|
طريق صالح
تطلع يا عزيزي وأنت في مفترق الطرق، فستجد طريقاً ضيقا لا يكاد يرى وكربا
لا يشاء أن يسلكه أحد.
انه طريق ضيق حقا ... ولكنه مستقيم ...
ولا ننكر أنه كرب ولكنه مضيء ...
ليس فيه من بهجة الدنيا شئ ... ولكنه مملوء بأفراح من نوع آخر
هذا هو الطريق الصالح ...
ولنستوضح بعض جوانب هذا الطريق فستجد أنه ...
أولاً: طريـق روحـي.
ثانياً: طريـق كـرب.
ثالثاً: طريـق القيــم.
رابعاً: طريـق المجــد.
أولاً: طريـق روحـي
فلا يستطيع أن يسير فيه إلا الروحانيين أو من يرغب أن يصبح روحانياً. أما
الإنسان الجسداني والشهواني، والإنسان العالمي والطبيعي، فلا يستطيع أن
يسلك فيه.
ولذلك ينبغي أن نعرف من هو الإنسان الجسداني (أو الطبيعي) والإنسان
الروحاني من خلال ما قاله الرب يسوع "المولود من الجسد جسد هو، والمولود
من الروح هو روح". (يو6:6).
1- الإنسان الطبيعي:-
هو ذلك الإنسان الذي ورث الطبيعة الجسدية بالولادة من أبوين جسديين ...
له طبيعة اللحم والدم البشرية ...
له الغرائز والميول الحيوانية ...
له عقل ومنطق الحكمة العالمية ...
لذلك فهو لا يستسيغ الأمور الروحية، إذ أنها ليست بذات قيمة في نظره كما
قال معلمنا بولس الرسول ...
"الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة، ولا يقدر أن
يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً". (1كو14:2).
فهو لا يقبل الأمور الروحية لأنها في نظره جهالة (أي حماقة حسب النص
الإنجليزي)
“The Natural man can not receie the things of the spirit of God, for
they are foolishnes (nonsens) to him”.
فلا يعجبه تصرفات الروحانيين ...
ويرى أنهم غير طبيعيين ...
وأنهم مصابون بهستريا دينية ... وقريبون من الجنون ...
وأنهم غير واقعيين ... يهربون من واقع الحياة ومسئولياتها ...
وأنهم معقدون نفسياً ... إذ يميلون للانعزال عن المجتمع ولا يشتركون في
لهوه وخمره وحفلاته ...
وقد صدق معلمنا الأنبا انطونيوس حين قال:-
"كما أن السذج وغير المعلمين، يستهزئون بالعلوم، ويرفضون الاستماع إلى شئ
منها، لأن المعرفة تفضح جهلهم ... لهذا يودون أن يكون الكل جهلاء مثلهم".
هكذا أيضاً المنحلون في حياتهم وأخلاقهم لهم شوق عظيم أن يكون الكل أشر
منهم ... ظانين أنهم بهذا يجدون عذرا لأنفسهم باعتبار أن الأشرار
كثيرون".
مسكين هذا الإنسان الطبيعي ...
أنه حقا سيتمتع بهذه الحياة ... لكنه سيدفع الضريبة الباهظة لهذه الملذات
إذ يدفع آلاما وعدم سلام ... علاوة على أنه سيحرم من التمتع بالأبدية
لأنه لم يحصل على جنسيتها ... ولم ينل الطبيعة الروحية التي تتذوق حلاوة
الملكوت.
2- الإنسـان الروحـي:
"الذي يستطيع أن يسلك في الطريق الصالح ... هو ذلك الإنسان الذي جرت في
داخله مفاعيل الروح القدس ... فحصل على الطبيعة الروحية وصار شريكا
للطبيعة الإلهية." (2بط4:1).
واختبر في أعماقه اختبار التحول الجذري من الطبيعة الجسدية الفاسدة إلى
الطبيعة الروحية الصالحة.
وذاق نعمة الرب، فانحصرت كل آماله وأمياله، وعواطفه وحبه، وحياته وأبديته
في شخص المسيح، ولسان حالة يقول مع المرنم:-
سـباني بحبه سبياً عميق فما عدت عنه أطيق انفصال
عزيز علي وأغلى صديق يشاركني ظرفي في كل حال
ويقول مع بولس الرسول "لي الحياة هي المسيح". (فى21:1).
ويختبر ما اختبرته عروس النشيد حين قالت:
"اجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت. الغيرة
قاسية كالهاوية لهيبها لهيب نار لظى الرب، مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ
المحبة والسيول لا تغمرها، إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة
تحتقر احتقار"!. (نش6:8،7).
ثانياً: طريـق كـرب
أو هكذا يبدو أمام الجسدانيين إذ لا يجدون فيه مجالاً لشهواتهم وملذاتهم
وأطماعهم ومجونهم … لذلك قال عنه رب المجد "ما أضيق الباب وأكرب الطريق
الذي يؤدى للحياة وقليلون هم الذين يجدونه". (مت14:7).
فالكثيرون يجدون فيه طريقاً كربا فيفضلون عليه الطريق الواسع، أما القلة
الروحانية فتجد فيه عكس ذلك تماماً ... تراه طريقاً بهيجا ومسرا ... إذ
فيه مصدر سعادتهم ... وسر هنائهم شخص ربنا يسوع المسيح ... من أجل هذا
قال الرب "أسالوا ... أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة
لنفوسكم". (أر16:6).
فبالنسبة للروحانيين تتحول كربة هذا الطريق إلى راحة وضيقته إلى رحابة،
وأحزانه إلى بهجة وسعادة ... أنه طريق فطامة الجسد ... وانطلاق الروح.
ثالثاً: طريـق القيـم
القيم السامية سواء كانت روحية أم أخلاقية. وقد تجد بين الجسدانيين بعض
القيم الفاضلة ولكنها لا تتعدى منسوبا معينا من بعض القيم الأخلاقية،
متأرجحة ومتذبذبة كيفما يتفق … أما الطريق الروحي فهو :
طريق الكمال، فقد قـال المرنم "الله طريقه كامل … يصير طريقي كاملاً"
(مز30:18-32).
طريق الاستقامة، كما يقول أشعياء النبي "طريق الصديق استقامته".
(أش7:26).
طريق الحكمة، إذ يقول الرب "أريتك طريق الحكمة" (أم11:4).
طريق الحق، يقول المرنم "طريق الكذب أبعد عنى ... اخترت طريق الحق".
(مز30:119).
طريق النور، كما يقول سليمان الحكيم أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد
وينير إلى النهار الكامل". (أم18:4).
طريق الطهارة والنقاوة، إذ يقول المرنم "من يصعد إلى جبل الرب ومن يقوم
في موضع قدسه؟ الطاهر اليدين والنقى القلب". (مز3:24،4). هذه القيم
وغيرها الكثير قد تركزت في شخص ربنا يسوع المسيح لذلك قال "أنا هو
الطريق" (يو6:14) ومن يأخذ المسيح في حياته ويسمح له أن يسكن فيه بروحه
ليملأ كيانه يجد نفسه سائراً في هذا الطريق تلقائياً.
رابعاً: طريق المجد
إلى أين هذا الطريق؟
يبدأ هذا الطريق من مدينة الهلاك والخراب، ليعبر وادي الآلام، في برية
قاحلة وأرض يابسة ناشفة بلا ماء ليصل في الختام إلى المجد الأبدي … إلى
مدينة النور … إلى الميراث الذي لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل … إلى
المدينة التي لها الأساسات … إلى البهاء غير المنطوق به … إلى مجال الرب
وحضرته البهية … إلى شمس ساطعة بلا مغيب ... إلى محفل ملائكة … إلى كنيسة
أبكار … إلى الله ديان الجميع … إلى أرواح أبرار مكملين … إلى وسيط العهد
الجديد يسوع … (عب22:12-24).
ما أجمل أنشودة السائرين في هذا الطريق … عندما يرددون مع المرنم.. إني
دائما معك ... أمسكت بيدي اليمنى ... برأيك تهديني ... وبعد إلى مجد
تأخذني ... من لي في السماء؟ … ومعك لا أريد شيئاً في الأرض …
(مز13:73-25).
اسلكي إذن يا نفسي في الطريق الصالح لتتمتعي بالراحة … وليقود الرب
خطواتك إلى مواطن السلام.
|
|