الفصــل الرابـع وسـائط
النعمـة
أولاً :- الإيمــان
ثانياً :- الأســرار
ثالثاً :- الممارسات الروحية
وسـائط النعمـة
عرفنا مما سبق أن النعمة هي عطية مجانية معروضة على جميع الناس. ولكن ما
يهمنا توضيحه هو كيف يحصل الإنسان على هذه النعمة. ومن قلوبنا نشكر الله
الطيب لأنه إذ أعد لنا النعمة، وضح لنا وسائل الحصول عليها وهي:
الإيمان. الأسرار. الممارسات الروحية.
أولاً :- الإيمـان
معلمنا بولس الرسول يقول "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم
هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (أف8:2). فيوضح أن الإيمان
هو وسيلة نيل النعمة، لذلك نراه يقول "إذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع
الله" (رو1:5). فالتبرير الذي هو أول أعمال النعمة يحصل عليه الإنسان
بالإيمان.
تشبيـه:
لقد شبه أحدهم النعمة والإيمان بتشبيه جميل إذ قال (يمكننا أن نشبه
الإيمان بالماسورة، ونشبه النعمة بالنبع الفائض الذي تتدفق منه المياه
داخل الماسورة وتروى بنى البشر العطاش. إنها مأساة كبرى حين تنكسر
الماسورة. ينبغي أن تكون الماسورة سليمة حتى تتمكن من توصيل المياه.
وهكذا الإيمان، ينبغي أن يكون صحيحاً ومتينا، يتجه إلى الله مباشرة، ثم
يرجع إلينا محملا بمراحم الله من جهتنا. دعني أذكرك مرة أخري أن الإيمان
ليس إلا القناة أو الماسورة، ولا ينبغي أن تنظر إليه طويلا لدرجة أنك
ترفع من شأنه أكثر من النعمة التي هي مصدر كل بركة إلهية. أحذر من أن
تصنع من إيمانك مسيحاً، أو تنظر لأيمانك وكأنه مصدر الخلاص. نحن نحصل على
الحياة حينما ننظر إلى يسوع وليس بالنظر إلى إيماننا).
فانظر يا أخي إلى يسوع بعين الأيمان والثقة في أنه المخلص الوحيد الذي
يستطيع أن يخلصك من كل خطاياك وهو يسكب نعمته المخلصة في قلبك خلال هذه
النظرة الواثقة في قوة شخصه.
تشبيـه آخـر:
لقد قصدت أن أضع أمامك هذه التشبيهات حتى تستطيع أن تدرك ما هو المقصود
من الإيمان. تأمل إذن هذا التشبيه.
إذا ذهبت إلى شاطئ البحر فانك ستجد كثيراً من الحيوانات الرخوة مختبئة
داخل الصخر. هذه الحيوانات الضعيفة إذا ديست بالقدم فأنها تتحطم، لكنها
متى احتمت في الصخرة فلا توجد قوة تستطيع أن تصل إليها. ومع أنها لا تعرف
شيئاً عن جغرافية الصخور، إلا أنها تعرف كيف تلتصق بالصخر وتحتمي فيه
لأمنها وسلامها. إن حياتها هي في الاحتماء في الصخر والالتصاق به، وكذلك
حياة الخاطئ هي في الالتصاق بيسوع المخلص. آلاف مؤلفة من شعب الله لا
يزيد إيمانهم عن ذلك، عن كونهم يلتصقون بالمسيح بكل قلوبهم وأنفسهم، وفي
ذلك الكفاية للسلام في الحاضر، وللأمان في الأبدية. فالمسيح لهم مخلص قوى
مقتدر، صخر ثابت لا يتزعزع، وهم يلتصقون به لأن فيه حياتهم، وهذا
الاحتماء يخلصهم. فليتك يا عزيزي تلتصق به وتحتمي فيه.
ثقة المريض في الطبيب:
عندما يثق المريض في أحد الأطباء وفي مهارته يذهب إليه ويلقى بنفسه بين
يديه، ويكشف عن موطن المرض، فيجري الطبيب له العملية الجراحية ويستأصل
المرض من جسمه. ويقوم المريض ليشكر الطبيب بعد أن يستفيق من البنج وقبل
أن تظهر نتائج العملية. لأنه واثق أن العملية ناجحة لثقته في مهارة
الطبيب.
هذا هو الإيمان المطلوب. فتأتى بهذه الثقة إلى يسوع طبيب الروح وتمثل بين
يديه وتكشف له سر تعبك وخطيتك التي تشعبت في قلبك. وثق أن يسوع يستطيع أن
يستأصل سرطان الخطية من قلبك. وتقوم في الحال وتشكره لأن العملية قد نجحت
فعلا لأنه الطبيب القادر على كل شئ والمحب الذي يريد أن الجميع يخلصون
وإلى معرفة الحق يقبلون. فبعد أن ترفع قلبك له ليخلصك من ضعفاتك تقوم
وتشكره لاستجابته الطلبة مستنداً على وعده الصادق "وكل ما تطلبونه في
الصلاة مؤمنين تنالونه (وفي الأصل اليوناني: قد نلتموه)". (مت22:21).
الإيمان والإيحاء السيكولوجي:
ربما تقول يا أخي أن هذا ضرب من الإيحاء السيكولوجي. كيف أؤمن أنني شفيت
وأنا لازلت مريضاً؟ وكيف أؤمن أنني قوى وأنا لا زلت ضعيفاً، اللهم إلا
إذا كانت مجرد إيحاءات سيكولوجية!!.
أخي لقد نجح الشيطان في اكتشاف هذا التعبير وتلقينه لعلماء النفس لكي
يحطم مفهوم الإيمان. فحقيقة أن الإيحاء السيكولوجي يشبه الإيمان إلى حد
كبير في أنه يريد أن يعطي الإنسان ما ليس فيه، فان كان مريضاً يريد كل
منهما أن يعطيه الشفاء، وإن كان ضعيفاً يريد كل منهما أن يعطيه قوة، وإن
كان حزيناً يريد كل منهما أن يعطيه فرحاً.. الخ. ولكن الفرق بين الاثنين
هو فرق جوهري .. فالإيحاء السيكولوجي يستند على لا شئ فهو مجرد تمنيات
ورجاء ليس له ركيزة ولا سند. أما الإيمان فهو ثقة بالحصول على ما يرجوه
الإنسان "الإيمان هو الثقة بما يرجى" (عب1:11). وهو متأكد أنه قد نال ما
يرجوه. فالإيمان له ركيزة قوية وسند قادر ألا وهو الله الأمين الطيب. فلا
تخلط يا مبارك بين الإيحاء السيكولوجي والإيمان اليقيني. فهل كان إيمان
صاحب اليد اليابسة إيحاء سيكولوجياً عندما قال له رب المجد "مد يدك"
(مر1:3ـ6). وآمن بأنها قد شفيت وعلى هذا اليقين "مدها فعادت سليمة
كالأخرى" (مر6:30). ولاحظ يا أخي أن عودتها سليمة تم بعد مدها. لأنه وثق
في الشفاء قبل أن يراه لأنه كان ينظر إلى يسوع الطبيب الشافي. وهذا
الكلام ينطبق أيضاً على العشرة البرص.(لو11:17ـ19). فالمسيح أمرهم أن
يذهبوا إلى الكهنة قبل أن يشفوا، فانطلقوا على هذه الثقة أنهم قد نالوا
الشفاء ويقول الكتاب "وفيما هم منطلقون طهروا" فهل كان انطلاقهم إيحاء
سيكولوجياً. أم إيماناً يقينياً. الفرق بين الإيمان والإيحاء السيكولوجي
أن الإيمان يرتكز على يسوع أما الإيحاء فيرتكز على لا شئ!!.
هل تؤمن إذن أن يسوع مستعد أن يقبلك ويغفر كل خطاياك ويبررك، ويقدسك،
ويمجدك؟!.
الرب يعطيك هذا الإيمان. لأن الإيمان هبة كما يضح لنا بولس الرسول في
قوله "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان، وذلك ليس منكم هو عطية
الله.(أف8:2). وقد أكد هذه الحقيقة القديس أوغسطينوس بقوله "وخشية أن
يفتخر أحد أن الإيمان عمل بشري مستقل عن النعمة، يوضح الرسول أن الإيمان
هو أيضاً من عمل النعمة بقوله: "وذلك ليس منكم هو عطية الله" (أف8:2).
(N.P.F.1st. Ser. Vol.V P.229)
اطلب يا أخي عطية الإيمان وسيُعطى لك.
الإيمان والأعمال:
إن الإيمان الخلاصي الذي به ينال المؤمن التبرير أمام الله، إذ يتخذ
المسيح مخلصاً شخصياً له وبديلا عنه في تحمل عقوبة الخطية، هذا الإيمان
الحي الحيوي لابد وأن تظهر ثماره في حياة المؤمن حتى يتبرر أمام الناس
ليتمجد الله فيه. فالأعمال ثمر الإيمان الحي (العامل بالمحبة). ويجدر بنا
أن نوضح أن الأعمال لا تسبق الإيمان وإنما هي علامة الإيمان الحقيقي.
ولهذا قال بولس الرسول لتيطس "أريد أن تقرر هذه الأمور لكي يهتم الذين
آمنوا بالله أن يمارسوا أعمالا حسنة" (تى8:3).
فالإنسان الذي حل فيه المسيح بالإيمان "ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم"
(أف17:3). أصبح خليقة جديدة ويسلك في الأعمال الصالحة التي أعدها الله له
ليسلك فيها، كما قرر بولس الرسول قائلا "لأننا نحن عمله مخلوقين في
المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (أف10:2).
فالله الذي أعد هذه الأعمال الصالحة، هو نفسه الذي يقوم بتنفيذها في
المؤمن كما وضح معلمنا بولس الرسول أيضاً "لأن الله هو العامل فيكم أن
تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (فى13:2).
هذا عن وسيلة الإيمان بإيجاز فالإيمان ليس ثمناً للخلاص ولكنه وسيلة
للخلاص وثمر للخلاص.
ثانيـاً:- الأسـرار
لقد وضح رب المجد أن الأسرار هي وسيلة من وسائل النعمة بقوله: "من آمن
واعتمد خلص"مر16:16). وبطرس الرسول أيضاً يظهر هذه الحقيقة بقوله "توبوا
وليعتمد كل واحد منكم على اسم المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح
القدس"(أع38:2).
وهكذا نرى أهمية الأسرار كوسائط نعمة للخلاص. فان تعريف الأسرار هو أنها
"وسيلة بها ننال نعمة غير منظورة بواسطة مادة منظورة. {كتاب علم اللاهوت
- للقمص ميخائيل مينا جزء 2 ص306}
ونستطيع أن نوضح النعمة التي ننالها في هذه الأسرار.
1- سر المعمودية والتوبة:
في هذين السرين ننال نعمة التبرير والتجديد. يتضح هذا من قول بطرس الرسول
"توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية
الروح القدس" (أع38:2).
( أ ) المعمودية:
يقول عنها السيد المسيح "من آمن واعتمد خلص" (مر16:16).
(ب) التوبــة:
يقول يوحنا الحبيب "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا
خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يو9:1).
2- سر الميرون والتناول:
في هذين السرين ننال نعمة التقديس بثباتنا في المسيح يسوع بالروح القدس
الذي يقدسنا.
( أ ) الميرون:
في هذا السر ننال سكنى الروح القدس فينا وهو يثبتنا في المسيح كما يقول
بولس الرسول "الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا
ومنحنا عربون الروح في قلوبنـا" (2كو21:1،22). ويقول يوحنا الحبيب "وبهذا
نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا" (1يو24:3).
وبالرغم من أنك مسحت بالميرون إلا أنك أحزنت الروح وأطفأته بعدم إضرامك
لهذه الموهبة، ولهذا يوصينا الكتاب على لسان بولس الرسول قائلاً: "أذكرك
أن تضرم موهبة الله التي فيك" (2تى6:1).
(ب) التنـاول:
لقد وضح رب المجد فاعلية هذا السر بقوله "من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت في
وأنا فيه" (يو56:6).
ويوحنا الحبيب يوضح لنا القصد من هذا الثبات بقوله "من قال أنه ثابت فيه
ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضاً" (1يو6:2).
فهل يا أخي أنت سالك في المسيح يسوع ومتتبعاً خطواته. أم أنك تفصل بين
التناول وبين السلوك.
كم أخشى يا أخي أن تكون ممارستنا للأسرار مجرد ممارسات طقسية دون الحياة
بفاعليتها. فالأسرار تعطيني المسيح. فهل أخذت يسوع وتقابلت معه وتسلك
فيه؟! أم أنك تمارس هذه الأسرار شكلياً؟.
لقد حذر قداسة البابا الأنبا شنوده من هذه الحال فقال: (وأنت يا أخي
الحبيب حاذر أن تكون كالقبور المبيضة من الخارج تهتم بالعبادة والطقس
والذبيحة والبخور تاركا أثقل الناموس الحق والرحمة. (مت23:23). هذا ما
كتبه في مجلة الكرازة تحت عنوان "شكلية العبادة" {مجلة الكرازة السنة
الثانية العدد الخامس - الغلاف}.
هذه هي الوسيلة الثانية وهي الأسرار في إيجاز ولنا إليها عود فيما بعد.
ثالثاً:- الممارسات الروحية
ونقصد بها الصلاة والصوم والكلمة أي دراسة الكتاب المقدس. فهذه كلها ليست
فرائض أو واجبات وإنما هي وسائط نحصل بها على نعمة الله المخلصة كما
سنرى.
1- الصـلاة:
بالصلاة ندخل إلى حضرة الله ونتقابل معه لنطلب منه كل ما نحتاج إليه
فيعطيه لنا بنعمته. فقد وعدنا رب المجد قائلا "كل ما تطلبونه في الصلاة
مؤمنين تنالونه" (مت22:21).
ففي الصلاة نطلب الغفران كما علمنا المسيح في الصلاة الربانية "اغفر لنا
ذنوبنا … " (مت12:6).
وبها نطلب الملء بالروح القدس ليقدسنا فقد سجل الروح القدس حالات ملء
بالصلاة فقال "ولما صلوا تزعزع المكان وامتلأوا من الروح القدس"
(أع31:4). وهذا طبعاً غير حادثة عماد التلاميذ بالروح القدس يوم الخمسين
المذكورة في الإصحاح الثاني من سفر الأعمال.
ولهذا فقد وضعت الكنيسة للمؤمنين أن يصلوا يومياً في الأجبية (كتاب
الصلوات السبع) قائلين "أيها الملك السماوي المعزى روح الحق.. هلم تفضل
وحل فينا وطهرنا من كل دنس..".
2- الصـوم:
هو أيضاً وسيلة أوجد بها في حضرة الله وأنحني أمامه في خضوع وتذلل ساكباً
نفسي أمامه ليتحنن على ضعفى ويلبسني قوة من الأعالي، أهزم بها إبليس
وجنوده فقد قال الرب "إن هذا الجنس لا يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم"
(مت21:17). وفي الصوم ينسكب الروح القدس ليوجهنا ويهبنا القوة في الخدمة
كما حدث مع التلاميذ في البداءة إذ يسجل كاتب سفر الأعمال ما يلي: وبينما
هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس "افرزوا لي برنابا وشاول للعمل
الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم
أطلقوهما"(أع2:13،3).
3- الكلمـة:
دراسة كلمة الله تدخلني تواً في حضرة الله لأني في هذه الحالة اسمع لصوته
مكتوباً فأكون على صلة مباشرة معه … وفي هذه الصلة ينسكب الروح القدس.
هذا ما حدث فعلا إذ وقف بطرس الرسول ليتكلم بكلمة الله في بيت كرنيليوس
فحل الروح القدس على الجميع كما يسجل سفر الأعمال قائلا "فبينما بطرس
يتكلم بهذه الأمور حل الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة"
(أع44:10). وهذا هو عين ما قرره بطرس الرسول نفسه إذ قال: "فلما ابتدأت
أتكلم حل الروح القدس عليهم" (أع15:11).
لهذا فنحن نقرأ كلمة الله لندخل في حضرته ونوجد على اتصال مباشر به لتسري
نعمته فينا خلال كلمته المخلصة إذ قال عنها بولس الرسول "إنها قوة الله
للخلاص"(رو11:1). وعندما ودع أهل أفسس قال لهم: "والآن استودعكم يا اخوتي
لله ولكلمة نعمته القادرة أن تبنيكم وتعطيكم ميراثاً مع جميع
المقدسين"(أع32:20).
هذا عن الممارسات الروحية كوسائط نعمة.
هذه يا أخي مجرد وسائط نعمة من خلالها أتقابل مع المخلص وأتعلق به وأثبت
فيه وأتحد به. من خلالها أحصل عليه فيصير لي بره وقداسته. ومن خلالها يحل
في بروح قدسه يقودني في موكب نصرته.
هذه هي رسالة وسائط النعمة، هي وسيلة لا غاية. أعبر بها لأصل لحبيبي ولكن
ما أكثر الذين يقلبون الأوضاع فيتخذون من الوسيلة غاية، ويتعلقون بالطريق
أكثر من تعلقهم بشخص الرب يسوع، الذي من أجل التقابل معه قد سلكت هذا
الطريق، والذي يسير معي كصديق في هذا الطريق "عمانوئيل الذي تفسيره الله
معنا" (مت23:1).
لمثل هؤلاء الأخوة الذين تعلقوا بالطريق وتركوا الصديق أسوق كلمات قداسة
الحبر الجليل البابا الأنبا شنوده الثالث في هذا الصدد، إذ كتب في مجلة
الكرازة تحت عنوان (محبة الطريق) {مجلة الكرازة.السنة الأولي – العدد
العاشر ص 6}. أنقلها لك بالنص لأهمية ما فيها وجمال ما تحتويه. قال:
(لماذا أصلي؟ ولماذا أصوم؟ ولماذا أختلي؟ ولماذا أقرأ؟ .. هل لكي أصبح
رجل صلاة؟ أو رجل صوم أو خلوة أو معرفة؟ هل أحب أن أكون عابداً؟ هل
العبادة شهوة مستقلة في نفسي لها غرض خاص؟.
هل أريد أن تكبر نفسي، عن طريق النجاح والنبوغ في هذا الطريق؟. هل أنا
مهتم بذاتي: ماذا أكون؟ وكيف أكون؟ ومتى أكون؟ وكيف أتطور إلي أفضل؟.
هل أنا أحب الله ذاته، أم أحب الطريق الذي يوصل إليه؟. هل أنا مثلا أحب
الصلاة، أم أحب الله الذي أصلي إليه؟ إنني ألاحظ في نفسي أحياناً أخطاء
كثيرة: عندما أكمل مزاميري أفرح: لا لأني تحدثت مع الله وإنما لأنني راهب
ناجح في القيام بقانونه وواجبه في العبادة!!، وعندما لا أستطيع أن أصلي
مزاميري جميعها، أحزن: لا لأني فقدت متعة التحدث مع الله، وإنما لأني
راهب فاشل!!. وهكذا أيضاً في صومي، وفي سهري، وفي قراءاتي..!.
المسألة إذن شخصية بحتة. هي أنانية واضحة: أريد فيها أن أكبر في عيني
نفسي على حساب صلتي بالله.!.
متى يأتي الوقت الذي لا أصلي فيه مزموراً واحداً، ومع ذلك أكون سعيداً
لأني على الرغم من ذلك كنت ثابتاً في الله عن طريق آخر من العبادة أو غير
العبادة.
هل أنا أصلي من أجل لذة ومتعة الحديث معك، وحلاوة الوجود في حضرتك، أم من
أجل أن أكتسب فضيلة أصل بها إلى الحياة الأخرى؟ أم أنني أصلي لكي أتحدث
معك حديثاً أطلب فيه تلك الحياة.؟. هل الصلاة في نظري هدف في ذاتها أم
مجرد وسيلة؟.
إن كنت أثور على إنسان عطل خلوتي وصلاتي، ومن أجل الصلاة والخلوة أفقد
سلامي الداخلي، وأفقد سلامي مع الناس، وبالتالي يتعكر قلبي وأفقد سلامي
مع الله أيضاً، إذن فقد أصبحت الصلاة هدفاً لا وسيلة، وفي سبيل هذا الهدف
قد أنحرف وأخطئ!!.
إن العبادة هي مجرد طريق يوصل إلى الله، ولكن الهدف هو الله ذاته.
والمحبة طريق، والخدمة طريق، ولكن واحد هو الهدف، أعني الله … لماذا إذن
نفقد الله من أجل المحافظة على الطريق الذي يوصل إليه؟!. ومن أجل أن يكون
هذا الطريق في الوضع الذي تشتهيه؟!.
فلنحب الطريق لا لأنه شهي في ذاته _ وحقاً هو شهي_، وإنما لأنه يقودنا
إلى الله. ولنسرع في الطريق ونعبره بسرعة لنصل إليه. والكمال هو أن يكون
طريقنا إلى الله ذاته.. هو الطريق). {مجلة الكرازة السنة الأولى العدد 10
ص 6}.
هذا هو ما كتبه قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث موضحاً الخطأ الكبير
الذي نسقط فيه إن نحن حولنا أنظارنا عن يسوع إلى أي شئ آخر. يسوع يا أخي
هو الطريق. (يو6:14). وهو الصديق في الطريق. (أم24:18). وهو الباب.
(يو9:10). وهو راعي الخراف. (يو11:10). وهو الكل في الكل. (1كو28:15).
ليت الرب يسكب من نعمته علينا لنزداد في كل عمل صالح. اسلك يا أخي مع
المسيح بالإيمان خلال الأسرار والممارسات الروحية، فستجد في يسوع شبع
نفسك وراحتها فهو الذي قيل عنه "طوبى لأناس عزهم بك. طريق بيتك في
قلوبهم. عابرين وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً. أيضاً ببركات يغطون مورة.
يذهبون من قوة إلى قوة. يرون قدام الله في صهيون" (مز5:84-7).
|