الفصل الثالث الدستور المقدس
& الحجر على المؤمنين
& التسيب الرهيب
& حرية ملتزمة
الدستور المقدس
من القضايا التي كانت موضوع نزاع خطير بين المعسكرين الغربيين قضية حق تفسير
الكتاب المقدس أو حتى مجرد قراءته. وقد كان لكل معسكر فكره الذي ناقض فكر
معارضه.
& الحجر على المؤمنين
لقد اتخذت الكنيسة الكاثوليكية موقفاً عجيباً بازاء الكتاب المقدس إذ حرمت
اقتناءه أو قراءته على عامة الشعب بقرار رسمي في مجمع تولوز المنعقد سنة 1299م
ومنعت ترجمته إلى اللغات الحية (الكنيسة المتغربة – برودبنت 108 و 109) حتى لا
يكون في متناول الناس، خوفاً من شبح التفسير الخاطئ. وبهذا أقامت حائطاً سميكاً
بين الله والناس. إذ أن الله يتكلم إلى شعبه من خلال صفحات الكتاب المقدس،
ولكنهم استطاعوا قطع هذه العلاقة المباشرة بين المؤمن والله. وحرموا الابن من
أبيه فما كان على الابن التعيس إلا أن يتضور جوعاً، ليلتقط الأطعمة الفاسدة من
زبالة الأفكار البشرية، والفلسفات الشيطانية، ليسد رمقه الفكري الجائع إلى
المعرفة، ويروي ظمأه الروحي من المياه الملوثة.
& التسيب الرهيب
وعلى النقيض من الموقف الكاثوليكي كان الموقف البروتستانتي الذي أتاح لكل إنسان
أن يفسر الكتاب كيفما شاء، وبحسبما يرى، دون قيد أو شرط، مما أتاح الفرصة لظهور
العديد من الآراء المتعارضة، باستخدام سلاح الآيات المبتورة، والتباس الفهم
لبعض الآيات عسرة الفهم. فما كان إلا أن طعنوا أنفسهم، فأُريقت دماء الكثيرين
في معركة المعرفة الضحلة.
وكانت النتيجة ظهور مئات المذاهب البروتستانتية، التي ما زال رحم الحرية
الكاذبة يرمينا بها كل يوم. ولا أدل على ذلك من قول أحد مؤرخي البروتستانت
أنفسهم:
[هنا نشأة الكنيسة البروتستانتية في التاريخ ...
فتحت صفحات الكتاب المقدس ليقرأها كل الناس ويفهموها في غير تضييق ولا إعنات
وكان لهذه الحرية في البحث والدرس والتفكير آثارها اللاحقة في انقسام
البروتستانتية شيعاً وطوائف.]
(عشرون قرناً – حبيب سعيد – ص179)
& حرية ملتزمة
أما عن موقف الكنيسة الأرثوذكسية من الكتاب المقدس فموقف مشرف وحكيم للغاية.
فقد تُرجم الكتاب المقدس من اللغات الأصلية العبرية واليونانية إلى اللغة
القبطية، يوم أن كانت هي لغة أرض مصر. وما أن سادت اللغة العربية حتى ترجموا
أسفار الكتاب المقدس إليها، وأشهر هذه الترجمات ما قام بها (هبة الله ابن
العسال سنة 1250م) إذ قام بترجمة الكتاب المقدس من القبطية إلى العربية.
(قاموس الكتاب المقدس – الطبعة الثانية ص771)
ولقد اهتمت الكنيسة القبطية بأن يعي شعبها الكتاب المقدس وعياً كاملاً. فرتبت
في قراءاتها أن يقرأ الكتاب المقدس علي مدار السنة، بل في أسبوع الآلام كان
الكتاب المقدس يقرأ بعهديه، ولازال إلى الآن سفر الرؤيا بأكمله يقرأ في ليلة
السبت السابق لعيد القيامة.
والكنيسة القبطية الأرثوذكسية تشجع أبناءها على اقتناء الكتاب المقدس، وقراءته،
ودراسته، والتأمل فيه، ليكون للمؤمن غذاءً وزاداً في برية الحياة، وليكن له
سراجاً ونوراً لسبيله (مز105:119).
ومن الثابت أن الكتاب المقدس كان يمثل العمود الفقري في عظات وكتابات آباء
الكنيسة، حتى قيل أنه لو فُقد الكتاب المقدس لاستطعنا أن نجمعه آية آية من
أقوال الآباء.
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إذاً تهتم اهتماماً بالغاً بنشر الكتاب المقدس،
ومن أجل هذه الغاية وضعت طِلبة في صلوات القداس إذ يقول الشماس: {صلوا من أجل -
انتشار - الإنجيل المقدس} (أوشية الإنجيل).
وشجعت المؤمنين على أن تسكن فيهم كلمة المسيح بغنى (كو11:3).
وكفلت لهم حرية التفكير والتأمل، ولكن بطريقة تضمن سلامة التعليم، ووحدته، وذلك
بالالتزام بالفكر الآبائي وما كتبه القديسون.
وهكذا أتاحت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لكل فكر، ولكل فرد، حرية الحركة في
إطار الفهم المتعمق، ومن منطلق الفكر السليم دون انحراف في التعليم، ودون شطط
وراء آراء شخصية، وفلسفات مستحدثة، واجتهادات عقلية، وتأويلات ملتوية، وتحميل
النص فوق ما تحتمل، أو الإنقاص من الحق الإلهي.
|