قــــــــس ونــــــــبي |
|
القس والنبي في معترك الحياة
نسأل ماذا كان في نية القس أن يعلن
؟ نبوة محمد أم قسوسيته ؟ لقد استترت نية القس على كتبة السيرة ولا يعود
استتارها إلى سوء نية عندهم بقدر ما يعود إلى نقل ما وصل إليهم منحولا بعد
150 سنة من بدء الرسالة وتوسعها في معظم بلاد اسيا وافريقيا
لقد بلغهم بعض ما قام به القس من
دور في نبوة محمد ولكنهم لم يحققوا في ما بلغهم وبالتالي لم يدركوا نيته ولم
يعرفوا كيف تعلن النبوة ولا كيف تنتقل القسوسية في النصرانية من سلف إلى خلف
ولم يعلموا أن النبوة لا تحتاج إلى
من يدافع عنها ويقضي بصحتها ولو علموا كل ذلك لما اضطروا إلى اثبات نبوة محمد
بألف ألف دليل والدفاع عنها بألف ألف حجة
ونزعا لأى شك على نبوة محمد
أرجعوا الأدلة عليه إلى زمن آدم وقرءوا اسمه في السماء تحت سدرة المنتهى
وسمعوا الأخبار والرهبان والكهنة والسحرة والجن والشياطين والحيوانات
والأشجار والحجارة ... تعلن نبوته !!!
ورأوا اسمه في التوراة والانجيل
واستطلعوا أخباره عند ملوك العجم والعرب ... كل هذا كان لأجل الدفاع عن نبوة
محمد
وهل يحتاج نبي الله إلى من يبرر
له نبوته ويدافع عنها ؟؟؟
ومن جهة ثانية من أين للقس ورقة أن
يعلن محمدا نبيا ويشرك معه خديجة وأبا طالب وأبا بكر وعليا ؟
هل القس هو الذي أطلق على محمد اسم
نبي ؟ أم تبدلت الأسماء فيما بعد وتحرفت المعاني وتغيرت النيات واستبدت
الأحداث السياسية بالأمور الدينية ؟
لئن صح إعلان القس لنبوة محمد يكون
القس مخبولا حقا ويكون النبي فيما صدق من القس صاحب جنن وغرور _ وحده الله
يختار أنبيائه ووحده النبي يعرف بنبوته وتعاليمه تعلن عنها وأعماله تدعم
تعاليمه ! وما من نبي في التاريخ احتاج إلى دفاع عن نبوته كما هو الأمر مع
محمد
والحقيقة أن القرآن المكي لا يسمي
محمدا نبيا بل بشيرا ونذيرا ومبلغا رسالة ربه وهو ما يؤكد لنا أنه لا القس
ولا النبي استمتعا بالنبوة بحسب مفهومها في العهد القديم فماذا يكون الأمر
إذن ؟؟
أغلب الظن أن نية القس كانت غير
ذلك ووعي محمد كان هو الآخر في بدء أمره غير ادعاء النبوة والذي بدل
المقاصد والنيات هو مصحف عثمان وكتبة السيرة
وكان قصد النبي أن يعلن محمدا
خليفة له على جماعة مكة النصرانية ! وأدلتنا على ذلك من سيرة القس والنبي
بتمامها وكمالها
القس اختار محمدا وتبناه ثم زوجه
من خديجة على الطريقة النصرانية ودربه على الصوم والصلاة في غار حراء وعلمه
التوراة والانجيل وناموس موسى وعيسى ونقل له الانجيل العبراني بلسان عربي
مبين
وقد وعى محمد اختياره هذا وعرف
مهمته فراح ينذر الناس ويبشرهم ويثقفهم ويعلمهم مل لا يعلمون من الكتاب
ويبين لهم الصراط المستقيم ويهديهم إلى الدين القيم ويعظ فيهم عن أحوال
الحساب والعقاب والجنة والنار والقيامة ويحرضهم على فعل الحسنات والصدقات
ويقرأ عليهم ما تيسر من قصص الكتاب
وأخبار الأنبياء لقد كان يعلم أن مهمته تقوم على أن يذكر الناس بتعاليم
التوراة والانجيل :
ذكر إنما أنت مذكر وكتابه هو ذكر
وذكرى وتذكرة وتفصيل وتصديق للكتاب العبراني الذي كان بين يدي القس ويحضر
محمد تعريبه طوال 44 سنة
لقد أراد القس أن يكون محمد خليفته
على نصارى مكة يكمل عمله الروحي بين العرب ويحافظ على استمرارية النصرانية في
الحجاز ويعمل على جمع شمل النصارى من بني إسرائيل
ويوحد شيعهم وأحزابهم ويوحد كتبهم
وعقيدتهم .. وكان له ذلك بما أوتي من تجرد وذكاء وجرأة وإقدام وساعده على
إتمام مهمته زوجته بما كان لها من شرف وجاه ومال وأعانه عمه أبو طالب أيضا
ولبي الدعوة الحمس من قريش وجاهد معه فقراء مكة وأذلتها واستضافه النجاشي
ملك الحبشة بعدما قاومه الملأ الأعلى وأعزة مكة
حتى أصبح محمد بعد وفاة القس رئيس
النصارى الموحدين وأول المؤمنين أى زعيمهم الروحي والمسئول عنهم وقد قال أمرت
أن أكون أول المسلمين القرآن 39 : 12
على هذا بعد وفاة القس ورقة انتقلت
الزعامة الروحية إلى محمد وأصبح محمد أول المسلمين وبوفاة القس ورقة خشي محمد
أن يتركه الله وينساه إذ فتر الوحي مدة من الزمن وعاوده بعد ذلك مع كثير من
التغيير في المواقف والتبديل في التعليم والتشريع بما يتناسب وشخصية محمد
واستقلاله عن معلمه وبما يتوافق مع الظروف وأحوال البيئة والمجتمع العربي
وأعلن القرآن عن عودة الوحي بقوله : ما ودعك ربك وما قلى القرآن 93 : 3
وما يؤكد لنا خلافة محمد للقس هو
أن الإسلام في بدء أمره وكما كان في أيام القس وتحت تأثيره لم يكن دينا جديدا
ولم تكن دعوة محمد دعوة لدين جديد بل كانت تعاليم من التوراة والانجيل
وتعاليم إبيونية في الحسنات والصدقات وتبشير بالجنة والنار والقيامة ووعيد
بالعقاب وتذكير بأحوال الساعة الأخيرة على ما عرفنا عند الشيع النصرانية
الغنوصية المتعددة
ولم يكن في نية محمد أن ينزل وحيا
من السماء أو أن يدعي معرفة خزائن الله وعلم الغيب بقدر ما كان يقصد إعلان
كلمة الله الأعجمية بلسان عربي مبين مفصلة وميسرة للحفظ والذكر
فالوحي المحمدي هو إذن وحي لاحق
لوحي سابق وكتابه العربي هو تصديق لما بين يديه من التوراة والانجيل ودعوته
كانت قبله مع أهل الكتاب وإلهه هو إله بني إسرائيل قال : لا إله إلا الذي
آمنت به بنو إسرائيل 10 : 90 وهكذا .....
هذا هو قصد القس ومنطق الأحداث
وتلك هي مقاصد أهل السيرة فلا نغفل عن الحقيقة ولو تنكر لها المنكرون
وتجاهلها المتدينون
جل ما في الأمر أن القس يريد خليفة
له على جماعة مكة النصرانية فكان محمد بن عبد الله يتيم قريش خليفة القس ورقة
على كنيسة مكة ومع هذا يريد مؤرخو حياة محمد إلى اليوم أن يكون الأمر غير
ذلك ظنا بالنبوة والدين الجديد فأغفلوا وجود القس وأنكروا عليه لقاءاته
المتعددة مع محمد وتجاهلوا إعلاناته
والشيخ صبحي الصالح لم يقر إلا
بلقاء واحد جرى بين القس والنبي إذ قال : فما عسى أن يكون النبي تعلم في هذين
اللقاءين لقاء مع الراهب بحيرا ولقاء مع القس ورقة من علوم الغيب والتاريخ ؟
مباحث في علوم القرآن ص 45 بيروت
وعندما يستشهد الشيخ بالبخاري يأخذ
ما بناسبه ويغفل ما يزعجه فينقل : ولم يلبث ورقة أن توفي ويترك وفتر الوحي
المرجع نفسه
ويستنتج أن محمدا تعرف على ورقة في
آخر أيام حياته ورآه عجوزا ضريرا لا تصلح همته لأى شئ وكذلك هو الأمر مع
محمد حسنين هيكل في موسوعته حياة محمد فقد تجاهل أمر القس ورقة ودوره ولم
يذكر من اللقاءات والإعلانات سوى اثنين وبطريق العرض محمد حسنين هيكل حياة
محمد ص 135 القاهرة
لماذا هذا التنكر ؟ إن كان جهلا
فهو طعنة في واقع التاريخ وإن كان تجاهلا فهو طعنة في صميم الحقيقة
بقي أن نسأل عن قصة الراهب بحيرا
: لماذا يجتهد مؤرخو حياة النبي في التركيز على الراهب بحيرا حتى تحولت أنظار
الناس إليه على حساب القس ؟ الناس اليوم بلهجون باسم الراهب بحيرا ويجهلون
كل شئ عن القس ورقة فما سبب ذلك وما القصد منه ؟
أن في الأمر تضليلا وتمويها للواقع
: وبحيرا على مكانته العظمى في النصرانية وعلى كونه إنتهى إليه علم النصرانية
في ذلك الزمان ورغم تردد تجار قريش على صومعته في بصرى لم يكن له ذلك الأثر
الفعال لأن رحلات محمد إليه لم تكن كافية للدلالة على تثقيفه على يده
ومهما يكن من أمر فاللقاءات
المحدودة التي حدثت بين محمد وبحيرا لا تعطي النتائج التي نستطلعها في تعاليم
القرآن ولا تستحق أن يعيرها الناس أهمية بالغة ويتوقفوا عندها هذا يمكن نقضه
بسهولة
وبالفعل توقف مؤرخو حياة النبي على
دور الراهب فتوقفوا في نقضه أو رفضه كما توقفوا في التركيز عليه على حساب
القس وتركيزهم على الراهب وتحويل أنظار الناس إليه وردهم على ما استنبطوا من
أضاليل حوله أعطى أهمية لبحيرا دون ورقة وبهذا تم فقد أثر الأثنين معا
وضاع الباحثون بين الراهب والقس ولسهولة رفض أثر الراهب ظن الناس أن أثر القس هو أيضا يرفض بالسهولة نفسها _ نأمل أن نكون قد حققنا القصد في كشف هذا الضلال المكنون
|