الفصـل الثاني مشكلة الخطية
أولاً :- مفهوم الخطية
ثانياً :- مظهر الخطية
ثالثاً :- عوامل الخطية
رابعاً :- ثمار الخطية
لقد عرفت يا أخي أن خلقتك ووجودك هو عمل محبة الله من أجل إسعادك، وعرفت
أيضا ما ينبغي يكون عليه موقفك إزاء هذا الحب الأبوي.
والآن تستطيع بسهولة أن تتعرف على سر مشكلة الخطية التي "طرحت كثيرين
جرحى وكل قتلاها أقوياء" (أم26:7).
أولاً:- مفهوم الخطية
الخطية في أبسط معانيها هي "الانفصال عن الله" فلسان حال الخطاة "يقولون
لله ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسر"(أيوب14:12).
ونتيجة للانفصال عن الله تصبح حياة الخاطئ:
1- ظلمــة:
فالله نور كما قال رب المجد نفسه:"أنا هو نور العالم" (يو12:8).
ولهذا فكل من هو في صلة مع الله يصبح هو الآخر نوراً،كما قال السيد
المسيح "أنتم نور العالم" (مت14:5) ولكن إذ ينفصل الإنسان عن الله يبتعد
عن النور فيصبح ظلمة - ولهذا فالكتاب المقدس يوضح بكل جلاء أن حياة
الخطية هي ظلمة فيقول "لأنكم كنتم قبلا ظلمة أما الآن فنور في الرب.. ولا
تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحرى وبخوها" (أف11:8).
ونستطيع أن نبسط هذا المفهوم بالمثال الآتي:
يستمد القمر ضوءه من الشمس، إذ أنه جسم معتم في ذاته ولكن أشعة الشمس
تنعكس على سطحه فيضئ، ولكن إذا توسطت الكرة الأرضية بين الشمس والقمر حدث
كسوف للقمر فلا يضئ بل يصبح معتماً مظلماً.
فالشمس في المثال تشير إلى الله شمس البر، والقمر المعتم هو أنا وأنت،
وإذ نتعرض لأشعة النعمة الصادرة من مصدر النور نضئ بشكله المنير، ولكن
عندما يقف العالم بينك وبين الله تظلم حياتك، هذه هي حياة الخطية. فهل
يوجد ما يعطل وصول النعمة لحياتك.
وهناك نتيجة أخرى للانفصال عن الله هي:-
2- تـعـدى:
الحياة مع الله هي حياة طاعة لوصاياه، الطاعة الناتجة عن المحبة وقد وضح
ذلك السيد يسوع المسيح في قوله "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبى وإليه
نأتي وعنده نصنع منزلا." (يو23:14).
وإذا انفصل الإنسان عن الله، كان ذلك دليل عدم محبته ونتيجة لذلك لا يطيع
وصاياه بل يتعدها، وفي هذا قال السيد المسيح "الذي لا يحبني لا يحفظ
كلامي" (يو24:14).
وهذا هو التعدي الذي يقصده الكتاب المقدس عندما عرف الخطية قائلا: "كل من
يفعل الخطية يفعل التعدي، والخطية هي التعدي" (يو4:3).
قف يا أخي وانظر هل تحب الله وتحفظ وصاياه، أم أنك تحب الشرور أكثر من
محبة الله فتتعدى وصاياه لكي تشبع شهواتك!!
ونتيجة ثالثة هي:-
3- مــوت:
الله هو الحياة كما قال عن نفسه "أنا هو الطريق والحق والحياة." (يو9:14)
وفيه الحياة "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس" (يو4:1).وكل من
يتصل بالله له الحياة." (يو12:5). بل إن مجيء السيد المسيح إلينا هو لكي
يعطينا هذه الحياة "أما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم
أفضل."(يو10:10).
ولكن إذ ينفصل الإنسان عن الله ينفصل عن مصدر الحياة فيصبح ميتاً، هذا ما
وضحه السيد المسيح في مثل الابن الضال في قول الأب لعبيده: "ابني هذا كان
ميتا فعاش" (لو24:15). فكان ميتا بانفصاله عن أبيه وعندما عاد إلى أحضانه
نال الحياة مرة أخرى.وهذا هو عين ما قاله بولس الرسول عن الخاطئ "ونحن
أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح. بالنعمة أنتم مخلصون." (أف5:2).
عزيزي هل أنت متصل بمصدر الحياة لتستمد الحياة منه أم أنك منفصل عنه وليس
فيك الحياة. أنا أخشى يا أخي أن ينطبق عليك القول "أن لك اسماً أنك حي
وأنت ميت."!!(رؤ1:3).
ثانياً:- مظهر الخطية
عندما ينفصل الإنسان عن الله يتغير موقفه تماما من الله. فبعد أن كان
يتمتع بعشرته تصبح لذته في شهوته، وبدلا من شكر الله على نعمته يجحد
بركاته، وعوض أن يمجد الله في محبته يمجد ذاته.
وعنى يا أخي أفصل أمامك الأمر لترى موطن خطيتك:
1- التمتع بالشهوات:
يقول سليمان الحكيم "نفس الشرير تشتهى الشر" (أم10:31).
ويضيف بطرس الرسول فيقول "يذهبون وراء الجسد في شهوة النجاسة. يحسبون
تنعم يوم لذة. لهم عيون مملوءة فسقاً لا تكف عن الخطية." (2بط10:2).
فانظر يا أخي وكن صريحاً مع نفسك، عل تتمتع بعشرة الرب حقيقة أم أن متعتك
في شهواتك؟!.
فإذا وقفت لتصلي هل تشعر بالمتعة والاشتياق لشخص الحبيب وتتلذذ بالجلوس
عند قدميه؟. أم أنك تعتبر أن الصلاة عبء ثقيل، فتتثاءب وتتململ وتتعجل
الوقت وتسرع في صلاتك حتى تنتهي من هذا الواجب المتعب..؟ بينما إذا جلست
مع أصدقاء الخطية في المقهى أو في أماكن اللهو والخلاعة طاب لكم الحديث
وطال حتى منتصف الليل دون ملل أو قلق!!.
وإذا جلست لتقرأ الكتاب المقدس هل تشعر بلذة ومتعة لأنك تقرأ كلمة الله
وتصغي إلى رسالته لك وتستكشف أخبار السماء؟. أم أنك تؤدى فرضاً عسراً
فتقرأ بملل وضيق؟. بينما نراك في شوق والتهاب تلتهم جرائد الصباح
والمجلات الأسبوعية والروايات الدنسه.. واأسفاه!!.
وعندما تحضر القداسات الإلهية والاجتماعات الروحية هل تشعر بالبهجة
والفرح لأنك في محضر رب الجنود؟ أم أنك تتأفف إذا تأخرت الكنيسة عن ميعاد
الانصراف؟ وربما عبرت عن استيائك ببعض الكلمات الجارحة والانتقادات
اللاذعة .. بينما إذا ذهبت إلى السينما أو جلست أمام التلفزيون لا تشعر
بمرور الوقت، وعندما يقترب الفيلم من النهاية تتأسف في قلبك على أنه
انتهى هكذا سريعاً.
عجباً يا أخي! ماذا تقول عن هذا القلب الذي لا يتمتع إلا بالشهوات ولا
توجد إشتياقات له للتمتع بعشرة الرب! أنها الخطية التي فصلتك عن الله فما
عدت ترى فيه بهجة أو جمالا بقدر ما ترى في ملذاتك وشهواتك.
حبيبي إن كنت لا تتمتع بعشرة الرب هنا فكيف تقضى الأبدية في محضره ففي
الأبدية سوف لا نجد سوى الله موضوع البهجة والسعادة اللانهائية، فان كانت
متعتك على الأرض فيه وأشتياقات قلبك مركزة في أن تراه كما هو فسوف تسعد
بتحقيق رغبتك وهذا هو النعيم بعينه. "هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك
أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته"(يو3:17).
ولكن إن كنت في حالة نفور من الله هنا على الأرض فأن أبديتك ستكون في
غاية الكآبة والبؤس لأنك سوف لا تجد لذة بمعاشرة الرب وهذا هو الجحيم
بعينه.
2- جحد البركات:
إن الإنسان الذي يشعر بمحبة الرب وبركاته لا يكف عن أن يشكره على
إحساناته، ولكن إذ ينفصل عن الرب لا يرى أن الله هو مصدر الخير الذي يعيش
فيه. فبالرغم من عدم أمانتنا إلا أن الله يظل أميناً. مثل هذا الإنسان
المبتعد عن الله يرجع مصدر النعمة التي يرفل فيها إلى مهارته وذكائه
ومجهوداته.. آه يا صاحب القلب الجحود ألا تشكر من أوجدك من العدم؟ ألا
تذكر فضل من وهبك الصحة والأولاد والمال وسيج حولك إلى هذه الساعة؟ إن من
أعظم بركات الرب عليك يا أخي أنه تمهل عليك طوال سني جهلك وشرك ليتيح لك
فرصة للتوبة والرجوع إليه: "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير
عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة ولكنك من اجل فساوتك وقلبك غير
التائب تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة"
(رو4:2،5).
أخي هل تشكر الله على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال لأنه سترك وأعانك
وحفظك وقبلك إليه وأشفق عليك وعضدك وأتى بك إلى هذه الساعة؟!. أم ينطبق
عليك قول الرسول: "لأن الناس يكونون معجبين بأنفسهم غير شاكرين"
(2تى3:2).
3- تمجيد الذات:
عندما ينفصل الإنسان عن الله ينسى بل يتناسى الله نهائيا ويبدأ في تأليه
نفسه فأينما وجد حاول أن يظهر عظمة ذاته، وإذا تكلم لمست في أحاديثه
الكبرياء والانتـفاخ سواء بالعلم والمعرفة، أو المال والثروة، أو الصحة
والقوة .. الخ.
ولكن اعلم يا من تنتفخ وتـتشامخ وترتفع إلى فوق، اعلم أن الله يتمهل عليك
إلى حين، تاركا لك فرصة للتوبة، ولكن سيأتي اليوم الذي فيه يسحق كبرياءك
ويخزى علمك ويذل قوتك.
تأمل يا أخي ما حدث مع هيرودس الملك الذي لبس الحلة الملوكية وجلس على
كرسي الملك وابتدأ يكلم الشعب قائلا: "هذا صوت إله لا صوت إنسان" وسر
الملك بهذا الهتاف..ففي الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يعط المجد لله فصار
يأكله الدود ومات" (أع21:12-23).
وتأمل أيضا يا أخي ما دونه الكتاب المقدس عن نبوخذ نصر الملك في سفر
دانيال الإصحاح الرابع. بعد أن بنى مدينة بابل العظيمة "كان يتمشى على
قصر مملكة بابل وأجاب الملك فقال: أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها
لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي. والكلمة بعد في فم الملك وقع صوت
من السماء قائلا: لك يقولون يا نبوخذ نصر الملك إن الملك قد زال عنك،
ويطردونك من بين الناس، وتكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب
كالثيران فتمضى عليك سبعة أزمنة حتى تعلم أن العلي متسلط في مملكة الناس
وأنه يعطيها لمن يشاء. في تلك الساعة تم الأمر على نبوخذ نصر فطرد من بين
الناس وأكل العشب كالثيران وابتل جسمه بندى السماء حتى طال شعره مثل
النسور وأظافره مثل الطيور".
هذا هو ما حدث لنبوخذ نصر عندما تكبر وتشامخ. ولكن تأمل ما حدث له عندما
تصاغر وتواضع إذ يقول " وعند انتهاء الأيام أنا نبوخذ نصر رفعت عيني إلى
السماء فرجع إلى عقلي وباركت العلي وسبحت وحمدت الحي إلى الأبد الذي
سلطانه سلطان أبدى وملكوته إلى دور فدور وحسبت جميع سكان الأرض كلا شئ
وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض. ولا يوجد من يمنع يده أو
يقول له ماذا تفعل. في ذلك الوقت رجع إلى عقلي وعاد إلى جلال مملكتي
ومجدي وبهائي، وطلبني مشيرى وعظمائي وتثبت على مملكتي.وازدادت لي عظمة
كثيرة. "فالآن أنا نبوخذ نصر أسبح وأعظم وأحمد ملك السماء الذي كل أعماله
حق وطرقه عدل ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر أن يذله"(دا:4).
فماذا يا أخانا ..؟ هل تفتخر وتتكبر من أجل مركزك أو علمك أو مالك أو
نسبك..؟.
اذكر قول هذا المختبر نبوخذ نصر."من يسلك بالكبرياء فهو قادر أن
يذله"(دا37:4).
وأخيراً أضع أمامك قول بطرس الرسول "تسربلوا بالتواضع لأن الله يقاوم
المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة.فتواضعوا تحت يد الله القوية
لكي يرفعكم في حينه"(1بط5:5،6).
صلاة:-
اعطني يارب أن أعرف من أنا. وما هي خطيتي. حتى أتواضع أمامك ولا أتكبر
بشيء هو أصلاً من عطاياك التي وهبتها لي فضلاً، فكيف أفتخر بها أمامك.
ارحمني واصفح عني.
ثالثاً:- عوامل الخطية
توجد عدة عوامل تسب السقوط في الخطية منها:
1- الطبيعة الوراثية:
تلك هي الطبيعة الفاسدة التي ورثناها عن أبوينا الأولين آدم وحواء،
الطبيعة الملوثة بجرثومة الخطية والإثم "هاأنذا بالإثم صورت وبالخطية
حبلت بي أمي" (مز5:51).
هذه الطبيعة الوراثية هي قوة ضغط لا يمكن للإنسان أن يضبطها إلا بمعونة
إلهية. وعن هذه الطبيعة كتب بولس الرسول قائلا: "أرى ناموسا آخر في
أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في
أعضائي"(رو23:7).
ألا تشعر بتأثير هذا العامل في حياتك، فترى نفسك بالطبيعة ميالا للخطية؟.
في الواقع يا أخي إن هذا العامل هو أقوى العوامل التي تجرف الإنسان إلى
تيار الإثم … هذا العامل هو الذي دعي بولس الرسول أن يطلق صرخته المدوية
"ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت"؟! (رو24:7).
لا تخف يا أخي من جبروت هذا العامل فقد وجد بولس الرسول القوة التي
أعتقته من سلطانه وأعلنها لنا بقوله "ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد
اعتقني من ناموس الخطية والموت"(رو2:8).
ويقصد بناموس روح الحياة "الروح القدس" فالروح القدس قوة تهيمن على ميول
الطبيعة القديمة وتضبطها وتحرر من سلطانها.
فان كنت مهزوما من سلطان طبيعتك القديمة سلم قيادة حياتك للروح القدس،
روح القوة ولكن دائم الخضوع للسلطة، والوجود في حضرته وتحت مظلته بروح
الصلاة الدائمة والالتصاق به فكرياً وقلبياً وعملياً. فيعتقك من ناموس
الخطية والموت.
2- البعد عن النعمة الإلهية:
ألا ترى يا أخي أنك كلما اقتربت من مصدر النعمة كلما شعرت بالراحة
والسلام والغلبة؟ ففي اللحظة التي تبتعد فيها عن الله تسقط فريسة للخصم
الزائر كأسد جائل ملتمسا من يبتلعه.
تأمل يا أخي _ ويا أختي ما حدث لدينة ابنة أبينا يعقوب يقول الكتاب
"وخرجت دينة لتنظر بنات الأرض فرآها شكيم ابن حمور رئيس الأرض وأخذها
واضطجع معها وأذلها" (تك.24). سقطت دينة في يد من أذلها عندما تركت خيام
أبيها.. هكذا يا أخي حينما تترك خيام أبيك، خيام النعمة، لا بد وأن تسقط
في يد رئيس سلطان الهواء الذي بذلك ويمرر حياتك. وما أجمل تصوير القديس
أغسطينوس لهذا الأمر عندما قال: "لأنك إذا ما ابتعدت عن معرفة العلي بدون
قوة تدعمك سقطت. لأن إبليس وملائكته ينصبون فخاخهم كما يفعل الصيادون.
والذين يسلكون في المسيح تبتعد خطواتهم عن تلك الفخاخ، لأن إبليس لا يجرؤ
على بسط شبكته في المسيح، فهو يقيمها على حافة الطريق لا في الطريق".
أتريد أن تنجو من فخاخ إبليس؟ اقترب إلى الله وامسك به فهو القائل "تعلق
بي أنجيه. أرعه لأنه عرف اسمي يدعوني فأستجيب له. معه أنا في الضيق.
أنقذه وأمجده. من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي" (مز14:91-16).
3- القرب من مجال الخطية:
وثمة عامل آخر من عوامل السقوط في الإثم هو القرب من مجال وتأثير الخطية،
فمن ذا الذي يقترب من الحية وينجو من سمها؟ أو يمشى إنسان على الجمر ولا
تكتوي رجلاه"؟.(أم28:6).
تأمل يا أخي سر سقوط أمنا حواء، فقد نهاها الرب عن الأكل من الشجرة، وقد
حرصت فعلا على هذه الوصية، وذات يوم سولت لها نفسها أن تقترب إلى الشجرة
المنهي عنها، فإذا بالحية تنتهز هذه الفرصة لتوجه لدغتها المميتة إلى
أمنا المسكينة. لاحظ يا أخي تعبير الكتاب "فرأت المرأة أن الشجرة جيدة
للأكل…"(تك6:3). وهذا يدل على أن حواء كانت قريبة من الشجرة فكان هذا سر
سقوطها.
أو ليس هذا هو سر سقوط شمشون الجبار؟ لقد أقترب من مجال الخطية إذ ذهب
إلى وادى سورق ودخل بيت دليلة واستسلم لها فأنامته على ركبتيها ودعت
رجالا وحلقت سبع خصل رأسه وابتدأت بإذلاله وفارقته قوته.(قض.16).
عزيزي القارئ: أخشى أن تكون أهوجاً كما كان شمشون! فترتاد أماكن الدنس
وتتردد على دور الملاهي والسينما والتلفزيون ظانا أنك قوى الإرادة، مدعيا
أن هذه الأمور لا توثر فيك، أخشى أن تكون لك علاقات منحرفة مدعيا أنها
علاقات شريفة. أحذر فان النهاية تعيسة! لأن الخطية لذيذة في بدايتها،
وطريقها غامض في أوله تخدعك ثم تقتلك فقد خدعت بولس الرسول من قبلك فقال
"لأن الخطية.. خدعتني وقتلتني".(رو11:7).
أخي إنها ساعة لتستيقظ "فاهرب لحياتك.. ولا تقف في كل الدائرة لئلا تهلك"
(تك17:19).
اقطع صلتك بالخطية، لا تذهب إلى الأماكن التي تعثرك، ولا ترتبط بالصداقات
الشريرة، وابتعد عن كل ما يؤدى بك إلى عبودية الخطية.
رابعاً:- ثمار الخطية
الخطية شجرة مرة ثمارها افسنتين، وربما تكون قد تذوقت مرارتها وإليك بعض
ثمارها:
1- الخزي والعار:
يقول سليمان الحكيم "البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية"(أم34:14).
عندما تعرى أبونا آدم من ثوب النعمة فر هاربا والخزي يغطى وجهه إذ سمع
صوت الرب الإله ماشيا في الجنة وتوارى بين الأشجار ومن هناك رفع صوته
الأسيف "سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت"(تك10:3).
وهو ذا داود النبي الملك المكرم ينكس الرأس مخزياً أمام ناثان النبي الذي
كشف له خطيته الشنعاء مع امرأة أوريا الحثى..
أعرف إنساناً كان غنياً يملك الأطيان والعمارات وكان يشغل منصباً محترماً
في الوظائف الحكومية، وإذ استعبد للخطية من خمر وزنا وقمار وسجاير
ومخدرات باع كل ما يملك، بل وصل به الحال أن فصل من وظيفة، وأدى به الأمر
إلى خلل في قواه العقلية وهوذا الآن يدور في الشوارع وعلى كتفه "بطانية"
مهلهلة راية العار وعلامة الخزى!!.
أخي هل غطى الخزى وجهك وهل كستك الخطية بالعار؟ تستطيع الآن يا أخي أن
تكتسي بثوب البر ورداء الخلاص.
2-عدم السلام:
يقول الكتاب "لا سلام قال إلهي للأشرار"(اش22:48).
( أ ) لا سلام مع نفسك:
لهذا أنت في قلق داخلي، والأحزان والهموم تملا حياتك، لا تبحث عن الراحة
في الخمر، ولا تخدع نفسك باللهو والمكيفات ظاناً أن هذه الوسائل تعطيك
سلاماً.. ألا تعلم يا أخي أن سبب تعاستك هو الخطية.. فلا سلام لك طالما
أنت في ارض الخطية.. فان أردت أن تتمتع بالراحة والسلام اترك كورة
الخنازير...
(ب) لا سلام مع الناس:
صدقني يا أخي لو بحثنا عن سبب الانشقاقات والتحزبات والمناوشات بينك وبين
الآخرين لوجدت السر كامنا في الخطية. فالسلام مفقود لأن الله في القلب
غير موجود، إذ أنه لا يوجد في قلب ملئ بالخطية.
فان كنت يا أخي لا تشعر بالسلام مع المحيطين بك سواء في البيت أو العمل
فأبحث عن السبب، ربما تكون محبا لذاتك، محبا للظهور، متكبرا فتصطدم مع
الآخرين، أو عينيك شريرة وقلبك دنس فلا تجد راحة ولا سلام.
إن أردت أن يكون بينك وبين الناس سلام انزع الخطية من قلبك وأصغى إلى قول
الوحي: "إذا أرضت الرب طرق إنسان جعل أعداءه أيضاً يسالمونه" (أم7:16).
(ج) لا سلام مع الله:
حقيقة يا أخي لا تستطيع أن تتمتع بالإسلام الكامل إلا في وجودك مع الله
ولكنك تحب الخطية أكثر من الله فتفصلك عن مصدر السلام فيئن قلب متوجعاً
باحثاً عن السلام في غير موضعه وهيهات أن تجده..
عزيزي اقترب إلى الرب يقترب إليك واسمعه يقول لك "تعالوا إلى يا جميع
المتعبين والثـقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت28:11). هو مستعد أن يترك لك
خطاياك ويبررك من كل إثم فيصير لك معه سلام "إذ قد تبررنا بالإيمان لنا
سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رو1:5).
3- الهلاك الأبدي:
يوضح لنا بولس الرسول هذه الثمرة التي يجنيها الأشرار من الخطية بقوله:
"أجرة الخطية هي موت" (رو23:6). ويضيف قائلا: "في نار لهيب معطياً نقمة
للذين لا يعرفون الله والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح. الذين
سيعاقبون بهلاك أبدى من وجه الرب." (2تى8:1،9).
ربما تستهين يا أخي بهذه النهاية التعيسة، وفي موجة من الاستهتار تستسلم
لهذا الشقاء الأبدي … ولكن من قلب مفعم بمحبتك أرجوك أن تفتح عينيك لتبصر
حالة الغنى التعيس التي صورها رب المجد بقوله:
رجل غنى قضى أيام حياته في تنعمات وتلذذات الخطية، ما أشفقت عيناه يوما
على لعازر المسكين المضروب بالقروح. وإذ تنتهي حياته في الجسد يلقى في
أعماق الجحيم ومن هناك: "رفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب ورأى إبراهيم
من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى وقال يا أبى ارحمني وارسل لعازر ليبل طرف
أصبعه بماء ويبرد لساني لأني معذب في هذا اللهيب. فقال إبراهيم يا ابني
اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزى
وأنت تتعذب" (لو19:16-31).
تأمل يا أخي هذا الغنى وهو في الجحيم معذباً من اللهيب وليس من يبرد
لسانه. آه كم يتمنى هذا التعيس وأمثاله ممن يعانون من لهيب البحيرة
المتقدة بنار والكبريت، كم يتمنون أن تتاح لهم فرصة ولو دقيقة واحدة
ليعودوا إلى أرضنا ليتوبوا في الرماد والمسوح حتى يخلصوا من عذاب جهنم.
ولكن هيهات لمن في الخطية قد مات أن ينجو من العذاب.
صدقني يا أخي إن سكان الجحيم يحسدونك على هذه الفرصة المتاحة لك لتتوب.
فلماذا يا مبارك "تستهين بغنى لطف الله وإمهاله وطول أناته غير عالم أن
لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة، ولكن من أجل قساوتك وقلبك غير التائب
تذخر لنفسك الغضب وإستعلان دينونة الله العادلة."(رو4:2،5).
هذه يا أخي الخطية في مفهومها كانفصال عن الله، وفي مظاهرها المتعددة من
تلذذ بالشهوات وتمجيد للذات ... ، وها هي عواملها التي تؤدي للسقوط: من
طبيعة فاسدة، وابتعاد عن الله، واقتراب من مجالات الشر. أما ثمارها المرة
فهي الخزي والعار، وعدم السلام، والهلاك الأبدي.
* * *
صلاة:-
إلهي لا تسمح أ، أنفصل عنك وأسقط في الخطية وأحرم من نعمة الوجود معك. لا
تسمح لنفسي أن تهلك بل خلص نفسي من أجل حبك.
|