مقدمة لسفر أعمال الرسل
كاتب سفر أعمال الرسل هو لوقا، وهو من أصل أممي، وقد كتبه إلى رجل أممي آخر اسمه ثاوفيلس، ويعتبر هذا السفر تكملة لإنجيل لوقا. وهو يسجل بعض أعمال الروح القدس التي عملها من خلال بعض الرسل ومن خلال الكنيسة على مدى حوالي 30 سنة منذ صعود المسيح وحتى سجن بولس في روما.
وابتداء من العدد الأول وحتى نهاية السفر يتكلم الكاتب عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به (أعمال 1:1). فهو يبدأ بظهوراته بعد قيامته على مدى 40 يوما، ثم صعوده إلى السماء. ويصف الأحداث التي قادت إلى وجود نحو مئة وعشرين معا (أعمال 15:1) وامتلائهم بالروح القدس في يوم الخمسين الذي يعتبر إتمام لنبوة يوئيل 28:2-32. ويسجل سفر الأعمال استمرار أعمال الرب، ليس على الأرض في شكل جسدي ولكن في الروح ساكنا داخل المؤمنين به إذ أصبحوا شهودا له أمام جميع الشعوب (أعمال 8:1). إنه هو الذي سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه (أعمال 33:2). وفي نهاية الأصحاح الثاني، كان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون (أعمال 47:2).
وخلال الثلاثين سنة الأولى للكنيسة كما هي مسجلة في سفر الأعمال، نجد أنه في كل مرة يعترف شخص بالمسيح ويؤمن به كان هذا الشخص يعتمد بحسب ما أوصى به يسوع قبل صعوده مباشرة (متى 18:28-20؛ مرقس 16:16؛ أعمال 38:2-41؛ 12:8-13،36،38؛ 18:9؛ 47:10-48؛ 15:16،33؛ 8:18؛ 5:19).
والأصحاحات الاثني عشر الأولى من هذا السفر تركز على الرسول بطرس والكنيسة في أورشليم والسامرة واختبارات بطرس المميزة مع الأمم الذين أصبحوا مؤمنين. وابتداء من موت استفانوس، حدث اضطهاد شديد على المسيحية. وكان شاول الطرسوسي أحد القادة البارزين لهذا الاضطهاد، لكنه بعد تجديده خصص حياته للمسيح وجال مبشرا بالمسيح في كل أنحاء العالم وأصبح يعرف بالرسول بولس. وقد جعل مركزه الرئيسي في إنطاكية، وهي مدينة أممية أصبحت مركزا للكرازة في العالم. ويأتي وصف أحداث رحلات بولس التبشيرية الثلاث في أعمال 13 - 26:21. ويختتم السفر بسجن بولس في روما.
ويبرز في هذا السفر تعبير "الكلمة" بالإشارة إلى كتابات العهد القديم، وإلى شهادة المسيحيين، وإلى يسوع الكلمة الحي (أعمال 41:2؛ 4:4،29،31؛ 2:6،4،7؛ 4:8،14،25؛ 36:10-37،44؛ 1:11،16،19؛ 24:12؛ 5:13،7،26،44، 46،48-49؛ 3:14،25؛ 7:15،35-36؛ 6:16،32؛ 11:17،13؛ 11:18؛ 10:19،20؛ 32:20). ويشار إلى الروح القدس الذي هو مصدر القوة الروحية داخل المؤمن أكثر من 40 مرة، مالئا، ومرشدا، ومعضدا لكل مسيحي. ويأتي ذكر الصلاة أكثر من 30 مرة.
في أول ثلاثين سنة من تاريخ الكنيسة، نتعلم أهمية كلمة الله، والصلاة، وحضور الروح القدس وقوته في حياة كل مؤمن.
كما أن هذا السفر لا يتجاهل أو يقلل من شأن ذلك الكائن الخارق للطبيعة الذي هو الشيطان (أعمال 3:5)، فهو عدو المسيح، والمشتكي على الإخوة (رؤيا 10:12)، والمخادع الذي لا يكف عن محاولاته لإعاقة تقدم الإنجيل
يقدم سفر الأعمال أمثلة قوية عن أهمية كتابات العهد القديم للمسيحيين الحقيقيين اليوم. فبعد صعود الرب إلى السماء، اجتمع نحو 120 تلميذا في غرفة علوية (تسمى علية) وكانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة ... وفي تلك الأيام قام بطرس في وسط التلاميذ ... وقال ... كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله.. عن يهوذا الذي صار دليلا للذين قبضوا على يسوع ... لأنه مكتوب في سفر المزامير: لتصر داره خرابا ... وليأخذ وظيفته آخر (أعمال 14:1-20). في هذه اللحظة أعلن بطرس عن تحقيق نبوتين (مزمور 9:41؛ 8:109؛ يوحنا 18:13).
وفي يوم الخمسين، أدهش بطرس أيضا هؤلاء التلاميذ المخلصين إذ أعلن لهم أن ما يشاهدونه هو في الواقع تحقيق لنبوة أخرى أعطيت منذ 700 سنة على الأقل بواسطة يوئيل النبي: يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر (أعمال 16:2-17؛ يوئيل 28:2-32).
وأضاف بطرس قائلا: لأن داود يقول فيه ...لأنك لن تترك نفسي في الهاوية [حالة أرواح المتوفين] ولا تدع قدوسك يرى فسادا ... فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعا شهود لذلك (أعمال 25:2-35؛ مزمور 8:16-11؛ 1:110).
ولكي يقنع جمعا آخر بالقرب من الهيكل، اقتبس بطرس مرة أخرى من كتابات العهد القديم، قائلا: فإن موسى قال للآباء: إن نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون في كل ما يكلمكم به (أعمال 22:3؛ تثنية 15:18،18-19).
وفيما بعد، أمام السنهدريم، اقتبس بطرس من مزمور 22:118 مبينا أن المسيح، هو الحجر الذي رفضوه، والذي صار رأس الزاوية (أعمال 11:4).
وقد شرح فيلبس للوزير الحبشي كيف تحققت نبوة إشعياء 7:53-8، وإذ استنار الرجل الحبشي من جهة المسيح المخلص، طلب أن يعتمد. فقال فيلبس: إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز ... فنزل كلاهما إلى الماء، فيلبس والخصي فعمده. ولما صعدا من الماء ... ذهب الخصي في طريقه فرحا (أعمال 37:8-39).
وفي كلام بطرس مع كرنيليوس بخصوص يسوع، اقتبس أيضا من العهد القديم قائلا: له يشهد جميع الأنبياء (أعمال 43:10).
إننا في أشد الحاجة إلى معرفة كتابات العهد القديم إذا كنا نريد أن نرى نتائج العهد الجديد.
كان أيضاً الرسول بولس ضليعا في الاقتباس من العهد القديم في الحجة والبيان له. فعندما وقف أمام الملك أغريباس قال له: فإذ حصلت على معونة من الله بقيت إلى هذا اليوم شاهدا للصغير والكبير وأنا لا أقول شيئا غير ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون - إن يؤلم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات مزمعا أن ينادي بنور للشعب وللأمم (22:26-23).
شواهد مرجعية: أعمال 20:1 (انظر مزمور 25:69؛ 8:109)؛ أعمال 17:2-21 (انظر يوئيل 28:2-32)؛ أعمال 25:2-28 (انظر مزمور 8:16-11)؛ أعمال 34:2-35 (انظر مزمور 1:110)؛أعمال 22:3-23 (انظر تثنية 15:18،18-19)؛ أعمال 25:3 (انظر تكوين 3:12؛ 18:22).
أفكار من جهة الصلاة: لا تخف ولا تعش متوجسا مما قد يحدث، ثق في الرب أنه يعتني بك (مزمور 7:112).
كانت إحدى الصفات المميزة للكنيسة الأولى في أورشليم هي روح المحبة التي ظهرت في تقديم الموارد المادية. وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة، ولم يكن أحد يقول إن شيئا من أمواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركا (أعمال 32:4).
كان الإخلاص للرب متغلغلا في هذه الجماعة الجديدة. فباع المؤمنون ممتلكاتهم وأحضروا ثمنها لكي تُستخدم لخدمة الرب وتسديد احتياجات إخوتهم المحتاجين.
ويلاحظ أن أحدا لم يطلب منهم أن يبيعوا ممتلكاتهم أو أن يأتوا بثرواتهم، إنما كان سخاؤهم بدافع من المحبة المسيحية. ويوسف الذي دُعي من الرسل برنابا الذي يترجم ابن الوعظ، وهو لاوي قبرسي الجنس، إذ كان له حقل باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل (أعمال 36:4-37). وقد كانت تقدمته بالطبع سبب تشجيع كبير للمؤمنين. وباع رجل اسمه حنانيا وامرأته سفيرة قطعة أرض وقدما جزءا من الإيراد للكنيسة. إلا أنهما ادعيا أنهما قد أعطيا الكل مثلما فعل برنابا (أعمال 1:5-2). لقد كانت الأرض ملكهما ويستطيعان أن يتصرفا فيها كما يشاءان؛ وحتى بعد بيعها كان المال مالهما ومن حقهما أن يفعلا به ما يريدان. فالعطاء كان اختياريا (أعمال 4:5).
وحيث أن هذه التقدمة "السخية" قد أدت إلى موت حنانيا وسفيرة، فإننا نحتاج أن نفهم لماذا استحقا هذه العقوبة الشديدة. هل كانا يطلبان مدحا لم يكونا مؤهلين له؟ هل أرادا أن يظهرا "مضحيين" مثل برنابا؟ هل اعتقدا أن خداعهما لن يضر كثيرا طالما أن "الخير" الفعلي في تقدمتهما كان كافيا للتعويض عن الكذبة ولتزكيتهما لدى الجماعة؟
ولكن سؤال بطرس: لماذا؟ يفيد بأن إخلاصنا وأمانتنا مع الآخرين هامة جدا في علاقتنا مع الله. وقد أوضح بطرس أن رياءهما تعدى حدود الكذب على الأصدقاء بل كان بمثابة كذب على الروح القدس (أعمال 3:5-4). فإنه في منتهى الأهمية أن نفحص دوافعنا سواء في العطاء أو في العبادة.
إن مشكلتنا اليوم أكبر من ذلك. فإن مؤمنين كثيرين لا يحجزون فقط جزءا من الإيراد، بل يحجزون حتى العشور، التي هي الحد الأدنى من حقوق الله. إن كل من يرفض تقديم العشور من أجل توصيل البشارة إلى العالم الهالك سيواجه نفس السؤال: لماذا؟ وسيسمع نفس الإجابة التي قالها النبي: قد لعنتم لعنا وإياي أنتم سالبون (ملاخي 9:3). لا يوجد شخص أفقر من أن يقدم العشور. إن كل إنسان مسئول أمام الله عن "احتجاز" ما كان يمكن للرب أن يفعله فينا وبنا بنفس السؤال: لماذا؟ فإنه من الخيانة للرب وللآخرين أن نحجز مواهبنا وعطايانا والفرص السانحة لنا للخدمة محاولين تبرير أنفسنا أمام الآخرين بأننا لا نمتلك الوقت أو المال أو القدرة.
فلننظر بعين الاعتبار إلى ما كتبه بولس إلى أهل كورنثوس وهو منقاد بالروح القدس: إن من يزرع بالشح فبالشح أيضا يحصد، ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضا يحصد (2 كورنثوس 6:9).
شواهد مرجعية: أعمال 11:4 (انظر مزمور 22:118)؛ أعمال 25:4-26 (انظر مزمور 1:2-2).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يعطيك فهما لكلمته بينما تقرأها يوميا (مزمور 34:119).
كان من الممكن لاستفانوس أن يتجنب الموت رجما لو تعامل بمزيد من الدبلوماسية أو أنه التزم الصمت. ولكن استفانوس كان أمينا للرب عندما أعلن بكل وضوح لرئيس الكهنة وللمشتكين عليه أنهم هم المسئولون عن صلب البار، الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه (أعمال 52:7). لقد كانت هذه الكلمات الصادقة فوق طاقة احتمال كبرياء القادة الدينيين، وبنفس البغضة التي صلبوا بها المسيح، جروا استفانوس خارج المدينة ورجموه حتى الموت (أعمال 57:7-60).
وعلى مثال الكلمات الأخيرة التي نطق بها يسوع على الصليب، كانت الشهادة الأخيرة لاستفانوس صلاة من أجل أعدائه: يا رب، لا تقم لهم هذه الخطية (أعمال 60:7). والأبدية وحدها ستكشف الأثر البالغ لإشفاق استفانوس على مبغضيه. وبلا شك أن صلاته استجيبت جزئيا من خلال ذلك الشاب الذي بالرغم من أنه كان راضيا بقتل استفانوس، إلا أنه سرعان ما تجدد وأصبح اسمه بولس، أعظم رسول عرفته البشرية. ولم يكن بولس فقط موافقا على قتل استفانوس بل كان أيضا مسرورا بذلك وراضيا تماما (أعمال 1:8). فلو كان استفانوس لم يحتفظ بولائه لسيده ومحبته لأعدائه لما كان هناك على الإطلاق الرسول بولس.
إننا نحتاج، بنفس روح المحبة، أن نصلي من أجل الذين يسيئون إلينا. فالشخص الذي يبدو عدوا لنا قد يخلص يوما ما إذا تمسكنا بإخلاصنا للرب وقدمنا كلمته بالمحبة مثلما فعل استفانوس.
وبرجم استفانوس بدأ عصر اضطهاد مرير على الكنيسة. وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم، فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل (أعمال 1:8). ولكن، بدلا من أن يؤدي الاضطهاد إلى التراجع عن تبشير الخطاة بموت المسيح على الصليب، نتجت عن ذلك أول حركة مرسلية. فالذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة (أعمال 4:8). تخيل ذلك! كان من الممكن أن يختبئوا أو ينكروا إيمانهم. ولكن هذه كانت إرادة الرب لكي تتم وصيته لهم: تكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض (أعمال 8:1). فما بدا لأول وهلة أنه كارثة على المسيحيين الأوائل كان في حقيقة الأمر إتماما لإرادة الله من أجل نشر الكلمة. فالأمور التي قد تبدو محبطة لنا هي في الواقع مرتبة من عند الله. فبالنسبة للمؤمن الحقيقي قد لا تبدو كل الأشياء "جيدة" ولكنها كلها تعمل معا للخير وتدخل ضمن خطته في حياتنا (رومية 28:8).
إنه لخطأ فادح أن نرى الشيطان فقط في آلامنا وضيقاتنا. فإن الله كثيرا ما يستخدم الاضطهادات والصعوبات لتحقيق إرادته. فهو يملك زمام الأمور، حتى وإن كان في بعض الأوقات يوجد هناك من يعيق امتلاكنا لأفضل عطاياه. فمع أن الشيطان قد يغربلنا كالحنطة كما فعل مع بطرس (لوقا 31:22)، إلا أنه لا يمكن أن يصل إلينا بدون أن يستأذن أولا من الله (يوحنا 28:10-29). إن يقيننا في محبة الرب وفي أنه هو المتحكم في جميع الأشياء لا يعتمد على وجود ظروف مناسبة، بل على الإعلان الصادق عن شخص الله (دانيال 32:4-37؛ متى 16:16).
لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديا (2 كورنثوس 17:4).
شواهد مرجعية: أعمال 3:7 (انظر تكوين 1:12)؛أعمال 27:7-28 (انظر خروج 14:2)؛ أعمال 32:7 (انظر خروج 6:3)؛ أعمال 33:7-34 (انظر خروج 5:3،7-8،10)؛ أعمال 37:7 (انظر تثنية 15:18)؛ أعمال 40:7 (انظر خروج 1:32)؛ أعمال 42:7-43 (انظر عاموس 25:5-27)؛ أعمال 49:7-50 (انظر إشعياء 1:66-2)؛ أعمال 32:8-33 (انظر إشعياء 7:53-8).
أفكار من جهة الصلاة: ادرس واتبع تعليمات كلمة الله لتستجاب صلواتك (أمثال 28:1-30).
كان شاول الطرسوسي يهوديا، ولكنه كان أيضا مواطنا رومانيا (أعمال 37:16-38؛ 25:22-29). وقد نشأ في طرسوس الهلينية التي كانت تجمع بين التقليد اليهودي والثقافة الإغريقية. وكانت طرسوس هي موطن الحكمة في منطقة شرق البحر المتوسط وكانت مشهورة كمركز ثقافي وتعليمي.
كان شاول الطرسوسي فريسيا غيورا وكان مصمما على استئصال جميع أتباع يسوع. فلقد كانوا في نظره هراطقة يستحقون الموت. وكان شاول يضطهد ويهلك في أورشليم الذين يدعون بهذا الاسم (أعمال 21:9). وكان قد حصل من القادة على أمر رسمي بالذهاب إلى دمشق للقبض على المسيحيين الذين هربوا من أورشليم. حتى إذا وجد أناسا من الطريق [أي طريق الإيمان بيسوع المسيح] رجالا أو نساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم (أعمال 2:9).
وإذ اقترب شاول من دمشق، أبرق حوله فجأة نور لامع. لقد كان المسيح، الذي هو نور العالم، معترضا طريق شاول وقائلا له بصوت عظيم: شاول شاول ... أنا يسوع الذي أنت تضطهده (أعمال 4:9-5).
فأصيب شاول بالعمى واقتيد إلى المدينة. وسمع أيضا حنانيا صوت الرب قائلا: اطلب في بيت يهوذا رجلا طرسوسيا اسمه شاول، لأنه هوذا يصلي (أعمال 11:9). كان شاول بلا شك يصلي يوميا منذ سنوات عديدة. ولكن حتى هذه النقطة لم تكن صلاته مسموعة. ولكنه تحول من إنسان يشابه ذلك الفريسي الذي كان يصلي في الهيكل - إلى إنسان صارخ يطلب الرحمة (لوقا 11:18-14). فما لم نعرف الرب يسوع المسيح مخلصا لنا، نكون رافضين للوسيط الواحد الذي بين الله والناس (1 تيموثاوس 5:2). ومع أن حنانيا كان قد سمع عن شاول كم من الشرور فعل بالقديسين في أورشليم (أعمال 13:9)، إلا أنه أطاع ومضى ودخل البيت ووضع عليه يديه وقال أيها الأخ شاول قد أرسلني الرب يسوع ... لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس. فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور فأبصر في الحال وقام واعتمد (أعمال 17:9-18).
لقد حدث شيء مشابه مع بطرس، إذ كان يبشر في بيت كرنيليوس ويقول: له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا. فبينما بطرس يتكلم بهذه الأمور حل الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة. (أعمال 43:10-44). وعقب امتلائهم بالروح القدس، قال بطرس: أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضا؟ وأمر أن يعتمدوا باسم الرب (أعمال 47:10-48).
إن فرائض جميع الديانات الأخرى يمكن تحقيقها بطقوس خارجية، ولكن المسيحية تتطلب تجديد الإنسان الداخلي. فحتى الأشخاص غير المتجددين، مثل شاول، ربما تكون حياتهم بلا لوم أمام الناس (فيلبي 6:3).
ومنذ وقت تجديده، أصبح شاول مقتنعا أن كل العالم يجب أن يسمع أن يسوع هو المسيح المخلص. وأيضا على كل واحد منا أن يختار ما هو الأهم، هل نعيش لنحقق أهدافا شخصية أم لنعمل ما يرضي يسوع. لقد استطاع بولس أن يقول: مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ (غلاطية 20:2).
أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب من أجل أمانته ورحمته (مراثي إرميا 22:3-23).
إن أول عظة سجلها الكتاب المقدس للرسول بولس كانت في رحلته التبشيرية الأولى. فبعد الكرازة بالإنجيل في العديد من المدن، دعي بولس من قادة المجامع في أنطاكية بيسيدية لكي يتكلم. وفي خطابه قدم بولس ملخصا مختصرا لتاريخ إسرائيل، ثم ذكرهم بيوحنا المعمدان الذي كرز بمعمودية التوبة لجميع شعب إسرائيل (أعمال 24:13) لكي يستعد الناس لقبول غفران الخطايا ونوال الحياة التي جاء المسيح كي يهبها لنا. لقد أعد يوحنا الطريق ليسوع الناصري الذي أشار إليه معلنا أنه حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يوحنا 29:1).
فإذا قبلنا يوحنا نبياً من عند الرب، يجب أن نقبل يسوع أنه المسيح. كان هذا هو جوهر عظة بولس. وقد اختار بولس كتابات نبوية معينة لكي يثبت أن يسوع هو المسيا الذي تحققت فيه جميع تفاصيل النبوة، قائلا: ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا، إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضا في المزمور الثاني، أنت ابني أنا اليوم ولدتك (أعمال 32:13-33).
وقد أشار بولس إلى أن ناموس موسى كان عاجزا عن إعطاء البر الحقيقي وأن غفران الخطايا هو بفعل رحمة الله ونعمته في تبرير الخاطئ أمام الله القدوس. والتبرير معناه أنه من خلال بر المسيح وحده يستطيع الخاطئ الذي يلجأ إليه ويتطهر من خطاياه مع استيفاء مطلب الناموس.
وأضاف بولس قائلا: فليكن معلوما عندكم أيها الرجال الإخوة أنه بهذا ينادى لكم بغفران الخطايا، وبهذا يتبرر كل من يؤمن من كل ما لم تقدروا أن تتبرروا منه بناموس موسى (أعمال 38:13-39).
لقد انقاد الرسول بولس بالروح القدس لكي يركز انتباهنا بالكامل على يسوع المسيح كالشخص الوحيد الذي فيه كل الكفاية لتبرير الخاطئ التائب.
التوبة هي أكثر من مجرد أن نختار أسلوبا أفضل لحياتنا، فهي تشمل الإدراك لبشاعة الخطية لكونها إهانة ضد الله، والحزن من أجل هذه الخطية، والرغبة الصادقة في التحرر منها، والقرار الحازم بشأن تجنبها ومقاومتها. إنها الشعور بأننا نحتاج يوميا أن نستمد من خالقنا الغفران والتطهير. فالخلاص الحقيقي مرتبط ارتباطا وثيقا بالتوبة (متى 20:11-21؛ 41:12؛ مرقس 15:1؛ لوقا 32:5؛ 13:10؛ 32:11؛ 3:13،5؛ 7:15،10؛ 30:16؛ 3:17-4؛ 47:24). ومع أن الخلاص يبدأ بالتوبة إلا أنه لا ينتهي عندها، فهو احتياج يومي. لقد كتب يوحنا إلى القديسين: إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا ...إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ... إن قلنا أننا لم نخطئ نجعله كاذبا وكلمته ليست فينا (1 يوحنا 8:1-10).
ولما انفضت الجماعة تبع كثيرون من اليهود والدخلاء المتعبدين بولس وبرنابا اللذين كانا يكلمانهم ويقنعانهم أن يثبتوا [يستمروا في التمسك] في نعمة الله [البركة التي لا يستحقها الإنسان] (أعمال 43:13).
شواهد مرجعية: أعمال 22:13 (انظر مزمور 20:89)؛ أعمال 33:13 (انظر مزمور 7:2)؛ أعمال 34:13 (انظر إشعياء 3:55)؛ أعمال 35:13 (انظر مزمور 10:16)؛ أعمال 41:13 (انظر حبقوق 5:1)؛ أعمال 47:13 (انظر إشعياء 6:49).
أفكار من جهة الصلاة: اعترف بأخطائك إلى الرب وإلى الذين أسأت إليهم، واطلب الغفران (متى 23:5-24).
بعد أن اعتمد بولس بواسطة حنانيا، كتب قائلا: للوقت لم أستشر لحما ودما ... بل انطلقت إلى العربية ثم رجعت أيضا إلى دمشق (غلاطية 16:1-17) حيث مكث هناك مع التلاميذ الذين في دمشق أياما... وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح (أعمال 19:9-20) إلى أن اشتدت عليه عداوة اليهود حتى أن التلاميذ اضطروا أن يدلوه من طاقة في زنبيل من السور لكي ينجو من يدهم (2 كورنثوس 33:11).
في ذلك الوقت يبدو أن بولس قد ذهب إلى بطرس في أورشليم ومكث عنده 15 يوما (غلاطية 18:1-19). ثم ذهب بولس برفقة بعض المؤمنين إلى قيصرية، حيث رحل بمفرده على الأرجح بالباخرة، وعاد إلى موطنه طرسوس في إقليم كيليكية.
ويبدو أن برنابا الذي كانت كنيسة أورشليم قد أرسلته إلى أنطاكية، قد اقتيد بالروح القدس أن يذهب إلى طرسوس ليحضر بولس إلى أنطاكية لكي يتلمذ المتجددين من اليونانيين هناك. وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس: أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما (أعمال 2:13-3). كانت هذه هي بداية رحلة بولس التبشيرية الأولى.
وأينما ذهبا كانا يناديان بكلمة الله ... أنه بهذا [أي بيسوع المسيح] ينادى لكم بغفران الخطايا (أعمال 5:13،38-39). وفي إحدى المرات، اجتمعت كل المدينة تقريبا لتسمع كلمة الله (أعمال 44:13). وهكذا انتشرت كلمة الرب في كل الكورة (أعمال 49:13) وآمن جمهور كثير من اليهود واليونانيين (أعمال 1:14).
ومع ذلك ففي كل مكان تقريبا ذهب إليه الرسول بولس كان يلقى مقاومة عنيفة من اليهود غير المؤمنين. وبينما كان بولس وبرنابا يتكلمان في ليكأونية اعتقد الشعب أن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إليهم! (أعمال 11:14). وكانوا بذلك يشيرون إلى الإلهين الأغريقيين هرمس وزفس - المعروفين لدى الرومان باسم عطارد وجوبيتر. فاعترض بولس وبرنابا بشدة على هذا الافتراض الوثني، ولكن لم تمض سوى لحظات قليلة حتى أتى يهود (أعمال 19:14) وأقنعوا الجمع بدلا من أن يعبدوا بولس كإله أن يرجموه كمجدف. وجروه خارج المدينة ظانين أنه قد مات ... ولكنه قام ودخل المدينة وفي الغد خرج مع برنابا إلى دربة (أعمال 20:14).
وبعد ذلك أعطى الرسول بولس تقريرا مختصرا قائلا: أنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله (أعمال 22:14). توجد أمور "ينبغي" أن تحدث في حياة كل مسيحي، فلا نندهش إذا كنا بعد ما بذلنا أقصى جهدنا في خدمة الرب يأتي الشيطان ويحاول أن يثبط عزيمتنا بالسخرية وسوء الفهم والإحباطات حتى من الذين كنا نتوقع منهم التشجيع.
أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لأجل امتحانكم كأنه أصابكم أمر غريب. بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضا مبتهجين (1 بطرس 12:4-13).
شواهد مرجعية: أعمال 16:15-17 (انظر عاموس 11:9-12).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يحميك من هجمات الشيطان (متى 13:6).
في المجمع في تسالونيكي، اتبع بولس أسلوبه المعتاد في التوضيح والبرهان من المكتوب أنه كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات (أعمال 2:17-3). فاقتنع قوم منهم وانحازوا إلى بولس وسيلا (4:17). وعندما سمع بذلك اليهود غير المؤمنين أحدثوا شغبا.
فارتحل بولس في تلك الليلة واتجه جنوبا إلى بيرية حيث قبل اليهود الكلمة بكل نشاط فاحصين الكتب كل يوم هل هذه الأمور هكذا، فآمن منهم كثيرون (أعمال 11:17-12) وقبلوا الرب يسوع كالمسيا الذي ينتظرونه.
وقد مدح الكتاب المقدس يهود بيرية لكونهم أشرف [أي أكثر تفتحا] من الذين في تسالونيكي (أعمال 11:17). فإن إيمانهم القوي بالمسيح كان يعتمد على المعرفة الدقيقة لكلمة الله. وبعد فحص المكتوب بأنفسهم كان لدى اليهود البيريون من الصدق ما جعلهم يؤمنون، مع أن ذلك كان يتعارض مع تقليد وقرار السنهدريم في أورشليم. هذا بمثابة تشجيع لنا جميعا، بصرف النظر عن خلفيتنا الدينية، أن ندرس الكتاب المقدس بإخلاص ليس بحثا عن الآيات التي تؤيد أفكارنا التقليدية ولكن برغبة صادقة في معرفة الحق.
ولا يستطيع أحد أن يستمر في قراءة الكتاب المقدس دون أن يزداد اقتناعا بوحدة الكتاب بأكمله، مع أنه كتب على مدى 1500 سنة بواسطة أكثر من 40 كاتبا بعضهم ملوك وبعضهم الآخر قرويون. فإننا نندهش من وحدته العجيبة وكيف أن كل سفر يأتي في الترتيب المحدد له بالضبط لكي ينقل بدقة القصد الكامل للمؤلف الواحد الحقيقي. وعندما نقارن الأجزاء الكتابية مع بعضها، أمر على أمر فرض على فرض [أي كل فكرة مع الأخرى وكل سطر مع الآخر] (إشعياء 10:28)، يمكننا أن نرى وحدة الكتاب المقدس الكاملة. فمن خلال أسفار موسى والأنبياء والمزامير (لوقا 44:24)، يغمرنا الاقتناع بأن الكتاب كله له خالق/ مؤلف واحد يتكلم بواسطة مؤلفين بشريين متعددين.
وعندما نستمر في فحص الكتب بشأن المسيح - ابتداء من أول نبوة عنه في تكوين 15:3، عبر أسفار موسى الخمسة وأقوال المزامير والأنبياء، ثم حياته وموته وقيامته وصعوده ومجيئه الثاني كما هي مسجلة في أناجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا، فإننا لن نحتاج أن نكون علماء في اللاهوت لكي نقتنع بأن يسوع هو المسيح (أعمال 28:18).
لا توجد طرق مختصرة للنضج الروحي. لقد أعطى الله لكل واحد منا فترة حياة واحدة يعيشها على الأرض من أجل هدف مزدوج - أن نعد أنفسنا لنكون ما يريدنا هو أن نكونه، وأن نحقق القصد الذي من أجله خلقنا.
إنه حقا أمر مأسوي أن نفشل في تحقيق إرادة الله الكاملة من نحونا - إذ نضيع سنوات عمرنا القليلة القصيرة في تحقيق أهداف مادية واجتماعية ومالية من أجل متعة الذات - ونفشل في تحقيق الغرض الذي من أجله خلقنا.
اجتهد أن تقيم نفسك لله مزكى [مختبر بالتجارب] عاملا لا يخزى [لا يوجد شيء يسبب له الخجل]، مفصلا كلمة الحق بالاستقامة (2 تيموثاوس 15:2).
أفكار من جهة الصلاة: صل بثقة وسيستجيب الرب (مرقس 24:11).
أنهى بولس رحلته التبشيرية الثانية وعاد إلى أنطاكية، بعد أن توقف أولا في أفسس حيث ترك أكيلا وبريسكلا. وهكذا كانت كلمة الرب تنمو وتقوى بشدة (أعمال 20:19).
سأل بولس المؤمنين في أفسس: هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟ (أعمال 2:19). فلقد كان بولس يعرف أنه بدون ذلك يكون المؤمنون في خطر كبير أن يرتدوا أو أن يحيوا حياة عديمة الثمر وعديمة القوة. وبمجرد أن سمعوا عن هذه البركة المختصة بحضور الروح القدس في حياتهم أبدوا في الحال استعدادهم للحصول على ملئه.
إن مسألة سكنى الروح القدس يجب أن تكون لها أهمية جوهرية لدى أي شخص يريد أن يكرم الرب بحياة الخدمة. فإن الروح القدس كان يشغل مكانا حيويا في حياة الرسل. فلم يكن مسموحا لهم أن يبدأوا خدمتهم إلا بعد أن يمتلئوا من الروح القدس (أعمال 4:1-8؛ لوقا 13:11؛ 49:24). وكان الروح القدس بارزا في الكنيسة الأولى. فلقد قيل للمتجددين الأوائل: فتقبلوا عطية الروح القدس. لأن الموعد [أي موعد الروح القدس] هو لكم.. كل من يدعوه الرب إلهنا (أعمال 38:2-39؛ يوئيل 28:2-29).
ومن أفسس، شعر بولس بتوجيه الروح القدس له بأن يذهب إلى أورشليم قائلا إني بعد ما أصير هناك ينبغي أن أرى رومية أيضا (أعمال 21:19). وفي وقت لاحق اجتمع بولس مع شيوخ الكنيسة وقال لهم: ها أنا أذهب إلى أورشليم مقيدا بالروح لا أعلم ماذا يصادفني هناك، غير أن الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلا إن وثقا وشدائد تنتظرني. ولكنني لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع (أعمال 22:20-25).
إن سكنى الروح القدس هي وعد الآب لكل مؤمن، فإنه يقوينا لكي نتحمل التجارب والآلام والاضطهادات كتلك التي حدثت مع بولس. وقد وعدنا يسوع قائلا: وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد (يوحنا 16:14). فهو لم يفترض فينا أن نعيش الحياة المسيحية بدونه بل أرسل الروح القدس لكي يحيا هو من خلالنا! كم هو مفرح أن نعرف أننا لسنا وحدنا وإنما نحن مؤيدون بالقوة بروحه في الإنسان الباطن (أفسس 16:3).
عندما ندرك أن روحه القدوس الساكن فينا يعطينا القدرة على إتمام مشيئته بغض النظر عن الظروف المناوئة (فيلبي 13:4)، فإننا سنقدر أن نحب الشخص الذي يسبب لنا الألم. فلا توجد مقاومة على الأرض تستطيع أن تسلبنا السلام الذي يعطيه لنا الله عندما نسمح للمسيح الملك بأن يملك زمام أمورنا. إن السلام الحقيقي لا يتأتي من غياب الصراع أو الألم بل من حضور المسيح وسيادته على أذهاننا.
فسواء كان مصدر المشقات هو من الأعداء أو عدم وفاء الأصدقاء أو الظروف التي لا نستطيع أن نفهمها، فهي من شأنها أن تحفزنا على المزيد من الخضوع لإرادة الروح القدس الساكن فينا. وإذ نفعل ذلك، سوف نسبح الرب ونقدم ذواتنا بالكامل لعمل إرادته عالمين أنه هو الذي أوجدنا هنا ويقدر أيضا أن يعبر بنا وسط جميع الضيقات (فيلبي 6:1).
ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح [أي الروح القدس] (أفسس 18:5).
أفكار من جهة الصلاة: صل بجهاد مع الآخرين (رومية 30:15).
عندما وصل بولس إلى أورشليم، أهاج القادة اليهود الجمع ضده بحجة أنه قد أحضر تروفيمس، وهو مسيحي أممي من أفسس، وأدخله معه إلى الهيكل (أعمال 27:21-29).
إن وجود تروفيمس في أورشليم قد أغضب اليهود ولكن الذي أغضبهم أكثر هو وجود بولس في الهيكل. فلقد كانوا يعتبرون بولس هو العدو الأول للديانة اليهودية، لذلك أخذوا يصيحون قائلين: خذ مثل هذا من الأرض! لأنه كان لا يجوز أن يعيش!... وكانوا يصيحون ويطرحون ثيابهم ويرمون غبارا إلى الجو (أعمال 22:22-23). عندئذ ألقي القبض على بولس.
وعندما فشلت المظاهرة وأيضا فشل مجمع السنهدريم في إصدار الحكم على بولس بالرجم، قرر اليهود الثوار أن ينفذوا الحكم بأنفسهم ويقتلوا بولس أثناء نقله من المعتقل في أورشليم إلى سجن قيصرية (أعمال 11:23-15). ولكن ابن أخت بولس سمع بالمؤامرة وأخبر القائد الروماني الذي قام سرا بتحويل بولس ليلا إلى فيلكس، الحاكم الروماني على اليهودية في قيصرية (أعمال 16:23-24).
مضت على الأرجح سنتان، وبعد ذلك أمر نيرون إمبراطور روما بإقالة فيلكس وتعيين فستوس بدلا منه.
وعندما أتى اليهود إلى قيصرية لعرض التهم التي يوجهونها لبولس، يبدو أن الحاكم الجديد أراد أن يجاملهم بتسليم بولس لأيديهم لكي يحاكموه في أورشليم؛ ولكن نظرا لأن بولس كان مواطنا رومانيا فلقد رفض أن يحاكم من اليهود ورفع دعواه إلى قيصر (أعمال 11:25-12).
وكان الملك هيرودس أغريباس الثاني (أعمال 1:12)،وهو الحفيد الأصغر لهيرودس الكبير وابن الملك هيرودس أغريباس الأول، حاكما على المنطقة الممتدة من الضفة الشرقية لنهر الأردن حتى دمشق شمالا. وكان من حسن اللياقة أن يزور الملك الحاكم الجديد. وانتهز فستوس فرصة وجود أغريباس ليطلب منه أن يستمع إلى دفاع بولس (أعمال 13:24-27).
وكم هو مؤسف حقا أنه لا توجد إشارة إلى أن أي من المسيحيين في كنيسة أورشليم قد فعل شيئا لتشجيع بولس أو تعزيته أو الدفاع عنه طوال مدة سجنه في قيصرية التي امتدت إلى سنتين. ولكننا نعلم أن الرب وقف بجواره (أعمال 11:23).
لقد حوكم بولس أمام ثلاثة حكام أقوياء في الإمبراطورية الرومانية وقد استمعوا إلى أقواله بشأن إيمانه بالمسيح. وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف الدينونة العتيدة أن تكون (أعمال 25:24)، كان لكل من هؤلاء القضاة رد فعل مختلف: لقد ارتعب فيلكس مرة أمام الكلام عن الدينونة العتيدة أن تكون؛ أما فستوس فلقد كان عنيدا فقال بصوت عظيم: أنت تهذي يا بولس! الكتب الكثيرة تحولك إلى الهذيان! وقال أغريباس لبولس: بقليل تقنعني أن أصير مسيحيا (أعمال 24:26،28). فسواء كانت كلمات الملك أغريباس صادقة أم بهدف التهكم، كما يظن البعض، فهذا لا يهم كثيرا إذ أن النتيجة كانت واحدة. ففي حدود علمنا لم يقبل أي من هؤلاء الرجال المسيح ربا ومخلصا له.
ومثل أغريباس وفيلكس (أعمال 24:23 - 27:24) فإن أناسا كثيرين تبكتوا بشدة بل أيضا اقتنعوا بأن يقبلوا المسيح مخلصا لهم. لقد وبختهم ضمائرهم ولكن إرادتهم العنيدة ترفض الخضوع. أناس كثيرون ينتظرون فرصة مناسبة للرجوع عن خطاياهم، غير عالمين أن رفضهم للفرصة المتاحة معناه أنهم قد اختاروا بالفعل الجحيم الأبدي. فلا يوجد سوى وقت مناسب واحد: هوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن يوم خلاص! (2 كورنثوس 2:6).
شواهد مرجعية: أعمال 5:23 (انظر خروج 28:22).
أفكار من جهة الصلاة: اعلم أن إرادة الله كثيرا ما تكون مختلفة عن رغباتنا الشخصية (2 كورنثوس 8:12-9).
عندما كان شاول الطرسوسي يهدد المؤمنين ويلقي القبض عليهم، كان أصدقاؤه يظنون أنه حكيم. ولكن عندما اعترف بإيمانه بالرب يسوع، المخلص المقام، أنه هو المسيا، صاح به فستوس، الحاكم الروماني الجديد على اليهودية، قائلا: أنت تهذي يا بولس (أعمال 24:26).
وبعد أن سجن بولس في قيصرية لأكثر من سنتين، سلمه فستوس إلى يوليوس وهو قائد مئة من كتيبة أوغسطس (أعمال 1:27). وكان يوليوس مسئولا عن توصيل بولس إلى روما لكي يقف للمحاكمة أمام نيرون،الإمبراطور الروماني.
وفي اليوم التالي أقلعوا، وبعد أن توقفوا في صيداء، واصلوا رحلتهم على الجانب الشرقي من جزيرة قبرص بسبب الرياح المعاكسة التي منعتهم من التقدم كثيرا (أعمال 8:27). وفي ميناء ميرا في جنوب آسيا الصغرى، وجدوا سفينة إسكندرية مسافرة إلى إيطاليا . وقد كانت الرحلة بطيئة جدا ومحفوفة بالمخاطر بسبب الرياح والعواصف. وعند وصولهم إلى المواني الحسنة في كريت (8:27)، نصحهم بولس بأن يقضوا الشتاء هناك، ولكن كان رأي الأغلبية أن يتجهوا إلى فينكس ليشتوا فيها (أعمال 12:27).
ولم تمض سوى فترة قصيرة حتى هاج عليهم إعصار شديد. وبعد أسبوعين كانت سفينتهم قد تحطمت تماما بالقرب من شاطئ مليطة، وقد كتب بولس قائلا: انتزع أخيرا كل رجاء في نجاتنا (أعمال 20:27). ولكن تحقيقا لإعلان بولس المسبق (22:27) لم يهلك ولا واحد من المسافرين وعددهم 276. وعلى الرغم من أن الإعصار وتحطيم السفينة قد أديا إلى مشقة شديدة، إلا أن الرب استخدم هذه الظروف لكي يتيح الفرصة لبولس لكي يشهد للمسافرين ولأهل الجزيرة عن إيمانه بالمسيح. وقد أبدى سكان جزيرة مليطة كرما زائدا لهم طوال هذا الشتاء،وشفي الكثيرون بواسطة خدمة بولس (أعمال 7:28-10). وبعد ثلاثة شهور أقلعوا مرة أخرى في سفينة كانت قد أمضت الشتاء في مليطة في طريقها إلى روما.
وفي الربيع التالي وصل بولس إلى روما حيث أتى المسيحيون حتى مدينة السوق في أبيوس للقائه. فلما رآهم بولس شكر الله وتشجع (أعمال 15:28). ومع أنه ظل سجينا، إلا أنه لكونه مواطنا رومانيا كان مسموحا له بأن يقيم في بيته تحت حراسة أحد الجنود.
وبعد ثلاثة أيام من وصول بولس إلى روما، استدعى قادة اليهود هناك وشرح لهم ملكوت الله، مقنعا إياهم من ناموس موسى والأنبياء بأمر يسوع من الصباح حتى المساء (أعمال 23:28). فمع أنه كان قد تألم كثيرا من يد إخوته اليهود، إلا أن مسرة قلبه وطلبته إلى الله لأجل إسرائيل هي أن يخلصوا (رومية 1:10). فمهما فعل الآخرين معنا،نحتاج أن تكون لنا نفس الشفقة تجاه النفوس الهالكة كما كان لبولس.
ويختتم سفر الأعمال بمشهد بولس كارزا بملكوت الله ومعلما بأمر الرب يسوع المسيح (أعمال 31:28).
إن أحد الامتيازات العظمى لكوننا مسيحيين هو يقيننا بأننا حتى إذا كانت رحلة حياتنا مليئة بالرياح العنيفة حتى ينتزع كل رجاء في نجاتنا (أعمال 20:27)، إلا أنه لا بد أن يأتي اليوم الذي فيه تبدو جميع الأعاصير التي صادفتنا عديمة الشأن بالمقارنة مع ما استطاع الله أن يحققه من خلالنا. لقد استطاع بولس أن يقول بثقة: لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح (2 كورنثوس 10:12).
شواهد مرجعية: أعمال 26:28-27 (انظر إشعياء 9:6-10).
أفكار من جهة الصلاة: البس سلاح الله الكامل لكي تقدر أن تثبت ضد هجمات إبليس (أفسس 11:6).