قــــــــس ونــــــــبي |
|
القس والنبي في معترك الحياة
لم يخف القس مقاصده في ما دبر
لمحمد منذ أن تعرف إليه ولم يخفي كتاب السير مقاصد القس هذه ولو بعد مائة
وخمسين سنة لقد أدركوا مقاصد القس وعرفوا ما أدركوا وحاولوا تجنب خطر ما
أدركوا وما عرفوا
وما تجنبوه من خطر كان إثباتا
أخطر لما نبحث عنه لقد حاولوا إثبات نبوة محمد فيما هم في الحقيقة يثبتون
نبوة القس
حاولوا إرجاع كل شئ إلى الله
وهم في الواقع يثقون بقدرة القس ثقة عمياء بحثوا في علاقة محمد بالله فإذا هم
يعلقون محمدا بالقس ... وأنت تدرك ذلك عندما تسمع الإعلان تلو الإعلان
يطلقه القس على محمد ونبوته العتيدة
وعندما تسمع تنبؤات القس على
مستقبل محمد تظن أن كتبة السيرة المحمدية يطلقون ذلك للدلالة على قدرة القس
ودوره الخطير فيما هم يظنون التدليل على نبوة محمد
ولا غرابة في الأمر لأن كل شئ
قد أعد إلى الآن على أحسن حال و القس قدير على كل شىء في كل حال وللناس
ثقة بقدرة القس أى قس مما يثبت كل مخطط يرسمه وينفذ كل قصد يعزم على
تحقيقه وقد تيسر له ذلك بسهولة لاعتبارات عديدة منها مقامه الوجيه وشرفه
الوسيم بين الناس فهو من سادة العرب وقادتها ومنها رئاسته على جامعة مكه فهو
رئيس النصارى ومنها علمه الواسع بالكتب والأمور الإلهية فهو يتتبع الكتب من
أهلها ومنها انقياد الناس له و لأمثاله من القسيسين والرهبان لأنهم لا
يستكبرون القرآن 5 : 82
واتخذهم الناس أربابا من دون
الله القرآن 9 : 81 ومنها أخيرا سعي أصحاب الحاجة إليهم وطلب نصائحهم
والالتجاء إلى صوامعهم والتماس الشفاء من أيديهم والاعتماد عليهم في اكتشاف
الغيب واستطلاع الأسرار الخفية
واستغل القس ورقة اعتبارات
الناس هذه وراح يدبر من يخلفه في مهمته فكان محمد بن عبد الله خير من دبر
وأشرك في تدبيره هذا أقرب المقربين إليه وإلى النبي
أما الذين تعاونوا مع القس
وسمعوا نداءه وذهلوا بتدابيره كانت خديجة زوجة النبي أهمهم وأولهم وأبو طالب
عمه وكفيله وأبو بكر الصديق صديقه الحميم ووالد خديجة بعد رضاه وأخوها عمرو
وغيرهم كثير كلهم انصاعوا لتدابير الله على يد قسه ووكيله في مكة واتحدوا
فيما دبر وبارك الراهب بحيرا والراهب عداس النينوي وسلمان الفارسي هذا
التدبير المكية 1 : 183 الحلبية 1 : 367
وساعدوا القس فيما أراد فتوالت
التنبؤات عن مستقبل محمد من كل جانب على ألسنة السحرة والكهان والأنس والجن
والشجر والحجر والحيوانات على أنواعها والملوك والأحبار والملائكة والبشر
....
ولم تبخل كتب السير والأخبار عن
ذكر الكثير منها والبعض مما ذكر ينبئ عن الكثير مما حدث – وما كنا ندري شيئا
مما حدث لولا القس يفسر لنا ما حدث
واستمرت الإعلانات تتوالى على
مدى 15 عاما وقد أتى أهمها في ست مراحل هامة من حياة النبي ورسالته :
الإعلان الأول : قبل الزواج
قبل أن تتم مراسيم الزواج بين
محمد وخديجة وفيما كان محمد يتاجر لخديجة في بلاد الشام رجع ميسرة غلامها
الأمين يخبرها بما رأى وبما سمع من مذهلات جرت لمحمد ابن هشام 1 : 175 الكامل
في التاريخ 2 : 39 ابن كثير 1 : 268 الحلبية 1 : 147
ولما انتهى من حديثه قامت خديجة
للحال و أتت مسرعة تخبر ابن عمها ورقة ما سمعته من غلامها وللوقت وقف القس
باطمئنان العارف بمشيئة الله يقول لئن كان هذا حقا يا خديجة فأن محمدا نبي
هذه الأمة وقد عرفت ؟
أنه كائن لهذه الأمة ونبي منتظر
هذا زمانه ابن هشام 1 : 175 الحلبية 1 : 151 لابد لنا من أن نسأل لا عن
حقيقة نبوة محمد بل عن حقيقة نبوة ورقة من أين لورقة هذا ؟ كيف عرف مشيئة
الله ؟ كان القسيسون في ذلك الزمان يدركون الغيب ومستقبل الناس ولم يعد لهم
اليوم ذلك ؟ !
أم أنهم يمكرون كما الله خير
الماكرين القرآن 2 : 54 و 27 : 50 و 14 : 46 و 8 : 30 و 10 : 21
من أين لكتبة السيرة أن يعرفوا
تدابير القس ونبوءاته لو لم يكن لهم علم بأن الله يعلن عن أنبيائه بواسطة
انسان خبير بمقاصد ه الإلهية ؟
وفي كل حال لقد عرفت خديجة أن
تستسلم لتدابير ابن عمها فيما أراد وهي التي كانت تسترشد بأرائه على حد قول
صاحب السيرة : كان ذلك لخديجة بارشاد من ورقة السيرة الحلبية 1 : 275
الإعلان الثاني : في بدء الوحي
لما كان محمد في غار حراء يتحنث
ويصوم ويصلي ويتفكر بالله وقد بلغ الأربعين أتاه جبريل آخر الشهر يعلن له
أبشر يا محمد أنا جبريل و أنت رسول الله لهذه الأمة ودفع إليه كتابا يقرأه
فاعترى محمدا ذهول ثم انصرف عنه الملاك ورجع المرتاض قافلا إلى بيته يحدث
زوجته بما سمع ورأى وللخال أعلنت خديجة هي الآخرى العارفة بمشيئة الله أبشر
يا ابن عمي واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة
ثم قامت وجمعت عليها ثيابها
وانطلقت إلى ورقة تخبره ما حدث لزوجها قبل أن تستكمل حديثها أعلن ورقة مطمئنا
وقال : قدوس قدوس والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه
الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى إنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت ابن
هشام 1 : 221 الحلبية 1 : 262 ابن سعد 1 : 195 تاريخ الطبري 2 : 301
الكامل لأبن الأثير 2 : 31
لقد تكاثرت الشهادات عن نبوة
محمد من الأرض ومن السماء من جبريل ومن خديجة ومن القس ورقة في مضمونها
ومقصودها واحدة
الكل يفسر الرؤيا تفسيرا واحدا
والكل ينصح صاحبها بالثبات والاستمرار في ما هو عليه والكل يعلن نبوته
العتيدة في الأمة العربية البكر فهو على خط موسى وعيسى وسيأتي بناموس
للأميين كما أتى موسى وعيسى للكتابيين ولن يكون بين ما سيكون للعرب وبين ما
هو لبني إسرائيل فرق _ الناموس هو إياه _ ليس لمحمد إلا أن يعلنه ويكون له
رسولا و بشيرا و مبلغا
ولكن لابد لنا أن نسأل لا عن
نبوة محمد بل عن نبوة خديجة التي أعلنت لزوجها نبوته التي عرفت بمشيئة الله
وفسرت الرؤيا كعالمة بأسرار الغيب فمن أين لها ذلك ؟ أ من الله أم من ابن
عمها ورقة ؟ الله أعلم
الإعلان الثالث : في بدء
الرسالة
لما نزل محمد من على جبل الخلوة
والصلاة في نهاية شهر رمضان أتى الكعبة ليطوف بها سبع مرات قبل أن يرجع إلى
بيته وزوجته بحسب عادته كل مرة فيما هو يطوف كان القس يطوف أيضا بادره القس
بالسؤال يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت وأخبره رسول الله
فأعلن القس باطمئنان العارف
بمشيئة الله وقال : والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة لقد جاءك الناموس
الأكبر الذي جاء موسى _ ولتكذبنه ولتؤذينه ولتحرجنه ولتقاتلنه ولئن أنا
أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ثم أدنى أرسه منه وقبل بأفوخه ثم
انصرف محمد إلى منزله مطمئنا ابن هشام 1 : 222
تفسير الطبري 2 : 49 الحلبية 1 :163 وعند الطبري هذا التوضيح قد زاده ذلك
من قول ورقة ثباتا وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم تاريخ 2 : 302
أن يثبت وحسب بل أن يكون مطمئنا
أيضا متى بلغت الطمأنينة قلب محمد استطاع القس أن يعلن لأنصرن الله نصرا
يعلمه واستحق الشاب الوديع قبلة من القس على رأسه
وبهذه الطمأنينة التي حققها
محمد بشر في رسالته العتيدة عندما قال بذكر الله تطمئن القلوب 13 : 28 وما
جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم
به 3 : 126 و 8 : 10
وقال أو لم تؤمن ؟ قال بلى ولكن
ليطمئن قلبي 2 : 260 وبهذه السكينة الباطنية أيد الله محمدا وجماعته :
فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود .... 9: 40 و 48 : 4 وأنزل الله
سكينته على رسوله وعلى المؤمنين 48 : 26 و 9 : 26
وهكذا انتصر القس نصرا من عند
الله لنصر تلميذه ولينصرك الله نصرا عزيزا 48 : 3
الإعلان الرابع : عند نزول
الوحي
بعد هذا النصر انطلق محمد برفقة
أبي بكر إلى القص ورقة طالبا منه تفسير ما يعرض له من نوبات و اغماء
وإرهاصات فهو لا يدري من أين هي وممن هي وما معانيها
وأخبر محمد ورقة مسترشدا : إذا
خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فانطلق هاربا إلى الأرض وللحال راح
القس يرشده وينصحه ويهدئ من روعه ويطمئن نفسه ويقول له : لا تفعل إذا أتاك
فأثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني الحلبية 1 : 263
ورجع النبي قافلا إلى بيته
ورجعت عليه الرؤى واضطربت نفسه وكثرت الاغماءات وتعددت النوبات العصبية ثم
يعود إلى مرشده يسأله عن سبب اضطراباته هذه أهي أضغاث أحلام القرآن 21 : 5
يأتي بها الشيطان أم هي جنة 7 : 184 و 23 : 25 و 34 : 8 و 37 : 158 و 44 :
14 في العقل يسببها عفريت من الجن ؟
أم هي سحر ساحر يسحره ؟ القرآن
6 : 7 و 10 : 67 و 11 : 7 و 27 : 13 أم هي الهامات شعرية لشاعر ملهم القرآن
36 : 69 و 21 : 5 و 37 : 36 و 52 : 30 و 69 : 41 أم كهانة كاهن يبتغي
معرفة خزائن الله وعلم الغيب ؟ 52 : 29 و 69 : 42 و 6 : 50 و 7 : 188
أم أنه يعلمه رجل ؟ 16 : 103
أم أنه يروي أخبارا من القديم ؟
25 : 5 أم هي أخيرا الهامات ربانية ورؤى إلهية ووحي منزل كانت تجيئه كما
كانت تجئ أنبياء الله الأقدمين ؟؟ !!
لم تتوانى خديجة عن البحث
والاستشارات لتهدئ روع زوجها فقد كانت تذهب به إلى القس ورقة تارة وإلى عداس
النينوي طورا وأمت هذا الأخير في أحد الأيام تخبره عما يجري لبعلها فقال لها
يا خديجة : أن الشيطان ربما عرض للعبد فيريه أمورا _ خذي كتابي هذا وانطلقي
به إلى صاحبك وإن كان مجنونا سيذهب عنه وإن كان من الله فلن يضره وانطلقت
بالكتاب معها ورجعت إلى زوجها الحلبية 1 : 267 المكية 1 : 183
ثم كتبت خديجة إلى بحيرا الراهب
تسأله عن جبريل وأجاب بحيرا : قدوس قدوس با سيدة نساء قريش ! آ ني لك بهذا
الاسم ؟ فقالت بعلي وأبن عمي أخبرني أنه يأتيه الحلبية 1 : 268 ويقال أن
جبريل نزل على محمد 26 ألف مرة الحلبية 1 : 269
ومما يذكر أن مثل حالات الاغماء
هذه كانت تعتريه قبل الوحي والبعثة وكان يرقى من العين كل مرة وروى لنا ابن
اسحاق عن شيوحه هذا الحديث بقوله : أنه أى محمدا كان يرقى من العين وهو بمكة
قبل أن ينزل عليه القرآن قلما نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه قبل
ذلك الحلبية 1 : 275- 267
وكانت خديجة تقول له باستمرار
أوجه إليك من يرقيك ؟ ويضيف ابن اسحاق لم أقف على من كان يرقيه ولا على من
كان يرقى به المرجع نفسه
وذكر لنا أيضا ابن الجوزي أنه
صلعم في سنة سبع من مولده أصابه رمد شديد وعولج في مكة ولم يغن وقيل لعبد
المطلب يوجد في ناحية عكاظ راهبا يعالج الأعين فركب إليه ومعه رسول الله
فنادى عليه ولم يجب وكان ديره
مغلق فتزلزل ديره حتى خاف الراهب أن يسقط الدبر عليه فخرج مبادرا وقال : يا
عبد المطلب إن هذا الغلام نبي هذه الأمة ( ؟ ) ولو لم أخرج إليك لخر الدير
وانهار ثم عالجه وأعطاه ما يعالح به الحلبية 1 : 183 ويذكر أيضا عن راهب آخر
بين مكة والمدينة شفاه من الرمد الحلبية 1 : 184
ومحمد نفسه كان يتخوف من حالاته
هذه ويخشى هواجس طفولته وكان يردد مرارا : لقد خشيت على نفسي الحلبية 1 :
276 وأخشى أن أكون كاهنا صحيح البخاري 1 : 18 وصحيح مسلم 1 : 97 وأخشى أن
يكون في جنن طبقات ابن سعد 1 : 185 الحلبية 1 : 258 وأخشى أن يكون في لمة
السيرة الحلبية 1 : 136
ومع هذا لا نزال نحن نؤمن بتلك الطمأنينة التي أيد بها القس ورقة محمدا راجين أن نظل عليها في مطلق الأحوال
الإعلان الخامس : بعد بدء
الرسالة
ثبت النبي على نصيحة القس
واطمأن وراح يباشر مهمته الرسولية وينذر وابتدء يعلن للناس بعض ما نزل عليه
من سور القرآن بلسان عربي مبين ولكنه لم يتمكن من حمل عبء الرسالة الملقاة
على عاتقه وراح يضطرب من جديد ففيما هو مرة يقرأ وينذر ويتوعد أخذت بوادره
ترتجف ووجهه يتربد وتنتابه الخشية
فرجع إلى بيته مذعورا مرعوبا
ودخل على خديجة يقول لها زملوني زملوني أى لفوني بالثياب الدافئة ابن سعد
1 : 195 الطبري 2 : 48 القرآن سورتي المزمل والمدثر صحيح البخاري بدء
الوحي 1 : 4
فسارعت خديجة وزملته حتى ذهب
عنه الروع وارتاحت أعصابه وطابت منه أن يطلعها على ما جرى وأخبرها محمد فقالت
للحال قول العارف بالأمور ومجريات الأحداث : كلا فأبشر فوالله لا يخزبك أبدا
أنك لتصل الرحم
وتصدق الحديث ةنحمل الكل لغيرك وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب
الحق ... صحيح مسلم 1 : 97 الحلبية 1 : 267 والبخاري 1 : 3
وأرادت خديجة أن تتثبت مما تقول
وأن تؤكد لزوجها حجتها وكالمعتاد ذهبت به إلى ابن عمها القس ورقة تقول له :
أى عم إسمع من ابن أخيك واستوضح ورقة محمدا : يا ابن أخي ماذا ترى ؟
أخبره محمد ما رأى ف أسكن القس
روعه مجددا وراح يردد عليه قوله السابق : هذا الناموس الذي أنزل على موسى
وأضاف هذه المرة يا ليتني فيها جذعا وأكون في زمن الدعوة ثم التفت ورقة إلى
محمد يحذره من مستقبل شديد
ويقول : نعم لم يأت رجل بما جئت إلا عودي
الحلبية 1 : 263 الطبري 2 :
298 وقد تقرأ : لم يأت رجل بما جئت ( يا خديجة ) ألا عودي بمحمد إلى بيتك
مطمئنة إلى ما سيجري الله على يده من أحداث
وعادت خديجة ماسكة بيد زوجها
والطمأنينة في نفسيهما و أبلغنا القس عن تمنياته بعدما تحقق اليسير منها
الإعلان السادس : عند بدء
الجهاد
عن علي ابن أبي طالب قال : لما
سمع محمد النداء : قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال محمد
لبيك ثم : قل الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين
لما سمع محمد ذلك اضطرب وقام
وأتى القس وذكر له ما سمع قال ورقة : أبشر ثم أبشر إني أشهد أنك الذي بشر به
ابن مريم إنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل وأنك ستؤمر بالجهاد بعد
يومك ولئن ادركني ذلك لأجاهدن معك الطبري 1 : 298
يبدو أن هذا الإعلان أطلقه القس
بعدما أمر محمد بالجهاد وذلك بعد مضي زمن غير يسير على بدء الدعوة قد يتراوح
بين السنتان والثلاث سنين و كان ورقة قد أصبح ضريرا أصم
وفي هذا الإعلان اطمئنان آخر
لمحمد لن يكون وحده في جهاده ضد المنافقين والمترفين من قريش فالقس إلى جانبه
رغم كبر سنه يرشده ويعضده وينصحه بألا يستعجل الأمور
لأن المهم في سبيل النجاح
الصبر وعدم العجلة وهي نصيحة ثمينة ذكره بها القرآن فيما بعد : أصبر كما صبر
أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل 46 : 35
وعلى محمد أن ينتصح وألا يترك
الرسالة الملقاة على عاتقه مهما ضاق بها صدره : لعلك تارك ما يوحى إليك
وضائق به صدرك 11 : 12
الله لن يترك نبيه بلا عضد ولن
ينساه أو يودعه : ما ودعك ربك وما قلى 93 : 3 وعلى محمد ألا ينسى ما يقرأ
عليه من الكتاب : سنقرأنك فلا تنسى 87 : 6
وهكذا صارت الأمور وما كان ليحدث هذا لولا رحمة الله التي دبرت كل شئ على أحسن حال ولئن صح ما جاء في الأخبار أم لم يصح فروايات السيرة وتسلسل الأحداث وشهادة القرآن لها والوساطة الطبيعية التي يستخدمها الله لإعلان وتبليغ كلمته :
جميعها تؤكد لنا وقوع محمد
وقعة إلهية في مخطط القس ورقة وتدابيره وبتنفيذ من خديجة سيدة نساء قريش
التي وفرت له المال والجاه والشرف والجمال والكفاية والحنان
لقد دبر القس كل شئ ونفذت خديجة
كل شئ بدقة وعلى أكمل وجه فهي التي كانت تسعى بين القس والنبي تسمع النبي
وتشجعه تذهب إلى القس وتسترشده ويكفي أن يقال عنها : أن ذلك من خديجة كان
إرشاد من ورقة السيرة الحلبية 1 : 275
ورقة وخديجة وأبي طالب لعبوا في
حياة محمد ورسالته دورا كبيرا لا ريب فيه وبموتهم فقد محمد العضد والسند
والمرشد والمنعة والحنان :
بموت القس ورقة فتر الوحي
صحيح البخاري بشرح الكرماني 1 : 38 أو 1 : 4
وبموت خديجة تتابعت على رسول
الله المصائب إذ كانت له وزير صدق على الإسلام يشكو إليها سيرة ابن هشام 2
: 45
هي التي آمنت به وصدقت ما جاء
به من الله وآزرته على أمره وكانت أول من آمن بالله وبرسوله وصدق بما جاء
منه فخفف الله بذلك عن نبيه لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له
فيحزنه ذلك حتى يفرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه
وتهون عليه أمر الناس ابن هشام 1 : 224
وبموت أبو طالب نالت قريش من
رسول الله من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبو طالب ... إذ كان لأبن أخيه
عضدا وحرزا في أمره ومنعة ونصرا على قومه ابن هشام 2 : 45 - 46
القس دبر والزوجة نفذت والعم عضد والنبي استسلم لإرادة الله على هؤلاء قامت الدعوة الجديدة وكان لها النجاح وهذا أيضا كان من الله ويعود إلى الله _ والحقيقة تقال أن الله إذا ما أراد اختيار أنبيائه يهيئ لهم الظروف المناسبة ويكفل لهم النجاح في مهماتهم الصعبة
|