الفصل الثاني دوافع الخلاص
أولاً :- المحبة
ثانياً :- الرحمة
قد عرفنا في معرص حديثنا عن سر الخلقة أن دوافع الخلقة تركزت في محبة
الله ومسرته بإيجاد آدم ليتمتع بخيراته في الجنة التي غرسها له.
وهكذا أيضاً يا عزيزي فان خلاص الله للإنسان ليرده إلى رتبته الأولي
ويعيده إلى فردوس النعيم هو عمل من أعمال المحبة والرحمة:
أولاً:- المحبة:
ويوضح لنا ذلك رسول المحبة يوحنا الحبيب بقوله: "بهذا أظهرت محبة الله
فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به. في هذا هي
المحبة ليس أننا أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة
لخطايانا".(1يو9:4،10).
فتأمل يا أخي قوله: في هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله بل أنه هو
أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا. فوضح بهذا دوافع الخلاص العميق وكأنه
يردد قول السيد المسيح "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا
يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية",(يو16:3).
ولا تستطيع يا أخي أن تدرك معنى كلمة (هكذا) المذكورة في هذه الآية ويعنى
بها السيد المسيح (بهذا المقدار) إلا إذا لمست صورة الحب الإلهي للبشرية
كما رسمها بريشته الشاعرية حزقيال النبي في:
أنشودة الحب الإلهي:
"أما ميلادك يوم ولدت لم تقطع سرتك، ولم تغسلي بالماء للتنظيف، ولم تملحي
تمليحاً، ولم تقمطي تقميطاً، ولم تشفق عليك عين لتصنع لك واحدة من هذه
لترق لك. بل طرحت على وجه الحقل بكراهة نفسك يوم ولدت.
فمررت بك ورأيتك مدوسة بدمك، فقلت لك بدمك عيشي ...
مررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب فبسطت ذيلي عليك، وسترت عورتك، وحلفت
لك، ودخلت معك في عهد بقول السيد الرب، فصرت لي. فحممتك بالماء، وغسلت
عنك دماءك، ومسحتك بالزيت، وألبستك مطرزة، ونعلتك بالتخس وأزرتك بالكتان،
وكسوتك بزاً، وحليتك بالحلي، فوضعت إسورة في يدك، وطوقاً في عنقك، ووضعت
خزامة في أنفك وأقراطا في أذنيك، وتاج جمال على رأسك، ... وأكلت السميز
... وجملت جدا جدا فصلحت لمملكة.
وخرج لك اسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملا ببهائي الذي جعلته عليك
يقول السيد الرب" (حز4:16-14).
هذه هي أنشودة الحب الإلهي كما رأيت، فتأمل مقدار هذه المحبة: من هي تلك
النفس التي أحبها الله؟ هي نفس مطروحة على وجه الحقل! لم تغسل من دماء
الولادة ولم تعطف عليها عين!! عجباً ما معنى هذا؟ هل توجد مثل هذه
القساوة في قلب أي أم أو أي أب؟! اللهم إلا إذا كانت هذه النفس المطروحة
على وجه الحقل هي (لقيطة) !
نعم .. وبالرغم من هذا يقول السيد الرب : مررت بك فوجدت زمنك زمن الحب !!
أي حب هذا؟ وماذا فيها يحب؟ هل تحبها يارب من أجل نجاستها؟ إنها ملوثة
بدماء الخطية والدنس.. فكيف تحبها؟!
ربما يا أخي إذا مررت بلقيط اشمأزت نفسك، وربما أبلغت الشرطة لضبط
الجريمة. أما معاملة الله فهي تختلف عن ذلك تماماً..
آه يا عزيزي .. يا من بالاثم صورت وبالخطية حبل بك.. إن الرب يمر ويراك
في دنسك ونجاستك.. ولا يقف ليحاكمك ويقتص منك.. وإنما يبسط ذيله ويسترك،
ويدخل معك في عهد مقدس فتصير له.. انظر ماذا يفعل معك الرب.
· يحممك بالماء ويغسل دماءك.. إذ يطهرك بغسل الماء والكلمة (في
المعمودية).
· يمسحك بالزيت.. مسحة الروح القدس (الميرون).
· يلبسك مطرزة.. فيكسوك ثوب البر.
· يحلييك بالحلي.. أي مواهب الروح القدس.
· وتاج جمال على رأسك.. أي يتوجك بخوذة الخلاص.
· وأكلت السميز ... سر التناول من جسد الرب ودمه.
هل عرفت إذن يا أخي مقدار هذا الحب الإلهي؟.
هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل
تكون له الحياة الأبدية.
وما أجمل ما كتبه القديس يوحنا ذهبي الفم: "إنه من المستحيل أن يتخير أحد
الموت لأجل رجل بار، ولكن انظروا إلى محبة السيد الذي لم يمت لأجل
الأبرار بل لأجل الأثمة والأعداء".
ثانياً :- الرحمـة
وهي شعاع المحبة الذي يحمل نور الخلاص. إذ يقول معلمنا بولس الرسول "لا
بأعمال في بر عملناه نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا" (تى5:3).
فتأمل هذا القول: بمقتضى رحمته خلصنا، فإذ تطلع الرب إلى نهاية الإنسان
التعيسة في جهنم الأبدية تحرك قلبه بالشفقة والرحمة، فأرسل ابنه الحبيب
لينقذنا مما هو عتيد أن يصير للأثمة.
هذا هو عمل الرحمة الغنية كما قال بولس الرسول "الله الذي هو غنى في
الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا أحيانا
مع المسيح". (أف4:2).
عزيزي ألا ترفع قلبك الآن صارخا قائلا: "لكني اتكل على غنى رحمتك ومحبتك
للبشرية..اللهم اغفر لي أنا الخاطئ وارحمني" (من الأجبية).
قل له "الآن اتكل على غنى رأفتك التي لا تفرغ، فلا تتخل عن قلب خاشع
مفتقر لرحمتك" (من الأجبية).
اشكر الله على غنى رحمته ومحبته التي بها عاملنا، فقبلنا إليه وغسلنا من
خطايانا وأعتقنا من كل إثم.
|