لماذا أنا أرثوذكسي؟

كلمة الناشرين

إهداء

مقمة الطبعة الثانية

مقدمة الطبعة الاولى

الفصل الأول: تعادلية متزنة

على طرفي نقيض

لآلئ مخزونة

التعادل العقيدي

الفصل الثاني: عطاء وأخذ وديناميكية

تمثال البر الذاتي

شعار مبتور

توازن بديع

بذار وثمار

أساس وبناء

إيفاء ووفاء

امتياز والتزام

الفصل الثالث: الدستور المقدس

الحجر على المؤمنين!

التسيب الرهيب!

حرية ملتزمة

الفصل الرابع: كواكب الدهور

تجاوز المدى

إهدار كرامة

إكرام للمسيح

مفهوم الشفاعة

الفصل الخامس: النصل والغمد

سيف مسلول

عقد مفروط

سيف بيد قديسين

تحذير شديد

اغتصاب خلسة

سلاح الحرم

الفصل السادس: قنوات فائضة

ثلوج متجمدة

ردود الفعل

شيكات النعمة

الحلقة المفقودة

الفصل السابع: أنماط متباينة

الآلية الميكانيكية

الشخصية الكاريكاتيرية

الروحانية الناسكة

الفصل الثامن: السياجات الحصينة

حفظة الأسوار

أساليب رهيبة

ناقضو السياج

زهور في بستان

الفصل التاسع: التكلم بألسنة

ضحالة المعرفة

متاهات متشعبة

الفكر المستقيم

ألسنة الناس والملائكة

لبناء النفس

موهبة لا علامة

على المستوى الفردي

حكمة حانية

الضروريات والكماليات

الفصل العاشر: ثروة زاخرة

مع أبي الراهب

الكنز الثمين

معايشة الآباء

سيمفونية الخلاص

الاجتهادات المستحدثة

وقفات صامدة

الفصل الحادي عشر: دماء مناضلة

فاتحة سوداء

وديعة غالية

قصيدة

الفصل الثاني عشر: نهضة معاصرة

عصر الظلام

انبثاق النهضة

صبغة الحركة

حساسية وتوجس

انطلاقة جديدة

الفصل الثالث عشر: تأصيل المفاهيم

نبش الآبار

رحوبوت

تدفق البركات

الفصل الرابع عشر: على طريق الوحدة

مدلول خطير

علامة مميزة

ننسى ما هو وراء

وحدة الروح

وحدة الهدف

وحدة العقيدة

كنيسة الوحدة

حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الفصل الرابع كواكب الدهور



 تجاوز المدى

 إهدار كرامة

 إكرام للمسيح

 مفهوم الشفاعة

كواكب الدهور



قضية إكرام القديسين من القضايا التي شغلت التاريخ، وانقسم بازائها الفكر شيعا. وقد أخذ كل من المعسكرين الغربيين موقفاً مناقضاً.



 تجاوز المدى



لقد أكرمت الكنيسة الكاثوليكية القديسين إكراماً زائداً بلغ حد العبادة (اللاهوت الأدبي – الأب بطرس غوري - جزء 1 ص 329) وفي إكرامهم للعذراء مريم نادوا بأنها قد ولدت من أبويها بلا دنس (علم اللاهوت – إيغومانس ميخائيل مينا - جزء 3 ص 556) وما ذلك إلا زيادة في إكرامها، في حين أن العذراء نفسها تقول في تسبحتها "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو46:1) فأوضحت بذلك انتفاعها بخلاص المسيح، ووضعت نفسها مع البشرية تحت دم الصليب المتفجر من الجنب الطعين كفارة وفداء.



ولقد بلغ أمر مغالاتهم في إكرام القديسين أنهم اختلقوا مبدءاً جديداً لم يعرفه الحق الكتابي على الإطلاق، وهو عقيدة "زوائد فضائل القديسين" ومؤداها أن القديسين قد صنعوا البر، كل البر، بل وأكثر من البر المطلوب منهم، وهذا البر الفائض يمكن أن يجبر نقص من يتشفع بهم بإذن من بابا روما (علم اللاهوت - إيغومانس ميخائيل مينا - جزء 3 ص 539).

فيضيف القديسون نسبة من رصيدهم الزائد إلى رصيد المتشفع بهم الناقص. وبهذا كسروا كلام المسيح القائل: "متى فعلتم كل ما أُمرتم به قولوا أننا عبيد بطالون لأننا عملنا ما كان يجب علينا" (لو10:17).



ومن هذا نستطيع أن نرى الفكر الكاثوليكي قد جاوز المدى وجار على الحق الكتابي، مما فجر غيظ المعسكر البروتستانتي لينشط في اتجاه مضاد.



 إهدار الكرامة



بدافع من الغيرة على الحق الكتابي عارض البروتستانت عقيدة إكرام القديسين وشفاعتهم، ولكن بطريقة متعنتة، فضربوا بالحق الكتابي عرض الحائط، وأهالوا التراب على القيمة الروحية في إكرام القديسين.



هم يكرمون المؤمن طالما هو حي على الأرض، ويطلبون صلواته. أما إذا انتقل المؤمن من هذا العالم، يتغير الموقف، إذ يجردونه من ثوب الكرامة الذي كان يلتحف به في حياته، ويُسقطون حقه في استكمال طلباته وصلواته كما كان يفعل في حياته. والحجة أنه قد انتقل من العالم!!



وكأنه بالموت صار نسياً منسياً، أو صار إنساناً أنانياً وقد ترك قلب المحبة في قبر عظامه في وادي الموت.



والبعض يحاول أن يؤكد الزعم بأن الذين ينتقلون من العالم لا يذكرون الأرض بما عليها، لاستغراقهم في رؤية المسيح !! وقد غاب عن بالهم أن المنتقلين لم يدلفوا بعد إلى سماء المجد، ولم يلبسوا الأجساد النورانية بعد، ولم يصيروا مثل المسيح بعد، حتى يعرفوه كما عرفوا، ويبتلعوا في جماله.



ولقد فاتهم أيضاً أن نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله، ومن أجل الشهادة قد صرخوا بصوت عظيم وهم تحت المذبح عندما فُتح الختم الخامس قائلين: "حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض فقيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً أيضاً حتى يكمل العبيد رفقائهم واخوتهم أيضاً العتيدون أن يُقتلوا مثلهم" (رؤ9:6-11).

فهل اُبتلع هؤلاء في جمال المسيح؟

وهل نسي هؤلاء اخوتهم الساكنين على الأرض؟

وماذا قيل لهم عن اخوتهم العتيدين أن يُقتلوا مثلهم؟

الأمر إذاً يحتاج إلى مراجعة حسابات لتصحيح المسار.



ولعل البروتستانت في غضبة شاولية، عندما رأوا تعلق الكاثوليك بالقديسين إلى تلك الدرجة، قد مالوا إلى الوراء فداسوا رؤوس القديسين، وأهدروا كرامتهم. فكان كمن عالج خطأ بخطأ وداووا المرض بالداء، أو كمن قفز من حفرة فهوى في بئر عميقة!!





 إكرام للمسيح



كنيستنا القبطية الأرثوذكسية تكرم القديسين، لأن هذه هي مشيئة الآب، إذ قال رب المجد يسوع "إن كان أحد يخدمني يكرمه الآب" (يو26:12).



ونحن لا نكرم القديسين الأحياء فحسب، كما هو واضح مما سجله كاتب سفر أعمال الرسل قائلاً: "فأكرمنا هؤلاء إكرامات كثيرة" (أع10:28)، بل نكرم أيضاً القديسين الذين انتقلوا "لأن الله ليس إله أموات بل إله أحياء" (مت32:22).



والكنيسة ترى أن في إكرام القديسين، إكرام للرب يسوع المسيح، وإكرام للآب أيضاً، إذ قال رب المجد "من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني" (مت40:10).



كما نؤمن أن القديسين الذين انتقلوا لا زالوا يواصلون صلواتهم من أجل الكنيسة المجاهدة التي كانوا فيها أعضاء، ومازالوا ينتمون إليها، لأنها والكنيسة المنتصرة التي انضموا إليها جسد واحد. فما انفصلت علاقتهم بالانتقال. لهذا يقول كاتب سفر الرؤيا "وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب وأعطى بخوراً كثيراً لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم" (رؤ3:8).



ولكن مع شدة إكرامها للقديسين الذين رقدوا في الإيمان بالمسيح، إلا أنها التزمت برفع كرامة المسيح فوق كرامة جميع القديسين، بما فيهم العذراء القديسة مريم.



 مفهوم الشفاعة 



كنيستنا إذن تؤمن بشفاعة القديسين، وشفاعة العذراء مريم ولكنها حددت مفهوم شفاعتهم، حتى لا تختلط مع شفاعة السيد المسيح. فشفاعة القديسين ما هي إلا طلبات توسلية، لكنها لا تصل إلى حد الكفارة مهما كانت، بخلاف شفاعة السيد المسيح فهي شفاعة كفارية على حساب دمه الثمين. فهو إذن الشفيع الوحيد بالكفارة (1يو1:2). والمخلص الأوحد بلا منازع، فليس بأحد غيره الخلاص (أع12:4).



أما شفاعة القديسين فهي شركة حب، والتزام وحدانية روح، وحتمية رباط لا ينفصل.