قــــــــس ونــــــــبي |
|
القس والنبي في معترك الحياة
القس يدرب النبي
بعد أن ارتبط مصير محمد بمصير خديجة انحلت عقد كثيرة
في مخطط القس لقد وقع النبي في قبضة القس وقعة إلهية لقد تمت الخطوة الأولى
بنجاح وضع القس خبرته في خدمة نسيبه فزين له مستقبلا غنيا بالأماني والآمال
ولم تضن ثرية قريش بمالها لتنفيذ
رغبات ابن عمها وتعاون الاثنان بما يملكان من خبرة ودهاء وجاه ومال على
إعداد النبي للرسالة المقررة
وسار القس به على طريق النجاح
المكفول والنجاح المكفول يصار إليه حثيثا والرسالة الخطيرة تتم بالتدريب
المتواصل والتهيئة الباطنية !
فكان أول ما كان وأهم ما كان
الخلوة والخلوة في غار حراء حيث اعتكف جده وندماء جده والحمس من آل قريش
هناك في مدة تزيد على الخمسة عشرة سنة وراح القس والنبي يختليان ويصليان
وينقطعان عن الناس ويفكران بالله شهرا كاملا من كل سنة ابن هشام 1 : 218 هناك
تدرب النبي على يد القس الخبير بشؤون الله والناس
لم تكن الخلوة بعيدة عن طبع محمد لقد كان له ذلك منذ
صغره على حد شهادة أقرب المقربين إليه وهي خطوة هامة نحو النجاح لقد شهدت
مرضعته حليمة السعدية وقالت : لما ترعرع كان يخرج إلى الصبيان وهم يلعبون
فيتجنبهم ولما قرب الزمن الذي أراد الله أن يرسله فيه ازداد محبة في الخلوة
لأن الخلوة تمكن من فراغ القلب
والانقطاع عن الخلق لأنها تفرغ القلب من أشغال الدنيا لدوام ذكر الله فيصفو
وتشرق عليه أنوار المعرفة ولم يكن شئ أحب إليه من أن يخلو وحده وكان يخلو
بغار حراء فكان يتحنث فيه أى يتعبد فيه الليالي ذوات العدد مع أيامها السيرة
الحلبية1 : 257 و 260 تاريخ الطبرى 2 : 298
وشهدت عائشة وقالت ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار
حراء ويتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله
ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فاجئه الحق وهو في
غار حراء صحيح مسلم 1 : 78 – 79 صحيح بخاري 1 : 39 ابن سعد 1 : 194
وزاد ابن هشام بقوله فلم يكن شئ
أحب إليه أى النبي من أن يخلو وحده ابن هشام 1 : 216 و أكدت خديجة ذلك
بقولها حبب الله إليه الخلوة التي بها يكون فراغ القلب و الانقطاع عن
الخلق السيرة الحلبية 1 : 258 ابن هشام 1 : 218
ولكن لم يكن محمد يعرف وحده أهمية الخلوة إعدادا للنفس
و انقطاعا إلى الله لو لم يتعرف على أناس مارسوها قبله ولو لم يتبع في ذلك
سيرة جده وندماء جده أمثال أبي أمية بن المغيرة والقس ورقة بن نوفل وغيرهما
السيرة الحلبية 1 : 259
وعن هؤلاء أخذ محمد الطريقة وعلى خطواتهم سار في
إعداد حياته الروحية ورسالته العلنية بين الناس وقد شهدت السيرة على خلوة
محمد ومقوماتها كان رسول الله يجاور في حراء من كل سنة شهرا وكان ذلك مما
تحنث به قريش في الجاهلية
وبقول كتبة السيرة أيضا كان رسول
الله يجاور ذلك الشهر من كل سنة يطعم من جاءه من مساكين فإذا قضى جواره من
ذلك الشهر كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة قبل أن يدخل
بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك ثم يرجع إلى بيته حتى كان الشهر
الذي أراد الله تعالى فيه ما أراد من كرامته نهاية الأرب 16 : 170 ابن هشام
1 : 219 الحلبية 1 : 259
لا نعرف بالحصر مقومات خلوة محمد
في غار حراء و لا كيفيتها بحسب ما جاء على لسان السراج البلقيني في شرح
البخاري : لم يجئ في الأحاديث التي وقفنا عليها كيفية تعبده السيرة الحلبية 1
: 259
إلا أنها قد وصفت بما وصفت به خلوة عبد المطلب والقس
وغيرهما ممن قصد حراء للاعتكاف والتعبد والرياضة الروحية وفي كتب السير وصف
لها بما يتفق والتقاليد النصرانية في ذلك الحين أهمها
1 - فيما بعد كلا شئ طمعا أو
رغبة فيى لقاء الله بأيد نظيفة من علائق المادة ويقوم الجوار في حراء
الجوار هو الاعتكاف والسجود خارج المسجد
على التخلى عن مجادلات الناس التى لا منفعة فيها
والابتعاد عن اهتماماتهم الدنيوية لكي يكون كل شئ لديه مدعاة لطلب الحق من
الله وحده كما يقوم على إفراغ القلب من أشغال الدنيا ودوام ذكر الله فيصفو
وتشرق عليه أنوار المعرفة السيرة الحلبية 1 : 259
يشهد اوريجن على أن النصارى
كانوا يؤثرون الجوار في المغاور لأجل العبادة لا لأجل التستر وكذلك كيرلس
الاورشليمي يشير إلى العبادات في المغاور
2 - التحنث والتحنف يقومان على التفكر بالله وحده
والتعبد له وإقامة أعمال الروح من صلاة وتأمل وتهجد وهذيان روحي و قراءة كلمة
الله في كتبه المنزلة وسماع تفسيرها من مرشد خبير يساعده في معراجه الروحي
والاعتكاف على شرحها وتأويلها وتفصيلها مع من يمكنه ذلك ولذلك قيل في مواضيع
تحنث محمد بأنه كان يتعبد قبل النبوة بشرع ابراهيم ؟
وقيل بشريعة موسى وقيل بكل ما صح
أنه شريعة لمن قبله
المرجع نفسه 1 : 260 وهذا هو
المعروف لدى النصارى القائمين على أحكام موسى وعيسى أو أحكام التوراة
والانجيل !
3 - الصيام قدوة بصوم موسى وإيليا على جبل حوريب وصوم
عيسى في برية الأردن وصوم الأباء الأولين كان محمد يقضي شهره في الانقطاع عن
الأكل أو في أكل وجبة واحدة في اليوم
وفي الاقتصار بهذه الوجبة على المآكل الخفيفة من
الأعشاب والثمار والألبان وكسر الخبز اليابسة والنباتات التي يلتقطها من
الصحراء و يأكلها لا للتنعم بطعمها بل لسد جوعه وحاجته الغذائية الماسة
إليها وعرف عن محمد أنه كان يتزود لصيامه الكعك واللبن السيرة الحلبية 1 :
259
4 – اعمال البر والاحسان لم تخل خلوة النبي من عمل
الحسنة تجاه من يراه بحاجة إليها لقد كان يطعم من جاءه من المساكين حتى أن
طيور السماء ووحوش الجبال كانت تتنعم بشفقته وعطفه
هذه الناحية من حياة محمد كانت
تستأثر باهتمامه وهو الذي ذاق مرارة البؤس والحرمان منذ صغره وهو الذي تعلم
على جده و عمه و نسيبه قس مكة أن يكون شفوقا عطوفا سخيا في العطاء ولا
يخفى ما في تعاليمه من حث على عمل الحسنات والصدقات والاهتمام بالآرامل
والأيتام وأبناء السبيل
كما لا يخفى هجومه العنيف على
مترفي مكة وأثرياءها الملأ الأعلى من قبيلة قريش ومنهم بعض أعمامه كأبي
لهب وامرأته حمالة الحطب
5 – شهر رمضان هو شهر الخلوة والصيام والتعبد فيه كان
النبي يعتكف في غار حراء وفيه كان يحظى بنعم الله وفيه كان يتحنث ويتفكر
بالله ويتأمل في كتبه المنزلة
انه شهر الهدى الذي نزل فيه
الوحي تلطفا لقد كان رمضان قبل التشريع القرآني شهر صيام نصراني وقد أشار
الكتاب إلى ذلك بقوله كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم القرآن 2
: 183
6 – الطواف في البيت في نهاية شهر الخلوة والصيام كان
ينزل محمد من على جبل حراء ويذهب إلى بيت الله للشكر والاحتفال بالعيد
فيطوف الكعبة سبع مرات ثم يرجع إلى بيته وزوجته مطمئنا متمما واجبه المقدس ! تقول
السيرة النبوية : كان إذا قضى جواره إلى شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا
انصرف قبل أن يدخل بيته الكعبة فيطوف بها سبعا ثم يرجع إلى بيته ابن هشام
1 : 219 الحلبية 1 : 260 نهاية الأرب 16 : 172
كما هو حال النصارى بعد صيامهم
الأربعين يحتفلون بعيد الشعانين ويطوفون حول كنائسهم سبع مرات كذا في
الأصل
هذه بعض مقومات خلوة النبي في غار حراء كلها عادات
نصرانية لا يمارسها أي انسان من ذات طبعه ولا تكون لأجل غايات دنيوية كلها
من شرع الله الذي أنزل على موسى وعيسي
أى التي كان يمارسها اليهود
المتنصرون ولم يكن بوسع محمد أن يكتشفها وحده لولا اقتداؤه بمن سبقه في
ذلك ولولا تدربه على يد مرشد خبير كالقس ورقة بن نوفل أقرب المقربين إليه
لقد كانت ممارسات محمد الروحية صعبة وأرادها كذلك
لوفرة تدينه ! ولشدتها عليه كانت تحدث له إرهاصات كان منها جزعا وتنتابه
نوبات عصبية شديدة خشي أن يكون الشيطان مسببا لها
ولطالما كانت بوادره ترتجف ووجهه
يتربد ويتصبب منه العرق في الايام الباردة ويصاب بالاغماء ويغط كغطيط البكر
( البكر هو الفتى من الإبل ) ويسمع عنده دوي كدوي النحل ويطلب من زوجته
أن تلفه بثياب دافئة ليذهب عنه الروع
انظر كيفية نزول الوحي على النبي وما كان يحدث له من أهوال ابن هشام 1 :
220 صحيح مسلم 1 : 98 طبقات ابن سعد 1 : 198 وغيرها الكثير
وهذه الحالات النفسية الشديدة أرته ما أرته من رؤى
وأحلام ظن نفسه فيها جنيا أو شيطان - وكانت خديجه تعالجه وتستشير في
أمره ابن عمها القس ورقة ابن هشام 1 : 220 – 223 الحلبية 1 : 267 المكية
1 : 183
|