عالم المعجزات - بحث في تاريخ القرآن |
|
يجمع المسلمون على أن أول ما نزل من القرآن كان في غار حراء في شهر رمضان في ليلة القدر المباركة وأول آية نزلت كانت من سورة العلق وبيان المسلمين على ذلك لا يستقصيه علم لكثرة الشهود والأحاديث النبوية المنقولة إلينا بالطريق الصحيح مكان النزول نقل إلينا هشام عن ابن اسحاق عن عبد الملك بن عبيد الله بن ابي سفيان أن رسول الله حين أراده الله بكرامته وأبتدأه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها فلا يمر رسول الله بحجر أو شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله قال فيلتفت رسول الله حوله وعن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة فمكث رسول الله كذلك يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في شهر رمضان انظر سيرة ابن هشام 1 : 217 وصحيح مسلم وبخاري باب بدء الوحي وعن وهب ابن كيسان قال سمعت من ابن الزبير قال كان رسول الله يجاور في حراء من كل سنة شهرا ... حتى إذا كان الشهر شهر رمضان من السنة التي بعثه الله فيها وتشهد على ذلك عائشة بقولها وكان يخلو بغار حراء فيتحنث والتحنث هو التبرر والتعبد الليالي ذوات العدد ابن هشام وصحيح مسلم وبخاري أول ما نزل من القرآن استمر النبي يتردد على غار حراء طيلة 15 سنة برفقة القس ورقة بن نوفل وعنايته وكان هناك يتعبد ويصلي ويرتاض ويصوم إلى أن جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال أقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذني وغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال أقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني وغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال أقرأ فقلت ما أنا بقارئ وأخذني وغطني الثالثة ثم أرسلني فقال أقرأ بأسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق أقرأ وربك الأكرم سورة العلق فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي وقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن عم خديجة وكان أمرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الانجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا وقالت له خديجة با ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى ؟ وأخبره رسول الله خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي نزله الله على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذا اخرجك قومك فقال رسول الله أو مخرجي هم ؟ قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به ألا عودي وأن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحي صحيح بخاري 1 : 3 - 4 هكذا ابتدأ الوحي وهكذا كان أول ما أوحي إلى محمد ولكن موت القس ورقة لم يكن إلا بع ثلاث أو أربع سنوات من بدء الرسالة النبوية ويتابع البخاري كلامه ويقول وبعد ذلك استمر الوحي ينزل على الرسول بحسب الظروف والمناسبات طيلة ما يقارب 23 سنة كيفية التنزيل من ايمان المسلمين أن القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة واحدة ولكن محمدا لم يتلقاه إلا منجما أى أنزل على محمد آية آية أو كل خمس آيات أو عشر أو أكثر أو أقل السيوطي الاتقان في علوم القرآن 1 : 73 أما الحكمة من تنجيمه فهي مضاعفة وهي حكمة بالنسبة إلى النبي وذلك لكي يظل الوحي متجاوبا مع الرسول يعلمه كل يوم شيئا جديدا ويرشده ويهديه ويثبته ويزيده اطمئنانا مباحث في علوم القرآن ص 49 وفي ذلك شهادة من القرآن نفسه وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ويجيب الله أنزلناه كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا الفرقان 32 وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا سورة الاسراء 17 : 106 وهي حكمة بالنسبة للصحابة كذلك حتى يبقى الوحي متجاوبا معهم يربيهم ويصلح عاداتهم ولا يفاجئهم بتعاليمه وتشريعاته مباحث في علوم القرآن ص 49 والحكمة في ذلك كانت للصحابة حتى يحفظوه في صدورهم ويكتبوه على الرقاع ويتيسر لهم العمل بمضمونه شيئا فشيئا علوم القرآن الكريم د . نمر ص 81 والغاية من ذلك تربية الأمة وترويضها وهدايتها وتمكينها من التطبيق والالتزام بالاحكام وما إليه موجز علوم القرآن د . داود العطار ص 109 غير أن الخطر في الاسترسال بالقول بالتنجيم يكمن في جعل الآيات مفككة غير مرتبطة بعضها ببعض ولمس المسلمون ظاهرة التفكك وأوجدوا علم المناسبة الذي يضع قواعد وأصول لربط السور فصلا في الاتقان للسيوطي وعند فخر الدين الرازي أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط تفسير القرآن للرازي متى نزل القرآن يحدد القرآن وقت نزوله في أمكنة ثلاث شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن سورة البقرة 2 : 185 إنا أنزلناه في ليلة مباركة سورة الدخان 44 : 3 وإنا أنزلناه في ليلة القدر سورة القدر 97 : 1 ورأينا شهادة المحدثين أن النبي جاءه الحق في شهر رمضان وفي البخاري قوله كان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن وكانت الليلة الأولى ليلة السابع عشر المسماة بليلة القدر من السنة 13 قبل الهجرة الموافقة لشهر تموز سنة 610 ميلادية وكان عمر النبي إذ ذاك 40 سنة ومما يرجح هذا التاريخ ما نجده في مناسبة أخرى من قول القرآن وهي مناسبة التقاء الجمعين في معركة بدر التي حدثت في 17 رمضان السنة الثانية للهجرة انظر سورة الانفال 8 : 41 أما ليلة القدر أول ليلة أنزل فيها القرآن وجاء في أهميتها ليلة القدر خير من ألف شهر سورة القدر 97 : 1 - 5 ومعنى ذلك أن الله أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا تفسير الجلالين على 97 : 1 والقرطبي 2 : 297 ويشهد على ذلك ما ورد أن القرآن كان كله منذ الأزل بالأفق الأعلى سورة النجم عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى سورة النجم أيضا وبعد ذلك أنزله الله منجما على الرسول بحسب المناسبات والظروف على ما جاء سابقا إلا أن اللوح المحفوظ قد لا يكون كتابا موجودا في الأفق الأعلى بل قد يكون كتاب موسى سورة الاحقاف 46 : 12 وسورة هود 11 : 17 ومما يرجح ذلك هو أننا نجد في القرآن ما نجده في امام موسى كل شئ أحصيناه في إمام مبين يس 36 : 12 وقد يكون كتاب موسى الموصوف بالامام هو نفسه أم الكتاب سورة الرعد 13 : 39 ويصرح أنه في أم الكتاب لدينا سورة الزخرف 43 : 4 ولكننا نجد في القرآن ما لا نجده في كتاب موسى فما هو مصدره ؟ لعله الانجيل العبراني الذي كان بين يدي القس ورقة ينقله إلى العربية وكان محمد يحضر نقله طيلة 44 عاما ولعل خبرة محمد خلال حياته وجهاده وأسفاره ومستجدات الحياة والمجتمع لها أيضا في القرآن يد وفي كل حال لنا عودة إلى مصادر القرآن فيما بعد .. انظر قس ونبي |