الفصل الثامن ثمار التوبة
[ اصنعوا ثماراً تليق بالتوبة ]
(مت8:3)
1- السلوك المقدس.
2- الأعمال الصالحة.
3- ربح النفوس.
السلوك المقدس
إن من ثمار التوبة الواضحة في حياة الإنسان هو السلوك في حياة القداسة،
كما يقول معلمنا بولس الرسول " نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً
قديسين" (1بط15:1).
والسلوك بالقداسة يمكن توضيحه فيما يلي:-
( أ ) اقتفاء أثر المسيح:
يقول معلمنا بطرس الرسول " تاركا لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته"
(1بط21:2).
وأيوب الصديق يقول " بخطواته استمسكت رجلي" (أي11:23).
ومعلمنا داود النبي يقول " تمسكت خطواتي بآثارك" (مز5:17).
لذلك يقول معلمنا يوحنا الحبيب "من قال أنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك
ذاك هكذا يسلك هو أيضاً " (1يو6:2).
فضع يسوع أمام عينيك دائماً، وسر في نفس الطريق، وبنفس الأسلوب الذي سلك
به في هذا العالم، تجد نفسك سائرا في طريق القداسة.
(ب) السلوك بحسب الروح:
يتنازع المؤمن إنسانان. الإنسان الجسدي العتيق الفاسد. والإنسان الروحي
الجديد الطاهر.
وتظل الحرب بينهما حتى ينتصر أحدهما. كما قال معلمنا بولس الرسول " الجسد
يشتهى ضد الروح، والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر "… (غل17:5).
ولذلك يوصينا الرسول قائلاً: " إنما أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة
الجسد ". (غل16:5).
ويقول أيضاً " الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات إن
كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضا بحسب الروح" (غل24:5،25).
ويقارن الرسول بين السلوك بالجسد والسلوك حسب الروح فيقول: "إن الذين هم
حسب الجسد فبما للجسد يهتمون. ولكن الذين حسب الروح فبما للروح. لأن
اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام. لأن اهتمام الجسد
هو عداوة لله … فالذين هم في الجسد (أي سالكين تحت سيطرة الجسد) لا
يستطيعون أن يرضوا الله "(رو5:8-8).
ولذلك يقرر الحقيقة الآتية: " لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون. ولكن إن
كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون. لأن كل الذين ينقادون بروح الله
فأولئك هم أبناء الله ". (رو13:8،14).
وبناء على كل هذه الاعتبارات قال بولس الرسول قولته الخالدة: " إذن لا شئ
من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل
حسب الروح ". (رو1:8).
اسأل نفسك يا أخي هل أنت لا زلت تسلك بحسب شهوات جسدك، خاضعاً لطلباته،
مرضياً لأهوائه … أم انك تقمع جسدك وتستعبده وتضبطه، وتضع لمطالبه نهاية
… وتطلق الروح من سجنها لتسبح في الأجواء العليا … إن السلوك المقدس هو
سلوك تحت إرشاد الروح.
(جـ) الابتعاد عن مجال الخطية:
إن السلوك في أثر خطوات المسيح … والسلوك بحسب الروح يقتضي منا أن نبتعد
عن مجالات الخطية التي تثير شهوة الجسد، وتشبع رغباته …
فإن أردت أن تسلك بالقداسة اعتزل عن الأصدقاء القدامى " اخرجوا من وسطهم
واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجساً فأقبلكم ". (2كو17:6).
ابتعد عن أماكن اللهو والخطيئة ... وبالجملة أخرج من أرض الخطية بكل
صورها وأشكالها المعثرة واسمع وصية الله للوط إذ قال له " اهرب لحياتك لا
تنظر إلى ورائك. ولا تقف في كل الدائرة اهرب إلى الجبل لئلا تهلك ".
(تك17:19).
(د) تجنب مؤثرات الخطية:
مثل قراءة الكتب الجنسية التي تثير الشهوة والقصص الغرامية والمجلات
الخليعة ومشاهدة الأفلام المثيرة … ورؤية الصور القبيحة. إذ يقول الرسول
" فليتجنب الإثم كل من يسمي اسم المسيح " (2تى19:2).
(هـ) تجنب ما يعثر الآخرين:
لاحظ سلوكك وتصرفاتك.. هل في نظراتك ما يعثر الآخرين.. وهل ملابسك (خاصة
للسيدات) تعثر الآخرين …هل في كلامك وتلميحاتك وأسلوبك ما يسبب عثرة، لقد
قال الرب يسوع " ويل للعالم من العثرات. فلابد أن تأتي العثرات ولكن ويل
لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة ". (مت17:57).
والرب يقول في القديم "ارفعوا المعثرة من طريق شعبي" (أش14:57).
(و) حياة التدقيق:
يقول معلمنا بولس الرسول " انظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل
كحكماء. مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة ". (أف15:5).
كن مدققا في كلامك … " فلا تخرج كلمة رديئة من أفواهكم بل كل ما كان
صالحاً للبنيان حسب الحاجة كي يعطى نعمة للسامعين" (أف29:4).
وكما يقول أيضاً الرسول " ولا القباحة ولا كلام السفاهة والهزل التي لا
تليق ". (أف4:5).
كن مدققاً في تصرفاتك كقدوة للمؤمنين كما يوصى الرسول تلميذه قائلاً: "
كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف …" (1تى12:4).
كن مدققاً أيضاً في محاسبة نفسك، لهذا يقول الرسول " جربوا أنفسكم هل
أنتم في الإيمان امتحنوا أنفسكم " (كو5:13).
(ز) حياة الطهارة:
يقول الرسول " احفظ نفسك طاهراً " (1تى22:5).
يقول سليمان الحكيم في الأمثال " من أحب طهارة القلب فلنعمة شفتيه يكون
الملك (المسيح) صديقه " (أم11:22).
لذلك يقول الرب على لسان أشعياء النبي " تطهروا يا حاملي آنية الرب"
(أش11:52).
فكل من يريد أن يعيش في القداسة فليراع حياة الطهارة.
طهارة العينين، وطهارة القلب، وطهارة الفكر، وطهارة الحواس.
طالب الرب بهذه الطهارة مع داود النبي قائلاً "اغسلنى كثيراً من إثمي ومن
خطيتى طهرني … طهرني بالزوفا فاطهر … قلباً نقياً أخلق في يا الله وروحاً
مستقيماً جدده في داخلي" (مز2:21،7،10).
(ح) مخافة الرب:
يقول الوحي بلسان معلمنا بولس الرسول "مكملين القداسة في خوف الله"
(2كو1:7).
فلكي نسلك بالقداسة ينبغي أن نضع مخافة الرب أمام عيوننا فنتقيه ونحفظ
وصاياه. معلمنا سليمان الحكيم يقول "فلنسمع ختام الأمر كله. اتق الله
واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله" (جا13:12).
اسمع ما يقوله الوحي عن الإنسان الخائف الرب "من هو الإنسان الخائف الرب.
يعلمه طريقاً يختاره. نفسه في الخير تبيت … سر الرب لخائفيه وعهده
لتعليمهم" (مز13:25،14).
فكل من يسلك في مخافة الرب يعلمه طريق القداسة ويرشده إلى الخير ويعطيه
سره ويعلمه بنفسه.
وكما قرر سليمان الحكيم قائلاً: "بدء الحكمة مخافة الرب"(أم10:9). فإن
أردنا أن نتحكم في طريق القداسة علينا أن نضع في قلوبنا مخافة الرب.
فنبتعد عن كل ما لا يرضيه …
فلا تكن مقاييس حياتنا الخوف من الناس بل نخاف الرب.
* قال أحدهم "مخافة الله بداية الحكمة ومخافة الناس هي نهاية الجريمة".
(ظ) المجالات الروحية:
من أهم مقومات الحياة الروحية اندماج التائب في مجالات النعمة. ليعيش في
بيئة جديدة مقدسة ويستنشق هواء نقياً خالياً من ميكروبات الخطية …
لذلك يقول معلمنا بولس الرسول "غير تاركين اجتماعاتنا كما لقوم عادة بل
واعظين بعضنا بعضاً" (عب25:10).
ومن أجل ذلك أيضاً يوصى الرسول تلميذه تيموثاوس بالاندماج مع المؤمنين
للهروب من الخطية فيقول له " أما الشهوات الشبابية فأهرب منها واتبع البر
والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي" (2تى22:3).
وقد جعل معلمنا يوحنا الرسول ارتباط الإنسان بالمؤمنين علامة واضحة
لانتقاله من الخطية إلى النعمة فيقول " نحن نعلم أننا قد إنتقلنا من
الموت إلى الحياة لأننا نحب الاخوة " (1يو14:3).
(ى) وسائط النعمة:
لكي يسلك المؤمن في حياة القداسة ينبغي أن يكون مواظباً على وسائط النعمة
وهي القنوات التي تسرى خلالها مياه النعمة لتصل إلى قلوبنا.
من هذه الوسائط:
* الصلاة: فالرسول يقول "صلوا بلا انقطاع" (1تس17:5).
والرب يسوع أوصى أن "يصلى كل حين" (لو 1:18).
وهو نفسه كان يقضى الليل كله في الصلاة. (لو12:6).
فالصلاة للمؤمن كالهواء والماء ، إذ تعطيه الحياة وتربطه بحبيب القلب.
وتدخله إلى مجال الآب.
* كلمة الله: واسطة قوية من وسائط النمو الروحي، إذ بها نأخذ فكر المسيح.
وبها نصير أكثر حكمة من أعدائنا كما يقول داود النبي " وصيتك جعلتني احكم
من أعدائي لأنها إلى الدهر هي لي، أكثر من كل معلمي تعقلت لأن شهاداتك هي
لهجي. أكثر من الشيوخ فطنت لأني حفظت وصاياك " (مز98:119-100).
لذلك يوصى الرب يسوع بخصوصها فيقول: " لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك.
بل تلهج فيه نهاراً وليلاً لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه. لأنك
حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح " (يش8:1).
من اختبر قوة الكلمة ولذتها في حياته يقول مع أرميا النبي " وجد كلامك
فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي " (أر16:15). فهي غذاء للروح بها
يحيا وينمو.
ولأهمية كلمة الله للإنسان التائب يوصى موسى النبي قائلاً: "ضعوا كلماتي
هذه على قلوبكم ونفوسكم. واربطوها علامة على أيديكم ولتكن عصائب بين
عيونكم. وعلموها أولادكم متكلمين بها حين تجلسون في بيوتكم وحين تمشون في
الطريق وحين تنامون وحين تقومون. واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى
أبوابك …" (تث18:11-20).
الصوم: هو قمع الجسد لتنطلق الروح. أماتة لرغبات الجسد، واستعباد الجسد
لمشيئة الروح. لذلك صام موسى وإيليا والأنبياء ويسوع نفسه والرسل في
حياتهم.
ومعلمنا داود النبي يقول "أذللت بالصوم نفسي" (مز13:35).
والرب يأمر شعبه بالصوم فيقول "قدسوا صوماً نادوا باعتكاف" (يو14:1).
ويوضح معلمنا بولس الرسول أهمية التفرغ للصوم فيقول "لكي تتفرغوا للصوم"
(1كو5:7).
التناول: واسطة ثبات في الرب إذ يقول السيد المسيح "من يأكل جسدي ويشرب
دمى يثبت في وأنا فيه" (يو56:6).
(ك) القيادة الروحية:
من أهم العوامل التي تحفظ الإنسان في حياة القداسة هي الارتباط بقيادة
روحية مختبرة، ووضع نفسه تحت إرشاد روحي لأب حكيم ممتلئ من روح الله.
ويوضح ذلك معلمنا بولس الرسول في قوله "أطيعوا مرشديكم واخضعوا لأنهم
يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حساباً" (عب17:13).
|