عقيدة الثالوث القويمة |
|
الاعتراض الثاني ـ التجسد والصيرورة جاء في الإنجيل قوله "والكلمة صار جسدا" وقد اعترض المعترضون على هذه الآية فقالوا أنها تقول بصيرورة الذات جسدا مع أنه لا يجوز نسبة الصيرورة إليه تعالى لأنه كائن. لاحظ أن الآية لا تقول أن الكلمة تحول إلى جسد . والكنيسة منذ أول عهدها حتى هذا اليوم قد رفضت مذهب الاستحالة بهذا المعنى فإن لاهوت الكلمة لم يتحول إلى جسد بل اتخذ ناسوتا . نعم إن نص الآية يقول أن الكلمة "صار" جسدا . فما معنى ذلك ؟ إن الصعوبة هنا متعلقة بالصعوبة التي أشرنا إليها سابقا أي التي نجدها في إدراك مسئلة الخلق والتعلقات . وبعبارة أخرى أنه مظهر من مظاهر ذلك الإشكال الأصلي . وقد أثبتنا سابقا أن ذلك الإشكال واقع في كلتا النصرانية والإسلامية فلا مسوغ لاعتراض المسلمين على المسيحيين به . بل هو واقع في كل ديانة موحدة يعتقد أتباعها بوجود إله عالم خالق الأرض والسموات . فكل من نسب الخلق إلى الله فقد نسب إليه الصيرورة بوجه من الوجوه بمعنى أن الله عند خلقه العالم "صار" خالقا . وإذا قال المعترض بأن الخلق كان في فكر الله وأن فعل الخالق كان بمثابة تنفيذ لذلك الفكر قلنا أن هذا التأويل لا يقلل الإشكال وإن اختلفت الألفاظ فإن الصعوبة تتخذ حينئذ هذا الشكل وهو "أن الذي كان خالقا بالإمكان صار خالقا بالفعل" أو قولنا "إن الذي كان خالقا بالفكر صار خالقا بالعمل" . والنتيجة أننا إذا سلمنا بأن الخلق تم أي أنه انتقل من حيز العدم إلى حيز الوجود فقد نسبنا إلى الله نوعا من الصيرورة . فيكون الخالق قد انتقل من عدم الخالقية إلى الخالقية وهو ما نعبر عنه بالصيرورة فعلى ذلك لا بأس من القول بأن الكلمة صار جسدا . |