْ مُـسْتَتِرَةٌ مَـعَ اَلْمَـسِيحِ فِي اَلـلـهِ ] [ كـولـوسى 3: 3 ] ، هـذا يـكـون [ مَـتَى اُظْـهِرَ اَلْمَـسِيحُ حَـيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي اَلْمَجْدِ  ] [ كولوسى 3: 4 ]...

 

 

د ـ ماذا عـن الذين لم يعرفوا يسوع أو لم يقبلوه؟:

يجيب بطـرس الرسول قـائلاً:

[ الَّذِي فِيهِ أَيْضاً ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ، إِذْ عَصَتْ قَدِيماً، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. ] [ 1 بطرس 3: 19، 20 ]...

 

إن الذين " تمـردوا" عـلى السيد والذين سوف يتمـردون عـليه هم، بعـد المـوت " أرواح سجينة" ، ويسكنون الهاوية" ، " مكان الهـلاك" و " أرض النسيان"...

هـذا ما تكلمت عـنه المزامـير وأشعـياء النبى...

وفى مثـل لعـازر يشير يسوع نفسه وبعـبارات رمـزية إلى وضـع هـؤلاء المتمـردين الحـزين.

فيقـول بأن الغـنى قـد مـات ودفـن، بينما هـو فى " الجحيم يقاسى العـذاب" ، رفـع عـينيه ورأى من بعـيد غبـراهـيم ولعـازر فى أحضـانه، فصـرخ قـائلاً:

[ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي اَلْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي اَلْعَذَابِ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ فَنَادَى: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ اِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اَللهِيبِ.  ] [ لوقـا 16: 23، 24 ]...

ثم يضيف السيد :

[ وَفَوْقَ هَذَا كُلِّهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ حَتَّى إِنَّ اَلَّذِينَ يُرِيدُونَ اَلْعُبُورَ مِنْ هَهُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ وَلاَ اَلَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا ] [ لوقـا 16: 26 ]...

 

ولكـننا نعـلم أن السيد نفسه قـال أن:

[ غَيْرُ اَلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ اَلنَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اَللهِ  ] [ لوقـا 18: 27 ]...

ونعـلم أن المسيح ـ الله المتجسد ـ لم ينزل من السماء إلى الأرض فقـط بل نزل أيضًا إلى الجحيم وإلى الهـاوية:

[ أَوْ { مَنْ يَهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ؟ } ( أَيْ لِيُصْعِدَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ ) ] [ رومية 10: 7 ]...

لكـى يفـتقـد الإنسان وهـو فى أقـصى درجـات تعـاسته، ويسكر " القـيود الدهـرية" ويحـرّر الـذين يتجاوبون مع محبته...

 

إذًا، بالقـيامة تفـقـّد المسيح الذين هم فى الجحيم لأنه " وطئ الموت بالمـوت ووهـب الحـياة للذين فى القـبور"...

وكـل من يلقـى بمصـيره بين يـدى المسيح " أذكـرنى يا رب متى أتيت فى ملكوتك" ، يدخـل فى لحظـة ممـاته مـع السيد إلى الفـردوس:

[ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ اَلْيَوْمَ تَكُونُ مَعِـي فِي اَلْفِرْدَوْسِ ] [ لوقـا 23: 43 ]...

والفـردوس هـذا هـو:

[ لأَنَّنَا نَعْـلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَـتِنَا الأَرْضِـيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَـاوَاتِ بِنَاءٌ مِـنَ اّلْلَّهِ، بَيْتٌ غَـيْرُ مَصْـنُوعٍ ‏بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ] [ 2 كورونثوس 5: 1 ]...

وهـناك يبقـى بإنتظـار فـرح القـيامة...

 

 

هـ ـ صـلاة:

وننهـى هـذا الفصـل عـن المـوت بذكـر الصـلوات التى تدعـونا الكنيسة إلى تلاوتها، وهى توجـز ببلاغـة تعـليم الكنيسة عـن غـلبة السيد النهـائية عـلى المـوت:

[ لقـد قـام المسيح من بين الأمـوات ،

الذى هـو مقـدمة الراقـدين وبكـر الخـليقـة ومبدع كـل المخـلوقـات.

وقـد جـدّد بذاتـه طـبيعـة جنسنا المنفسدة.

فلست تتسلّط فيما بعـد أيها المـوت لأن سيد الكـلّ قـد أبطـل قـوتك وحلّها ].

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4 ـ قيامة الموتى والحياة الأبدية

هـل سيقـوم الأمـوات بأجسادهم؟...

وهـل القـيامة هـذه حقـيقـة واقـعـية أم هى ضـرب من الخـيال والوهـم عـفا الزمـان عـلى القـول بهـا؟...

 

بـادئ ذى بـدء نـورد بعـض النصـوص الكـتابية التى تلقـى الضـوء عـلى موضـوعـنا هـذا...

وسنجـدهـا تدعّـم فكـرة القـيامة الفعـلية للأمـوات...

وتجب المـلاحظة فى هـذا المجـال أن آراءنـا الشخصـية وتأويلاتنا لا قـيمة حقـقـبة لهـا...

فالقـيمة كـلّ القـيمة لمـا أعـلنه الله عـن هـذا السرّ...

والـروح القـدس هـو دون سائر الأرواح قـائدنـا إلى الحقـقـة...

والكـتاب المقـدس يؤكـد عـلى ذلك ويحـذرنا من محـاولة الإتصـال بالأرواح كائنـة ما كانت:

[ لاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى اَلْجَانِّ وَلاَ تَطْلُبُوا اَلتَّوَابِعَ فَتَتَنَجَّسُوا ‏بِهِمْ. أَنَا اَلرَّبُّ إِلَهُكُمْ ] [ لاويين 19: 31 ]...

ونجـد أيضًا فى:

[ مَتَى دَخَلتَ اَلأَرْضَ اَلتِي يُعْطِيكَ اَلرَّبُّ إِلهُكَ لا تَتَعَلمْ أَنْ تَفْعَل مِثْل ‏رِجْسِ أُولئِكَ اَلأُمَمِ.لا يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ اِبْنَهُ أَوِ اِبْنَتَهُ فِي اَلنَّارِ ‏وَلا مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً وَلا عَائِفٌ وَلا مُتَفَائِلٌ وَلا سَاحِرٌ. وَلا مَنْ ‏يَرْقِي رُقْيَةً وَلا مَنْ يَسْأَلُ جَانّاً أَوْ تَابِعَةً وَلا مَنْ يَسْتَشِيرُ اَلمَوْتَى. لأَنَّ كُل مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ اَلرَّبِّ. وَبِسَبَبِ هَذِهِ اَلأَرْجَاسِ ‏اَلرَّبُّ إِلهُكَ طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ ] [ تثنية 18: 9 ـ 12 ]...

 

 

أ ـ فى العهد القديم :

ـ عـندما أعـلن الرسول بطـرس قـيامة المسيح [ أعمال 2: 26 ـ 28 ] ، استشهد بنص المزمور قائلاً:

[ لِذَلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَاِبْتَهَجَتْ رُوحِي. جَسَدِي أَيْضاً يَسْكُنُ مُطْمَئِنّاً. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي اَلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً. تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ اَلْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى اَلأَبَدِ ] [ مزمور 16: 9 ـ 11 ]...

بطـرس ، إذًا ، يترجّى القـيامة ، قـيامة الأجساد بالفعـل، وليس نوعـًا من قـيامة الأرواح فقـط، كما كانت تعـلم فى المدارس الفلسفية...

 

ـ أشعـياء سبق وتكلّم عـن نفسه قائلاً:

[ تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ اَلْجُثَثُ. اِسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ اَلتُّرَابِ. ‏لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَاَلأَرْضُ تُسْقِطُ اَلأَخْيِلَةَ ] [ أشعـياء 26: 19 ]...

 

ـ وفى سفـر أيوب نجـد الإيمان نفسه بالقـيامة بالجسد إذ يؤكـد أنه سوف يـرى الله بأعـين الجسد:

[ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ يَقُومُ وَبَعْدَ ‏أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا ‏لِنَفْسِي وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذَلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي ‏جَوْفِي ] [ أيوب 19: 25 ـ 27 ]...

 

ـ وهـنا لا بـد من إثبات نبوءة حـزقـيال التى تتلى فى خـدمة صـلاة السحر للسبت العظيم المقـدس وهى ما يسمّى بجـناز المسيح وتقـام عـادة مساء يوم الجمعـة . هـذه النبوءة تعـطى صـورة واضحـة ومـؤثـرة لقـيامة الأجساد:

[ كَـانَتْ عَلَيَّ يَدُ الرَّبِّ فَأَخْرَجَني بِرُوحِ اَلرَّبِّ وَأَنْزَلَنِي فِي وَسَطِ ‏اَلْبُقْعَةِ, وَهِيَ مَلآنَةٌ عِظَاماً. وَأَمَرَّنِي عَلَيْهَا مِنْ حَوْلِهَا وَإِذَا هِيَ ‏كَثِيرَةٌ جِدّاً عَلَى وَجْهِ اَلْبُقْعَةِ, وَإِذَا هِيَ يَابِسَةٌ جِدّاً. فَقَالَ لِي: [ ‏يَا اِبْنَ آدَمَ, أَتَحْيَا هَذِهِ اَلْعِظَامُ؟  فَقُلْتُ: [ يَا سَيِّدُ اَلرَّبُّ أَنْتَ ‏تَعْلَمُ . فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ عَلَى هَذِهِ اَلْعِظَامِ وَقُلْ لَهَا: أَيَّتُهَا اَلْعِظَامُ ‏اَلْيَابِسَةُ, اِسْمَعِي كَلِمَةَ اَلرَّبِّ. هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ لِهَذِهِ ‏اَلْعِظَامِ: هَئَنَذَا أُدْخِلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ. وَأَضَعُ عَلَيْكُمْ عَصَباً ‏وأَكْسِيكُمْ لَحْماً وَأَبْسُطُ عَلَيْكُمْ جِلْداً وَأَجْعَلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ ‏وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ ]. فَتَنَبَّأْتُ كمَا أُمِرتُ. وَبَيْنَمَا أَنَا أَتنَبَّأُ كَـانَ ‏صَوْتٌ وَإِذَا رَعْشٌ فَتَقَارَبَتِ اَلْعِظَامُ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى عَظْمِهِ. ونَظَرْتُ ‏وَإِذَا بِـاَلْعَصَبِ وَاَللَّحْمِ كَسَاهَا, وبُسِطَ اَلْجِلْدُ علَيْهَا مِنْ فَوْقُ, ‏وَلَيْسَ فِيهَا رُوحٌ. فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ, تَنَبَّأْ يَا اِبْنَ آدَمَ, وَقُلْ ‏لِلرُّوحِ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ ‏عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَتْلَى لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني, فَدَخَلَ فِيهِمِ ‏اَلرُّوحُ, فَحَيُوا وَقَامُوا عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً. ثُمَّ ‏قَالَ لِي: [ يَا اِبْنَ آدَمَ, هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا ‏هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ ‏تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ ‏وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ ‏قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ, وَأَجْعَلُكُمْ فِي ‏أَرْضِكُمْ, فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أنَا اَلرَّبُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ, يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حـزقـيال 37: 1 ـ 14 ]... 

 

 

ب ـ فى العهد الجديد:

ولنـأت الآن إلى العـهد الجـديد. نجـد أن شهـادة بطـرس الرسول التى ذكـرناها تعـتمد أيضًا كـلام يسوع نفسه إذ أكـد رجـاء القـيامة فقـال:

[ اَلْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآن حِينَ يَسْمَعُ الأمْوَاتُ صَوْتَ ابنِ اللَهِ وَالسَامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآب لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ.  لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ  فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ ] [ يوحنا 5: 25 ـ 29 ]...

 

هـذا هـو النص الإنجـيلى الذى يُقـرأ فى صـلاة الجـناز...

وأمّـا نصّ الرسالة فهـو للقـديس بولس:

[ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضاً مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي اَلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ اَلرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ اَلرَّبِّ.  لِذَلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِهَذَا اَلْكَلاَمِ. ] [ 1 تسالونيكى 4: 13 ـ 18 ]...

 

كـلّ النصـوص التى ذكـرناها، الواضحـة والمـوافـقة فيما بينها، تبين أن الإعـلان الإلهـى تكلّم عـن قـيامة للمـوتى فى أجسادهم وقـد عـلـّق عـلى ذلك القـديس إيريناوس، اسقف ليـون 170 م، مجـيبـًا عـن تساؤلات المشككين:

{ إن لم يخلص المسيح الجسد بالقـيامة فذلك يعـنى أنه لم يخلّص الإنسان أبـدًا. فهـل رأى أحـد إنسانـًا بدون جسد؟...}...

 

التمـييز بين روح الإنسان وجسده تمـييز مصطـنع...

والله إفـتقـد الإنسان كما هـو روحـًا وجسدًا...

ومن أجـل هـذا الإنسان تجسّد المسيح وأخـذ جسدًا، ثم مـات وقـام وجلس مع الطـبيعة الإنسانية التى تبنى إلى يميـن الآب داعـيـًا إليه الذين آمـنوا به، والذيم يسلّمـون أمـورهم وحـياتهم للـروح القـدس ليسكن فى هـياكل أجسادهم ويحـوّلها إلى آنـية صـاحـة لإقـتبال الحـياة الأبـدية...

والحـياة الأبديـة هـى " أن يعـرفـوك أيها الآب القـدوس" ...

وتعـطى لمـن يؤمن بالآب ويتقـبّـل الروح القـدس [ يوحـنا 6: 40، 47 و 8: 51 و 11: 25, 26 ]...

وبهـذا الصـدد يقـول الرسول بولس:

[ وَإِنْ كَانَ اَلْمَسِيحُ فِيكُمْ فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ اَلْخَطِيَّةِ وَأَمَّا اَلرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ اَلْبِرِّ ] [ رومية 8: 10 ]...

وكذلك:

[ وَمَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: { ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ }. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ كُونُوا رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ ] [ 1 كورونثوس 15: 54 ـ 57 ]...

 

والآن لا بـدّ مـن طـرح السؤال:

هـل يتمكّن الإنسان منـذ الآن ـ أى فى حـياته الأرضـية ـ أن ينعـم بسكنى الله فـيه وأن يـذوق حـلاوة عـشرة الله؟...

 

للإجـابة عـن هـذا السؤال رأينا أن ننطـلق من سرد حـادثـة واقـعـية حصـلت للقـديس الروسى سيرافيم ساروفسكى ( 1759 ـ 1833 ) مع صـديق له باسم موتوفـيلوف، ثم نتبعـها بدراسة أعـدّها الأب كاليستوس وير الإنجـليزى والأستاذ فى جامعـة أكسفورد وهـو من أصـل أنجليكانى إهـتدى إلى الأرثوذكسية...

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

5 ـ تجلى الجسد

    

أ ـ الحوار مع موتوفيلوف:

فى إحـدى لـيالى الشتاء كان القـديس سيرافيم ونقـولا موتوفيلوف يتحـدّثان فى الغـابة. كانا يتكلمان عـن هـدف الحـياة المسيحيةالحقـيقـية. قال سيرافيم جازمـًا:

" إنـه إمـتلاك الروح القـدس"...

فسأل موتوفيلوف:

" وكيف يمكن أن أتـأكـد أنى فى الـروح القـدس؟"...

 

وقـد جـرى عـندئذ بينهما الحـوار التـالى كما جـاء عـلى لسان موتوفيلوف"

" عـندئذ شدّ سيرافيم كتفى بيـديه وقـال: يا بنى! كـلاا فى هـذه اللحـظة فى روح الله. لمـاذا لا تتطـلع إلى وجههى؟...

ـ لا أستطـيع. عـيناك تلمعـان بأشعـة البـرق الخـاطف ووجهـك يـوج بنـور أقـوى من نـور الشمس. تؤلمنى عـيناى إذا حـدقـتا فى عـينيك...

ـ لا تخف ! فى هـذه اللحـظة بالذات يغـمرك شعـاع كالـذى يغـمرنى. إنـك مثـلى الآن. إنـك ممتلئ أيضـًا من روح الله...

 

ثم أدار رأسه وقـرّبه من أذنى وتمتم فيهـا كلمات فيها نعـومة السحـر: أشكـر الرب الإلـه عـلى صـلاحه معـنا. إن صـلاحـه لا نهـاية لـه. لكـن لمـاذا لا تنظـر إلىّ؟ حـدّق ! لا تخف فالله معـنا...

 

بعـد هـذه الكلمات ، إرتمت أنظـارى فـوق وجهـه. شعـرت خشية عـظيمة قـد تملكتنى. تصوّروا وجهـًا ، تصوّروا الشمس، تصوّروا قـلب الشمس، تصوّروا الأشعـة الخاطـفة، تجـدون أنفسكم أمـام هـذا الإنسان. تصوّروا هـذا الوجـه وهـو يخاطـبكم. إنـك ترى حركـات شفـتيه وتلحـظ تعـابير عـينيه المتتابعـة كأنها المـوج، وتشعـر بأن هـناك من يشد كـتفـيك بيـديه. إلا أنـك، لـن ترى، لا يـديه، ولا جسمه. إنـك لا تـرى إلا نـورًا يكـتنفـك ويمـتد بعـيدًا عـنك ويغـمر بضـيائه الثـلوج المبسوطة فـوق أشجـار الغـابة، فينعـكس ضـياء عـلى الرشوحـات الثـلجـية المتساقطـة بإستمـرار"...

 

الحـوار يستمـر. يسأل سيرافيم موتوفيلوف عـن الشعـور الـذى يعـانيه فى داخـله، فيجـيبه ، ويعـلّـق أن حـالة الذهـول كانت بعـد بعـيدة عـنهما. كـلاهما كانـا بعـد عـلى إرتبـاط بالعـالم الخـارجى. ما فـتئ موتوفيلوف يشعـر بوجـود الثـلج ويشعـر بالغـاب، وحـديثهما كان مترابطـًا. حـتى هـذه اللحظـة كان يلفهما نـور يخطـف الأبصـار....

مـاذا حصـل لهما؟...

 

 

ب ـ مغزى الحادثة:

" نـور يخطـف الأبصـار"...

إن لاهـوت الكنيسة الأورثوذكسية الصـوفى أوضـح أن الضـياء الذى ينبعـث من وجـه سيرافيم وموتوفيلوف ما هـو إلا قـوى الله غـير المخـلوقـة. النـور الذى يلفهما هـو النـور الإلهى نفسه الذى غـمر السيد لمّـا تجـلّى عـلى جـبل ثـابور...

" فى عـينيك خطف الـبرق، وفى وجهك ضـياء أين منه ضـياء الشمس". كلمات موتوفيلوف هـذه تحمـل إلى ذاكـرتنا الآيـة الإنجـيلية:

[  وَأَمَّا هـَذَا اَلْجِـنْسُ فَلاَ يَخْـرُجُ إِلاَّ بِالصَّـلاَةِ وَاَلصَّـوْمِ  ] [ متى 17: 21 ]...

كما تجـلّى المسيح فـوق جـبل ثـابور كذلك تجـلّى عـبد المسيح سيرافيم فى غـاب سـاروف...

سيرافيم و موتوفيلوف تجـلّيا من مجـد إلى مجـد حسب تعـبير الرسول:

[ وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، فَاعْمَلُوا اَلْكُلَّ بِاسْمِ اَلرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ اَللهَ وَاَلآبَ بِهِ. أَيَّتُهَا اَلنِّسَاءُ، إِخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي اَلرَّبِّ ] [ كولوسى 3: 17، 18 ]...

 

إن " الهـادئـين" ( Hésychastes  ) ـ وهم أتـباع مدلاسة روحـية واسعـة الإنتشار فى الشرق المسيحى تشدّد عـلى الصـلاة المستديمة كأداة للعـيش الدائم فى حضـرة الله ـ وخاصة القـديسين سمعـان اللاهـوتى ( 917 ـ 1022 ) وغـريغـوريوس بالمـاس ( 1296 ـ 1359 ) يكـررون الكـلام عـن نـور إلهـى واقعـى ويعـتبرونه ذروة وقـمة الحـياة فى الصـلاة. لا توجـد فى حـالة سيرافيم رؤيـا منظـورة بأعـين الـروح الداخـلية. إنـه نـور طـبيعـى يُنظـر بعـينى الجسد خـارجـيًا...

 

أيمكن أن تعـتبر حـالة سيرافيم شيئًا عـارضًا فـريدًا يمكن تنحـيته ووضعـه جانبـًا؟...

أيمكن أن يكـون حـدثـًا وحـدثـًا غـير عـادى خـارقـًا وعجـيبـًا؟...

هـذا النـوع من التفسير يحمـل كـثيرًا من الأخطـاء ويُعـتبر معـامرة...

 

يُروى عـن قـديس روسى آخـر سرجـيوس رادونيج ( 1314 ـ 1392 ) أن العـطـر كان يفـوح من جسده بعـد مـوته وأن النـور كان يغـمر وجهه وأن وجهه لم يكن يشبه وجه الأموات بل وجه الأحـياء، وقـد برهـنت الحـياة المـائجـة فـوق وجهه عـلى عـالم نفسه النقـى...

مثل هـذه الأمثلة تنقـلنا دائمـًا إلى حقـيقـة التجـلّى كحـدث وقـع فى الزمـان والمكـان: " وصـارت ثـيابه بيضـاء كالثـلج"...

 

عـودة إلى الـوراء، عـودة إلى آبـاء الصحـراء، نجـد أن هـناك حـالات كـثيرة مشابهـة...

فى كـتاب أقـوال الرهـبان وصف لمـوت الأنـبا سيسويس. يقـول الكـتاب:

" عـندما كان تـلامـيذه يحيطـون بـه، وهـو عـلى فـراش المـوت، كان وجهه يشع كالشمس وكان الضـياء يـزداد تألقـًا ويغـمر جسده حـتى فـارق الحـياة، إذ ذاك، صـار النـور بـرقـًا خاطفـًا وإمـتلأ البيت من رائحـة الطـيب"...

 

فى بعـض الأحـيان يتكلّم كـتاب الأقـوال عـن النـار أكـثر مما يتكلم عـن النـور. إقـترب أحـد تـلامـيذ البـار أرسانيوس الكـبير منه بصـورة عفـوية فوجـده قـائمـًا يصـلى وقـد ظهـر لـه الشيخ وكـانه وسط نـار. ويُروى مثـل هـذا عـن كـثيرين من الآبـاء...

 

إن فكـرة التجـلّى مع أنهـا غـير واضحـة ويكـتنفها شئ مـن الغـموض إلا أن حـقـيقـتها تبقـى قـائمـة. فى بعـض الأحـيان تظهـر القـوى الإلهـية غـير المخـلوقة بشكـل ألسنة نـارية كما فى يـوم الخمسين وبشكل نـور كما حصـل عـلى جـبل ثـابور أو فى طـريق دمشق مع الرسول بولس...

إن تكلمنا عـن النـار أو النـور فالحـقـيقـة هى هى لا تتغـيّر...

 

لم يُحصـر هـذا التمجـيد الجسدى فى الكنيسة الأرثوذكسية...

لقـد عـرفـته الكنيسة الغـربية قـديمـًا وفى حـالات كـثيرة مماثـلة...

إنـه نتيجـة لحـرارة الشركـة مع الله، لحـرارة الصـلاة العـميقـة لله..

هـذا النـوع من الصـلاة الحـارة يعـطى إشعـاعـًا للجسد فـائق الطـبيعـة ويكـون سبيلاً إلى التجـلّى الجسدى...

نـرى هـذا التجـلّى الجسدى فى حـياة القـديسة تيريزا، والقـديسة كـاترينا بولونيا وكـاترينا جـنوا...

 

كما أن جراحـات القـديس فرنسيس الأسيزى فـوق جـبل المـبارنو هى إمـتداد لصـليب المسيح فى أحـد أعضـاء جسده السرى:

[ الَّذِي الآنَ افْرَحُ فِي الاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ: الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ ] [ كولوسى 1: 24 ]...

 

ماهـو المعـنى اللاهـوتى لهـذا التمجـيد الجسدى الـذى ظهـر فى قـديسين من الشرق والغـرب؟...

وراء هـذه الأمـثلة توجـد نقطـتان لهما معـنى أساسى...

 

أولاً: التجـلى فى كـلتا الحـالتين، حـالة تجـلّى الرب وحـالة تجـلّى قـديسيه، يؤكّـد أهمـية الجسد الإنسانى فى اللاهـوت المسيحى. عـندما تجلّى المسيح عـلى جـبل ثابور ظهر مجده فى جسده وعن طريق هذا الجسد. رأى التلاميذ بأعـينهم الجسدية:

[ فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً ] [ كولوسى 2: 9 ]...

كما أن مجـد المسيح لم يكن داخـليًا فقـط بلّ ماديًا وجسديًا كـذلك كان مجـد قـديسيه...

إن تجليهم يؤكـد أن تقـديس الإنسان ليس أمـرًا يستهـدف الـروح فقـط بل أمـرًا يشمـل الجسد أيضـًا، أى الإنسان روحـًا وجسدًا...

 

ثانيـًا: التجـلى فى كلتا الحـالتين ، فى تجـلّى المسيح وفى تجـلّى قـديسيه، حـدث أخـروى. إنـه سبـق مـذاق وعـربون الحضـور الثـانى. وتمجـيد جسد القـديسين يرمـز بطـريقة حـية إلى مـنزلة المسيحى ، ويشير كـيف أن المسيحى هـو فى " العـالم وأنه ليس من العـالم". وأنـه قـائم فى نقطـة الفصل بين الجـيل الحـاضر والمستقـبل ويعـيش فى الجيـلين معـًا. الأزمـنة الأخـيرة ليست حـدثـًا إستقـباليـًا فقـط. لقـد إبتـدأت بالفعـل...

 

 

ج ـ الجسد واسطة لتمجيد الله :

إن بـلاديـوس ( 363 ـ 430 )، فى رحـلته الأولى إلى مصر عـاش مع شيخ ناسك اسمه دوروثيـوس وكـان هـذا ينقـل الحجـارة طـول النهـار تحـت أشعـة الشمس المحـرقـة، لبنـاء القـلالى. إحـتج بـلاديوس عـلى عـمل الشيخ وقال له:" ما هـذا الذى تفعـله طـول النهـار تحت أشعـة الشمس الكـاوية وأنت فى هـذه السن؟ إنـك تقـتل نفـسك"...

فأجـابه دورثـيوس ساخـرًا:" يا بنى يجـب أن أقـتل هـذا الجسد قـبل أن يقـتلنى"...

هـذا القـول يتعـارض تمـامـًا مع قـول بيمين أحـد أبـاء الصحـراء:" نحـن لم نتعـلّم قـتل الجسد بلّ قـتل الأهـواء"...

 

وراء هـذين القـولين الموجـزين توجـد، بعـد التـدقـيق، طـريقـتان مختلفـان فى النظـرة إلى الإنسان...

الطـريقـة الأولى طـريقـة أفـلاطـونية أكـثر مما هى مسيحية...

والثـانية مسيحية حـقـيقـية ترتكـز عـلى الكـتاب المقـدس...

وراء هـاتين الطـريقـتين المختلفـتين فى النظـرة إلى الإنسان نظـرتان مختلفـتان عـن الخـليقـة...

النظـرة الأفـلاطـونية عـن الخـليقـة تقـول بأزلـية المـادة. ليست المـادة شيئًا خـلقـه الله من العـدم بل شيئًا سبق وأن كان موجـودًا، ومع أن الله يستطيع أن يعـطى للمـادة شكلاً وترتيبًـا إلا أنها تبقـى فى نهاية المطـاف شيئًا خـارج الله ، مبـدأ مستقـلاً عـن الله...

أمـّا الكـتاب المقـدس فـلا يقـبل بأيّـة فكـرة تقـول بمبـدأين...

المـادة حسب التفكـير الكـتابى ليست مستقـلّة عـن الله ولا مساوية لـه فى البـدء، إنها كـكل الكـائنـات الهـيولـية خـلقـة من خـلقـته إذ:

[ ِفي اَلْبَدْءِ خَلَقَ اَللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ... وَرَأَى اَللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً ] [ تكوين 1: 1, 31 ]...

 

مقـابل هـاتين الفكـرتين عـن الخـليقة نجـد نظـرتين مخـتلفتين فى عـلم الإنسان ( الأنثروبولوجـيا ). ينظـر أفـلاطـون ( ومثله أكـثر الفـلاسفة اليونانيين ) إلى الإنسان نظـرة ثـنائية ويعـالجـه عـلى هـذا الأساس. يعـتبر النفس إلهـية أمّـا الجسد فينظـر إليه كسجن وكنبع للمـآثم. الإنسان عـقل سجين فى جسد تـرابى يخـفـق إلى الحـرية. الجسد قـبر. وهـدف الفيلسوف هـو أن يبقـى بعـيدًا عـن كـلّ ما هـو مـادى...

هـناك من ينظـر إلى الجسد نظـرة معـتدلة فيعـتبرونه وشاحـًا لا بـدّ للإنسان إلا وأن ينعـتـق ( فيثاغـورث )...

وهـناك من ينظـر إليه نظـرة صـارمة قـاسية: " أنك يا نفس فـقـيرة تحملين جـثة" ( مرقس أوريليوس )...

 

إن الكـتاب المقـدّس يدعـو إلى نظـرة إلى الإنسان تقـوم عـلى الوحـدانية لا الثـنائية كما هـو الحـال فى الفلسفة اليونانية...

ليس الإنسان سجينـًا فى الجسد إنـه وحـدة جسد وروح...

إنـه كـلّ روح جسدى...

قـال أفـلاطـون " الـروح هـى الإنسان"...

أمّـا الكنيسة فـترد قـائلة الـروح ليست كـل الإنسان. روحـى ليست أنـا...

عـندما خـلق الله، عـندما خـلق الثـالوث الأقـدس الإنسان عـلى صـورته خـلق كـيانـًا كـاملاً، خـلق الـروح والجسد معـًا...

وعـندما أتى الله إلى الأرض ليخـلص الإنسان لم يأخـذ نفسًا بشرية فقـط بلّ جسدًا بشريـًا أيضًا لأن إرادته كانت، وهـى، تخليص كل الإنسان، جسده وروحـه...

 

فى الواقـع أن الجسد كما نعـرفـه ثقـل...

إنـه شئ يسبب لنـا التعـب والشقـاء وعـذاب الولادة...

إنـه كما نعـرفه فعـلاً نبع لكـل الأهـواء الخاطـئة وهـذه كلهـا نتيجـة للسقطـة...

بعـد السقطـة لم بيـق الجسد البشرى عـلى حـالته الطـبيعـية بلّ صـار إلى حـالة مضـادة للطـبيعـة...

لا شك أن الجسد والروح سينفصـلان وهـذا الإنفصـال إنفصـال مؤقـت ما دام المسيحيون يترجّـون قـيامة الجسد وفى القـيامة سيعـود الإتحـاد مـرة أخـرى...

ليس الجسد قـبرًا ولا سجـنـًا بلّ قسم جوهـرى من الإنسان...

 

إن الجسد فى نظـر الرسول بولس ليس عـدوًا تجـب محـاربته وسحقـه بلّ سبيلاً يمكن الإنسان أن يمجّـد به خـالقـه:

[ أَمْ لَسْتُمْ تَعْـلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُـوَ هَـيْكَلٌ لِلرـُّوحِ اَلْقُدُسِ اَلَّـذِي فِيكُمُ اَلّـَذِي لَكُمْ مِـنَ اَللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ ] [ 1 كورونثوس 6: 19 ]...

[  فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا اَلإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اَللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اَللهِ عِبَادَتَكُمُ اَلْعَقْلِيَّةَ ] [ رومية 12: 1 ]...

 

الإرتباط الجوهـرى بين النفس والجسد، خلاصهما المشترك هو فكـر واضح جـدًا عـند القديس إيريناوس:

" بيـدىّ الله أى بالابن والروح القتدس خُلق الإنسان عـلى شبه الله. أقـول الإنسان كله لا قسمًا منه فقـط خُلق عـلى صـورة الله. النفس والجسد معـًا يشكـلان الإنسان بقسميه، لا الإنسان بحـد ذاته. لأن الإنسان ككل هـو مزج ووحـدة النفس  بالجسد "...

 

إن صـورة الله، حسب قـول إيريناوس، ليس ينحصـر بالعـقل بلّ شيئًا يتناول الجسد الإنسانى. يعـالج هـذه الناحـية يوستينوس الفيلسوف فى بحـثه عـن القـيامة فيقـول:

" من الواضح ، إذًا، أن الإنسان المخـلوق عـلى صـورة الله هـو جسدى. أليس القـول: إن لا قـيمة للجسد المخـلوق عـلى صـورة الله ولا شرف له قـول غـير صحيح ومشين؟...

فهـل الإنسان روحـًا فقـط؟. كـلا!.إنها روح الإنسان...

أيمكن أن يكون الإنسان جسدًا فقـط؟ . كـلا!. إنه جسد الإنسان...

الإنسان هـو وحـدة من الإثـنين...

لو أخـذ الإنسان بقسمه الواحـد دون الآخـر ، لكـان حياديًـا"...

 

فى عـبارته " نثبت إستنادًا إلى طـبيعـة الإنسان الكـتابية أن الإنسان سمّى إنسانـًا لا لأنه ذو نفس فقـط أو جسد فقـط ، بل لأنه وحـدة من النفس والجسد ومن الناحيتين خُلق عـلى صـورة الله ومثاله"...

 

بـدلاً من أن يستغـل الكـتبة المسيحيون النتائج التى يكتسبها الجسد والمادة من خـلقة الإنسان عـلى صـورة الله وقعـوا فى نـوع من المـلائكـية وإعـتبروا الجسد كعـائق ومانع، كشئ لا عـلاقـة له بالحـياة الروحـية، كشئ خـارجى عـن طـبيعـة الإنسان الحقيقية وأوحـوا أن هـدف حـياة الإنسان هـو أن يتحـرّر من ربط المـادة و أن يحـيا حـياة روح بدون جسد...

 

هـذه النظـرة لا تأخـذ بعـين الإعـتبار الفـرق الجوهـرى بين الإنسان والمـلائكة.

خـلق الله المـلائكة أرواحـًا خـالصـة ، أمـا الإنسان فقـد أعـطاه جسدًا تمامـًا كما أعـطاه روحـًا وهـذان يشكـلان وحـدة جوهـرية...

خـلق الله الإنسان بجسد ومن الكـبرياء والجـنون الفاضح أن يحـاول الإنسان أن يخلع عـنه جسده ويصبح مـلاكـًا...

كما يقـول باسكال:

" ليس الإنسان مـلاكـًا ولا حـيوانـًا. من يريد أن يكـون المـلاك يكـون الحـيوان "...

لا يجـوز أن يتجاهـل الإنسان، ولا أن يحـاول أن يتجاوز الطـبيعـة المادية بل عـليه أن يفـتخـر بجسده وأن يستعـمله كأشرف هـدية من الله...

يعـتقـد الكـثيرون أن الإنسان دون المـلاك لأنه يملك جسدًا...

المـلاك لا يملك إلا روحـًا والإنسان يملك روحـًا وجسدًا...

يقـول غريغوريوس بالماس: " إن الإنسان هـو فـوق المـلاك لأنه يملك جسدًا"...

الإنسان حـد وسط بين المـادى واللامـادى، إنه يشترك فى العالمين ، لذلك يشكّـل جسرًا ونقطة تماس لكـل الخـليقة الإلهية...

 

 كل هـذا وأمـور أخـرى كـثيرة تقـوم وراء سرّ التجلّى، وراء إتساع هـذا السرّ فى أعـضاء الكنيسة...

يقـول أسقف فاستكوت: " إن التجـلّى هـو مقـياس إمكانات الإنسان، هـو كشف قـدرة الحـياة الأرضـية الروحـية فى أسمى أشكالها الخارجـية. إن تجلّى المسيح وتجـلّى قـديسيه يبرهـن لنـا عـن مقـياس إمكانات الإنسان ويُظهـر لنـا الجسد الإنسانى كما خلقـه الله فى البـدء وما هـو مؤهـل ليصبحه بنعـمته وإرادتنا. التجلّى يكشف روحانية طـبيعـتنا المادية الخاطـئة، نـرى الجسد الإنسانى فى حـالته النهائية عـندما يصبح جسدًا روحيـًا. إن تجـلّى  الأجساد مظهـر مدرك فقـط ضمن إطـار أنتربولوجيا تقـبل بإمكانات الجسد الإنسانى الروحـية وترفـض بقـوة كل شكل من أشكال الثنائية الأفـلاطونية"...

 

فلنا أن نرى فى التجلّى الجسد البشرى كما خلقه الله فى البـدء...

مجـد يسوع المسيح فـوق جـبل ثابور ليس مجـدًا أخـريـًا فحسب بل حـدثـًا يشير إلى طـبيعـة الإنسان فى البـدء قـبل أن تدميرها الخطـيئة...

ولذلك نرتل فى عـيد التجلّى:

أيها المسيح المخلص لقـد جعـلت طـبيعـة آدم المظلمة تزهـو بتجلّـيك معـيدًا عـنصـرها إلى مجـد وبهـاء لاهـوتك...

 

إن تجلّى جسد يسوع المجـيد عـلى جـبل ثابور يكشف " جمال الصـورة الإلهية" ويُظهـر لنا كيف كانت طـبيعـتنا الإنسانية لو لم تتلوّث بخطـيئة آدم ويوضح لنـا ما تستطيعـه وما يجب أن تصـيره طـبيعـتنا البشرية...

 

فى حـياة القـديسين الذين لم يتمجـدوا جسديًا كما تمجـد سيرافيم، يمكننا أن نلحظ بطـريقـة معـدلة التعـليم نفسه عـن الجسد البشرى...

سنعـرض بعـض الأمثـلة من المتحـدين القـدامى ...

بين النساك القـدماء فى الصحـراء قـد نجـد ثنائية خاطـئة بسبب صـرامة الحـياة الفـائقـة القـياس وقـد نصـادف فى أكـثر الأحـيان العكس...

عـندما خـرج القـديس أنطـونيوس ( 251 ـ 356 ) من برجـه الصحـراوى حيث عـاش متوحـدًا مدة عشرين عـامـًا ( كما ذكـر أثناسيوس الرسولى ) تعـجّـب النـاس عـندما رأوا جسده عـلى حـاله، ما أرهـقـته الصـيامات ولا هـدته صـراعـاته مع الشياطين. كان منتصب القـامة كمسير بالمنطـق وكعائش حسب الطـبيعـة، لا أثـر لأى ثنائية فـيه...

كان أنطونيوس فى حـالة طـبيعـية، إنه فى حـياة حسب الطـبيعة، لم يغـيّر جسده الحـياة الصـارمة...

يظهـر ان الناسك الذى ينشد الحـياة التى قـبل الخطـيئة يستهـدفها نفـسًا وجسدًا...

فى كـتابه " حـياة أنطـونيوس" يُـبرز أثناسيوس الرسولى حفـاظ الناسك أنطـونيوس عـلى جسده بصـورة تثـير الإنتـباه:

" ومع إنه عـاش مئة وخمس سنين فقـد بقـى محافظـًا عـلى نظـره وأسنانه كاملة وبقـيت يـداه ورجـلاه قويتين"...

 

هـناك فى مصـر رعـية من النساك معـروفة عـندنـا، كانت أجساد متوحـديها فى حـالة صحـية جـيدة كالقـديس أنطـونيوس ولم يمرض أحـد منهم قـبل موته...

عـندما كانت تحضـرهم ساعـة المـنية كان المتـوحد منهم يستعـد ويخـبر إخـوته ثم يضـطـجع وينام نومـته الأخـيرة...

لم يكـن مرض قـبل الخطـيئة...

هـذا ما يحـدث أيضًا فى بعـض الأحـيان مع أولئك الذين حصـلوا بقـداستهم عـلى الحـالة الفـردوسية...

إنهم يتحـررون من الأمـراض...

 

يكتب يوحـنا السلمى ( 579 ـ 649 ) عـن هـذا الموضـوع فى سلمه المشهـور ويشرح فى آخـر الدرجة الثلاثين من السلّم موضـوع التجلّى...

يتكلم عـن تجلّى الجسد فيقـول: " عـندما يبتهج القـلب بمحـبة الله يبتهـج وجهه ويُشرق. إذًا، عـندما يندمج الإنسان كـليًا بالمحـبة الإلهية يكتسب الوجـه نقـاوة ونـورًا ويصبح مـرآة مشعّـة تعـبّر عـن الأنـوار الداخـلية القـائمة فى أعـماق النفس. بهـذا البهـاء شعّ موسى ولمـع لونه"...

ثم يتابع :" أولئك الذين يصـلون إلى عـمل المحـبة المـلائكى كـثيرًا ما يسهـون عـن تـذوق لـذة الطـعـام. إنى أعـتقـد أن الذين حـازوا عـلى هـذه المحـبة الإلهية شابهوا المـلائكة فكـأنهم خـالدون لا تمـرض أجسامهم بسهـولة، وصـارت غـير فـانية وخـالدة نقـتها لهب المحـبة الإلهية النقـية"...

 

يمكـن للجسد الإنسانى حـتى فى الحـياة الحـاضرة وفى حـالات معـيّـنة أن يحـقـق ضمن حـدود معـيّـنه عـدم الفساد الذى كان لآدم قـبل السقـطة والذى هـو نصـيب كل الأبـرار بعـد قـيامة الجسد...

 هـذا يساعـدنا لنفهم كيف تبـقى أجساد القـديسن غـير فانـية بعـد المـوت فى بعـض الأحـيان...

 

 

د ـ مجد القـيامة الأخـير:

إن تجـلّى ربنا وإلهـنا يجيبنا عـلى السؤال التالى:

كيف أن كـثيرًا من القـديسين لا يرى جسدهم فسادًا؟...

مـرة، ومـرة واحـدة فقـط ، أثناء حـياة المسيح عـلى الأرض، ظهـر المسيح لتـلاميذه متجـلّيًـا بالنور الإلهى وللحظـة...

هـذا لا يعـنى أن طـبيعـة الرب البشرية قـبلت شيئًا لم يكن فيها من قـبل ثم فـقـدته. بالعـكس لم يكن المجـد الذى شعّ فى يسوع عـلى جـبل ثابور مجـدًا فـوق العـادة بل شيئًا كان يملكه دائمـًا إلا أنه بحـركة إخـلاء ذات إرادية أخفى هـذا المجـد لظـروف أخـرى...

فى حضـوره الثانى سيأتى الرب بمجـدٍ وقـوة ، والبشر سينظـرون جسده كما هـو فى الواقـع بكل جماله وعـظمته. وأيضـًا قـديسيه ، عـندما يقـوم الأمـوات فى اليوم الأخـير، سيظهـرون ممجـدين جسديًا وروحـيًا...

 

التجلّى هـو، إذًا، حقيقة أخـروية، أى رجـاء مجئ المسيح الثانى، عـندما يظهـر أيضًا بمجـده كما ظهـر فى ثـابور ويرمـز إلى قـيامة المـوتى، عـندما يخـترق النـور الإلهى ذاته الذى شعّ فى جسد يسوع فـوق جـبل ثـابور أجساد القـديسين النـاهـضين من القـبر.

يقـول غـريغوريوس الناطق بالإلهيات:

" أيعـلن بالتجلى غـير مجـد القـيامة الأخـيرة ؟، إن مجـد ثـابور هـو عـربون ووعـد وظهـور مجـد الفـردوس"...

 

فى مواعـظ مكاريوس الكـبير ( فى بداية القـرن الخامس ) يجـرى الكـلام بصـورة مفصّـلة عـن تجلّى الإنسان العـتيد بعـد قـيامة الجسد:

" يتمجـد جسد الإنسان عـلى قـدر ما يكـون مالكـًا للروح القـدس. ما يخـزنه الإنسان فى أعـماق نفسه سينكشف وسيظهـر خارج الجسد وسيأتى يوم القـيامة. وبقـوة شمس العـدل، يخـرج من الداخـل إلى الخارج مجـد روح القـدس ويغـمر أجساد القـديسين الذين إخـتبأ مجـدهم داخـل نفوسهم. ما فيهم الآن يخـرج خارج الجسد فتتمجـد إذاك أجسامهم بالنـور الذى لا يُدرك والذى كان فيهم بقـوة الروح "...

 

بعـد القـيامة ستلمع أجساد القـديسن بالنـور كما يقـول الكـتاب...

هـذا البهـاء مـدين لمجـد الـروح الذى سينسكب فى الجسد ويجعـله شفـافـًا...

الجسد يقـبل أن يكشف البهـاء الذى هـو داخـل النفس روحـيًا وغـير مادى...

سيُرى مجـد الروح فى الجسد المتجـلّى كما ترى تمـامـًا لون الأشياء وسط الأوعـية الزجاجية...

 

هـذا ما يحـاول أن يفعـله المصـور الكنسى ويمثـله سريـًا...

يحـاول أن يبرز جسد القـيامة المتجـلى المشع بنـور الروح القـدس...

 

 

هـ ـ بدء جـيل المستقبل:

إن ما يسميه القـديس تومـا الأكـوينى " إنسكاب الـروح فى الجسد" ليس شـيئًا مُعـدًا فقـط للمستقـبل...

يتمتع البعـض ( كما رأينا ) بمجـد جسدى من الآن ( حتى لو كـان التمتع لحظـة )...

 

إن حـقـيقة اليـوم الأخـير هى القـيامة الشاملة وتجـلّى الجسد...

ألا نعـيش كمسيحيين دُفـنّـا وقـمنا مع المسيح بالمعـمودية فى الجـيل الآتى منذ الآن بدرجـة ما؟...

أليس ملكوت الله حـقـيقة حاضـرة وفى الوقت نفسه مستقـبلة؟...

إن القيامة كما يؤكـد الإنجيلى يوحـنا فى سرده لقـيامة أليعازر شئ يشترك فـيه المؤمن من الآن...

إن مرثا عـندما تقـول " أنا أعرف أنه سيقـوم فى اليوم الأخير" تقصد القـيامة فى المستقبل...

أمّا المسيح فيؤكـد حـقـيقة القـيامة الحاضرة بجـوابه لها:

[ قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: { أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي اَلْقِيَامَةِ فِي اَلْيَوْمِ الأَخِيرِ }. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: { أَنَا هُوَ اَلْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ } ] [ يوحنا 11: 24 ـ 26 ]...

كل الأمثلة عـن التمجـيد الجسدى وعـن المذاق المسبق لقـيامة الأمـوات الأخـيرة تؤكـد أن التعـليم المسيحى عـن الآخـرة ليس شيئًا إستقـباليا فقـط بل شيئًا محـقـقًا من الآن وقـد كـُرّس...

يقـول القـديس غريغـوريوس بالماس:

" إذا كان الجسد يشترك آنـذاك مع الروح بالخـيرات السرّية فإنه الآن يشترك بخـيرات الروح الذى يقـطنه"...

 

هـذا هـو المعـنى اللاهـوتى لحـوار: سيرافـيم وموتـوفـيلوف...

إنه يعـرض بوضوح الأهمية التى للجسد البشرى فى مخطـط الله الخلاصى، ويدعـونا لتوجـيه أنظارنا إلى قـيامتنا العـتيدة وفى الوقت نفسه يرينا كيف يمكن أن نتمتع بالثمار الأولى، ثمار القـيامة هـنا ومن الآن...

 

 

و ـ تجلى العالم :

ليس الجسد الإنسانى مدعـوًا ليتجـلّى، ليصـير " متشحـًا بالـروح" وحسب، بلّ الخـليقـة المـادية كلها...

عـندما يـبزغ اليـوم الأخـير لن ينسلخ الإنسان المُعْـتـق عـن باقى الخـليقـة إذ أن الخـليقـة كلها ستخلص وستتمجـد معـه...

يقـول الإنجـيلى يوحـنا:

[  ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ اَلسَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَاَلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ ] [ رؤيا 21: 1 ]...

ويقـول الرسول بولس:

[ لأَنَّ اِنْتِظَـارَ اَلْخَـلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اِسْتِعْـلاَنَ أَبْنَاءِ اَللهِ. إِذْ أُخْـضِعَـتِ اَلْخَـلِيقَةُ لِلْبُطْـلِ - لَيْسَ طَـوْعـاً بَلْ مِـنْ أَجْـلِ اَلَّذِي أَخْـضَعَـهَا ـ عَـلَى اَلرَّجَـاءِ. لأَنَّ اَلْخَـلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضاً سَتُعْـتَقُ مِـنْ عُبُودِيَّةِ اَلْفَسَادِ إِلَـى حُـرِّيَّةِ مَجْـدِ أَوْلاَدِ اَللهِ. فَإِنَّنَا نَعْـلَمُ أَنَّ كُلَّ اَلْخَـلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّـضُ مَعاً إِلَـى اَلآن ] [ رومية 8: 19 ـ 22 ]...

يمكن أن تـؤول هـذه الفكـرة عـن خـلاص العـالم تـأويـلاً خاطـئـًا إلا أنها عـندما تُـفَسّر تُـفَسـيرًا صحيحـًا تُشكّـل عـنصـرًا أساسيـًا من عـناصـر العـقـيدة الأرثوذكسية عـن الأمـور المتعـلّقـة بالآخـرة...

 

يستطـيع الآن أن ينظـر الإنسان إلى الأيقـونات المقـدسة كثمـار أولى لهـذا الخـلاص الجمـاعـى الذى يشمل حتى المـادة...

فيها نـرى بوضـوح مـا للخشب واللـون كمـادة من إمكانـات التقـديس ...

الأيقـونات هى كشوفـات قـوية للقـوة الروحـية التى يملكها الإنسان وبهـا يستطـيع أن يخلّص العـالم بالجمال والفـن...

إنـه عـربون الظفـر العـتيد عـندما يتوطـد الخـلاص الذى حمـله المسيح لكـل الخـليقـة لمحـو نتـائج السقـطة...

الأيقـونة مـثال مـادى إيجـابى أعـيد وضعـه فى تنـاسقـه وجمـاله الأولى يستعـمل الآن كمتشح للروح القـدس...

الأيقـونة تـؤلّـف قسمـًا من العـالم المتجـلّى...

 

كمـا أن تجـلّى يسوع يرمـز إلى قـيامة الجسد الأخـيرة ، كذلك يشير مسبقـًا إلى تحـوّل كـلّ العـالم...

إن شخص السيد المسيح لم يتجـلّ وحـده فـوق جـبل ثـابـور بلّ ولـباسه أيضـًا...

يقـول ف. دى موريس:

" إن حـدث التجـلّى عـاش خـلال العـصـور وأنـار جميع الأجـيال. لقـد حـازت كلّ الوجـوه، بسبب ذلك النـور وتلك الهـيئة التى شعّـت بمجـد الله، بسبب تلك الأوشحـة التـى لمعـت بيضـاء كالثـلج، عـلى هـذا الإشعـاع وكل الأشياء العـامة تجـلّت. تجـلّى الرب يسوع يعـنى تجـلّى كـل المخـلوقـات تجـليـًا كماله فى المستقـبل ومقـدماته لـنا من الآن ويمكـن أن يتـذوقـها الإنسان. يكفـى أن تكـون له الأعـين لـيرى"...

 

يقـول القـديس إيريناوس فى وصـفـه اليـوم الأخـير:

" لا أقـنوم ولا جوهـر الخـليقـة يندثـران، بل حجـم هـذا العـالم يعـبر، أى ما كـان سببًا للمعـصـية وصـار به الإنسان عـتيقـًا. بعـبور هـذا الشكل وتجـدّد الإنسان وبنمـوه فى عـدم الفساد لا يستطـيع أن يصـير عـتيقـًا.وتكـون سمـاء جـديدة وأرض جـديدة ويبقـى الإنسان فى الجـديد جـديدًا يحـدث الله ويكلمه"...

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

6 ـ  الدينونة

   

أ ـ عدل الله وحكمه :

الله طـويل الأنـاة ومتحـنن ومحـب للبشر وهـو بالمقـدار نفسه عـادل...

وكما أن محـبته للبشر وتحـننه لا متناهـيان، كذلك عـدله...

ومع التـأكـيد عـلى أن الله رحـيم غـفتور يفـتح صـدره للـذى يـاتى إليه تـائبـًا ، كالابن الشاطـر، فيعـفـو عـنه ويخـلّصـه، فهـو كـذلك ديّـان يـديـن بالقـوّة نفسهـا من لا يتـوب ويرفـض الخـلاص...

ولـذا كان لا بـدّ من الكـلام عـن العـقـاب الأبـدى بعـد أن تحـدّثـنا عـن الحـياة الأبـدية...

ويذكّـرنا بذلك الرسول بولس حـيث يقـول:

[ فَإِنَّنَا نَعْـرِفُ اَلّـَذِي قَالَ: { لـِيَ اَلاِنْتِقَامُ، أَنَا أُجَـازِي، يَقُولُ اَلرَّبُّ }. وَأَيْضاً: { الرَّبُّ يَدِينُ شَعْبَهُ }. مُخِيفٌ هُوَ اَلْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اَللهِ اَلْحَيِّ! ] [ عـبرانيين 10: 30، 31 ]...

 

 

ب ـ المسيح هو الديان :

لنتـأمـل مـليـًا فى هـذا النـصّ الـذى أعـطانـا يوحـنا الرسول:

[ قَالَتْ لَهُ: { نَعَـمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَـنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ اَلْمَسِيحُ ابْنُ اَللَّهِ الآتِي إِلَـى اَلْعَـالَمِ }. وَلَمّـَا قَالَتْ هَـذَا مَـضَتْ وَدَعَـتْ مَرْيَمَ أُخْـتَهَا سِرّاً قَائِلَةً: { اَلْمُعَلِّمُ قَدْ حَـضَرَ وَهُـوَ يَدْعُوكِ }. أَمَّا تِلْكَ فَلَمّـَا سَمِعَـتْ قَامَتْ سَرِيعاً وَجَـاءَتْ إِلَيْهِ. وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَـاءَ إِلَى اَلْقَرْيَةِ بَلْ كَانَ فِي اَلْمَكَانِ اَلَّذِي لاَقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا  ] [ يوحـنا 5: 27 ـ 30 ]...

 

ولنعـد إلى ما أورده القـديس متى عـن لسان السيد فى يوم الدينـونة:

[ ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّـذِينَ عَـنْ يَمِـينِهِ: تَعَـالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُـعَـدَّ لَكُمْ مـُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَـالَمِـ. لأَنِّي جُعْـتُ فَأَطْـعَـمْتُمُونِي. عَـطِـشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُـنْتُ غَـرِيباً فَآوَيْتُمُـونِي. عُـرْيَاناً فَكَـسَوْتُمُـونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَـيَّ ] [ متى 25: 34 ـ 36 ]...

 

 

ج ـ شرط الدينونة:

نخْـلُص مما سبق إلى مـا يلى:

ـ الحـاكم الديّـان سيكـون المسيح نفسه..

 

ـ هـذا الحـاكم الديّـان يحـبنا ومـات من أجـلنا:

[ لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ. فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارٍّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضاً أَنْ يَمُوتَ. وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ اَلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. ] [ رومية 5: 6 ـ 8 ]...

 

ـ هـذا الحـاكم الديـان نفسه قـال عـلى لسان نبيّـه:

[ قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ, إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ اَلشِّرِّيرِ, بَلْ ‏بِأَنْ يَرْجِعَ اَلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. إِرْجِعُوا إِرْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ ‏اَلرَّدِيئَةِ. فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ ] [ حـزقـيال 33: 11 ]...

وقـد أكّـد الرسول بولس هـذا القـول:

[  اَلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ اَلنَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ اَلْحَقِّ يُقْبِلُونَ ] [ 1 تيموثاوس 2: 4 ]...

وذكـرنا بـه بطـرس الرسول:

[ لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لَكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ اَلْجَمِيعُ إِلَى اَلتَّوْبَةِ ] [ 2 بطـرس 3: 9 ]...

 

ـ وكمـا أن هـذا الحـاكم الديّـان محـب ورحـيم فهـو عـادل...

 

ـ وسوف يعـاملنـا السيد حسب أعـمالنا ونيّـاتنا فى آن:

[  لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ اَلنَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ اَلْخَطِيَّةِ ] [ رومية 3: 20 ]...

إذ قـال السيد:

[ فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضاً رَحِيمٌ. وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ ] [ لوقـا 6: 36 ، 37 ]...

 

ـ وبالتالى سيكون حسابنا عسيرًا ومرتبطـًا إرتباطـًا وثيقًـا بمـواقـف داخـلية تنـمّ عـن محـبة وعـطاء يتجـلّـيان فى عـلاقـتنا بالمـرضى والغـرباء والسجـناء والمعـذبين فى الارض لأن فى هـؤلاء يسكن السيد...

وهكـذا، فالمحك ، فى النهاية، سيكـون مقـدار محـبتنا وتكـريس ذواتـنا لخـدمته وخـدمة الذين خُـلقـوا عـلى صـورته ومثـاله:

[ إِنَّ مَحَبَّتَنَا لإِخْوَتِنَا تُبَيِّنُ لَنَا أَنَّنَا انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. فَالَّذِي لاَ يُحِبُّ إِخْوَتَهُ، فَهُوَ بَاقٍ فِي الْمَوْتِ  ] [ 1 يوحنا 3: 14 ]...

 

ـ هـا هـو الطـريق الذى يجب أن نسلكه لنحـظى بالحـياة الأبـدية...

وقـد أصـبح واضحـًا كلّ الوضـوح...

فما عـلينـا إلا أن نَـعْـبُر من البغـضـاء إلى المحـبة، لأن عـبـورًا كهـذا يجعـلنـا نَـعْـبُر مـن المـوت إلى الله أى الحـياة...

وهكـذا، نستبـق، بشكل من الأشكال، الدينـونة...

وكما يقـول ذهـبى الفـم:

" السمـاء عـلى الأرض نجـدها فى الإفخـارستيا وفى محـبّة القـريب"...   

ـ المعرفـة والإيمـان ولـيدًا المحـبّة:

[ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً: لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَصْدُرُ مِنَ اللهِ. إِذَنْ، كُلُّ مَنْ يُحِبُّ، يَكُونُ مَوْلُوداً مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ .أَمَّا مَنْ لاَ يُحِبُّ، فَهُوَ لَمْ يَتَعَرَّفْ بِاللهِ قَطُّ لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ! وَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ مَحَبَّتَهُ لَنَا إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الأَوْحَدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. ] [ 1 يوحنا 4: 7 ـ 9 ]...

 

ـ الله محـبّة، فمـن لا يحـب لا شركـة لـه مـع الله، وبالتـالى لا صـلة لـه بالحـياة التى هـى من لـدن الله...

ومـآله المـوت والزوال...

ومصـيره جهـنم حـيث " لا يوجـد الله" ولا يسمع له صـوت...

أو ليس العـذاب الأبـدى هـو أن يعـرف الخـاطئ أنـه سيحـيا إلى الأبـد بعـيدًا عـن حضـرة الله، لا يسمع صـوته ولا ينعـم بالملكـوت الذى أعـده الله منـذ إنشاء العـالم:

[  ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ ] [ متى 25: 34 ]...

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

7 ـ الصلاة من أجل الموتى

   

 صلاة البار وشركة القديسين :

يوصـينا يعـقـوب الرسول فيقـول:

[ وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ لِكَيْ تُشْفَـوْا. طِلْبَةُ اَلْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيراً فِي فِعـْلِهَا ] [ يعـقوب 5: 16 ]...

وفى كتاب المكابيين نجـد أن صـلاة البـار تقـتدر عـلى الصـفح عـن الخـاطئ حـتى بعـد وفـاته:

[ لأنَّه لّوْ لَمّ يَكُنْ مُتَرْجَيًا قِيَامَةُ اَلَّذين سَقَطُوا لَكَانَتْ صَلاتَه مِنْ أَجْلِ اَلمَوْتَى بَاطِلاً وَ عَبَثًا.  وَ لاعْتِبَارِه أَنّ اّلَّذِين رّقّدُوا بِالتَقْوَى قَدْ إِدْخَرَ لَهُمْ ثَوَابٌ جَمِيلٌ. وَهُوَ رَأيٌ مُقَدَّسٌ تَقْوَي وَ لِهَذَا قَدَّمَ اَلكَفَّارَة عَنْ اَلمَوْتَى لِيُحَلُّوا مِنْ اَلخَطِيَّئةِ  ] [ 2 مكابيين 12: 44 ـ 46 ]...

 

أمّـا يوحـنا الإنجـيلى فيعـكس الآيـة ويقـول لنـاك

[ وَلَمَّا أَخَذَ اَلسِّفْرَ خَرَّتِ اَلأَرْبَعَةُ اَلْحَيَوَانَاتُ وَاَلأَرْبَعَةُ وَاَلْعِشْرُونَ شَيْخاً أَمَامَ اَلْحَمَلِ، وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُوراً هِـيَ صَلَوَاتُ اَلْقِدِّيسِينَ ... وَجَـاءَ مَـلاَكٌ آخَـرُ وَوَقَفَ عِـنْدَ اَلْمَذْبَحِ، وَمَعَهُ مِبْخَـرَةٌ مِنْ ذَهَـبٍ وَأُعْطِـيَ بَخُـوراً كَثِيراً لِكَيْ يُقَدِّمَهُ مَعَ صَلَوَاتِ اَلْقِدِّيسِينَ جَمِيعِهِمْ عَـلَى مَـذْبَحِ اَلذَّهَـبِ اَلَّذِي أَمَـامَ اَلْعَـرْشِ ] [ رؤيا 5: 8 و 8: 3 ]...

ويشبه صـلوات القـديسين أمـام عـرش الحمل بكـؤوس من ذهب مملوءة بالبخـور...

 

فالمـوت، إذًا، لا يفـصـم عُـرى وحـدة جسد المسيح...

والأحـياء فى هـذا العـالم والـذين إنتقـلوا عـلى رجـاء القـيامة هم دائمـًا جسد واحـد...

وهـذا ما نسمّيه بـ " شركـة القـديسين"...

 

هـذه الشركة التى سبـق وتحـدثنا عـنها فى الفـصل الثـامن تتجـلّى عـلى أفضـل وجه فى حـياة الكنيسة الليتورجـية...

فالكنيسة جمعـاء تصـلّى وليس الأحـياء فقـط...

لأن الأمـوات الموجـودين معـنا فى الكنيسة والـذين تمثـلهم أيقـونات القـديسين الموضـوعـة فى الكنيسة هم أيضًا يشاركوننا التسبيح...

وشئ آخـر هـام يحصـل فى القـداس الإلهى إذ أن الكـاهن يذكـر الأحـياء ويضـع قطعـًا من خـبز التقـدمة عـلى الصينية ثم يذكـر الأمـوات ويضـع عـلى الصينية نفسها قطعـًا من خـبز التقـدمة، وبعـدئذ يضـع ما تجمّـع عـلى الصينية فى الكـاس فيغـدو الأحـياء والأمـوات جسدًا واحـدًا بالمسيح...

 

لذلك، فالمكـان الوحـيد الـذى يلتقـى فـيه الأحـياء والأمـوات بكـلّ معـنى الكلمـة هـو الكنيسة وبالتحـديد فى الكـأس المقـدس أى فى المسيح يسوع...

 

لـذا، فنحـن مدعـوون إلى أن نحمـل أمـواتنا فى صـلواتنا إلى الرب وهم أيضًا يشتركـون معـنا فى التسبيح فيتمجـد اسم الرب فيهم وفـينا وينمو الجسد الذى يجمعـنا والذى هـو الكنيسة جسد المسيح...