الفصـل الرابع عمـل الخـلاص
أولاً :- التبرير من قصاص الخطية
ثانياً :- التحرير من سلطان الخطية
ثالثاً :- التغيـر من جسـد الخطية
لقد نلنا بالخلاص المبارك الذي صنعه الرب لنا بدمه ويكمله لنا بروحه
وسيتممه لنا بظهوره بركات عديدة تضمها ثلاث تغيرات هي: التبرير ،
التحرير، التغيـير .
أولاً :- التبرير من قصاص الخطية:
ومعنى التبرير هو التبرئة من قصاص الخطية وعقوبتها. وقد تم لنا ذلك
بواسطة دم المسيح المسفوك على عود الصليب "متبررين مجاناً بنعمته بالفداء
الذي بيسوع المسيح.. بالإيمان بدمه" (رو25:3). ويعود الرسول فيقول "ونحن
متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب". (رو9:5).
فهل تثق يا أخي أن المسيح قد برأك بسفك دمه عنك؟ إن كنت تؤمن بذلك فقد
صار لك سلام مع الله "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله".
(رو1:5).
أليس علي هذا الإيمان قد قبلنا سر المعمودية؟ وأليس علي أساسه نمارس سر
التوبة طيلة أيام حياتنا؟
1- عمل التبرير:
والتبرير يا أخي المبارك يشمل: التكفير والتطهير.
( أ ) التكفير
"متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة
بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال
الله".(رو24:3،25).
وللتكفير معنيان:
¨ المعنى الأول هو التعويض عما اقترفناه من جرم استرضاء لعدالة الله الآب
التي توجب موت الخاطئ.(رو23:6).
وفي هذه الحالة يسمى التكفير (فداء) فالمسيح قدم نفسه كفارة أي فدية
بموته بدلا منا "ولكن الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح
لأجلنا".(رو8:5).
¨ المعنى الثاني هو ستر خطايانا بثوب بر المسيح وهذا هو المعنى الأصلي
لكلمة (كفر) بالعبرية، وفي هذه الحالة يسمى التكفير (غفران) وكلمة (غفر)
هي نفس كلمة كفر العبرية أي ستر ..
( The International standard Encyclopedia Vol 11P. 1132. )
فالمسيح بموته على الصليب ألبسنا ثوب الخلاص المنسوج بدمه ليستر خطايانا
حتى إذا تطلع إلينا الآب لا يرى خطايانا بل يرى ابنه الحبيب يكسونا كرداء
"تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص كساني رداء البر".
(أش10:61).
أخي هل تثق إذن وتتكل في طمأنينة على هذا العمل الكفارى العظيم؟
(ب) التطهير
"دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1يو7:1). ومعنى التطهير هنا هو
التنظيف أي الغسيل وهذا يتم أيضاً بواسطة دم المسيح "يسوع المسيح أحبنا
وقد غسلنا من خطايانا بدمه" (رؤ5:1)
فالمسيح يا أخي لا يكتفي بأن يستر خطيتك فحسب بل هو يسترها حتى يغسلها
"فبسطت ذيلي عليك وسترت عورتك.. فحممتك بالماء وغسلت عنك
دماءك".(حز8:16-9).
شكراً للرب - هذا يا أخي عمل التبرير: تكفير وتطهير.
2- ثمر التبرير:
أما ثمر التبرير فهو: مصالحة ومسامحة.
( أ ) مصـالحة
أيوب قديماً يصرخ قائل: "ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا" (أي33:9).
ولكننا قد وجدناه إذ يقول بولس الرسول "إن الله كان في المسيح مصالحاً
العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم" (2كو19:5).
فإن الخطية يا أخي صنعت عداوة بينك وبين الله، واحتاج الأمر إلى مصالح.
فالمسيح إذ كفر عن خطايانا وغسلنا من آثامنا تقدم ليصالحنا مع الله أبيه
"لأن فيه سر أن يحل كل الملء وأن يصالح به الكل لنفسه عاملا الصالح بدم
صليبه .. وأنتم الذين كنتم قبلا أجنبيين وأعداء في الفكر في الأعمال
الشريرة قد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسين وبلا لوم
ولا شكوى أمامه" (كو19:1-22).
لا تخف إذن يا أخي من الله فالمسيح قد صالحك معه بموته.
(ب) مسامحة
"إذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع
الخطايا". (كو13:2).
إن التبرير يا أخي مبنى على أساس المسامحة، فشكراً لله الذي سامحنا وصفح
عن خطايانا التي فعلناها بإرادة أو بغير إرادة .. بمعرفة أو بغير معرفة،
كل الخطايا السالفة "الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من
أجل الصفح عن الخطايا السالفة" (رو25:3).
هل تستكثر خطاياك على المسيح؟ فالله قد سامحك عنها أفلا تقبل هذا الخلاص
الإلهي "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل اسمي وخطاياك لا أذكرها"
(أش25:43). "قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك. ارجع إلى لأني فديتك"
(أش22:44). "هلم نتحاجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج
وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف" (أش18:1).
أناشدك يا أخي أن تعود فتقرأ هذه الوعود وتضع خطاياك تحت الدم، وليتك
تنشد قائلا:
رش قلبي بدماك طهرني بالتمام
كرسني لرضاك واملأ القلب سلام
وليتك تذهب إلى أب اعترافك لتقر بخطاياك أمامه كوكيل الله ليقرأ لك حِلاً
بحسب سلطان المسيح المُعطى للكهنوت "من غفرتم خطاياه تُفغر له"
(يو23:20).
ثانياً :- التحرير من سلطان الخطية:
عرفنا فيما سبق أن عمل الخلاص يشمل التبرير من عقوبة الخطية بدم المسيح
وسترى الآن عملا آخر من أعمال الخلاص هو: التحرير من سلطان الخطية بروح
المسيح. "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية
والموت".(رو2:8).
1- عمل التحرير:
ويتم تحريرك من سلطان الخطية بواسطة عمليتين يقوم بهما الروح القدس وهما:
( أ ) التجديد ، ( ب ) والتأييد .
( أ ) التجديد:
"لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني
وتجديد الروح القدس".(تى5:3). فالتجديد هو من عمل الروح القدس. وهو على
نوعين:
¨ النوع الأول – تجديد الطبيعة: "إن كان أحد في المسيح يسوع فهو خليقة
جديدة .. الأشياء العتيقة قد مضت هو ذا الكل قد صار جديداً". (2كو17:5).
ويتم بالولادة من الروح القدس "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا
يقدر أن يدخل ملكوت الله". (يو5:3) هذا هو ما يتم في سر المعمودية
المقدس.
والمولود من الله يتحرر من سلطان الخطية ولا يقوى عليه إبليس "كل من ولد
من الله لا يخطئ بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه".
(1يو18:5).
حقيقة يا أخي أنك قد وُلدت من الروح في المعمودية ولكن لم تتحرر بعد من
سلطان الخطية بل ما زلت مستعبداً لها فما السبب؟.
السبب هو أنك تُحزن الروح القدس الساكن فيك. (أف30:4). وتطفئه. (أف19:5).
بل تقاومه. (أع51:7).
فكيف يستطيع أن يعمل على تحريرك؟ .. سلم له قيادة حياتك فيعتقك من سلطان
الخطية والموت.(رو2:8).
¨ النوع الثاني – تجديد الذهن: "إن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان
العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور .. وتتجددوا بروح ذهنكم .. وتلبسوا
الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق". (أف22:4-24).
ففي تجديد الذهن خلع لتصرفات الإنسان العتيق أي تحرير من سلطانه ولبس
للإنسان الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه. (كو9:3). فيغيرنا
الروح إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد "حيث روح الرب هناك حرية،
ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك
الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح". (2كو17:3،18).
فتجديد الذهن هو عملية تحريره من كل سلطان لينتقل من مجد إلى مجد وليختبر
إرادة الرب "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله
الصالحة المرضية الكاملة". (رو2:12).
( ب ) التأييد:
"يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن".
(أف16:3). الله يعلم إننا ضعفاء إزاء قوى الشر المحاربة ضدنا (العالم،
الشيطان، الجسد) من أجل ذلك أيدنا بالقوة بروحه "ستنالون قوة متى حل
الروح القدس عليكم". (أع8:1).
فهل يا عزيزي قد قبلت روح القوة؟ أم أنك لم تسمع أنه يوجد روح قدس؟! وهل
علاقتك بالروح القدس هي مجرد معرفة سطحية لا تتعدى العقل؟ ليتك تختبر قوة
الروح القدس في حياتك يا أخي. اطلب تأخذ لأن "الآب الذي في السموات يعطى
الروح القدس للذين يسألونه". (13:11).
هذا يا مبارك عمل التحرير (تجديد وتأييد).
2- ثمر التحرير:
أما ثماره فهي :
( أ ) تبنى ، ( ب ) وتقديس .
( أ ) التبني
إن الروح القدس بواسطة تجديد طبيعتنا وولادتنا منه يصيرنا أولاد الله "
أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب. الروح نفسه يشهد لأرواحنا
أننا أولاد الله". (رو15:8،16). وكل الذين قبلوه أعطاهم سلطانا أن يصيروا
أولاد الله أي المؤمنون باسمه الذين ولدوا ليس من دم .. بل من الله".
(يو1:3،2).
أخي هل تدرك معنى أنك ابن الله؟ "إذا لست بعد عبداً بل إبناً". (غل7:4).
ليعطيك الرب أن تفهم مقامك عند الله.
( ب ) التقديس:
"إله السلام يقدسكم بالتمام" (1تس23:5).
للتقديس معنيان : المعنى الأول: تطهير أو تنقية.
فإن كان التجديد هو التنقية في بدايتها فالتقديس هو التنقية في تمامها
وكما أن التجديد يتم بفعل الروح القدس، فالتقديس أيضاً هو نتيجة حتمية
لعمل الروح "تقدستم .. بروح إلهنا". (1كو11:6). ويمكنك أن تحصل على هذه
النعمة بواسطة الإيمان. "طهر بالإيمان قلوبهم". (أع9:15).
هل تثق في قدرة المسيح أنه يستطيع أن يطهرك بروحه؟ ليتك تتقدم إليه وتقول
مع الأبرص "يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرني" لتسمع قول الرب "أريد فاطهر"
فنحصل على ما حصل عليه "وللوقت طهر من برصه". (مت 2:8،3).
وبعد أن ننال التطهير بالإيمان لا بد وأن ننمو في حياة القداسة "مكملين
القداسة في خوف الله". (2كو1:7). وكلمة (مكملين) هنا في الأصل اليوناني
تفيد التمرين أي التدريب في جهاد روحي طيلة أيام حياتنا، فالتطهير
الداخلي الذي أتمه الروح القدس في حياتك ينمو باستمرار بممارسته في
الحياة الروحية. فالطفل المريض إذا شفى من مرضه وتمتع بصحة جيدة، يحتاج
أن ينمو ليصل إلى مرحلة الرجولة. هكذا فالخاطئ إذ يشفى من مرض الخطية
يحتاج أن ينمو ليصل إلى قياس قامة ملء المسيح (اف13:4).
¨ المعنى الثاني للتقديس هو: التكريس أو التخصيص.
إذ يتجدد الإنسان يصبح هيكلا لسكنى الروح القدس "أنكم هيكل الله ورح الله
يسكن فيكم". (1كو16:3).
وإذ يصبح الإنسان هيكلا للروح لا يكون ملكا لنفسه بل لله "أنكم لستم
لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن". (1كو19:6).
في التجديد الرب أعطاك ذاته. وفي التكريس تعطى الرب ذاتك.
هل تعتبر أنك غير حر التصرف في ذاتك لأنك لست ملكا لنفسك وعليك أن تستشير
من اشتراك بدمه في كل تصرف تريد أن تفعله. وترضى روح الله الساكن فيك في
كل شئ؟.
ثالثا:- التغيير من جسد الخطية:
عرفت أن عمل الخلاص يشمل التبرير من قصاص الخطية بواسطة دم المسيح وأيضاً
التحرر من سلطان الخطية بواسطة روح المسيح، وسترى الآن الجانب الثالث من
عمل الخلاص وهو:
تغيير جسد الخطية بواسطة ظهور المسيح.
"إن سيرتنا نحن هي في السموات التي منها ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع الذي
سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده". (فى20:3،21).
هذا التغيير يا أخي هو تبديل الجسد الترابي الحيواني المولود بالخطية
ليصير جسداً نورانياً سماوياً روحانياً "يزرع جسما حيوانياً ويقام جسما
روحانياً .. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضاً صورة السماوي".
(1كو44:15-49).
وللتغيير يا أخي ثمرة فريدة هي:
التمجيــد:
هكذا قيامة الأموات. يزرع في فساد ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان ويقام
في مجد". (1كو42:15،43). لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم .. والذين سبق
فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضاً والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضاً، والذين
بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً". (رو29:8،30).
أي مجد تريد أن تتمتع به في الأبدية؟ أتطمع في أكاليل المجد؟ أم تبهرك
أنوار المدينة؟ أم تستهويك الثياب البيض؟
أخي إن المجد الذي أنتظره هو شرف رؤية حبيبي من خلصني، الذي وإن كنت لا
أراه الآن ولكنني أؤمن به فأبتهج بفرح لا ينطق به ومجيد، فكم وكم يكون
فرحى عندما أراه وجها لوجه، عندما لا أنظره في مرآة ولا أبصره في لغز.
هذا هو اللقاء الذي أتوقعه في كل لحظة .. والأمل الذي أحيا لأجله ..
والرجاء الذي أرقبه بلهفة .. آمين تعال أيها الرب يسوع.
خلاصــة
لعلك لاحظت يا أخي أن عظمة الخلاص تدور حول ثلاث نقاط أساسية تناولها
الروح في هذه الرسالة من ثلاث زوايا مختلفة حتى تتضح لك جيداً وتنفذ من
فكرك إلى قلبك وهي:
التبرير، والتحرير، والتغيير إلى الجسد النوراني.
وإزاء هذه النعمة الغنية .. لا يسعنا إلا أن نقدم الشكر لإلهنا على عطيته
التي لا يعبر عنها.
* * *
نعم لك الشكر يا مخلصي لأنك وفيت ديوني ودفعت كل الثمن. لك الشكر لأنك
تعلم مقدار احتياجي إليك في حياتي الحاضرة، لذلك ضمنت لي خلاصاً من سلطان
الخطية بروحك الأمين. حقاً إني بدونك لا أستطيع المقاومة والتغلب. لكن
شكراً لك يا من تقودنا كل يوم في موكب نصرتك في المسيح يسوع ربنا.
ولك الشكر لأجل الرجاء المبارك في الخلاص المتوقع والأخير حين مجيئك
لتحررنا من جسد الخطية وتتنازل بأن تشركنا معك في المجد.
|