الفصل الرابع عشر على طريق الوحدة
علامة مميزة
وحدة الروح
وحدة العقيدة
مدلول خطير
ننسى ما هو وراء
وحدة الهدف
كنيسة الوحدة
على طريق الوحدة
تعالت في الفترة الأخيرة من جيلنا صيحات مدوية، وشقت صلوات مخلصة طريقها إلى
السماء، وبذلت جهود دائبة، والكل ينادي بحاجتنا إلى الوحدة. وما من شك أن هذه
أمنية كل مؤمن مخلص له قلب المسيح، ومشاعر المسيح، ورغبة المسيح بأن تكون هناك
رعية واحدة لراع واحد (يوحنا16:10) حتى يحتشد الجمع اللابس بيض الثياب والذي
رآه يوحنا الرائي، من كل الأمم والقبائل والشعوب رافعين سعف السلام وأغصان الحب
والوئام.
مدلول خطير
من المفروض أساساً أن تكون المسيحية من مشارق الشمس إلى مغاربها بيتاً روحياً
للرب مقدساً (1بط5:2) مؤسساً على صخرة صلبة، ومبنياً بحجارة حية، ويتحتم أن
يكون متماسكاً في وحدة متينة كقلعة راسخة أمام جحافل الظلمة في غابة شرسة.
ولكن الواقع المحزن أن المسيحية في العالم قد انقسمت شيعاً متعارضة، وتفتتت إلى
أحزاب ومعسكرات متعادية. يا له من مدلول خطير! إذ قال الرب كل بيت منقسم على
ذاته يخرب (مت25:12) فهل نجح الشيطان في مخططه الشرير ليدك حصون قلعة الإيمان؟
وهل تمكن من فتح نيران مدفعيته الجهنمية ليحيل فردوس الله على الأرض إلى تراب
ودمار، ورماد خراب؟ كلا. وألف كلا. فقد دعم السيد أركان بيته بوعد صخري "أن
أبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت18:16) فلابد أن ينبلج فجر الوحدة المشرق، على
كنيسة المسيح حتى تنخرط تحت لواء واحد، ويحدوهم شعار واحد، وترتج الأرض تحت
أقدام جيش واحد، وترتعد فرائص العدو أمام هتاف واحد، وتبيد قوات الظلمة أمام
زحف مقدس واحد.
علامة مميزة
لكل جماعة ذات نشاط شعار ترفعه كعلم خفاق بما يحمل من معان.
فما هو شعار جماعة المسيح؟
شعار المسيحية هو الصليب بلا نزاع، يعلو منارات الكنائس يزين صدور النساء، يثبت
في سترة الرجال، لا يفارق أيدي الكهنة، يُرشم على الجباه، يُوشم على أيادي
المسيحيين، يرفرف على أعلام الدول المسيحية، يعلو تيجان الملوك.
ما هو المعنى الكامن في هذا الشعار؟
يقول قائل، أنه الخلاص، يقول آخر الفداء، ويقول ثالث الرحمة وغيرهم النعمة،
وهذا كله جميل، ولكنني أري أن هذه جميعها ما هي إلا أبناء وبنات أم حانية هي
المحبة. فلقد بين الله هذه المحبة بموته على الصليب (رو8:5) فتفجر من جنبه
الخلاص والفداء والرحمة والنعمة …
فالصليب إذن شعارنا الخفاق بالمحبة الصادقة. وهكذا صارت المحبة العلامة المميزة
لجماعة المسيح، لهذا قال: "بهذا يعرف الجميع إنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضاً
لبعض" (يو35:13).
وعلى أرض المحبة تنمو شجرة الوحدة
وفي مناخ الحب الحار تذبل أشواك الأحقاد، وتضمحل أعشاب الخلاف، وتتساقط أوراق
الذات والكبرياء.
وبسقي مياه المحبة تترعرع غصون التآلف، وتزهر براعم الوفاق.
ما أحوجنا حقاً إلى سكيب المحبة ليجمع المتفرقين إلى الوحدة، كما جمع قديماً
الأمم واليهود تحت سقف كنيسة واحده. (أف14:2-22).
ننسى ما هو وراء
في ظلال المحبة يلزمنا أن ننسى ما هو وراء. ننسى تاريخاً رهيباً لعبت فيه
الدوافع غير المقدسة، والأغراض الشخصية، والذات والكبرياء وحب الرئاسات،
والأحقاد، أدواراً غير شريفة، فمزقوا جسد المسيح، وفرقوا بين أعضاءه وتقاسموا
عروسه، وصاروا أكثر ضراوة، من جحافل الرومان الذين لم يكسروا عظم المسيح، بل
اكتفوا بتمزيق ثيابه، أما رداؤه فمن أجل الحفاظ على تماسكه ألقوا عليه قرعة.
في مرحلة من مراحل الطفولة المبكرة يسر الطفل بأن ينعزل عن الجماعة بدافع
الأنانية الغريزية وحب الذات الفطري، ليمارس ألعابه منفرداً. ولكن سرعان ما
يعبر الطفل هذه المرحلة بعد أن ينضج عقلياً ونفسياً، فينضم تحت جناح جماعة
منظمة. وفي تصوري أن انشقاق المسيحية، وانعزال كل مذهب في زاوية ليمارس عبادته
منفرداً، إنما هو مرحلة تمثل الطفولة الفكرية غير الناضجة. ولقد آن الأوان
لمرحلة النضج الروحي التي تحتم علينا أن نعود إلى وحدانية الروح لنقوم بعمل
مشترك وننسي كل ما للطفل (1كو11:13).
وحدة الروح
قبل بناء السد العالي على النيل كانت تغزونا مياه الفيضان في فصل الصيف، فتملأ
المجرى وتتخطى الشطوط، وتعدو فوق وجه الأرض، ولا تستطيع قوة أن تقف أمامها.
وتتعالى مرتفعة حتى تصبح مصر العليا بجملتها كالبحر الأبيض المتوسط. وأمام هذا
الفيضان العالي تختفي صخور الجنادل، وشلالات النيل، وتتواري جسور الأراضي،
وحدود الملكيات الخاصة، وتصبح الأرض كلها قطعة واحة مغمورة بمياه الفيضان، هذا
هو ما نحتاج إليه في أيامنا هذه، نريد فيضاناً عالياً لمياه نهر النعمة، يغمر
المسكونة كلها فتصير وحدة واحدة، وتختفي جنادل الأحقاد وشلالات العداوات،
وحواجز العصبيات، وحدود التحزبات، وتعود إلى الكنيسة وحدة القلب، ووحدة الروح
(أع1:2).
ما أحوجنا إلى حركة انتعاشية، ونهضة روحية كالتي سادت العالم في عصر الرسل.
وحدة الهدف
هناك مثل حكيم يقول: " في وحدة الهدف وحدة الصف" فأبناء القبيلة الواحدة ينسون
أحقادهم وانقساماتهم، ويذوبون في صف واحد لمواجهة عدو مشترك.
وأمام المسيحية في العالم عدو مشترك، بل أعداء كثيرون، يهددونها ويتطاولون
عليها، ويريدون سحقها، فهوذا أسد الإلحاد الزائر، يجول ملتمساً أن يلتهم من
يصادفه، وهناك أخطبوط الجنس والانحلال يمد أذرعه الرهيبة ليزدرد شباب العالم
وشيبه. وما أبشع عنكبوت الفلسفات المنحرفة الذي ينسج خيوطه على كل فكر فيظلمه.
وما أرهب سرطان الأنبياء الكذبة الذين يفتكون بالغالبية العظمي.
لقد نجح الشيطان في أن يشغلنا بالمعارك الأهلية داخلياً حتى يخلو له المجال
فيهلك خليقة العلي، ويجر العالم إلى المصير الرهيب.
ما أشد حاجتنا إلى اكتشاف مخطط إبليس الدنيء، فنحطم فخاخه، ونمزق شباكه، ونعد
جيش الخلاص الباسل، لغزو العالم أجمع ببشارة السلام، وتخليص الفرائس من بين
أنياب الأسود المتوحشة حتى نقيم مملكة المسيح على الأرض، ونشيد صرح الإيمان
الشاهق، ونغرس بستان الحب، ونشق في الأرض أنهار النعمة ونعبد الطريق الصاعد فوق
جبال الشركة المقدسة إلى أبواب فراديس العلي.
وحدة العقيدة
من الأمور الجوهرية حقاً أن نشيد الوحدة على أرض عقيدة صلبة، ذات دعائم راسخة،
وإلا كانت وحدة هزيلة، لا تستطيع أن تثبت أمام العواصف الهوجاء، والأمواج
العاتية فيكون سقوطها عظيماً. لذلك ينبغي أن يدور حوار عقائدي هادف بناء لا في
قاعات الجدل والمباحثات العقلانية، ولا من منطلق الحكمة البشرية المجردة من
مسحة الروح، ولا بأسلوب المصطلحات الجوفاء التي تفسر الحقائق اللاهوتية
المفهومة بلغة غير مفهومة. وإنما ترنو عيوننا إلى حوار في روح الصلاة وأمام عرش
النعمة وفي محضر المسيح، في بساطة الإيمان الأول، ليعود إلى الكنيسة رباط القلب
الواحد (أع46:2).
إذن فلنخلع قبعات القرن العشرين، وقفزات المدنية الزائفة ولننق بيدر العقيدة
الأصيلة من زغل الحكمة البشرية، والفلسفات العصرية، ولنعد إلى أهرامات الرسل
لنحيا حضارة المسيح. ولننقب في حفريات الآباء لنتعرف على معالم آثار المسيح.
فان كنا نريد أن نحيا عصر المسيح حقاً فلندخل إلى بطون التاريخ ونزيل أكداساً
من تراكمات الأجيال ليفج النور من جديد بنفس الأسلوب، وفي ضوء فنار العقيدة
الشامخة التي أضاءت المسكونة بإشعاعها. وإلا صنعنا لأنفسنا مسيحية عصرية لا تمت
إلى مسيحية العصور الأولى إلا بصلة الشعر المرسل الحديث الخالي من البحور
والقوافي، بالشعر الكلاسيكي القديم الأصيل. وعلى الرغم من ذلك دُعي شعراً،
واُعتبر آخر صيحات التطور في دنيا الأدب. وإن صح ذلك في نتاج العقل البشري
لتطوره فما يصح على الإطلاق فيما يتعلق بالعقائد الإيمانية لأنها نتاج عقل الله
الذي لا يعتريه تغيير أو ظل دوران. ينطبق هذا على العقيدة وعلى الكتاب المقدس
مصدر العقيدة. فما خطر قط ببال إنسان أن يطور مبادئ الكتاب المقدس لتناسب العصر
الحديث.
كنيسة الوحدة
مع إطلال الفجر المشرق تستيقظ أطيار الرياض لتستقبل صباح الأمل الباسم بسمفونية
البهجة والتغريد. وسرعان ما يتبخر الندى من فوق ريشها الرقيق فتنطلق من
أوكارها، وتحلق في السماء الصافية، وقد انخرطت في جماعة مؤتلفة، في وحدة مدهشة،
وتشكيلات مبدعة، ففي لمح البصر تغير أوضاعها في تنسيق عجيب، بدون أن يشذ طير
واحد عن الجماعة.
ونحن إذ قد أطل علينا فجر روح جديد، وأمل باسم سعيد، وتبخرت ثلوج الجمود
الكئيب، فلسوف تتحقق طلبة رب المجد التي رفعها إلى الآب بأن "يكون الجميع
واحداً" (يو11:17) "لأن طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها" (يع17:5).
لذلك فنحن على موعد لقاء مع الراعي الصالح على أرض كنيسة الوحدة المقدسة، حيث
تتآلف الشعوب المؤمنة، وتتوحد الأجناس المختبرة، وسوف يعانق المؤمن الأمريكي
أخاه المؤمن الزنجي، ويحتضن القديس الأفريقي شقيقه الآسيوي، وتتشابك أيادي
المختبر الأوربي وتوأمه الأسترالي، ويصير الجميع واحداً في المسيح، يلتفون من
حوله كباقة من الزهور، عربوناً للاجتماع المجيد على سحابة الرجاء للرحلة
الأبدية إلى الربوع البهية، حيث يعزف الجميع على القيثارات الذهبية ترنيمة موسى
والحمل، هاتفين قائلين:
"عظيمة هي أعمالك ... يا ملك القديسين.
لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك"
(رؤ2:15-4)
E-mail: ctic@btinternet.com
Web Site: www.Cotic-curc.org.uk
|