مقدمة لسفر حزقيال
نشأ حزقيال تحت تأثير إرميا النبي ويوشيا آخر الملوك الأتقياء على يهوذا. فلقد ملك بعد يوشيا أبناؤه الأشرار الذين أعادوا عبادة البعل والعشتاروث إلى أورشليم.
وقد اختار الشعب يهوآحاز ابن يوشيا ليكون ملكا عليهم (2 ملوك 30:23-33)، ولكن لم تمض سوى ثلاثة شهور إلا وكان فرعون نخو قد أخذه مقيدا إلى مصر (إرميا 10:22-12) وأقام ابنا آخر من أبناء يوشيا، وهو ألياقيم، ملكا. وقد غير فرعون اسم ألياقيم إلى يهوياقيم (2 ملوك 34:23-36) وكان يهوياقيم خاضعا لفرعون نخو حوالي أربع سنوات (إرميا 2:46). وبعد أن هزم نبوخذنصر ملك مصر في قرقميش، دخل بعد ذلك أورشليم وأخضع يهوياقيم لسيطرته (2 ملوك 1:24). في ذلك الوقت أخذ نبوخذنصر دانيال، ورفقاءه الثلاثة، وسبايا كثيرين غيرهم إلى بابل (دانيال 1:1-3،6).
بعد ثلاث سنوات تمرد يهوياقيم على السلطة البابلية فهو إما أنه مات أو اغتيل. هذا حدث بعد حصار نبوخذنصر لأورشليم، ولكن قبل أن يؤخذ يهوياقيم إلى بابل (2 أخبار 6:36). بعد ذلك أصبح يهوياكين (ويدعى أيضا يكنيا أو كنيا) ابن يهوياقيم ملكا وكان عمره 18 سنة (1 أخبار 16:3-17؛ إرميا 24:22؛ 1:24؛ 20:27؛ 4:28؛ 1:37). وقد اتبع سياسة أبيه الشريرة (2 ملوك 9:24) ونال لعنة من الرب أدت إلى شطبه من سلسلة نسب المسيا (إرميا 30:22). هذا حدث بعد ثمان سنوات من أخذ دانيال إلى بابل.
في ذلك الوقت الحرج من تاريخ إسرائيل، كان الرب قد وضع نبيه إرميا في أورشليم. وكان حزقيال موجودا في تل أبيب على نهر خابور -وهو قناة للري تأخذ مياهها من نهر الفرات عند مدينة نيبور وتحملها على شكل نصف دائرة واسعة عبر البلاد إلى أن تعود وتلتقي بالفرات.
وقد عين نبوخذنصر صدقيا، ثالث أبناء يوشيا، حاكما على يهوذا. وبعد تعيينه بحوالي 10 سنوات تمرد هو أيضا على نبوخذنصر، الذي بعد ذلك اقتحم أورشليم وهدم أسوارها ودمر الهيكل (2 ملوك 18:24-21:25؛ 2 أخبار 11:36-21).
والجوهر الأساسي لنبوة حزقيال يقع في أربعة أجزاء: الأول يسجل دعوته للنبوة وهو في سن الثلاثين بعد سبيه بخمس سنوات (قارن حزقيال 21:33؛ 1:40؛ 1:29)، والرؤيا العجيبة التي تبين كيف أن الله يدير شئون العالم (أصحاح 1-3). يلي هذا إعلان دينونة الله على أورشليم وعلى شعب العهد بسبب خطاياهم التي أدت إلى دمار مملكة يهوذا (أصحاح 4-24).
وبعد خراب أورشليم ودمار الهيكل، نطق حزقيال بالدينونة على الأمم الوثنية المحيطة (أصحاح 32:25) وعلى إسرائيل (أصحاح 33-34). بعد ذلك رأى حزقيال رؤية مجيدة عن الهيكل المستقبلي وعن رد إسرائيل (أصحاح 35-48).
والفكرة الأساسية في هذا السفر هي: " يعلمون أني أنا الرب" ، وقد جاءت هذه العبارة أكثر من 60 مرة
لابد أن حزقيال كان يشعر بمرارة الانفصال عن الله إذ كان مسبيا في بابل. ولكن لشدة دهشته، كانت عليه هناك يد الرب (حزقيال 3:1) على الرغم من أن جميع الظروف الخارجية كانت تبدو غير ذلك.
وظهرت أول رؤية لحزقيال في شكل ريح عاصفة جاءت من الشمال، سحابة عظيمة ونار متواصلة ... ومن وسطها شبه أربعة حيوانات [أي مخلوقات] (حزقيال 4:1-5). وقد وصفها فيما بعد بأنها كروبيم (أصحاح 10).
وكان لكل من الكروبيم الأربعة أربعة أوجه وأربعة أجنحة وأربعة أيدٍ. وكانت أوجهها الأربعة على شكل وجه أسد وثور وإنسان ونسر (حزقيال 10:1). والأسد معروف أنه ملك المملكة الحيوانية؛ والثور يعتبر حيوانا مستأنسا عظيم القيمة؛ والنسر هو أعظم الطيور لأنه يستطيع أن يصل إلى ارتفاعات شاهقة في السماء فوق أعدائه الموجودين على الأرض؛ والإنسان هو أسمى المخلوقات العاقلة على الأرض. وهذه معا ترمز إلى أعلى مستويات القوة والسلطة والقدرة والذكاء. وحيث أن الكروبيم كانت تنظر في جميع الاتجاهات (حزقيال 12:1) فلقد كان لديها الاستعداد الفوري لإطاعة أوامر الله في جميع اتجاهات الطيران.
وكانت الكروبيم واقفة بجانب عجلة بداخل عجلة، حيث إحدى العجلتين تدور في الاتجاه الشمالي الجنوبي، والأخرى في الاتجاه الشرقي الغربي، بحيث لا يلزم تحريك العجلات في أي اتجاه. فلقد كانت العجلات تتحرك في جميع الاتجاهات وهي تشير إلى نشاط الله المستمر. فإن الله يتحرك دائما إلى الأمام من أجل إتمام مقاصده. لم تدُر عند سيرها، كل واحد يسير إلى جهة وجهه [أي لا تدور أثناء سيرها وإنما تسير للأمام] (حزقيال 9:1،12،17). وكانت العجلات ملامسة للأرض (15:1) ولكنها أيضا تصل إلى السماء (18:1). وكانت أطرها [أي إطار العجلات أو حوافها] ملآنة عيونا حواليها (18:1) مما يشير إلى أنها تحت سيطرة الله. وكانت هذه العيون العديدة قادرة على النظر في جميع الاتجاهات لترى كل شيء في آن واحد؛ فلم يكن شيء خافيا عليها. إلى حيث تكون الروح لتسير يسيرون [أي المخلوقات] ... والبكرات ترتفع معها (20:1) مما يدل على وجود الله في كل مكان.
كانت هذه العاصفة قادمة من الشمال وهي تشير إلى دمار أورشليم والهيكل؛ ولكنها لم تكن تعني الدمار الكامل لشعب الرب، لأنه كان كمنظر القوس التي في السحاب يوم مطر هكذا منظر اللمعان من حوله (28:1). فقد كان مستعدا أن يحمي وأن يرشد حياة شعبه، حتى في بابل. فهو لن يحررهم فقط من سلطة العالم الأممي، وإنما سيوفر لهم أهم احتياج لديهم - وهو أن ينقذهم من عبادة الآلهة الكاذبة. إن رؤية المركبات هذه هي رسالة رجاء تذكرنا بأن ننظر إلى ما هو أبعد من ظروفنا، إلى المسيح. فإن الله لا تحده حدود، ولا يفقد اهتمامه بنا، وهو يعلم دائما احتياجاتنا.
من وجهة النظر البشرية، يبدو أن القوى الشريرة تحكم شئون العالم وتلقي بظلال ثقيلة من الشك في أذهاننا عن مراحم الله. ولكن قوس قزح يذكرنا في الحال بأن الرب هو الممسك بزمام الأمور. فوراء كل الأحداث التي تمر بنا في حياتنا توجد تحركات قدرة الله فوق الطبيعية. إنه موجود في كل مكان وفي كل شيء، ويعمل من خلال أنشطة الحياة اليومية لكي يحررنا من الخطية ويقودنا إلى تحقيق إرادته.
لأنه لا من المشرق ولا من المغرب ولا من برية الجبال، ولكن الله هو القاضي هذا يضعه وهذا يرفعه (مزمور 6:75).
إعلان عن المسيح: الذي شبهه كمنظر إنسان جالس على العرش (حزقيال 26:1-28). هذا الوصف ينطبق على المسيح قبل التجسد الذي وحده يستحق أن يأخذ المجد والكرامة والقدرة (رؤيا 3:4-11).
أفكار من جهة الصلاة: تشفع في الصلاة من أجل الآخرين (تثنية 26:9).
مرت أربع عشرة سنة منذ أن استولى نبوخذنصر على مدينة الرب وكان كل شيء في أورشليم يسير كالعادة. لذلك لم يقدر الشعب أن يصدقوا حزقيال عندما قال: تقفر المدن وتخرب المرتفعات ... وتخرب مذابحكم وتنكسر وتزول أصنامكم (حزقيال 6:6). فحتى بالنسبة للإسرائيليين الذين في السبي، كان يبدو من غير المتوقع أن يحدث أي شيء يؤدي إلى تدمير مدينة هيكل سليمان.
ولكن حزقيال استمر محذرا الشعب من أن المدينة سوف تقع قريبا تحت حصار الجيوش الكلدانية السيف من خارج، والوبأ والجوع من داخل. الذي هو في الحقل يموت بالسيف، والذي هو في المدينة يأكله الجوع والوبأ (حزقيال 15:7).
وبعد أربعة عشر شهرا من رؤيته الأولى (1:1) يبدو أن النبي كان في بيته محاطا بشيوخ يهوذا فحدث أن يد السيد الرب وقعت عليه هناك (حزقيال 1:8-3) وأتى به الروح بواسطة الرؤى إلى أورشليم.
وكانت الرؤية الثانية في السنة السادسة من سبي الملك يهوياقيم (1:8) وقد رآها قبل خمس سنوات فقط من سقوط أورشليم. فإذا به يرى منظرا فظيعا - تمثال الغيرة (حزقيال 3:8).
وبعد ذلك اتجه النبي في الرؤيا عبر أحد الجدران إلى حجرة سرية ليرى أمورا أفظع (حزقيال 6:8-9). لقد رأى 70 رجلا من شيوخ بيت إسرائيل يقدمون بخورا للأصنام وصور الحيوانات النجسة (10:8-12). والقائد لهؤلاء الشيوخ كان رجلا خائنا للرب، اسمه يازنيا، وقد كان أبوه كاتبا لدى يوشيا آخر الملوك الأتقياء (2 ملوك 3:22).
بعد ذلك أخذ حزقيال إلى البوابة الشمالية للقاعة الخارجية حيث رأى نساء جالسات يبكين على تموز [وهو إله الخصب عند البابليين] (حزقيال 13:8-14). وكان هناك ما هو أفظع من ذلك، فلقد اتجه إلى البوابة الشرقية حيث رأى 25 رجلا في قاعة الكهنة، هم ربما رئيس الكهنة و 24 من الكهنة المساعدين، ساجدون للشمس (حزقيال 15:8-16). لذلك فلا عجب إذا قرأنا أنهم قد ملأوا الأرض ظلما (17:8).
فالرؤية الأولى بينت أن الرب هو الذي كان وراء الحكم بالدمار الآتي. وهذه الرؤية الثانية بينت سبب الدمار الآتي. لاحظ بصفة خاصة أن الثراء قد أصبح بالنسبة للكثيرين صنما، ولكنهم بعد فوات الأوان سوف يلقون فضتهم في الشوارع وذهبهم يكون لنجاسة [أي يتخلصون منه وكأنه شيء نجس]؛ لا تستطيع فضتهم وذهبهم إنقاذهم في يوم غضب الرب ... لأنهما صارا معثرة إثمهم (حزقيال 19:7). ألا ينطبق هذا تماما على جيلنا الذي أصبح تركيزه على الثراء والصحة والجنس.
إن الثروة في حد ذاتها ليست خطية، ولكن سوء استخدامها هو الذي يعتبر خطية. فإن الرب يأتمن الكثيرين على ثروة من أجل خدمة الكلمة ومن أجل تسديد عوز الآخرين. فالثروة ليس المقصود منها أن تُستخدم في تدليل الذات والإنفاق عليها ببذخ أو أن تكدس في شكل أسهم أو سندات أو ممتلكات مادية. إن هذا التحذير غائب عن الكثيرين من المؤمنين اليوم. ففي مجتمعنا يعتبر الثراء فضيلة ولا نجد أحدا يعلم بأنه صنم خطير، بل على العكس فهو دائما مرغوب فيه .إن مفهوم كوننا وكلاء صالحين معناه أن لا شيء مما لدينا هو ملك لنا، وإنما هو فرصة لكي نكنز لنا كنوزا في السماء ... لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا (متى 20:6-21).
وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك (1 تيموثاوس 9:6).
إعلان عن المسيح: من خلال الذبيحة الدموية التي قدمها هابيل (حزقيال 4:4-7). المسيح هو حمل الله. يوحنا 29:1؛ عبرانيين 22:9؛ 4:11. إن أفضل إنجازات الإنسان لا تستطيع أبدا أن تحل محل كفارة المسيح.
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب القيادة والإرشاد (2 صموئيل 1:2).
عندما دخل بنو إسرائيل في البداية إلى أرض كنعان، وفر لهم الرب البركات المادية بكثرة. وطالما أن الشعب كان مطيعا لكلمة الله، فإن الأرض كانت تثمر، والماشية تتكاثر، ولم يقدر أي من الأعداء أن يغزو بلادهم. ولكن هذه البركات انسحبت عندما ابتعد بنو إسرائيل عن كلمة الرب وتحولوا إلى الأوثان - أي إلى الملذات الخاطئة التي تهين الرب.
لذلك ففي تكملة الرؤية الثانية رأى حزقيال سبعة رجال مرسلين: واحد لإنقاذ الأقلية، وستة لإهلاك الأغلبية (حزقيال 2:9-7). وكان الرجل اللابس الكتان يضع علامة على جبهة جميع الذين ظلوا أمناء للرب ولم يحيدوا عن كلمته.
والأمر المهم في عملية وضع هذه العلامات هو أنها تشير إلى المسئولية الفردية. فإن حضور الرب يعمل دائما على تحديد وفداء الذين يتوبون. فإن الرب يبحث دائما عن وسيلة للإنقاذ والمصالحة وليس للإهلاك. إن الرب قد يحاكم الشعوب أو الكنائس، مثلما فعل مع السبع كنائس في أصحاح 2 و 3 من سفر الرؤيا، ولكن الدعوة في كل حالة كانت بخصوص التوبة الفردية. إن الرب يدعو شعبه قائلا: اخرجوا من وسطهم واعتزلوا ... ولا تمسوا نجسا (2 كورنثوس 17:6). وفي زمن حزقيال، كما في زمننا أيضا، انجرفت الأغلبية إلى طريق الشعبية والشهرة، ولكن سيظل هناك دائما أمناء قلائل ينكرون أنفسهم ويحملون صليبهم ويسيرون في الطريق الضيق الذي يؤدي إلى الحياة الأبدية.
في هذه الرؤيا الخاصة بتوقيع الحكم على الأشرار وإنقاذ الأقلية الأمينة، رأى حزقيال تحرك مجد الرب إذ كان يستعد لمغادرة الهيكل (حزقيال 3:9). لقد كان حضور الرب مستقرا قبلا فوق تابوت العهد في قدس الأقداس، فوق كرسي الرحمة مباشرة؛ ولكنه الآن كان يتحرك ببطء - مغادرا قدس الأقداس - إلى عتبة البيت [أي عند مدخل بيت الرب] (حزقيال 3:9).
ويبدو كأن كل حركة كانت مصحوبة بشيء من التردد. فإن الرب كان في الواقع حزينا لمغادرة البيت الذي كان يسكن فيه من قبل (حزقيال 18:10-19). وهكذا رحل الحضور المبارك من المدينة وتوقف مؤقتا على جبل الزيتون قبل أن يغادر البلد (حزقيال 22:11-23). ولكن يبدو أن الإسرائيليين كانوا منهمكين جدا في أنشطتهم الدينية لدرجة أنهم لم يلاحظوا أن الرب قد تركهم.
وأخذ حزقيال يتأمل في قادة أورشليم، سواء الدينيين أو العلمانيين. فلأنهم كانوا "محظوظين" بالبقاء في أورشليم في الوقت الذي فيه تعرض غيرهم للقتل أو للسبي، فلقد جعلهم ذلك يظنون أنهم المختارون، وأنهم سيهنأون بحياة طويلة ومزدهرة في أورشليم. ولكنهم في الواقع كانوا مرفوضين. إن معظمنا قد يظن عن هؤلاء الأشخاص الذين رآهم حزقيال في الهيكل، كما ظنوا هم عن أنفسهم، أنهم المفضلون عند الرب - وأنهم الأشخاص المباركون المدعوون للبقاء في الخدمة. ومع ذلك فإن المحرومين في بابل هم الذين تعلموا من خلال الألم أن يتوبوا عن عبادتهم الوثنية - وأن يكتشفوا أن رجاءهم الوحيد هو في الرب. لقد رحل مجد الرب عن المتكبرين الذين في أورشليم. أما المتواضعون الذين في السبي فلقد أعطاهم الرب وعدا بمستقبل مشرق.
فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه (1 بطرس 6:5).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يعطي روحا جديدة (حزقيال 19:11). هذا الوعد يتحقق للذين يقبلون المسيح مخلصا لهم (غلاطية 4:4-7).
أفكار من جهة الصلاة: تواضع وصل واطلب مشيئة الرب أثناء قراءتك لكلمته (2 أخبار 14:7).
مرة أخرى، جاء رجال من شيوخ إسرائيل (حزقيال 1:14) ليستشيروا حزقيال وكأنهم يطلبون أن يعرفوا مشيئة الرب. ولكن الرب كشف رياءهم قائلا: هؤلاء الرجال قد أصعدوا أصنامهم إلى قلوبهم ووضعوا معثرة إثمهم تلقاء أوجهم، فهل أسأل منهم سؤالا؟ ... هكذا قال السيد الرب: توبوا وارجعوا عن أصنامكم وعن كل رجاساتكم اصرفوا وجوهكم ...لأني أجعل وجهي ضد ذلك الإنسان [أي الذي يعبدني باطلا] (حزقيال 3:14،6-8).
لم يكن هناك شيء مألوف لدى الإسرائيليين مثل الكرمة. ولكي يعطي مثالا عن علاقة الرب بشعبه ، طرح حزقيال هذا السؤال : ماذا يكون عود الكرم [يقصد إسرائيل] فوق كل عود ... هل يؤخذ منه عود لاصطناع عمل ما؟ أو يأخذون منه وتدا ليعلق عليه إناء ما؟ هوذا يطرح أكلا للنار (حزقيال 2:15-4؛ تكوين 22:49؛ تثنية 32:32؛ مزمور 8:80-11؛ إشعياء 1:5-7؛ إرميا 21:2؛ هوشع 1:10). ففيما يختص بصنع الأثاث والبيوت وغيرها من الأدوات النافعة، يعتبر خشب الكرمة عديم القيمة. فلا أحد يستخدم خشب الكرمة ولا حتى لعمل وتد يعلق عليه قبعته، وذلك لأن خشب الكرمة ملتو وكثير العقد وليس له شكل.
كانت الكرمة تشير إلى شعب إسرائيل، الذي اختاره الله ليعطيه كلمته الأبدية - وهو شرف لم يحظ به أي شعب آخر على الأرض سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. فلقد نالوا امتياز توصيل معرفة إرادة الله من جهة البشرية إلى العالم كله، ولكن الكرمة فشلت في الإتيان بثمر فلم يعد هناك أي هدف من بقائها.
تحتاج الكرمة إلى مجهود كبير في فلاحة الأرض وتقليم الأغصان وإعدادها لكي تعطي ثمرا جيدا. فإذا لم تعط ثمرا لا يكون هناك مفر من أن تقتلع وتطرح في النار (حزقيال 7:15).
وقد كان الرب ينتظر طاعة، ولكنه وجد عصيانا. وكان ينتظر حياة روحية، ولكنه وجد عبادة شكلية ورياء. وكان ينتظر إخلاصا وأمانة وعبادة من القلب، ولكنه وجد وثنية ونجاسة. فإن طول أناة الرب لم تجعل بني إسرائيل يحبونه ولم تدفعهم أن يتوبوا عن خطاياهم.
كانت إسرائيل الشمالية قد اقتلعت بالفعل وطرحت في نار الغزو الأشوري. وكان الجزء الأكبر من أرض يهوذا والكثيرين من سكانها قد "احترقوا" بواسطة الغزو البابلي. في هذا التشبيه بالكرمة، يشير حزقيال إلى الدمار الكامل لأورشليم وللهيكل الذي سرعان ما حدث إتماما لكلمة الله في عهد موسى (لاويين 32:26-35،43؛ تثنية 21:29-28).
إن الأهداف التي يسعى إليها الشخص صاحب الذهن العالمي - مثل طلب المتعة، وسباق الثروة، وصراع القوة، والطمع إلى الممتلكات - هذه كلها تنتهي بإضاعة الحياة.
إن ربنا يسوع يتكلم إلى المؤمنين اليوم قائلا: أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام. كل غصن فيّ لا يأتي بثمر ينزعه، وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر ... إن كان أحد لا يثبت فيّ يُطرح خارجا كالغصن، فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق (يوحنا 1:15-6).
لقد خُلقنا نحن أيضا لكي نأتي بثمر، وثمر الروح هو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف (غلاطية 22:5).
إعلان عن المسيح: في العهد الأبدي (حزقيال 60:16-63). يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد (عبرانيين 8:13).
أفكار من جهة الصلاة: عندما تكون في ظروف عصيبة، التجئ إلى الرب بالصوم والصلاة (2 أخبار 2:20-4).
كانت بضعة سنوات قد مرت منذ أن وضح حزقيال في مثل الكرمة كيف أن بني إسرائيل كانوا عديمي النفع كممثلين لله على الأرض. ومع اقتراب دمارهم النهائي، استمر الرب يدعوهم بواسطة مثل آخر لبيت إسرائيل (حزقيال 2:17).
هكذا قال السيد الرب: نسر عظيم [يقصد نبوخذنصر] كبير الجناحين طويل القوادم، واسع المناكب [أي أجنحته كبيرة]، ذو تهاويل [ريشه متعدد الألوان]، جاء إلى لبنان [يقصد أورشليم] وأخذ فرع الأرز [أي قمة شجر الأرز] (حزقيال 3:17). هذه الرؤية تصور اتساع نطاق سلطة نبوخذنصر. فالريش المتعدد الألوان يشير إلى الشعوب العديدة التي أخضعها لسيطرته. وفرع الأرز [أو قمة شجر الأرز] يشير إلى رؤساء العائلة الملكية في يهوذا (12:17). ورأس خراعيبه [أي أعلى جزء في أغصانه الصغيرة] (4:17) هو يهوياكين، الملك الشاب على يهوذا؛ ومدينة التجار (4:17) التي حملهم إليها نبوخذنصر هي بابل. وعبارة " زرع الأرض " مقصود بها صدقيا الذي كان من العائلة الملكية (5:17)،وقد صار كرمة منتشرة قصيرة الساق [أي لا يرقى إلى مستوى داود] (6:17)، فهو يحتاج إلى دعامة ولكنه لا يزال ناميا ومثمرا. ولكن هذه الكرمة [صدقيا] عطفت أصولها [أي أمالت جذورها] نحو نسر آخر [يقصد مصر] (7:17).
كان صدقيا قد حلف باسم الرب بأن يدير مملكة يهوذا بالخضوع لنبوخذنصر (2 أخبار 13:36). ولكن صدقيا لم يكن أمينا، فلم يخلص لا لنبوخذنصر ولا للرب. وقد أنبأ حزقيال بأنه إذا نفذ صدقيا خطته بأن يكون حليفا لمصر فسيصبح مصيره الدمار - مثل الكرمة التي تقتلع من جذورها.
وربما لم يتم التفاوض بين صدقيا ملك إسرائيل وبين فرعون مصر إلا مع بداية السنة التاسعة لملك صدقيا. وكان الهدف من هذه النبوة هو منع إسرائيل من الدخول في مثل هذا التحالف. وكان من الممكن تجنب غزو نبوخذنصر لو أن صدقيا ظل أمينا للعهد الذي صنعه لنبوخذنصر باسم الرب.
كان في إمكان صدقيا أن يظل رئيسا على مقاطعة يهوذا التابعة لبابل وكان من الممكن أن يظل هيكل الرب قائما فقط لو كانت لديه الحكمة والأمانة الكافية للوفاء بالعهد. ولكن تجاهله لتحذيرات النبي أدت به إلى مآسي لا حصر لها - فلقد تعرض لعدة شهور من الجوع والحصار، ثم دمرت المدينة والهيكل، وقتل أولاده، واقتلعت عيناه بطريقة وحشية. وبعد ذلك جروه مقيدا إلى بابل حيث مات في السجن (إرميا 1:52-11).
إن استياء صدقيا من أن يكون خاضعا لنبوخذنصر بحسب قول النبي كان نتيجة لإرادته العنيدة ورفضه للخضوع لملك الكون.
وبنفس الطريقة، فإن العنيد يميل إلى النظر إلى نصيب الآخرين في الحياة فيشعر بالضيق والغيرة من مواهبهم أو مميزاتهم أو ظروفهم. فإذا كان عدم الرضى يدفعنا إلى التخلي عن خضوعنا لإرادة الرب، فإنه لن يلزمنا بالخضوع لإرشاده، ولكن سيكون ذلك لدمارنا.
كونوا مكتفين بما عندكم لأنه قال: لا أهملك ولا أتركك، حتى إننا نقول واثقين: الرب معين لي فلا أخاف ماذا يصنع بي إنسان (عبرانيين 5:13-6).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي غفرانه يمنح الحياة (حزقيال 20:18-22). لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه (2 كورنثوس 21:5).
أفكار من جهة الصلاة: ادع الرب وقدم له التسبيح (مزمور 3:18).
حتى هذا الوقت كان الملك والقادة السياسيون والدينيون في يهوذا قد أبدوا عداء شديدا لرسائل إرميا في أورشليم، وأيضا للإعلانات المعجزية والرؤى التي رآها حزقيال في بابل.
والآن بعد أن كان الأوان قد فات للصلاة، يقول أن أناسا من شيوخ إسرائيل جاءوا ليسألوا الرب فجلسوا أمامي [أي أمام حزقيال في بابل] ... ولكن ردّ الرب عليهم كان هكذا: حي أنا لا أُسأل منكم يقول السيد الرب! (حزقيال 1:20،3). فإن الرب كان قد قال من قبل: اطرحوا كل إنسان منكم أرجاس عينيه ولا تتنجسوا بأصنام مصر، أنا الرب إلهكم. فتمرّدوا عليّ ولم يريدوا أن يسمعوا (7:20-8). بعد ذلك رأى حزقيال رؤية مرعبة عن سيف عملاق وسمع هذه الكلمات: هأنذا عليك ... أنا الرب سللت سيفي من غمده .. قد حدد ليذبح ذبحا (3:21-10).
إن رؤية السيف المسنون قد كشفت لحزقيال قرب وقوع الهلاك إذ عاد نبوخذنصر إلى أورشليم من أجل الانتقام. وبلا شك أن نبوخذنصر كان يتفاخر بالانتصار العظيم الذي حققه في يهوذا، في حين أنه في الواقع كان مجرد خادم لملك الملوك، وكان دون أن يعلم ينفذ قضاء الله على شعبه المتمرد.
وقبل أن يتحرك نبوخذنصر نحو أورشليم بمدة طويلة، أنبأ حزقيال كيف أن نبوخذنصر سيأتي إلى مفترق الطرق: على أمّ الطريق على رأس الطريقين ليعرف عرافة. صقل السهام، سأل بالترافيم [وهي آلهة يحتفظ بها الإنسان في بيته] (20:21-21). فلكي يقرر هل يغزو عاصمة العمونيين أم عاصمة الإٍسرائيليين، صقل السهام . فلقد كتب على أحد السهام "أورشليم" وعلى السهم الآخر "ربة" (وهي عمان حاليا في الأردن)، ثم وضع هذه السهام في إناء، وأخذ يحرك الإناء إلى أن سقط واحد منها مشيرا إلى الاتجاه الذي ينبغي على نبوخذنصر أن يسلكه.
ولم يكن نبوخذنصر يعرف أن الذي جعل سهم أورشليم يسقط هو الرب وليس آلهته الكاذبة.
وكما أن بيلاطس لم يكن له سلطان على الرب يسوع إلا في حدود ما أُعطي له من فوق (يوحنا 11:19)، كذلك فإن أعظم السلطات والحكومات لا تستطيع أن تفعل شيئا إلا بتصريح واضح من الخالق العظيم. فإن الله هو القاضي، هذا يضعه وهذا يرفعه (مزمور 7:75).
وهكذا كانت التوجيهات لنبوخذنصر صادرة من الإله الحي، فإن القرعة تلقى في الحضن ومن الرب كل حكمها (أمثال 33:16). ولم يمض وقت طويل حتى كان الملك صدقيا والشعب قد ألقي القبض عليهم في أورشليم، وتم تخريب الهيكل إتماما للنبوة: منقلبا منقلبا منقلبا أجعله؛ هذا أيضا لا يكون حتى يأتي الذي له الحكم فأعطيه إياه [أي لن تقوم له قائمة إلى أن يأتي الشخص الذي له الحق في الملك والقضاء بالبر] (حزقيال 27:21).
وعلى الرغم من رجوع الإسرائيليين المؤمنين إلى أورشليم بعد 70 سنة من السبي، إلا أنه لم يجلس أي ملك آخر لإسرائيل على عرش داود. وكان زربابل هو الوريث الشرعي لعرش داود إلا أنه لم يصبح ملكا أبدا. وفي زمن يسوع كان هيرودس ملكا على إسرائيل، ولكنه كان أدوميا وكان يحكم لصالح روما.
أما الذي له الحكم - ابن الله - فيقول عنه: كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك (عبرانيين 8:1).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي سيجمع شعبه من كل الأمم ويعزل المزيف من الحقيقي (حزقيال 34:20-38؛ أيضا متى 12:3؛ 32:25).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يعلن لك مشيئته الكاملة من نحوك (مزمور 4:25).
في نفس اليوم الذي أعلن فيه الرب لحزقيال أن زوجته المحبوبة ستموت: هأنذا آخذ عنك شهوة عينيك ، في نفس هذا اليوم يقول حزقيال: كلمت الشعب صباحا (حزقيال 16:24،18). فإنه لم يقض اليوم بجوار زوجته المحبوبة وهي تحتضر، وإنما كان يوجه دعوة أخيرة للقلوب المتحجرة المسئولة عن موت مملكة الرب. وكانت رسالة حزقيال في ذلك اليوم متضمنة في مثل الزانيتين أهولة وأهوليبة، اللتين ترمزان إلى عاصمتي المملكة الشمالية والجنوبية، السامرة وأورشليم (أصحاح 23). فلم يكن حزقيال منعدم الإحساس من جهة زوجته المتألمة ولا من جهة أحزانه هو الشخصية، ولكنه كان ينبغي أن يضع أحزانه جانبا أمام الحزن الأكبر الذي كان في قلب يهوه لموت شعبه ودمار هيكله - الذي هو المكان الوحيد على الأرض المخصص لسكناه.
وكان حزقيال قد تلقى من الرب أمرا بأن يمتنع بعد موت زوجته عن كل علامات الحداد التقليدية: مثل البكاء، وتغطية الرأس بالرماد، والسير بقدمين حافيتين، وتغطية الشارب، ورفض تناول الطعام الذي يحضره الأصدقاء عادة لعائلة المتوفي (إشعياء 3:15؛ 2 صموئيل 30:15-32؛ إشعياء 2:20؛ لاويين 45:13؛ يوئيل 8:1،13؛ ميخا 7:3).
ولا بد أن أخبار رد فعله غير المعتاد تجاه موت زوجته قد انتشرت بسرعة بين المسبيين في تل أبيب، إذ التف الشعب حول حزقيال ليسألوه: ألا تخبرنا ما لنا وهذه التي أنت صانعها؟ (حزقيال 19:24). حينئذ جاءت الإجابة المحزنة من الرب: هأنذا منجس مقدسي ... وأبناؤكم وبناتكم الذين خلفتم يسقطون بالسيف ... ويكون حزقيال لكم آية: مثل كل ما صنع تصنعون. إذا جاء هذا تعلمون أني أنا السيد الرب (21:24-24).
فإنهم فقط بعد حدوث ذلك كانوا سيختبرون شعورا عميقا بالذنب، وسيتأكدون أن هذه الكارثة المريعة هي نتيجة لخطاياهم. وبعد عدة شهور، جاء رسول من أورشليم كان قد هرب من الهلاك وأخبر عن دمارها (21:33). وفي هذه اللحظة فقط تأكد الشعب أن الأنبياء الذين تنبأوا لهم بالرخاء وبقرب الرجوع إلى أورشليم كانوا أنبياء كذبة. فإن قبول الإٍسرائيليين للآلهة الكاذبة وعدم مبالاتهم بخطاياهم الشخصية قد جلبت عليهم قتل أولادهم وبناتهم - تماما مثلما تنبأ إرميا في أورشليم وحزقيال في أرض الكلدانيين.
ومرة أخرى نرى حقيقة أن الاستمرار في الخطية يؤدي إلى فقدان الحكم الصائب. فكم من مرة رأينا ذوي الأذهان الدنيوية ينوحون على خسائر مادية سطحية ليس لها أي تأثير على أمانهم الأبدي، وفي نفس الوقت لا يهتمون بالنفوس التي تذهب إلى جهنم ولا بالمسيحيين الذين يضيعون حياتهم. إن الأشخاص ذوي الأذهان الدنيوية يفتخرون جدا ويفرحون بالمكاسب المادية والدنيوية ولكنهم لا يعرفون شيئا عن استجابة الصلاة والانتصارات الروحية.
إن الخطية، بنتائجها الأبدية، تفوق بكثير جميع المآسي الأخرى، حتى أن حزننا الرئيسي يجب أن يكون على خطايانا وخطايا أصدقائنا وأحبائنا وعلى العالم الهالك. فلتنكسر قلوبنا للأشياء التي تكسر قلب الرب، مثلما كان قلب مخلصنا الذي عرف بأنه رجل أوجاع ومختبر الحزن (إشعياء 3:53).
إعلان عن المسيح: في توجيه الاتهام إلى الأنبياء الكذبة في إسرائيل (حزقيال 25:22-28). قارن هذه الاتهامات بتلك التي نطق بها المسيح ضد الكتبة والفريسيين (متى 13:23-36).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يغفر خطاياك (مزمور 11:25).
كانت الأحكام النبوية على عمون وموآب وأدوم وفلسطين قصيرة نسبيا. ولكن النبوة عن دينونة صور غطت أكثر من ثلاثة أصحاحات (حزقيال 1:26 - 19:28). فبالإضافة إلى بابل ومصر، كانت صور في ذلك الوقت قوة عالمية.
النبوة المفصلة عن خراب صور لا تترك مجالا للشك في أن الله وحده الذي يسيطر على كل صغيرة وكبيرة على الأرض هو الذي يقدر أن يقول هذا: فيخربون أسوار صور، ويهدمون أبراجها، وأسحي ترابها عنها، وأصيرها ضح الصخر [أي أكشط ترابها عنها وأجعلها جرداء مثل قمة الصخر]. فتصير مبسطا للشباك في وسط البحر لأني أنا تكلمت يقول السيد الرب [أي أن جزيرة صور التي في وسط البحر ستصبح مكانا يبسطون فيه شباكهم] (4:26-5).
وقد فرض نبوخذنصر حصاره على صور لمدة 13 سنة ودمر المدينة تماما التي كانت في البر الرئيسي. وبعد أكثر من قرنين، حاصر أيضا الإسكندر الأكبر مدينة العاصمة صور، والتي كانت قد بنيت فوق جزيرة تبعد حوالي نصف ميل من البر الرئيسي. وحيث أن الإسكندر الأكبر لم يكن لديه أسطول، فلقد استخدمت جيوشه الحجارة والأعمدة والأنقاض المتبقية من هدم المدينة القديمة لبناء طريق عرضه 200 قدم للوصول إلى الجزيرة (12:26). وبعد الغزو الكلداني تحت قيادة نبوخذنصر، لم تحصل صور على الاستقلال مرة أخرى ولم تعد أبدا قوة عالمية. وهكذا تحققت نبوة حزقيال: فلا توجدين بعد إلى الأبد (21:26).
كانت صور واحدة من أغنى المدن في العالم. ولم تكن ثروتها مكتسبة من الحروب، كما هو الحال مع بابل، وإنما من التجارة بين دول العالم. وقد كان أسطولها واحدا من أكبر الأساطيل بين كل الأمم، وكان يربط بين الشرق والغرب.
وكانت مدينة صور، ملكة البحار المتكبرة، مدينة شريرة وقد حكم عليها الرب بالذل والدمار الكامل، ليس فقط بسبب وثنيتها الرجسة، ولكن على الأخص بسبب حقدها على مدينة يهوه المختارة. فلقد توقعت المدينة الفينيقية أن تستولي على كل ما كانت أورشليم مزمعة أن تفقده: أمتلئ إذ خربت (2:26). فلقد كانت صور مبتهجة لخراب أورشليم لأن ذلك سيقلل المنافسة فتزداد شهرتها. قالت صور: أمتلئ ؛ ولكن الرب قال: أصيرك كضح الصخر (14:26).
إن الحكمة والقدرة البشرية تتيح عادة للشخص أن يجمع ثروات كبيرة. وهذا يؤدي عادة للكبرياء الذي يجلب دائما غضب الله. فحتى إذا كان يبدو أن الاستقرار المادي، والقوة الاقتصادية، والتحالف السياسي،والموقع الجغرافي، هي أشياء توفر الأمان، إلا أنه لا يمكن للخاطئ أن يأمن من غضب الله.
لعل هذا يكون تحذيرا للتاجر الذي يبتهج عندما يفلس منافسوه، أو "للمسيحي" الذي يشعر بالغيرة تجاه أشخاص آخرين في الكنيسة أو في السوق ممن يعتبرهم منافسين له: وأعمال الجسد ظاهرة: التي هي زنى، عهارة، نجاسة، دعارة، عبادة الأوثان، سحر، عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزب، شقاق ... حسد، قتل، سكر، بطر وأمثال هذه، التي أسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضا إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله (غلاطية 19:5-21).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي سوف يجري القضاء على الشيطان (حزقيال 14:28-17؛ أيضا رؤيا 20).
أفكار من جهة الصلاة: صل إلى الرب وسوف يحررك من مخاوفك (مزمور 4:34).
كانت صور أكبر وأشهر من بلاد عمون وموآب، ولكنها كانت صغيرة بالمقارنة مع مصر التي كانت في ذلك الحين القوة الثانية في العالم. ويخصص سفر حزقيال أربعة أصحاحات لمصر.
جاءت النبوة عن مصر لحزقيال بعد حوالي سنة من بدء الحصار على أورشليم. وقد تنبأ عن هلاك فرعون كفرد، ومصر كأمة: يا ابن آدم، اجعل وجهك نحو فرعون ملك مصر وتنبأ عليه وعلى مصر كلها (حزقيال 2:29).
وفي نهاية السنة الـ 12 للسبي الإسرائيلي، تنبأ حزقيال عن سقوط مصر بسيف ملك بابل. وقال الرب الكلي القدرة والسيادة: حين أجعل أرض مصر خرابا ... يعلمون أني أنا الرب [أي أني أنا الحاكم القدير الذي يستحق الولاء والطاعة] (حزقيال 11:32،15). كان هذا بعد بضعة أسابيع من وصول الأخبار إلى المسبيين في تل أبيب بأن البابليين قد دمروا أورشليم. ولابد أنهم شعروا بخيبة أمل شديدة عند سماعهم عن دمار مصر،حيث أنهم كانوا يعتمدون بشدة على العون المصري. ومع ذلك فلقد أكدت الأنباء الدقة المطلقة لجميع تفاصيل نبوة حزقيال.
فإن مصر، أرض العظمة والأسرار القديمة، لم يعد لها وجود كإحدى القوى العظمى في العالم، ولكنها لم تصبح مهجورة تماما مثل صور، ولم تخرب تماما مثل بابل. فبعد تشتتهم، قيل عن المصريين أنهم سيرجعون إلى أرض فتروس، إلى أرض ميلادهم، ويكونون هناك مملكة حقيرة. تكون أحقر الممالك فلا ترتفع بعد على الأمم، وأقللهم لكي لا يتسلطوا على الأمم (حزقيال 13:29-15). لقد استخدم الرب سلطانه وقدرته على الأمم بأن دمر أوثانهم الدنيئة. فإن الحكومات لا تسود إلا بقدر ما يسمح لها الرب. فلم تعد مصر إحدى القوى العظمى في العالم من بعد زمن نبوخذنصر، وهكذا ظلت على مر العصور.
في زمن سفر الخروج، اضطر المصريون أن يعترفوا بأنه يوجد إله واحد حقيقي فوق جميع الآلهة. وكان ينبغي أن يتعلم المصريون من ذلك، وكذلك الإسرائيليون، أن ينبذوا أصنامهم ويعبدوا الرب.
إن الغرض من كل القضاء الواقع على إسرائيل، ويهوذا، وصور، وصيدون، ومصر، والشعوب الأخرى، هو أن يعلموا أني أنا الرب . وهذه العبارة تأتي 60 مرة في هذا السفر وحده.
فلا يوجد شيء اسمه صدفة أو حظ في التاريخ - سواء بالنسبة للدول أو بالنسبة للأفراد. كان الإسرائيليون في السبي في أمسّ الحاجة لأن يعرفوا أن الله متحكم في التاريخ، وهو يوجه شئون جميع الدول وجميع الأفراد (رؤيا 2:21-3).
وتعتمد النبوات في بقية السفر على اليقين بأن الله سيرد شعبه في وقته وسيأتي بهم مع ملك الملوك إلى بيت مجيد أبدي.
من يغلب يرث كل شيء، وأكون له إلها وهو يكون لي ابنا (رؤيا 7:21).
إعلان عن المسيح: من خلال الأنبياء الذين تكلموا بكلمة الرب (حزقيال 1:29). الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما ...كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه (عبرانيين 1:1-2).
أفكار من جهة الصلاة: قدم للرب السجود والعبادة بخوف مقدس ولن يعوزك شيء (مزمور 9:34).
ظل الإٍسرائيليون - الذين بقوا في أورشليم، وكذلك الذين أخذهم البابليون سبايا - ينكرون نبوات حزقيال. فلقد تجاهلوا تماما تحذيراته بأن يرجعوا عن وثنيتهم وعن طرقهم الخاطئة ويعودوا إلى عبادة الرب وإلا سيواجههم الدمار. ولكنهم أصروا أنهم لكونهم نسل إبراهيم: لنا أعطيت الأرض ميراثا (حزقيال 24:33). وقد ظلوا حتى جاء اليوم الذي دمرت فيه أورشليم، يعتقدون تماما بأنهم في أمان وأن مدينة الرب لن تؤخذ منهم. ولكنهم بعد فوات الأوان سمعوا : هكذا قال السيد الرب ... ترفعون أعينكم إلى أصنامكم وتسفكون الدم، أفترثون الأرض؟ ... فعلتم الرجس وكل منكم نجس امرأة صاحبه، أفترثون الأرض؟ ... فيعلمون أني أنا الرب حين أجعل الأرض خربة مقفرة على كل رجاساتهم التي فعلوها (حزقيال 25:33-29).
لقد دمرت أورشليم والهيكل تماما مثلما أنبأ حزقيال: في السنة الثانية عشرة من سبينا ... جاء إلىّ [أي إلى حزقيال] منفلت من أورشليم، فقال: قد ضربت المدينة (حزقيال 21:33؛ إرميا 2:39؛ 6:52-7). وهكذا تأكدت الأخبار المفزعة عن دمار أورشليم، تماما مثلما أعلن للنبي يوم وفاة زوجته (حزقيال 16:24،26). ولكن أغلبية اليهود في بابل اعترضوا قائلين بأن الموت المأسوي لليهود في أورشليم ودمار أمتهم يتعارض مع وعود الله.
فلقد اتهموا الله بالظلم قائلين: ليست طريق الرب مستوية . ولكن الرب أجابهم قائلا: عند رجوع البار عن بره وعند عمله إثما فإنه يموت به (حزقيال 17:33-18). وعلى عكس ذلك: إن رد الشرير الرهن، وعوّض عن المغتصب، وسلك في فرائض الحياة بلا عمل إثم، فإنه حياة يحيا، لا يموت. كل خطيته التي أخطأ بها لا تُذكر عليه ... فيحيا حياة (حزقيال 15:33-16).
ولكن رسالة القداسة التي تكلم بها حزقيال لم تلق قبولا لدى الذين قلوبهم على أصنامهم. كذلك فإن حياة التقوى لا تلق قبولا لدى الناس اليوم. ولا تزال دينونة الله معلنة على الذين "يتمتعون" بشهوات الجسد. هؤلاء يخدعون أنفسهم تماما مثل الإٍسرائيليين الذين لم يدركوا أن "آلهتهم الكاذبة" ستقودهم لا محالة إلى الهلاك الأبدي (يعقوب 15:1؛ 1 يوحنا 15:2-17).
ومثلما فعل الإسرائيليون، فإن الكثيرين يفضلون التمسك بوعود معينة من الله تشبع رغباتهم ويرفضون الأقوال الكتابية التي لا تروق لهم. بهذا نعرف أننا قد عرفناه [أي أصبحنا نعرفه معرفة شخصية وصرنا مقربين إليه] ، إن حفظنا وصاياه [أي إن عملنا بحسب تعاليمه ومفاهيمه ووصاياه] . من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه. وأما من حفظ كلمته [أي يعتز بكل كلمة من كلامه] فحقا في هذا قد تكملت محبة الله (1 يوحنا 3:2-5).
إعلان عن المسيح: بصفته الراعي (حزقيال 23:34). قال يسوع: أما أنا فإني الراعي الصالح؛ وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني (يوحنا 14:10).
أفكار من جهة الصلاة: ابحث عن الفرح في الرب؛ فسيعطيك سؤل قلبك (مزمور 4:37).
لقد تلاشى كل رجاء في الدولة اليهودية. فالهيكل قد أصبح دمارا، وأورشليم صارت مهجورة، واليهود القلائل الذين ظلوا أحياء كانوا قد تشتتوا في كل أنحاء بابل، وأجبروا على العيش مع غيرهم من المسبيين من شتى الأمم الوثنية. ولكنهم لم يعاملوا كعبيد بل كسكان مستعمرات؛ وهكذا فإن العديد منهم جمعوا ثروات طائلة. وسرعان ما اتحد معظم اليهود - في اللغة والعادات والاهتمامات - مع الأمم الذين كانوا يعانون نفس المصير مثلهم. فتبددت الصفة القومية لليهود وزالت تماما.
وقد سمع حزقيال صرخة البائسين: هلك رجاؤنا، قد انقطعنا (حزقيال 11:37). كان الإسرائيليون قد وصلوا إلى نهاية أنفسهم؛ فلم تكن قوتهم متكافئة مع قوة نبوخذنصر ولم تكن مصر موجودة لكي يلجأوا إليها. ولكن الرب كان له قصد مليء بالمراحم تجاه إسرائيل في رد المملكة، وتحقيق وعوده لإبراهيم وداود.
في هذا الوقت بالتحديد تلقى حزقيال رؤية جديدة: كانت علىّ يد الرب، فأخرجني بروح الرب وأنزلني في وسط البقعة [أي في وسط أحد الوديان] وهي ملآنة عظاما (حزقيال 1:37-3،9؛ قارن مع 11:39). وقد كانت العظام قد ابيضت من شدة الجفاف، أي أنها هنا منذ فترة. وسمع حزقيال هذا السؤال: يا ابن آدم، أتحيا هذه العظام؟ لقد كان الموت في أكمل صوره. ولكن الله وحده يقدر أن يجعل هذه المعجزة تحدث.
وقد أعلن حزقيال ببساطة ما الذي سيفعله الرب: هكذا قال السيد الرب ... هأنذا أدخل فيكم روحا فتحيون، وأضع عليكم عصبا، وأكسيكم لحما، وأبسط عليكم جلدا (حزقيال 5:37-6). فلقد كانت إسرائيل في حالة موت، ولم يكن لديها أي رجاء في أن تحيا، ولكنها لم تُدفن. وبحسب النبوة فلقد حدث صوت وإذا رعش فتقاربت العظام كل عظم إلى عظمه (7:37). كانت العظام تمثل بيت إسرائيل، والرب من خلال حزقيال كان يطمئن بني إسرائيل قائلا: هأنذا أفتح قبوركم ... وآتي بكم إلى أرض إسرائيل ... وأجعل روحي فيكم فتحيون، وأجعلكم في أرضكم (12:37،14). كان هذا إعلانا عن رجاء جديد بأن إسرائيل ستقوم مرة أخرى من الموت.
وهكذا أصبحت العظام المشتتة، هياكل عظمية كاملة، ثم أجساداً كاملة، ولكنها لا تزال بلا حياة. ثم تنبأ حزقيال كما أمره الرب، فدخل فيهم روح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدا جدا (حزقيال 10:37).
كل هذه الأمور لها تطبيقها الروحي علينا اليوم. فالجنس البشري كله موجود في وادي الموت - أمواتا بالذنوب والخطايا (أفسس 1:2). ووادي الموت هو وصف للحالة الأخلاقية والروحية لطبيعتنا البشرية الخاطئة بالانفصال عن قوة الروح القدس المحيية والمغيرة. ولكن الولادة الجديدة تكون متاحة عندما نتوب عن خطايانا ونخضع إرادتنا للروح القدس، ونوجه قلوبنا إلى ما يرضيه.
ونحن أيضا يجب أن نصل إلى المكان الذي فيه نرى انعدام الرجاء في برنا الذاتي وفي كل المجهودات التي نبذلها من أجل تحسين حالتنا لكي نستحق السماء. فيجب أن نتيقن تماما أنه لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس (تيطس 5:3).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي جعل القيامة من القبر ممكنة (حزقيال 12:37؛ أيضا يوحنا 25:11؛ 1 تسالونيكي 16:4).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب الإرشاد اليومي (مزمور 14:48).
مع مرور 14 سنة على تدمير هيكل سليمان، تلقى حزقيال رؤية عن هيكل آخر أعظم وأروع بكثير جدا من كل ما بُني على الأرض (حزقيال 1:40).
وقبل ذلك بسنوات قليلة، كان حزقيال قد رأى رؤية عن عظام يابسة، والغرض من هذه الرؤية هو أن يؤكد للمسبيين أن الرب سيعود إلى أمتهم. فلقد كانت تأكيدا عن إشراق يوم أفضل لإسرائيل فيه ستعود للحياة وستثبت في أرض الموعد وفي وسطها هيكل الرب. وقد وعدت أيضا الرؤية بالطرح النهائي لكل القوات المعادية الممثلة في جوج وماجوج (حزقيال 38-39).
والهيكل الجديد الذي رآه حزقيال سيكون أسمى بكثير من الهيكل الذي بناه سليمان، والهيكل الذي بنته البقية الراجعة من السبي، وكذلك الهيكل الذي أعاد بناءه هيرودس بعد وقت طويل في أورشليم. ومنذ سنة 70 م لا يوجد هيكل يهودي.
ولا توجد تعليمات في حزقيال بشأن طريقة بناء الهيكل، مثل التعليمات التي أُعطيت لموسى بأن يكون حسب النموذج الذي أراه الرب له (خروج 9:25). وعلى الرغم من أن مقاسات الأرض مسجلة، إلا أنه لا توجد أي إشارة سواء للمبنى أو للمواد أو للتصميم المعماري.
ولا يوجد ما يدل على أن حزقيال كان يتوقع فعلا تحقيق رؤية الهيكل سواء بواسطة المسبيين الراجعين أو أي شخص آخر في المستقبل، فإنه لا توجد أي إشارة لذلك في قيادة زربابل، أو في رسائل النبيين حجي وزكريا (عزرا 1:5-2)، أو عزرا أو نحميا، أو أي من كتبة الوحي الملهمين بعدهم.
وإذا حاول أي شخص أن يتبع توجيهات هذه الرؤية لبناء الهيكل فسيجد العديد من المشاكل.
وأخطر هذه المشاكل هي إعادة تنظيم العبادة الطقسية القديمة بما فيها من مذبح وكهنة يقدمون الذبائح عن خطايا الشعب. فهذه كلها كان مقصود منها أن تكون ظل الخيرات العتيدة [أي رموز للأشياء الحسنة التي ستحدث فيما بعد] (عبرانيين 1:10؛ اقرأ عبرانيين أصحاح 5 إلى 10؛ قارن مع يوحنا 21:4-24؛ غلاطية 23:3،25؛ كولوسي 17:2)، وكان مقررا لها أن تنتهي إلى الأبد بولادة المسيح، وموته، وقيامته، وصعوده. فكيف يمكن لليهودي الذي قبل يسوع المسيح مخلصا شخصيا له أن يعود إلى العناصر الضعيفة في اليهودية؟ كيف يقيم عبادة لله بواسطة ذبائح دموية، ومذبح، وكهنة، في وجود الرب يسوع المسيح المخلص الوحيد والوسيط الوحيد؟ ويبدو أن النبي أراد أن تؤخذ كلماته بطريقة رمزية، كما في مثل وادي العظام اليابسة. وفي الوقت المناسب، سوف ندرك أن الله وحده يقدر وسوف يتمم جميع تفاصيل هذه الرؤية المجيدة.
فاليهودي المعدم الذي فقد كل شيء يحتاج إلى اليقين بأن المسيا سوف يرد كل شيء - كما أنبأ إشعياء - عندما يملك على الأرض. والطريقة الوحيدة التي يمكن بها تقديم هذا الحق بطريقة مفهومة هو أن يشبهه بعبادة العهد القديم - التي ترمز كلها للمسيح، المسيا الآتي. فهي إذن لغة تصويرية للتعبير عن البركات الروحية في زمن مستقبلي.
إن الفيضان العجيب للمياه النابعة من عند باب البيت (حزقيال 1:47) يرمز إلى المسيح الذي هو الباب (يوحنا 9:10). والمياه الحية هي صورة للمسيح الذي قال: من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية (يوحنا 14:4).
إعلان عن المسيح: في دقة بناء الهيكل (حزقيال 40). فكما أن الرب قد اعتنى جدا بإعطاء أدق التفاصيل عن الهيكل، كذلك فهو قد أعطى الإرشادات لشعبه - الذين هم هيكل الله (1 كورنثوس 19:6-20؛ 2 كورنثوس 16:6-17).
أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب؛ فإن إلهنا هو إله الآلهة (مزمور 1:50).
كان حزقيال قد شاهد في رؤيا رحيل مجد الرب من هيكل أورشليم القديم والذي أصبح الآن دمارا (حزقيال 10). والسبب في رحيل الحضور الإلهي كان واضحا جليا؛ فإن قلوب الناس كانت مشتتة بين عبادة الأصنام وعبادة الرب. وقد حدث هذا الرحيل في السنة السادسة من ذهاب حزقيال إلى السبي (حزقيال 1:8) وقد أصبحت الآن السنة الـ 25 (حزقيال 1:40). فإذا به يرى مرة أخرى مجد إله إسرائيل جاء من طريق الشرق وصوته كصوت مياه كثيرة، والأرض أضاءت من مجده ... فجاء مجد الرب إلى البيت من طريق الباب المتجه نحو الشرق. فحملني روح وأتى بي إلى الدار الداخلية وإذا بمجد الرب قد ملأ البيت (حزقيال 2:43،4-5). إن رب المجد كان داخلا إلى هيكله الجديد من نفس الباب الذي خرج منه قبلا من الهيكل القديم (قارن حزقيال 19:10 و 22:11-23).
كان الباب الشرقي يؤدي مباشرة إلى مدخل الهيكل. وفي المرة الأولى، غادر الحضور الإلهي الهيكل لأنه كان قد تنجس بالعبادة الوثنية. ولكن في هذه المرة كانت النجاسة قد استبعدت. وكان الرب قد أعلن قائلا: أسكن في وسط بني إسرائيل إلى الأبد، ولا ينجس بعد بيت إسرائيل اسمي القدوس، لا هم ولا ملوكهم بزناهم (حزقيال 7:43). فإن التركيز هنا هو على أهمية القداسة.
إن الكثيرين يستهزئون بحياة القداسة ويصورونها أنها تدل على الجمود والتقيد الحرفي. ولكن العبادة الحقيقية هي أكثر من مجرد "تصديق سهل" مثلما أصبح شائعا في "المسيحية" الغربية المعاصرة. فإننا على عكس ذلك تماما، نجد قول يسوع: لماذا تدعونني يا رب يا رب، وأنتم لا تفعلون ما أقوله؟ (لوقا 46:6). كذلك فإن الرسول بولس يطالبنا باتباع القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب (عبرانيين 14:12).
فنحن مطالبون بأن نكون نور العالم ... فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات (متى 14:5،16) وبذلك يسطع مجد الرب. إن لمعان مجد الرب في حياتنا يتناسب مع الحرية التي نعطيها للروح القدس لكي يشع من خلالنا. فإن صورته فينا يجب أن تكون مرئية للرجال والنساء الذين لديهم جوع إلى الحقيقة.
إن العالم الدنيوي ينخدع بالوفرة والثروة والقدرة والنفوذ والذكاء والإنجازات المادية. ولكن هذه كلها معا لا تعطي شبعا. وإنما المفتاح إلى الشبع الحقيقي هو هذا: المسيح فيكم رجاء المجد [أي الأمل في تحقيق المجد] (كولوسي 27:1).
وعندما سيأتي الملك ليملك في هيكله المجيد الذي رآه حزقيال، سيمتلئ الهيكل من مجد الرب (حزقيال 2:43،4-5). ولكن الذين يستمرون في عمل الخطية لن يكون لهم مكان، كما قال لبني إسرائيل: فليبعدوا عني الآن زناهم ... فأسكن في وسطهم إلى الأبد (حزقيال 9:43). هذا يقابل ما قاله بولس في رسالته إلى المؤمنين في كورنثوس: أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم؟ إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله؛ لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو (1 كورنثوس 16:3-17).
إعلان عن المسيح: بصفته مجد الرب (حزقيال 4:43). يسوع المسيح هو بهاء مجد الله (عبرانيين 3:1).
أفكار من جهة الصلاة: ثق في الرب أنه ينقذك في وقت الضيق (مزمور 15:50).
الجزء الأول من الرؤية الختامية لحزقيال يصف الهيكل أو البيت (حزقيال أصحاح 40-43)، والجزء الثاني يصف العبادة فيه (أصحاح 44-46)، والجزء الثالث يتكلم عن الأرض أو الميراث (حزقيال 1:47-12)، وبعد ذلك يتكلم إلى البلاد المحيطة (13:47-21). وعقب هذه الرؤية قسمت الأرض بين الأسباط، بما في ذلك نصيب الكهنة واللاويين، والهيكل، والرئيس، والمدينة (1:48-35).
وأوصاف الأرض والمدينة تختلف تماما سواء عن إسرائيل وأورشليم القديمة أو الحديثة. فهذا ليس وصفا لاسترداد وضع إسرائيل القديمة، وإنما هي رؤية تتطلع إلى المستقبل المجيد الذي أعده الرب للذين يحبونه.
وبالطبع فإن الرؤية تحتفظ بالعديد من صفات الدولة التاريخية. ثم تتدرج من المألوف إلى غير المألوف، فتقدم صورة أرض الموعد الجديدة في فترة الملك الألفي لربنا يسوع ببعض المصطلحات التي تشير إلى المدينة القديمة، وببعض آخر من المصطلحات التي تختلف اختلافا جوهريا.
وانقاد حزقيال بواسطة مرشده إلى مدخل الهيكل حيث كان نبع صغير من المياه الشافية يخرج من تحت عتبة الهيكل (حزقيال 1:47). وكان يبدو أن المياه تسير تحت الأرض وتعود للظهور من تحت الباب الشرقي (2:47) في شكل مجرى صغير؛ ولكنه سرعان ما ازداد بطريقة معجزية في العمق وأيضا في الاتساع.
وسارت المياه لمسافة ألف ذراع - أي حوالي ثلث ميل. وطلب المرشد من النبي أن يعبر فيها، فكان عمق المياه إلى الكعبين (حزقيال 3:47). وبعد مسافة ألف ذراع ثانية وثالثة، تكررت نفس العملية. فكانت المياه إلى الركبتين ، ثم إلى الحقوين (4:47). وبعد مسافة ألف ذراع رابعة (5:47)، كانت المياه قد ارتفعت جدا وأصبحت نهرا لا يعبر . لقد كان هذا النهر يزداد فجأة عمقا واتساعا بطريقة معجزية بدون أن تصب فيه أي روافد. وهذا يشير إلى شيء يفوق بكثير الجغرافيا الطبيعية لأورشليم.
وهنا نرى ليس فقط النمو في الاختبار الروحي والذي يرمز إليه عمق النهر، وإنما أيضا قوته. فلقد كانت لديه القدرة على الشفاء (ع 8)، وإعطاء الحياة (ع 9)، والإتيان بالثمر والنضرة الدائمة (ع 12). هذه صورة لما يعمله الروح القدس في حياة الذين يخضعون أنفسهم له. فإن الرب هو نهر الحياة الصافي لأولاده الذين فداهم. هذه الحياة تبدأ بمجرى صغير نابع من المسيح الذي هو النبع الرئيسي، ويستمر هذا المجرى يزداد في العمق والقيمة إذ نستمر سالكين في الروح في ضوء كلمة الرب (يوحنا 37:7-38؛ رؤيا 17:22).
هذه الرؤية هي صورة لما أعده أبونا المحب لنا نحن شعبه، أكثر جدا مما نطلب أو نفتكر (أفسس 20:3). فالمسيح هو نبع الماء الحي. وهو بنعمته العجيبة يجعل الفيض يظهر حيث كان قبلا خواء. وهو يمدنا بكل ما نحتاجه في الحياة، كما هو واضح في رؤيا 22. فسوف نتمتع بالثمر الوفير بفضل نهر الحياة هذا.
إن الرب هو مصدر كل البركات الروحية، ولعل أفضل تشبيه للتعبير عن ذلك هو النهر الذي ينبع من هيكل الله ذاته ويفيض عبر الأرض الجرداء، فيجعلها مثمرة بطريقة معجزية. إن هذا هو نفس التشبيه الذي قدمه الرب عندما وقف في اليوم الأخير من العيد ونادى قائلا: إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب! من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي (يوحنا 37:7-38).
إعلان عن المسيح: من خلال نهر الماء الحي، ومن خلال اسم المدينة "يهوه شمة" أي "الرب هناك" (حزقيال 1:47-12؛ 35:48؛ أيضا رؤيا 21-22).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يساعدك على قبول التأديب والتعليم حتى تزداد حكمة وتمييزا (أمثال 2:1-5).