قــــــــس ونــــــــبي |
|
إنجـيل القس ورقة و قرآنه
نذكر بمهمة ورقة التي عرف بها ولم يعرف بغيرها وهي كما
جاء على لسان المحدثين وفي صحيح مسلم وصحيح البخاري وأغاني أبي فرج الأصفهاني
وابن كثير وغيرهم ... أن القس ورقة كان ينقل الانجيل العبراني إلى العربية
ما هو الانجيل العبراني ؟ ما هي تعاليمه ؟ هل وجد فعلا
في التاريخ ؟ من يحدثنا عنه غير القس ورقة ؟
الجواب عن هذه الأسئلة عند آباء الكنيسة ومؤرخيها وهم
خير شاهد على تراث الكنيسة وكتبها المقدسة وبالفعل نرى عندهم الكثير من
الاشارات على ما يسمى في تاريخ الكنيسة ب الانجيل حسب العبرانيين وعلينا أن
نستعرضها ونقابل بين انجيل ورقة وبين تعاليمها
وإذا صحت المقابلة نكون اكتشفنا قصة اللوح المحفوظ الذي
نزل القرآن منه
نقل عن أوسابيوس 340 م الملقب بأبي التاريخ الكنسي
وهيرودس المسيحية قوله عن هجسيب وهو من أوائل القرن الثاني أنه كان ينقل
أشياء من الانجيل حسب العبرانيين الانجيل الآرامي الذي هو بالحرف العبراني
ويشهد أوسابيوس نفسه على أن الانجيل حسب العبرانيين هو
الأصح في نظر العبرانيين الذين أمنوا بالمسيح ويقول عن الابيونيين أنهم كانوا
يستخدمون فقط الانجيل المسمى بحسب العبرانيين وقلما يكترثون بغيره
ويقول عن عقيدتهم : أنهم كانوا يحفظون السبت وسائر
العادات اليهودية ويغارون على إقامة أحكام التوراة ويعتبرون أن الخلاص يقوم
لا على الايمان بالمسيح وحده بل على إقامة شريعة موسى أيضا ويقول في مكان
آخر أن المسيح ذكر الشقاق الذي ستتعرض له النفوس في العائلات كما نجده في
الانجيل بحسب العبرانيين
أما أوريجينوس 253 م فيذكر هذا الانجيل في جملة كتب من
كتبه التفسيرية يقول في تفسيره على انجيل يوحنا : من يقبل الانجيل بحسب
العبرانيين يجد فيه هذه الآية إن أمي الروح القدس خطفني بشعرة من رأسي
وأصعدني جبل ثيور العظيم
وفي تفسيره على انجيل متى يقول أن الشاب الغني بحسب
الانجيل العبراني حك رأسه ولم يرض بعرض المسيح له وقال له يسوع كيف تقول
أتممت الناموس والأنبياء وأنت ترى اخوتك أبناء ابراهيم يموتون جوعا وتخنقهم
المذلة وبيتك مملوء خيرات ؟!
وقرأ أكليمندوس الأسكندري 216 م في هذا الانجيل قولا
منسوبا إلى المسيح فقال كما هو مكتوب في الانجيل حسب العبرانيين من يعجب
يملك ومن يملك يستريح
أما أبيفان 403 م أسقف قبرص يستفيض في الكلام عن
الابيونيين وانجيلهم العبراني أنهم يأخذون انجيل متى ويعتمدون عليه وحده دون
سواه ويسمونه الانجيل حسب العبرانيين وانجيل متى هذا الذي بحوزتهم ليس كاملا
بل هو محرف وناقص
وكلام أبيفان هذا تردد لكلام القديس إيريناوس أسقف ليون
208 م الذي يقول أن الابيونيين يستخدمون انجيل متى وحده ولكنهم لا يعتقدون
الاعتقاد الصحيح في الرب
ةيذكر القديس جيروم 420 م هذا الانجيل ضمن جملة كتب في
تفسيره لأشعياء وحزقيال وتفسيره لأفسس ومتى وفي حواره مع البلاجيين ويقول في
الانجيل حسب العبرانيين الذي يستخدمه النصارى أيضا والموضوع في الآرامية ..
وهو قريب المشابهة بأنجيل متى محفوظ في مكتبة قيصرية
ويقول في كتابه مشاهير الرجال أن الانجيل المسمى حسب
العبرانيين الذي نقلته حديثا إلى اليونانية واللاتينية والذي استخدمه
أوريجينوس
أن يعقوب حلف بألا يأكل خبزا منذ الساعة التي شرب فيها
كأس الرب إلى الوقت الذي رآه يقوم من بين الأموات وقال له الرب خذ المائدة
والخبز وأضاف كل خبزك لأن ابن الانسان قام من بين الأموات
وغير هذه الشهادات كثير تجدها في مقالة الآب لاغرانج في
المجلة الكتابية وهو يحقق في أصل الانجيل حسب العبرانيين وحول تعاليمه وصحة
نسبته إلى الابيونيين والجدير بالذكر أنه لم يبق لنا من نصوص هذا الانجيل
إلا الشئ القليل في بعض كتابات الآباء والمؤرخين ولكن في الشئ القليل عبرة
كبرى
ويبدو أن هذا الانجيل كان واسع الانتشار وبشهادات الآباء
الذين نقلنا عنهم ولقد كان بين يدي أغناطيوس الأنطاكي في أنطاكيا وأوريجين
وأكليمنضوس في الأسكندرية وجيروم في حلب وإيريناوس في اسيا الصغرى وربما في
مكة أيضا ويبدو أيضا أنه ترجم للغات متعددة وضع في الأصل باللغة الآرامية ثم
نقل إلى اليونانية واللاتينية وربما أيضا إلى العربية
وجال في عصور متتالية منذ أوائل القرن الثاني حتى أواخر
القرن الخامس وربما إلى يومنا هذا أيضا في ترجمته العربية وكثر الكلام عليه
عند معظم آباء الكنيسة و اعتمد عليه الأبيونيين فتارة ما كان يسمى انجيل
النصارى وطورا انجيل الأبيونيين وآخرى انجيل الأثني عشر وربما بأنجيل العرب
كما مع الحمس من أهل قريش
ومن الجائز القول أن وجود الأبيونيين في مكة والحجاز يفرض
حتما وجود الانجيل حسب العبرانيين وبمعنى آخر وجود الانجيل العبراني هذا في
مكة والحجاز يفرض وجود الأبيونيين وما يشير إلى ذلك اعتماد القرآن على تعاليم
هذا الانجيل في ما يخص المسيح وأمه والروح القدس والحسنات والصدقات وأحوال
الميعاد الآخير ... وغيرها وهي هي نفسها في القرآن وهي أيضا نفسها عند الحمس
من قريش كما عند الأبيونيين من النصارى
ويوجز جواد علي عقيدة الأبيونيين بقوله عنهم يعتقدون
بوجود الله الواحد خالق الكون وينكرون رأى بولس الرسول في المسيح ويحافظون
على حرمة السبت ويوم الرب ويعتقد أكثرهم أن المسيح بشر مثلنا امتاز على غيره
بالنبوة وبأنه رسول الله وهو نبي كبقية من سبقه من الأنبياء المرسلين ...
وبعضهم أنكر الصلب المعروف وذهبوا إلى أن من صلب كان غير المسيح وقد شبه على
من صلبه وظن أنه المسيح حقا ورجعوا إلى انجيل متى بالعبرانية ..المفصل في
تاريخ العرب قبل الإسلام جزء 6 : 635
أما النقل الذي كان معتمدا في ذلك الحين وكان يقوم به
القس ورقة في تعريبه فلا يعني نقلا حرفيا ودقيقا كما هو المتبع في ترجمة
اليوم بل كان في الحقيقة كما يقول القرآن تفصيلا وتيسيرا وتذكيرا .. وهذه
الطريقة كانت متبعة في القديم وفي الأوساط النصرانية والكتب المقدسة نفسها
وللدلالة على ذلك يكفي أن نقابل بين متى 4 : 15 وأشعيا 8 : 23 و 9 : 1 ومتى
12 : 17 وأشعيا 42 : 1
وهذه الطريقة في النقل هي أقرب ما تكون إلى التفسير
اللاهوتي والدفاع عن الدين منها إلى النقل بالمعنى الصحيح وبلا ريب أنها
طريقة الأقدمين في النقل كما هي طريقة القس ورقة في نقله أيضا للانجيل بحسب
العبرانيين إلى الغربية
وقد كان هناك مدرستان للنقل أو نوعان من المدارس
التفسيرية مدرسة حرفية midrachim darchani
تتبع آيات التوراة آية فآية والمدرسة التفصيلية
midrachim parchani تتبع
المعنى الموجود في مقاطع الكتاب
بقي لنا أن نعرف شيئا عن الترجمة العربية نفسها وهذا رهن
بفرصة يوفرها لنا التاريخ فيتاح للمنقبين في آثار مكة وتحت رمالها اكتشاف
تلك الترجمة الثمينة وطالما ظل ذلك مستحيلا يبقى لنا التحسر عليها وعلى
صاحبها إلى الأبد
ومع هذا يفيدنا النظر في الأثر الذي خلفه القس في سنبه الآخيرة وقد يكون القرآن العربي هو نفسه هذا الأثر فلننظر فيه جادين واضعين نصب أعيننا ما تبقى من نصوص الانجيل العبراني وما وصل إلينا من عقيدة الأبيونيين
|